[frame="1 10"]ولم تكن للفلاسفة عنده مكانة وأحرق كتبهم واهتم بالطبِّ والهندسة.
وحارب الخمر في ملكه وتوعّد عليها فعدمت.
قال عنه ابن كثير: (كان ديناً حسن السيرة صحيح السريرة، وكان مالكي المذهب، ثم صار ظاهرياً حزميا ثم مال إلى مذهب الشافعي واستقضى في بعض بلاده منهم قضاة، وكانت مدة ملكه خمس عشرة سنة، وكان كثير الجهاد رحمه الله، وكان يؤم الناس في الصلوات الخمس، وكان قريباً إلى المرأة والضعيف رحمه الله).
وقال عنه ابن العماد: (ذكياً شجاعاً مقداماً محباً للعلوم كثير الجهاد ميمون التقية ظاهري المذهب معادياً لكتب الفقه أباد منها شيئاً كثيراً بالحريق وحمل الناس على التشاغل بالأثر)
وربما كان فعل أبي يوسف بن يعقوب المنصور في حرقه لكتب الفروع انما كان من أجل مؤلفات ابن تومرت والتي أخذ كثير من الموحدين بما فيها دون سواها، ولا استبعد أن يكون هذا العمل من قبل أبي يوسف يعقوب المنصور انما كان من أجل مؤلفات ابن تومرت لكنه لم يستطيع أن يفردها دون غيرها حتى لايثير الناس.
إن هذا السلطان طلب من أبي العباس أحمد بن ابراهيم بن مطرف المري - أحد المقربين إليه أن يشهد له بين يدي الله عزوجل بأنه لايقول بالعصمة
يعني عصمة ابن تومرت ولم يكتف المنصور بهذا بل أنه حاول ارجاع الناس الى الكتاب والسنة واستئصال ونبذ تعاليم ابن تومرت التي توغلت في قلوب بعض الناس في المغرب والأندلس.
ولقد استخف السلطان يعقوب بن يوسف بمن بالغوا في تعظيم ابن تومرت وتقديسه، والعمل بما قال به، أودعا إليه "لأنه لايرى شيئاً من هذا كله وكان لايرى رأيهم في ابن تومرت..).
ولعل هذا الشعور هو الذي دفعه إلى أن يؤثر في الطلبة الذين جاؤا من أنحاء بلاد المغرب والأندلس لطلب العلم في حاضرة الدولة على شيوخ الموحدين الذي تأصل حب ابن تومرت وما دعا إليه في نفوسهم فلما بلغه حسد شيوخ الموحدين لهؤلاء الطلبة على مكانتهم عنده وتقريبه لهم خاطبهم قائلاً: ".. يا معشر الموحدين أنتم قبائل فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته وهؤلاء - يعني الطلبة - لاقبيل لهم إلا أنا فمهما نابهم أمر فأنا ملجؤهم وإليَّ فزعهم وإليَّ ينتسبون".
إن الخليفة الثالث للموحدين عمل على محو الباطل من دعوة بن تومرت وسعى لتقويضه بعد نصف قرن من انتشار تعاليم بن تومرت، وهي مدة قصيرة في عمر الدعوات، لئن ماتحمله دعوة بن تومرت من جنوح في بعض أفكارها جعلت أقرب الناس منها يسعون لتقويضها (إن الله لايصلح عمل المفسدين..) (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض…)
إن المنصور الموحدي لم يعلن صراحة بطلان مادعا إليه بن تومرت، لأن الكثير من الناس ببلاد المغرب الأقصى، لا سيما العامة وشيوخ الموحدين، وزعماء القبائل، قد تعلقوا بدعوة ابن تومرت، واقتنعوا بصحة ما قال به أو دعا إليه، فلو واجههم المنصور بالنقد الصريح أو العمل الجاد للقضاء على دعوة ابن تومرت لنشأ عن ذلك رد فعل خطير من قبل اولئك القوم قد لايستطيع رده أو التصدي له، وهذا بلا شك جعله يكتفي ببيان موقفه منها دون اتخاذ أي خطوات عملية ضدها ولكن وبالرغم من قلة ماقام به المنصور من جهد، أو عمل مضاد لدعوة ابن تومرت، إلا أن عمله هذا كانت له نتائج ايجابية وطيبة، حيث أنه بهذا الاجراء كسر ذلك السياج الذي أحيطت به دعوة ابن تومرت، مما دعى الكثير من الموحدين لاسيما المنصفين منهم إلى التمعن في حقيقة دعوة ابن تومرت ودراستها بموضوعية وانصاف، فبانت لهم حقيقتها وما تحمله من جنوح في تفكيرها مما دفعهم إلى الأخذ بالتحلل من تعاليمها شيئاً فشيئاً.
ثانياً: سياسة أبي يوسف يعقوب المنصور في الحروب:
تعتبر السنوات الخمس عشرة التي حكمها أبو يوسف يعقوب المنصور، ثالث الخلفاء الموحدين، العصر الذهبي للدولة الموحدية والذروة التي وصل إليها التطور السياسي في المغرب نحو التوحيد واقامة الدولة الكبرى الموحدية.
ولقد كان ذلك العصر الذهبي قصيراً، لايتناسب مع دولة ضخمة مترامية الأطراف غزيرة الثروة والموارد مثل دولة الموحدين، فان خلفاء الموحدين حكموا بلاداً تضاهي ماحكمه العباسيون في أوج قوتهم، وكانت تحت أمرتهم حشود من الجند القوي القادر على كسب المعارك لم تتيسر للكثير من الدول في التاريخ الاسلامي، فقد كانت جيوش الموحدين تعج بحشود من أبناء القبائل المغربية من المصامدة أولاً، ثم من بقية الصنهاجيين والزناتيين ممن اجتذبتهم الدولة الموحدية بقوتها وهيبتها، ثم اضيفت إلى هؤلاء حشود من العرب الهلاليين الذين انضووا تحت لواء الدولة الكبيرة، ولم يخل الأمر من قوات اندلسية ذات قدرة ومهارة.
رغم هذه القوات كانت القوة العسكرية الموحدية دائماً مفككة، تنقصها القيادة الحازمة التي تقبض على الجيش قبضة محكمة، وتوجه الاعمال وفق خطة واحدة مرسومة، وكان أبو يوسف يعقوب المنصور من زعماء الموحدين القلائل الذين استطاعوا قيادة جيوشهم قيادة سليمة حكيمة، وكان الرجل في نفسه كذلك رجلا حازماً موهوباً في شئون الادارة والقيادة العسكرية، وكان شديد الايمان فانتقل ايمانه الى رجاله وكسبت جيوش الموحدين في أيامه قوة ضاربة كبرى.
أ- الصراع مع بني غانية المرابطين:
استطاع بنو غانية أن يقودوا ثورة في المغرب الأوسط ضد الخليفة أبي يعقوب يوسف المنصور واستطاعوا أن يحتلوا مدينة باجيه بأربعة آلاف من الطوارق الملثمين بسبب ضعف حامية الموحدين هناك وكان من سوء حظ دولة الموحدين أن ابتليت بمشكلة بني غانية التي لم تقدرها الدولة حق تقديرها وأصبحت في النهاية من أسباب سقوط الدولة.
كان زكريا بن يحيى بن غانيه قد تولى بعض الأعمال في قرطبة في عهد الخليفة المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين ثم تولى اخاه ابن غانيه حكم جزر البليار وهي الجزر الشرقية منذ عام 541هـ / 1146م وظل يحكمها حتى سقطت دولة المرابطين وعندما بسط الموحدين سلطانهم على الأندلس ظل بني غانية لايخضعون لسيطرتهم وظل عدم خضوعهم حتى موت محمد بن مرادنش عام 567هـ /1171م) وبسط الموحدون سيطرتهم على بلنسية ومرسية وشاطبة وبلاد الساحل الشرقي وكان على حكم جزر البليار في ذلك الوقت محمد بن اسحاق بن محمد بن غانية وقد كان يريد الدخول في طاعة الموحدين لكن اخوته عزلوه ورفضوا ذلك وولوا بدلا منه أخاه علي بن اسحاق الذي بادر بإعلان الثورة على الموحدين وخاض ضدهم معركة طويلة الزمن.
ويرجع أصل بني غانيه إلى قبيلة مسوفة الصنهاجية وعرفوا ببني غانيه على اسم أمهم وأمثال هذه التسميات كانت معروفة عند المرابطين.
يتبــع ان شــاء اللــه[/frame]
المفضلات