من يأمن البلاء بعد إبراهيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك والحمد وهو على كل شيء قدير . وصلى اللهم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً .
دعوته عليه الصلاة والسلام كانت لتوحيد الله وترك الشرك أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك كما في قوله تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء116
ولعظم أمر الشرك ما يوجب الخوف من الوقوع فيه وكان صلى الله عليه وسلم أخوف ما يخافه على أمته الشرك الأصغر .
وقال الخليل عليه السلام : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ }إبراهيم35
أي إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن ، والخلة أخص من المحبة ولهذا أختص بها الخليلان إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم .
فإذا كان الخليل إمام الحنفاء الذي جعله الله أمة وحدة وابتلاه بكلمات فأتمهن وقال : {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى }النجم37
وأمره بذبح ولده فأمتثل أمر ربه ، وكسر الأصنام وأشتد نكيره على أهل الشرك ، ومع ذلك يخاف أن يقع في الشرك الذي هو عبادة الأصنام لعلمه أنه لا يصرفه عنه إلا الله بهدايته وتوفيقه لا بحوله هو وقوته ، وما أحسن ما قال إبراهيم بن أدهم التيمي : من يأمن البلاء بعد إبراهيم ؟
فهذا أمر لا يؤمن الوقوع فيه وقد وقع فيه الأذكياء من هذه الأمة بعد القرون المفضلة ، فاتخذت الأوثان وعُبدت ، فالذي خافه إبراهيم عليه السلام على نفسه وبنيه وقع فيه أكثر الأمة بعد القرون المفضلة ، فبنيت المساجد والمشاهد على القبور وصرفت لها العبادات بأنواعها واتخذ ذلك ديناً ، وهي أوثان وأصنام كأصنام قوم نوح واللات والعزى ومناة وأصنام العرب وغيرهم ، فما أشبه ما وقع في آخر هذه الأمة بحال أهل الجاهلية من مشركي العرب وغيرهم ، بل وقع ما هو أعظم من الشرك في الإلهية من شركهم في الربوبية مما يطول عده ،فذكر عليه السلام السبب الذي أوجب الخوف عليه وعلى ذريته بقوله : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ }إبراهيم36
وقد ضلت الأمم بعبادة الأصنام في زمن الخليل وقبله وبعده ، فمن تدبر القرآن عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه ، والوعيد على فعله ، والثواب على تركه ، وقد هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه ، نسأل الله الثبات على الإسلام والاستقامة على ذلك إلى أن نلقى الله على التوحيد إنه ولي ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
انتهى كلامه رحمه الله .(2)
الفوائد
1-إن أعظم ما أوجب الله علينا التوحيد وترك الشرك ولهذا أرسل الأنبياء والرسل .
2- أن نسأل الله أن يجنبنا وذريتنا الشرك
3- أن لا نغتر بأنفسنا فكيف نأمن البلاء بعد إبراهيم عليه السلام .
4- أهمية دراسة التوحيد لاجتناب الشرك ما خفي منه وما عظم .
5- أن الشرك لا يقتصر على عبادة الأصنام فحسب بل كل ما يكون شريك لله سبحانه وتعالى سواء كان ذلك دعاء(3) أولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غيرهم مما يدعون من دون الله .
6- سؤال الله الثبات على الإسلام والاستقامة عليه حتى نلقاه لا نشرك به شيئاً .
ـــــــــــــــــ
(1) كتاب قرة عيون الموحدين
(2)العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
(3) الدعاء نوعان دعاء مسألة ودعاء عبادة مثل الصلاة .
المفضلات