أردتك أسدا لا ثعلبا


قيل أنه كان لأحد التجار ولدا وحيدا ،
فلما بلغ أشده أعد له أحمالاً من البضائع النفيسة ، وأرسله يتاجر بها ،
فبينما هو سائر بأحماله ، و قد توسط البرية ، رأى ثعلباً قد شاخ و كبر حتى عجز عن المشي
ولم يعد يستطيع أن يخرج من جحره إلا زاحفاً , فقال في نفسه : ما يصنع هذا الثعلب في حياته ؟
وكيف يقدر أن يعيش في هذه الصحراء المقفرة , وهو لا يقدر أن يصيد ؟
وبينما هو كذلك إذ بأسد قد أقبل وفي فمه كبش , فوضعه على مقربة من الثعلب وأكل حاجته, ثم تركه ؛
وانصرف , فأقبل الثعلب يجر نفسه إلى أن أكل ما تبقى عن الأسد , وكان ابن التاجر ينظر إليه.
فقال : سبحان الله , يرسل الرزق للثعلب وهو في مكانه لا يستطيع المشي و أنا أتعب و أسافر لأرتزق
وعاد وأخبر والده بالأمر, فقال الأب :

إني أرسلتك تتجر وتتعب كي تكون أسداً تطعم الناس ,لا أن تكون ثعلباً تنتظر أن يطعمك سواك .

رغم طرافة هذه الحكاية و ربما عدم وقوعها لكنها مدخلا لمفاهيم ومعان يجب أن نقف عندها
نتأملها جيدا لتكون واضحة في أذهاننا فنستفيد منها و نؤصلها في أنفسنا و في الآخرين.

الأولى : لا تكن عالة على غيرك و اسع في الأرض

لأن ابن التاجر اعتاد أن يعيش عالة على والده، يصرف عليه و يعطيه فكان أول ما تبادر إلى ذهنه
أن يصنع كما يصنع الثعلب لا الأسد فرجع لوالده يحمل مفهوم التواكل لا التوكل
و فرق بينها ففي الأول اعتماد على الله سبحانه وتعالى لكن بدون بذل سبب إنما مجرد تمني
و الثانية اعتماد عليه سبحانه مع بذل الأسباب. و هذا المفهوم يجدر بنا أن نؤصله في أنفسنا واقعيا
بعيدا عن النظريات و أن نسترشد فيه بهدي المصطفى صلى الله عليه و سلم

" احرص على ما ينفعك ، و استعن بالله و لا تعجز "

و أن نحذر من القعود سواء كان عن عمل الآخرة أو عن عمل الدنيا
و لقد عاب الله على الذين تخلفوا عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه و سلم

" إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين " التوبة : 83 ".

الثانية : علينا أن نهجر عالم الأماني و الأحلام

وأن نخوض غمار الحياة ، لأن المطالب العالية لا تأتي بالأمنيات بل بالتضحيات
و رحم الله شوقي إذ يقول :

و ما نيل المطالب بالتمني *** و لكن تؤخذ الدنيا غلابا

فمن كان يتوقع أن يحصل على ما يريد بمجرد أنه يعرف ما يريد أو أن يتمناه فقد أخطأ،
لا بد من السعي و الطلب ، يذكر أنتوني روبنز في كتابه قدرات بلا حدود أنه درس الأسباب
التي بذلها الكثير من القادة و المؤثرين في حياة شعوبهم أيان كانت مبادئهم سواء مبادئ إصلاحية
أو تدميرية فوجد أنها وضوح الهدف و السعي الدؤوب لتحقيقه .
لم يعرف أن مزرعة أثمرت بمجرد أمنيات المزارع ،
و هذا المبدأ ليس بجديد علينا أمة الإسلام لننتظر أنتوني ليخبرنا به بل هو أصيل في شريعتنا الغراء
كثيرا ما أمرنا الشارع به و من ذلك قوله سبحانه و تعالى

"فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ( 8 ) " الزلزلة،

كذلك قوله جل في علاه

" وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)" التوبة ،


و قول المصطفى – صلى الله عليه و سلم

" اعملوا فكل ميسر لما خلق له " .

و هنا يجب التذكير بأنه لا بد مع العمل من الاستمرار لأن الأمور بعواقبها و خواتيمها.

الثالثة : الإنسان قيمته بقدر عطائه و بقدر ما يعمل

إن قيمة بما يقدمه لنفسه و للآخرين و اليد العليا خير من اليد السفلى.
هناك أخوة كان أبوهم نجما بارزا من نجوم السياسة في الكويت و كانوا زمن حياته يجاورونه تحت الأضواء
لكن بمجرد وفاته فقدوا الأضواء و لأنهم لم يسيروا على نهج والدهم فقد أضاعوا المجد الذي بناه لهم
ولأنهم لم يقدموا لأنفسهم وللناس كما قدم أبيهم فإن الناس ابتعدوا عنهم و هذه عادة الدنيا
فأخذوا يصرخون نحن أبناء فلان أين من كان يأتينا من قبل و لا مجيب .
إن قيمة الإنسان يجب أن تنطلق منه و أن يكون هو من يرسم مجد نفسه
لا أن ينتظر أن يرسمه له الآخرون و لو كان أقرب قريب.

فكن يا أخي عصاميا لا عظاميا تبني مجدك بيديك ولا تجتر من الأموات أمجاد أبائك.

و لم أجد الإنسان إلا ابن سعيه *** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
و بالهمة العلياء ترقى إلى العلى *** فمن كان أعلى همة كان أظهرا


ابحث عن العمل الذي يناسبك و لا تتهرب من المسئوليات فيكون حالك كحال النعامة التي قيل لها :
احملي و انقلي ، فقالت : أنا طائر . فقيل لها : طيري و امرحي ، فقالت : أنا بعير.

الرابعة: العزيمة...الهمة العالية...الإرادة

كلمات يجب أن يكون لها مساحة كبيرة في قاموس حياتنا، قال طاغور :
سأل الممكن المستحيل : أين تقيم فقال في أحلام العاجز.
مع العزيمة تتصاغر العظائم و تتحقق المعجزات و تضيق دائرة الغير ممكن،
بالعزيمة شيدت الحضارات و قامت الدول و بالعزيمة انتشرت الديانات و الملل
و بالعزيمة افترق الناس إلى رفيع و وضيع
و بالعزيمة سيطر الإنسان المخلوق الضعيف على الدنيا و أقام بها حضارته،

إذا ما طمحت إلى غاية *** لبست المنى و نسيت الحذر
و من لا يحب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر


من فقد العزيمة فقد إكسير الحياة ،
من فقد الإرادة فقد الوقود الذي يسير حياته ،
من فقد الهمة العالية فقد حياته.

يجب على الواحد منا أن يشحذ همته و يجددها دائما، قال العقاد :

" ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال و يشحذه الضرب و النزال" ،

" فإذا عزمت فتوكل على الله " آل عمران :159

منقول

Hv]j; Hs]h gh eugfh