نكمل مع النصارى :


كانت أمه صلى الله عليه وسلم تقول ما رأيت من حمل هو أخف منه ولا أعظم بركة منه. وروى أبن حبان رحمه الله عن حليمة رضي الله تعالى عنها عن آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت أن لأبني هذا شأنا إني حملت به فلم أجد حملا قط كان أخف عليّ ولا أعظم بركة منه.

السيرة الحلبية للإمام برهان الدين الحلبي باب ذكر حمل أمه صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

قال أبن اسحق .. كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله التي أرضعته تحدث .... فلم يبلغ سنتيه (محمد) حتى كان غلاما جعفرا(غليظ) فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت بنيّ عندي حتى يغلظ ... فردته معنا (ثم حدث له شق بطنه فأرجعته حليمة إلى أمه) قالت أمه(آمنة) أفتخوفت عليه الشيطان قالت قلت نعم قالت كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل ... فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف علىّ ولا أيسر منه

السيرة النبوية لأبن هشام باب ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعته .

أخرج ابن اسحق وابن راهويه وأبو يعلي والطبراني والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن طريق عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حديث حليمة بنت الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته قالت: ....نفس الحديث السابق ... قالت حليمة فاحتملناه حتى قدمنا به إلى أمه(آمنة) ...قالت اخشيتما عليه من الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وانه لكائن لابني هذا شأن إلا أخبركما خبره؟ قلنا بلى قالت حملت به فما حملت قط أخف منه فأريت في النوم حين حملت به أنه خرج مني نور....
الخصائص الكبرى للسيوطي الجزء الأول ص 132 ، 133 ، 134 ، 135 .

من الواضح من هذه الأحاديث أن آمنة تقارن حملها بمحمد بحمل آخر قبله مرة أو مرات . فهل كانت متزوجة بأحد قبل أبو محمد ؟ هل لمحمد اخوة ؟ كم مكث معها أبو محمد قبل أن يموت ؟

نقل سبط ابن الجوزي أن عبد الله لم يتزوج قط غير آمنة، ولم تتزوج آمنة قط غيره. ونقل إجماع علماء النقل على أن آمنة لم تحمل بغير النبي [1] فلم يشركه في ولادته من أبويه أخ ولا أخت ، لانتهاء صفوتهما إليه ، وقصور نسبهما عليه ، ليكون مختصاً بنسب جعله الله تعالى للنبوة غاية [2]
وتوفى والده ورسول الله صلى الله عليه وسلم حَمْلٌ [3]

فكل هذه حقائق وثوابت ومن يدعي مخالفة هذا ، فهذا ناتج عن إشكال خاص به هو فقط يكون سببها إما جهالة ، أو عدم إلمام ، أو إما يكون عالماً بها ويريد التضليل .
إدعى الكاتب من خلال ما أورده من روايات أن السيدة آمنة كانت قد حملت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت قد تقارن بما سبق لها من حملٍ بحملها بالرسول الكريم .
وهذا فهم مغلوط لمقصد السيدة آمنة ، وللتوضيح أكتر نرى بعض مما روي عن نفس الموضوع وكلام السيدة آمنة عن حملها بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فعن الزهري أنها قالت : لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته . [4]

وفي رواية ابن اسحاق : ثم حملت به ، فوالله ما رأيت من حمل قد كان أخف ولا أيسر منه .[5]

وفي أخرى : وما شعرت بأني حملت به ولا وجدت له ثقلاً ولا وحماً كما تجد النساء .[6]

وعن أبي زكريا يحي بن عائذ : بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن أمه تسعة أشهر كملاً ، لا تشكو وجعاً ولا مغصاً ولا ريحاً ولا ما يعرض لذوات الحمل من النساء ، وكانت تقول والله ما رأيت من حمل هو أخف منه ولا أعظم بركه منه . [7]

قلت : فالروايات تفسر بعضها البعض ، فالسيدة آمنة كانت تقارن ما ظهر في الحمل برسول الله صلى الله عليه وسلم من يسراً وتخفيفاً بما تجده النساء من مشقة وتعب ومعاناة وآلام كما سنرى لاحقاً .

أما عن قولها كما جاء في الرواية " فما حملت قط أخف منه "
فقد رويت من طريق محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .
فهي رواية ضعيفة الإسناد [8] ففي سندها جهم بن أبي الجهم .
قال الإمام الذهبي : جهم بن أبي الجهم ، عن أبي جعفر بن أبي طالب . وعنه محمد بن إسحاق ، لا يُعرف . له قصة حليمة السعدية .[9]

قال الإمام برهان الدين الحلبي :
ومعنى قولها: لم أحمل حملاً أخف منه المفيد أنها حملت بغيره أنه خرج على وجه المبالغة.
أقول: هذه الرواية لم أقف عليها، والذي تقدم ما رأيت من حمل هو أخف منه. وفي رواية أخرى: حملت به فلم أجد حملاً قط أخف منه علي وحمل الرؤية والوجدان على العلم الحاصل بإخبار غيرها من ذوات الحمل لها عن حالهن ممكن، فلا يقتضي ذلك أنها حملت بغيره. ولا ينافيه قولها أخف عليّ لأن المراد عليّ فيما علمت، والله أعلم. [10]


__________________________________________________ ____

[1] إنسان العيون ج 1 ص 80 .

[2] المواهب اللدنية للقسطلاني ج 1 ص 48 .

[3] وهذا هو الراجح والمشهور وأثبت الأقاويل . أنظر البداية والنهاية ج 3 ص 382 ، زاد المعاد ج 1 ص 28 ، المواهب اللدنية ج 1 ص 68 .

[4] عيون الأثر ج 1 ص 78 .

[5] السيرة لإبن هشام ج 1 ص 214 .

[6] المواهب اللدنية ج 1 ص 61 .

[7] السابق ص 63 .

[8] أنظر مسند أبي يعلي بتحقيق حسين سليم أسد ج 13 ص 73 .

[9] ميزان الإعتدال ج 2 ص 159 .

[10] إنسان العيون ج 1 ص 80 .