الاستفسار رقم: (11):
هناك أحاديث صحيحة سندا وغير صحيحة متنا, فلماذا لا يكون هناك أحاديث حكم العلماء على صحتها, ولكن متنها غير صحيح في الواقع ما دام أن الحكم بالسند غير كاف؟ ولماذا لا يكون هناك أحاديث فيها خطأ فعليٌّ, ولكن العلماء حكموا بعدم صحتها بسبب متنها لتنزيه الدين عن التضارب؟
الجواب يكون كالآتي:
1. يقول النبي e: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ», رواه مسلم. وبعض أسئلتك بها تنطع, فانتبه واحذر.
2. الحديث له سند ومتن, وبعض الأحاديث ترد سندًا, وبعضها ترد متنًا, وبعضها ترد سندًا ومتنًا. والأحاديث التي ترد متنا يقال عنها: أحاديث ترد درايةً. ومثاله:
· رد السند: «إِذَا سَمَّيْتُمْ فَعَبِّدُوا», رواه الطبراني، وفيه أبو أمية إسماعيل بن يعلى, وهو ضعيف جدا.
· رد المتن: روي عن أمِّنا عائشة أنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e أَصَابَهُ شَيْءٌ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ...», رواه البخاري. وهو معارض للعصمتين: عصمته من الناس, وعصمته في التبليغ.
· رد السند والمتن: «وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ_ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _(فِيمَا بَلَغَنَا) حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ, فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ_ عَلَيْهِ السَّلَام _فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ, إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا, فَيُسْكِنُ ذَلِكَ جَأْشَهُ, وَتَقَرُّ نَفْسُهُ», هذا نصٌّ ورد في آخر حديث متفق عليه. وهو لا يصحُّ؛ لا سندًا ولا متنًا:
فأمَّا من حيث السند:
- هذه الجزئية ليست من حديث البخاري ذي الاتصال برسول الله, بل هي من قول الزهري, ودليل ذلك قول الزهري نفسه: (فيما بلغنا). وهذا ما قرَّره الحافظ ابن حجر.
- قول الزهري استنادًا على (فيما بلغنا) لا يصحُّ من حيث كونه مجهولَ الرواي, بل جهالته مطلقة. يقول يحيى بن سعيد القطان: "مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمى سمى! وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه". وهذه الزيادة من هذه القبيل، حيث أنها منقطعة قد رواها الزهري بلاغاً، وهو من صغار التابعين.
- وإخراج البخاري لهذه اللفظة لا يلزم منه أنه ُيحكم بصحتها؛ لأنه إذا أخرج الحديث، وأظهر علته_ كما حصل هنا _فإنه يكون قد أبرز ما يدل على عدم صحته، كما نبَّه على ذلك أهل العلم، في مواطن متعددة من صحيح البخاري. وبذلك يزول الإشكال بأن القصة لا تصح أصلاً من حيث سندها.
وأمَّا من حيث المتن: فلا يجوز ذلك في حقِّ أيِّ نبيٍّ, فهي تردُّ درايةً من هذا الوجه, على ما قرَّره علماء الحديث.
3. ليس معنى قوة الدليل صحة الحديث فقط، بل قوة الدليل هو من حيث الدراية والرواية والفهم والاعتبار.
4. يُقبل خبر الآحاد إذا استكمل شروطه رواية ودراية:
ü أمّا شرط قبوله رواية؛ فهي أن يكون راوي الحديث مسلماً بالغاً عاقلاً عدلاً صادقاً، ضابطاً لما يسمعه، ذاكراً له من وقت حمله إلى وقت أدائه. وقد بين علماء الأصول وعلماء مصطلَح الحديث شروط الرواية بالتفصيل، وبين تاريخ رجال الحديث ورواتهم، كل راوٍ ما يتحقق فيه من هذه الصفات مفصَّلاً.
ü وأمّا شروط قبول خبر الآحاد دراية؛ فهي أن لا يعارِض ما هو أقوى منه من آية أو حديث متواتر أو مشهور, وأن لا يتضارب مع حقيقة ما.
وهناك شرطان أساسيان لقبول الحديث, ويرجعان للسند والمتن معا, وهما:
1) سلامته من الشذوذ, والشذوذ قسمان: شذوذ في السند، وشذوذ في المتن، وأكثر ما يكون الشذوذ في المتن.
2) سلامته من العلة القادحة, والعلة قسمان: علة في السند، وعلة في المتن.
5. بين العلماء في بحث الشاذ والمنكر والمعل والمضطرب والمدرج والمقلوب وقوعَ الشذوذ والنكارة والعلة والاضطراب والإدراج والقلب والغرابة في السند والمتن، ومتى تكون هذه الصفات قادحة في صحة الحديث وثبوته، ومتى تكون موجبة لرده.
6. سؤالك: فلماذا لا يكون هناك أحاديث حكم العلماء على صحتها, ولكن متنها غير صحيح في الواقع ما دام أن الحكم بالسند غير كاف؟
الجواب:
إن كان الحكم عليها بالصحة من جهة السند, فلا مانع بوجود الدليل أن يكون متنها غير صحيح, وإلا فلا.
7. سؤالك: ولماذا لا يكون هناك أحاديث فيها خطأ فعليٌّ, ولكن العلماء حكموا بعدم صحتها بسبب متنها لتنزيه الدين عن التضارب؟
الجواب:
إن المسألة ليست كذلك؛ لأنَّ الأمر مبني على أسس وقواعد لدى علم الحديث؛ فدحض حديث ما بسبب متنه وفق أسس منهجية هو الحق, وليس ثمَّة خلل حقيقي, بل الخلل الحقيقي منوط بالمتن وحده, وهو زائغ عن الحقِّ والصواب بحقيقة الأمر.




رد مع اقتباس
المفضلات