بسم الله الرحمن الرحيم

"كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير"

ثانيا- ما هي الحكمة من الناسخ والمنسوخ؟
ثالثا- على ماذا يدخل الناسخ والمنسوخ؟
....

ما هي الحكمة من الناسخ والمنسوخ ؟ ما مدى أهمية هذا الشق العريض الذي أثيرت حوله الشكوك وتفنن من خلاله المتربصين ، فأتخذوه مدخلا سهلا شككوا به في نزاهة القدير وأطلقوا العنان لأفواهم لا قلوبهم أو عقولهم فقالوا ما قالوا وإنا لهم لميجيون بإذن الله !؟

الإسلام دين تعايش ، دين يخاطب العقل والمنطق ولا يحيد عنهم فأينما طلبتهم وجدتهم فيه ، لا بالقوة ولا بالعنوة وإنما بالحجج الدامغة والأدلة والبراهين القوية ، تعالوا نضرب هذا المثل قبل أن نتكلم في الموضوع :

لو أن الله إجتباني ومَنّ علي بولد ، فمن المسلم به أن هذا الولد تختلف قدارتة الفكرية من مرحلة عمرية لأخرى ، أنا أعلم وانتم تعملون أن صالحة على كل حال هي المتطلبات التي سيبلغ فيها من العمر ثلاثين أليس كذلك ؟ هل يصح أن أن يخرج علي خارج ويجادلني أنه لماذا ما فرضت عليه مباشرة حال ولادته تلك الأماني التي لما بلغ الثلاثنين على أنه هو الأولى له وما الى ذلك من أمور !؟

كالذي يتقدم للأمتحان دون أن يعد له فيقول أليس من لأولى أن أحصل على الدرجات دون أن يبذل جهد في البحث والمذاكرة؟

لما أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق لم يرسله برسالة تقدر من منظور عقل كل من يتخرص على أموره وإنما أمور لا تنفك أن تترك ثانية من حياة المرء منا حتى تكون له فيها عونا وسندا ومرشدا ودليلا ...

المهم !
يقول يحيى بن أكثم التميمي، رحمه الله، ـ: (ليس من العلوم كلها علم هو أوجب على العلماء وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضا والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهي إليه، فالواجب على كل عالم، علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرا لم يوجبه الله، أو يضع عنهم فرضا أوجبه الله)

فهو علم لا يصح ولا يعقل أن يخوض فيه غير متعلم ويفسر ويلقح فيه بحسب مزاجه الشخصي تاركا العنان لظنه وتقديره الشخصي دون أن يقف على حقيقتة وفائدته وأهميته ...

يقول تعالى في سورة البقرة " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" ( 106 )

ولم يقف لم يقف على قوله ما ننسخ من أية أو ننسها التي تتشبثون بها وإنما قال بعدها :

"ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير" ( 107 )

فإن كنتم تنفون القدرة عن معبودكم فهذا ظنكم أنتم أحرار ، إن كنتم ترفعون الحاجز الذي يحول بينكم وبينه فهو لكم ولكنه لا ينطبق علينا المثل فنحن نوقر الله ونبجله ونجله ونحفظ له منزلته ومكانته بحكم عظمته ولما كان فهو كلي القدرة وطالما أنه كذلك فله أن يفعل ما يشاء وقتما شاء كيفما شاء لأنه يقصد صالحي وصالح الناس أجميعين كما سوف نرى ..

يقول الأمام الطبري في تفسيرة ملتفا حول الاية السابقة
معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ، لا يستغني عن معرفته العلماء ، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء ، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام ، ومعرفة الحلال من الحرام .
روى أبو البختري قال : دخل علي رضي الله عنه المسجد فإذا رجل يخوف الناس ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : رجل يذكر الناس ، فقال : ليس برجل يذكر الناس ! لكنه يقول أنا فلان ابن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ ! فقال : : لا ، قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه . وفي رواية أخرى : أعلمت الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت !
وقال رحمه الله
اعلم أن الناسخ على الحقيقة هو الله تعالى ، ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا ، إذ به يقع النسخ ، كما قد يتجوز فيسمى المحكوم فيه ناسخا ، فيقال : صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء ، فالمنسوخ هو المزال ، والمنسوخ عنه هو المتعبد بالعبادة المزالة ، وهو المكلف .

وسأذكر هذه الكلمة من كلامه رحمه الله تعجيزا حتي يعلم كل من يخوض فيه أنه علم لا يصح أن تتكلم فيه بغير علم لا أذكر كلاما مجردا وأنما أنقل فائدة :
التخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به ; لأن المخصص لم يتناوله العموم قط ، ولو ثبت تناول العموم لشيء ما ثم أخرج ذلك الشيء عن العموم لكان نسخا لا تخصيصا ، والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخا توسعا ومجازا .

والسؤال الكبير والمعضلة التي يرانا أعزاءنا النصارى فيها ، السؤال الذي لو أجبت بنعم فقد كفرت ولو أجبت بلا فقد كفرت ايضا

فهم يسفهون السؤال ويفرعونه فروعا توجل القلب وتخيفة صراحة كمثل ، هل الله غير حكيم هل الله غير قدير هل الله لا يعلم وما الى ذلك كما تعلمون ؟ فلو أجبتهم بنعم وهو حق الله قدير وحكيم ويعلم كل شئ قالوا لك وكيف ينسخ كلامه ويبدله ألم يكن يعلم مصلحتهم في الأولى كي يقرها مرة وحدة ؟ إنها خيالات وأقسم خيالات لصاحبها فقط لا تنفك أن تعرض لنا حاله وتصوره لنا !

تعالوا نشرح ونعرض بحثنا على مثل لأنه وللحق لا يصح ان نخوض فيه بغير أن نضرب عليه الأمثال كي نقربه ولو بغلت أمثلتنا كل ما نسخ من القرأن الكريم.

وسنقسم هنا النسخ بحسب حاله وسنعرض في الأخير بعد أن ننقضي منه فائدة غابت عن عيون أصاحبنا

قال تعالي "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ "﴿٤٣﴾سورة النساء
.

قولي عزيزي النصراني فيمن نزلت هذه الأية وفي اي وقت من عمر البعثة !؟
أنت لا تنظر الى هذه الأمور لأنك لست باحث ما يهمك في الأمر كله هو نظرتك للتعارض الواقع بين الأية وغيرها كما ترى أنت ولا غيرك ، هذا لكي تثبت على إيمانك وأنك على حق بالتشهير والتنكيل بهذا الجبل الأشم ولا تدري يا مسكين بأنك دخلت معترك كل من فيه أسود !

نزلت هذه الأية في أهل قريش ولم يكن للأسلام وقتها عمر ، نزلت في أناس كان الخمر حياتهم حتى أنهم كانوا يدفنون الثمر لسنوات حتى يعقد عليه وتشتد خمرته وتأثيره ، نزلت هذه الأية في صدر الإسلام في أناس من الصحابة كانوا يشربون الخمر كما ورثوا ذلك عن أبائهم وكما أمرت به عادتهم ، لم يكن قبل الإسلام لهم عليها قيد!

هذه الأية من الأيات المنسوخة بإذن الله وقد نسخت على ثلاث مراحل ولكننا لم ننفصل من الأولى ، تعالوا بعد نقف على الحكمة منها وحدها !؟

يقول تعالى في الأية لمدمني الخمر وشاربيه من الصحابة الذين لم يكن له في الإسلام عمر " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " !
الصلاة على المسلم خمس مرات في اليوم يفصل بين كل صلاة وأخرى على أقل تقدير ثلاث ساعتين أو ثلاث وما دونهم ، فهل من الحكمة أن ينزل المنع عنها على هذا النحو وخاصة أن الناس لم يكونوا وقتها قد تشربوا الإيمان وكانوا في مرحلة التربية أم ينزل الأمر مباشرة لا تشربوا الخمر ..
انها تربية لها أصول ، فهؤلاء الذين نزلت فيهم الاية كان يعدهم أشرف الخلق رجالات ستنشر الإسلام في ربوع الأرض بعد ، تربية لها أصول وأسس لا تحيد عن قدرة المرء منهم ولا تنفره أو تغضبه ولكنه تخاطبه وتعلمه ...

ماذا لو كان نزل الأمر مباشرة بتحريم الخمر ؟ ماذا لو كان مباشرة قال الله لا تقربوا الخمر ولا تشربوها من اول مرة وخاصة في أمرؤ لا علاقة له بالإسلام إلا ايام ربما او ساعات أو حتى لم يفكر في الاسلام بعد ولم يدخله؟

أجيبني عزيزي النصراني أريد تقديرك الشخصي لأمر كهذا ؟
نسخت هذه الاية في المرة الثانية بقوله تعالي "( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا...)﴿٢١٩﴾سورة البقرة
ثم الثالثة بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ﴿٩٠﴾سورة المائدة
1
2
3
قلت في بداية مداخلتي أن الإسلام دين تعايش لا يحيد عن العقل ولا يحابي غيره، سهل منطقي سلس لا يرفضه الا مكابر ولا يناطح فيه الا معاند ، هذه حقيقة صدقوني ...
ماذا وقفنا عليه من هذا المثال البسبط ؟ أنا أقول لكم ؟
وضع الإسلام منهج تدريجي سهل بسيط يتناسب مع المرء على مختلف المراحل التي يمر بها ، واضعا في عين الإعتبار علمه وتربيته ومدى إداركة وقوته كذلك !

هذه والله هي الفطرة هذه هي الحقيقة ، فالطفل لا يستطيع أن يتحمل تبعيات شيخ ولا يعقل أن يكلف بعمله !

أنه تفضيل من الله وتكريم لهذا الأنسان ، فإنه لا يكلفه فوق مستطاعه ولا يحمله فوق طاقته وإنما يوافق خلقته وخاصة في تلك الأمور التي أعتاد عليها .
الأمر بالنسخ أمر مألوف لا تشوبه شائبه فهو يحدث في حياة المرء منا على مدار اليوم فكم من واحد بني بناء لحاجة وقته ثم هدمه بعد أن أخذ منه الفائدة وبنى أخر يناسب الوقت الذي فيه بحسب مقتضى الحال .

أنها تربية ومنهج وليس في الأمر عفوية أو عشوائية ليس كذلك إطلاقا
أنظروا وارجعوا للتاريخ وأنظروا كيف وقفت بالرجال أمم وكيف وقعت بسبب ضعف حالهم أمم ، فوقفت لما صلح حال أهلها ووقعت لما خوى بهم الحال " سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا " ﴿٦٢﴾سورة الأحزاب.

إذا فللنسخ حكمة تخاطب فطرة الأنسان وضعفه وعدم تحمله الحال بحسب خبراته وتجاربه وتلقيه وتعلمه ، ليس الأمر فيه طعن كما يقول أصحابنا ولا لهم فيه مدخل سوى جهلهم به في حال عملهم به كما سأبين في مداخلتي التالية .

فالحليب لا يبدأ في فم الرضيع كثيفا وانما يتدرج قوة وكثافة غذائية مع أختلاف بناء جسم الطفل .

يقول السيوطي رحمه الله تعالى :( لا يقع النسخ إلا في الأمر و النهي و لو بلفظ الخبر أما اللفظ الذي ليس بمعنى الخبر فلا يدخله النسخ و منه الوعد و الوعيد و إذا عرفت ذلك عرفت فساد صنع من أدخل في كتب النسخ كثيرا من آيات الأخبار و الوعد و الوعيد)

فالنسخ لا يدخل على الخبر ولا يدخل على المعتقد وإنما يدخل على الحكم فيجلعه درجات كي يتوافق كما أسلفنا مع الأنسان و طبيعته وقدرته ، وليأتينا أعزاءنا النصاري بخبر تم نسخه أو معتقد ، لا يوجد لأنه لا حكمة في نسخة و لو كان لكنت فيها ضعيف الحال هين البينة .

فإن اثبات النسخ يكشف لنا النقاب عن خطة الإسلام التى أقرها الله تعالى وسياسته في تربية البشر بتجديد الأحكام بحسب الحاجة كما قدمنا وهذا حتما خير دليل على أن هذا الكلام يعلو فوق منزلة البشر فلا يمكن بحال من الأحوال أن تكون هذه خواطر بشر .

وبعد أن سقت ما رايتم دعوني أسأل شخص متابعيني من النصارى
من هو الذي شرع النسخ في القرأن ؟
على ماذا يدخل النسخ ؟
ما الحكمة التي ترونها في عدم وجود النسخ ؟

يتبع بحول الله وقوته والمداخلة الأخيرة مداخلة المواجهة والحساب ، لن أسترسل فيها كثيرا ولكني سأواجه المعترضين من النصارى خصوصا ...