شبهات حاقدة حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
الشبهة المائة و العشرون (120):
- عندما أراد على بن أبى طالب أن يتزوج بأخرى على فاطمة بنت نبيكم, غضب نبيكم غضباً شديداً, ولم يأذن له, فحرَّم على غيره ما أحله لنفسه, وخالف بذلك القرآن فى إباحة التعدد.

الرد:
- إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب غضباً شديداً كما قلتم, ولم يحرم على غيره ما أحله لنفسه, ولم يخالف القرآن, ولكن على بن أبى طالب - رضي الله عنه - أراد أن يتزوج بنت أبى جهل, فأبى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تجتمع بنت حبيب الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد, فقال: ((إن فاطمة بِضعَة منى, وأنا أتخوَّف أن تُفتَن فى دينها, وإنى لستُ أحرِّم حلالاً, ولا أحل حراماً, ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد أبداً)) [صحيح الجامع:2115] كما أنه لفرط حبه لها, خاف عليها من شدة الحزن, وقال: ((فإنما هى بضعة منى, يريبنى ما أرابها, ويؤذينى ما آذاها)) [صحيح البخارى] وهذا الأمر ليس خاصّاً بالنبى - صلى الله عليه وسلم - فمن حق أى ولىّ أن يشترط على من يتقدم لخطبة ابنته - أو من تحت ولايته - ألا يتزوج عليها, ومن حقها هى أيضاً أن تشترط هذا الشرط, فإن قَبِلَه الخاطب فليس له الرجوع فيه, وإن رجع فيه فلها الحق فى طلب الطلاق, لعدم وفائه بشرطه, أما لو لم تشترط هى أو وليها, فله الحق أن يتزوج عليها, وليس لها الحق فى هذه الحالة أن تطلب الطلاق, والله أعلم.



الشبهة المائة و الواحد و العشرون (121):
- إن نبيكم لم يُبعَث إلا للعرب, بدليل قول القرآن: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} [يوسف:2] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ} [الجمعة:2] {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} [السجدة:3] {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] فهل من عدل الإله أن يطلب من أهل الكتاب أن يؤمنوا بنبى لم يُرسَل إليهم؟

الرد:
- غالباً ما يختار الخصم ما يخدمه - فى ظاهر الأمر - من الأدلة, ويُخفى ما عداها, وإلا- فأخبرونى ماذا تعنى هذه الآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]؟ إن من أدلة عالمية رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:158] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ:28] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام:19] {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى:7] وقد مر بنا أن {أُمَّ الْقُرَى} هى مكة {وَمَنْ حَوْلَهَا} جميع اليابسة (فى الرد على الشبهة رقم 46) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُعطِيتُ خمساً لم يُعطهنَّ أحد من الأنبياء قبلى: نُصِرْتُ بالرعبِ مسيرة شهر, وجُعِلَت لىَ الأرض مسجداً وطهوراً, فأيّما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصلِّ, وأُحِلَّت لىَ الغنائم ولم تَحِل لأحد قبلى, وأُعطيتُ الشفاعة, وكان النبى يُبعَثُ إلى قومِهِ خاصة, وبُعِثتُ إلى الناس عامَّة)) [صحيح الجامع:1056]‌ وقال: ((والذى نفس محمد بيدِهِ, لا يسمعُ بى أحد من هذه الأمة, لا يهودى, ولا نصرانى, ثم يموت ولم يؤمن بالذى أُرسِلْتُ بِهِ, إلا كان من أصحابِ النار)) [صحيح الجامع:7063]
إن التوراة أنزلت باللغة العبرية, والإنجيل باللغة الآرامية, وقد دخل فى اليهودية والنصرانية أناس تختلف لغاتهم عن لغة هذين الكتابين, فليس صحيحاً أنه طالما أنزل القرآن باللغة العربية ألا يؤمن به إلا العرب. أما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ بلسان قومه, فإن هذا بديهى, ليستطيع التحدث معهم, فيفهم عنهم, ويفهمون عنه, وتكون مهمة أتْباعه بعد ذلك أن يترجموا معانيه إلى اللغات الأخرى, أما لو أرسل فى بادئ الأمر إلى من تختلف لغتهم عن لغته, فكيف كان يبلغ رسالة ربه؟ وكيف كانوا يفهمونه؟ أما كونه قد أُمِرَ أن ينذر قومه وعشيرته الأقربين, فلأنهم أوْلى بذلك, كما أنك لو ملكتَ خيراً ينتفع به الناس, فإنك تبدأ بأهلك أولاً, فلا تتعداهم إلى غيرهم وتتركهم, لأنهم أوْلى الناس بك.
وكيف لا يكون عدلاً أن يأمر الله أهل الكتاب أن يؤمنوا به وقد أخذ الميثاق على جميع الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أن يؤمنوا به إذا ظهر فى زمانهم, فكيف بأتْباعهم؟ {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:81] أيؤمن به الأنبياء ويكفر به الأتباع؟ وقد كانت صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكتوبة عندهم فى التوراة والإنجيل {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} [الأنعام:20] ولكنهم حرفوها, حتى لا تكون حجة عليهم, ورغم ذلك التحريف, فقد بقى فى الكتاب المقدس بعض ما بشر بنبوته - صلى الله عليه وسلم - مثل ما ورد فى الرد على الشبهة رقم (169) ومثل:
وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك. فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحَق. وأقيم عهدى معه عهداً أبدياً لنسله من بعده. وأما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه. ها أنا أباركه وأُثَمِّره وأُكثِّره كثيراً جداً. اثنى عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة (تكوين17: 18-20) وجاء فيه أيضاً: وابن الجارية أيضاً سأجعله أمَّة لأنه نسلك (تكوين21: 13) وجاء فيه أيضاً: فسمع الله صوت الغلام. ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالِك يا هاجر. لا تخافى لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. قومى احملى الغلام وشدِّى يدك به. لأنى سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء. فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. (تكوين21: 17-19) فمن تكون هذه الأمة العظيمة إن لم تكن أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ وما هى هذه البئر إن لم تكن بئر زمزم؟
إن الإسلام هو الدين الخاتم الذى ارتضاه الله للناس إلى يوم القيامة, فإن الكتب التى سبقته قد حُرِّفت, ولم يصبح للكتب الأصلية أى أثر, فأنزل الله القرآن وتكفَّل بحفظه, وجعله أكمل كتاب, وجعل فيه من الشرائع ما يصلح للبشرية إلى نهايتها, فلا يوجد قبله كتاب تحدى الله البشر أن يأتوا بمثله كما تحداهم بهذا الكتاب العظيم, وقد جعله الله مصدقاً لما فيها ومهيمناً عليه {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48] {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] ثم إذا تدبرنا لفظة {عَرَبِيّاً} فسنجد أن من معانيها فى لغة العرب: أنه يُعْرِب, ويُعبِّر, وفى حالة إفصاح وتبيان وجَلاء, وكما نقول: إن فلاناً يُعْرِبُ عمّا فى نفسه, فيدلنا على مقصوده ومراميه, فلا يخفى علينا قوله.
ونقول لمثيرى هذه الشبهة: ارجعوا إلى كتابكم المقدس لتعلموا أن المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - لم يُرسَل إلا لبنى إسرائيل, فلماذا آمن به غيرهم؟ ولماذا تقومون بالحملات التنصيرية لتدخلوا من استطعتم فى دينكم, ولو لم يكن من بنى إسرائيل؟
فأجاب وقال لم أُرسَل إلا إلى خِراف بنى إسرائيل الضالَّة (متى15: 24)
هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً. إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحرِىّ إلى خِراف بيت اسرائيل الضالَّة. (متى10: 5-6), والله أعلم.



الشبهة المائة اثنان و عشرون (122):
- يقول نبيكم: ((أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة, فإن صلحت صلح له سائر عمله, وإن فسدت فسد سائر عمله)) [صحيح الجامع:2573]‌ ويقول: ((إن أول ما يُحكَم بين العباد فى الدماء)) [صحيح الجامع:2021]‌ فنحن لا ندرى أتكون المحاسبة أولاً على الصلاة, أم على الدماء؟

الرد:
- - ((أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة)) إن هذا فى حق الله جل وعلا, أما الحديث الآخر المتعلق بالدماء فهو فى حق العباد, ويجمع بين الحديثين حديث واحد يوضح هذا المعنى, وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أول ما يُحاسب به العبد الصلاة, وأول ما يُقضى بين الناس فى الدماء)) ‌[سنن النسائى, صحيح الجامع:2572]‌, والله أعلم.







ان شاء الله