الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟

والله يا أخي لو رأيت كيف تسيل عيوننا وتنشج صدورنا عند ذكره أو سماع سيرته - بأبي هو وأمي - لعلمت قدره في قلوبنا ... وليس من رأى كمن سمع


لله درك يا خبيب بن عدي - رضي الله عنه - إذ أسرته قريش ليقتلوه ... وقد بضعوا لحمه ثم حملوه على جذعة فقالوا : أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال والله ما أحب أني في أهلي وأن محمداً شيك بشوكة.


سأذكر من شمائل الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - جانبا واحدا فقط ... وهذا تقصير مني في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه جهد المقل ... سأحدثك عن رحمته ... لكن قبل ذلك ... أريدك أن تتخيل أن كفار قريش - لما كانوا يستضعفون النبي ويعذبون أتباعه ويقتلونهم - كانوا لا يجدون من يأتمنونه على أموالهم إلا هو ... يعني تخيل أن فلانا من أئمة الكفر يحرق بالنار جلود ضعفاء المسلمين بالنهار ... ثم يودع ما يخشى عليه الضياع من ماله عند محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو مطمئن أنه يضع أمانته عند الصادق الأمين الذي لا يخون ولم يؤثر عنه كذب قط ... تخيل ... وكانت ثقته في محلها ... فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة بعد أن هاجر إليها كي يؤدي الأمانات إلى أهل قريش الذين شحذوا أسيافهم وسمموها وتربصوا بها لقتله البارحة فقط !!!

تخيل !!!


وأما عن رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله عز وجل فيه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ... هذه الرحمة التي لم يُحرمها أعدائه ... ولم يعدمها خصمائه ... ويكفيني في هذا المقام موقفا واحدا من مواقف رحمته بالخصوم ... موقفه صلى الله عليه وسلم مع (زيد بن سعنة) وكان من أحبار اليهود.. قال زيد بن سعنة: إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله.
قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب ، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابهم شدة وقحط من الغيث، وأنا أخشى - يا رسول الله - أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن تُرسِل إليهم من يُغيثهم به فعلت. قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل جانبه - أراه "عمر بن الخطاب" - فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنة : فدنوت إليه، فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: "لا يا يهودي، ولكن أبيعك تمرًا معلومًا إلى أجل كذا وكذا، ولا أُسمي حائط بني فلان"، قلت: نعم. فبايَعَنِي صلى الله عليه وسلم، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، قال: فأعطاها الرجل وقال: "اعجل عليهم وأغثهم بها".
قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ومعه "أبو بكر الصديق" و "عمر بن الخطاب" وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجه غليظ، ثم قلت: ألا تقضيني - يا محمد - حقي؟ فوالله إنكم - يا بني عبد المطلب - قوم مُطْل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم!!

قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أي عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر قوته (أي غضبه) لضربت بسيفي هذا عنقك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: "إنَّا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا" عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة؛ اذهب به - يا عمر - فاقضه حقَّه، وزده عشرين صاعًا من تمر مكان ما رُعْتَهُ".
قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ، فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة . قال: الحَبْر؟ قلت: نعم، الحبر. قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟
فقلت: يا عمر ، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتهما، فأُشهدك - يا عمر - أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالاً - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال عمر : أو على بعضهم؛ فإنك لا تسعهم كلهم. قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم


مصادر الحديث ... ابن حبان (288)، والحاكم (6547)، والبيهقي ( 11066)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: روى ابن ماجة منه طرفًا، ورواه الطبراني ورجاله ثقات.