[frame="1 10"]
وفي أوائل عام 536هـ قامت سرية موحدية على رأسها عبدالرحمن بن زكو بمهاجمة مدينة صفروي واقتحمتها، وتابع ابن زكو زحفه الى الشمال الشرقي نحو الفلاج الواقعة شمال شرقي صفروي. وفي هذا الاثناء غادر تاشفين بن علي مدينة فاس الى جبل العرض فعسكر به، ثم بعث الروبرتير في قوة الى الفلاج لاستنقاذها، فخرج اليه الموحدون بقيادة يحيى آغوال، فنشبت بينهما معركة عنيفة هزم فيها الموحدون وقتل قائدهم يحيى، واحتز رأسه وأرسل إلى فاس ثم تقدم الموحدون نحو أرض غياثة الواقعة شرقي فاس، وضربوا محلتهم على سفح جبل عفرا، بينما عسكر المرابطون في موضع يسمى النواظر يقع على مقربة من جبل عفرا. ولم يمض وقت قصير حتى حل فصل الشتاء وكان شتاءاً قاسياً تعرضت فيه المنطقة خلال أسابيع لعواصف عاتية وسيول مدمرة اكتسحت السهول والقرى والوديان وقاسى بسببها العسكران أيما عناء وشدة، إلا أن وقعها على المرابطين كان أشد وأنكى، حيث تساقطت الخيام، وعامت أوتادها لرخاوة الارض، وغرقت الدور وهلك عدد كبير من عسكر المرابطين بسبب البرد القارس وقلة الأقوات والوقود في كل من المعسكرين وبلغ سعر الشعير في معسكر الموحدين وفقا لقول البيذق ثلاثة دنانير للسطل، وبلغ الحطب عند تاشفين ديناراً للرطل. ومع حلول فصل الربيع استأنف الموحدون زحفهم فكان أول موضع قصده عبدالمؤمن هو قلعة الولجة من حصون المنطقة المعروفة باسم لكاي وتقع الى الشمال الشرقي من فاس. وفي نفس الوقت تقدم تاشفين بن علي ومعه الروبرتير في أثر الموحدين، فاضطر الموحدون الى ترك أرض لكاي الى أرض بني غمارة من بطون صنهاجة، وكانوا قد أظهروا ولاءهم للموحدين ودخلوا في طاعتهم. وعندئذ سار تاشفين والروبرتير إلى أرض بني تاودا ونزلوا بها، وأصبح العسكران كفرسي رهان، كلما تقدم الموحدون سار وراءهم المرابطون، ثم خرج الروبرتير واشتبك مع الموحدين في معركة عنيفة في موضع يقال له "تازغدرا" أسفرت عن قتل عدد من القوتين، ارتد الروبرتير على أثرها الى بني تاودا بينما سار الموحدون الى "تاغزوت" ومنها الى بني مزكلدة، ثم الى ايلانة ثم إلى ايجن. وفي ايجن مرض الشيخ أبو حفص عمر بن علي أزناج أحد جماعة العشرة، فلما شعر بدنو أجله وعظ أشياخ الموحدين ونصحهم بالتزام الصبر والتمسك والاخلاص لمبادئ ابن تومرت، وطاعة عبدالمؤمن، ثم توفي في مساء نفس اليوم ودفن في موضع يسمى "بجدار نمضى" ، ثم واصل الموحدون سيرهم في الريف، مروراً بتا مقريت ووادي لو أرض بني سعيد. ومن وراءهم الروبرتير يتعقبهم الى أن وصل إلى مدينة تطوان، في الوقت الذي وصلت قوات الموحدين الى قلعة باديس المطلة على البحر المتوسط، ومكنت نفوذها في تلك النواحي، وواصلت من هنالك تقدمها الى ثغر المزمة ومنها الى جبل تمسامان، حيث وجه عبدالمؤمن قائده عبدالرحمن بن زكو في قوة من الموحدين لغزو مليلة، فاقتحمه وظفر بغنائم وفيرة ثم رحل الموحدون الى ندرومه من بلاد كوميه، قبيلة عبدالمؤمن ومنها واصلوا تقدمهم شرقا إلى تاجرا مسقط رأس عبدالمؤمن وفي هذه البلدة وجه عبدالمؤمن ثلاث حملات الأولى بقيادة عبدالرحمن بن زكو، وجهتها ثغر وهران، تمكنت من اقتحامه والاستيلاء عليه، والثانية بقيادة الشيخ أبي ابراهيم اسماعيل، وكانت وجهتها قبائل بني وانوان، والثالثة بقيادة يوسف بن واندوين وسارت الى جبل مديونة من أحواز تلمسان، فخرج اليها المرابطون من تلمسان بقيادة أبي بكر بن الجوهر، ومحمد بن يحيى بن فانو، ونشبت بين الفريقين معركة عنيفة في وادي الزينون، انهزم فيها المرابطون وقتل القائدان ابن الجوهر وابن فانو، وهكذا واصل الموحدون سلسلة انتصاراتهم، على قوى المرابطين وان كانت كلفتهم كثيراً طوال حياة أمير المسلمين علي بن يوسف لمحبة الناس له وعظم هيبته في نفوس المرابطين، ثم جاءت وفاته سنة 537هـ بداية لنهاية دولة المرابطين ، وتولى الحكم بعده تاشفين الذي كان متفرغاً في حياة والده لقتال الموحدين، لذلك خف الضغط على الموحدين لانشغال تاشفين عنهم بعض الوقت بشئون الحكم الداخلية وبالمحافظة على هيبة المرابطين في الأندلس ومما زاد الأمر سوءاً أن النورمان أدركوا حرج الدولة المرابطية في ذلك الوقت، وداهموا سبتة بأسطول يتألف من نحو مائة وخمسين سفينة حربية في عام (538هـ) فتصدى لهم الأسطول المرابطي بقيادة علي بن ميمون وأنزل بهم هزيمة نكراء.
وفي هذا الوقت أيضاً حدث خلاف بين لمتونة ومسوفة من قبائل المرابطين فانضمت مسوفة الى الموحدين. وفي عام 539هـ/ 1144م تمكن عبدالمؤمن بن علي من قتل القائد المرابطي الربرتير ودخل تلمسان وفي 27 رمضان من نفس العام قتل تاشفين ودخل الموحدون وهران، وفي 14 ذي القعدة 540هـ/ دخل الموحدون فاس، وفي 18 شوال تمكنوا من دخول مراكش.
وهكذا نجح الموحدون في إسقاط دولة المرابطين بعد سلسلة طويلة من الصراع المرير استخدم فيه الطرفان مختلف الخطط ضد بعضهما البعض.
ولكن خطط الموحدين كانت أحكم من خطط المرابطين، فقد اعتمد الموحدون أسلوب الحرب الطويلة مستخدمين أسلوب حرب العصابات فقضوا على اقتصاديات دولة المرابطين. كما شجع هذا الوضع الاسبان النصارى على تشديد الضغط على المرابطين لتحويل المعركة لصالحهم وقد صور صاحب الحلل الموشية ذلك بقوله: (وتأججت نار الفتنة بالمغرب، وبسبب هذه الفتنة اتصلت الحرب، وغلت الأسعار وتوالت الفتن، وعم الجدب وقلت المجابي وكثر على أهل الإسلام المحن بالعدوتين ووجه كثير من حماة الأندلس الى العدوة ونقل اليها كثير من أسلحتها وعددها فكان ذلك أعظم فساد حل بالأندلس واختل عليهم وألح النصارى بالضرب على جهات بلاد الأندلس حين علموا عجز الإمارة بالمغرب عن الدفاع لما فيه من الفتن حتى تغلبوا على كثير من بلادها، وكان الإسلام بها عزيزاً والكفر مقهوراً والجزية مرتفعة منذ ملكها يوسف بن تاشفين إلى زمان خروج المهدي فساءت الأحوال وكثرت الشدائد والأهوال).
وبعد دخول الموحدين مراكش اصبح عبدالمؤمن سيد المغرب الأقصى كله، فكان لابد من توطيد اركان دولته الجديدة في الأندلس والمغرب الأدنى والأوسط.

يتبع
[/frame]