كلكم لآدم وآدم من تراب :

وبداية وقبل الخوض في حقوق المرأة في نظر الإسلام يجب أن نُدرك أنَّ الإسلام قد قرَّر أنَّ المرأة والرجل خُلِقَا من أصل واحد، ولهذا فالنساء والرجال في الإنسانيَّة سَوَاء، : "يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَان عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"[1]، وقال أيضًا: "يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[2].

فقضى الإسلام على مبدأ التَّفْرِقَة بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانيَّة المشترَكة، كما قضى على مبدأ التَّفْرقة بينهما أمام القانون وفي الحقوق العامَّة، وجعل المرأة مساوية للرجل في هذه الشئون[3].
--------------------------------------------------------
[1] (النساء: 1).
[2] (الحجرات: 13).
[3] علي عبد الواحد: حقوق الإنسان في الإسلام ص 52.



خير متاع الدنيا...

وفي ذلك فقد قال الله تعالى : "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا "و: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ و: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ"فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[5]". و: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانوا يَعْمَلُونَ[6]".[4]". و: [3]".[1]". و: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ[2]".
وهكذا نجد هذه الآيات وسِوَاها تجمع الذكر والأنثى تحت حُكْم واحد، وتقضي قضاء مبرمًا على التفرقة بين الرجل والمرأة.
وقد أكرم الله تعالى المرأة بنتًا وأمًّا وزوجةً، فقال في كتابه العزيز عن حق الأم: "وَوَصَّيْنَا الإنسَان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[7]".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"[8]، وقال أيضًا: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا..."[9].

أمَّا تكريمها بنتًا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ"[10].
----------------------------------------------
[1] (النساء: 7).
[2] (النساء: 32).
[3] (البقرة: 228).
[4] (التوبة: 71).
[5] (آل عمران: 195).
[6] (النحل: 97).
[7] (الأحقاف: 15).
[8] مسلم: كتاب الرضاع، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، (1467)، عن عبد الله بن عمرو.
[9] البخاري: كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، (4890)، عن أبي هريرة، ومسلم: كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (146، 8).
[10] البخاري:كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، (5649)، عن عائشة أم المؤمنين، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الإحسان إلى البنات، (2629).


مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة :

وكان من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة ما تجسَّد في الحديث الذي روته أميمة بنت رُقَيْقَة التيمية حيث قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من المسلمين لنبايعه، فقلنا: يا رسول، الله جئنا لنبايعك على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَعْتُنَّ"، قالت: قلنا: "الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا..."[1].
كما تجسَّد أيضًا حين اشتدَّ غضب النبي صاى الله عليه وسلم وشقَّ عليه لِمَا كان من ضَرْب جارية قد أخطأت!!
فقد روى معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه فقال: "كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَل أُحُد وَالْجَوَّانِيَّةِ، فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صَكَّة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظَّم ذلك عليَّ، قلتُ: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: "ائْتِنِي بِهَاأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ"[2].". فأتيته بها، فقال لها: "أَيْنَ اللَّهُ؟" قالت: في السماء. قال: "مَنْ أَنَا؟" قالت: أنت رسول الله. قال: "
وفي مثل ذلك روى هلال بن يَسَافٍ، قال: عجل شيخ فلطم خادمًا له، فقال له سويد بن مُقَرِّن: عجز عليك إلاَّ حُرُّ وجهها، لقد رأيتني سابع سبعة من بني مُقَرِّن ما لنا خادم إلاَّ واحدة، لطمها أصغرنا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها[3].
كما كان من مظاهر رحمة الإسلام بالمرأة أنه حرَّم قتلها أثناء الحروب؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، لا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً، وَلا صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً، وَلا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[4]."
أمَّا المرأة الحائض التي كانت تُعْتَبَر رِجْسًا فيما سبق فقد كان للإسلام معها شأن آخر، وفي ذلك تروي أُمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: "كُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الإِنَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ [5] وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ"[6].
وأمَّا تكريم المرأة بصفة عامَّة وصيانة سيرتها، فذلك ما لا نحسب شريعة من الشرائع حاطتهما بمثل حِيَاطة الإسلام لهما، ويكفي في ذلك أنَّ الله عز وجل اشتدَّ في كتابه الكريم على قاذفي النساء في أعراضهن بأشدَّ ممَّا اشتدَّ على القَتَلَة وقُطَّاع الطُّرُق، فقد : "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[7]"، وقال أيضًا: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[8]".
فجعل تعالى للقاذف عقوبة ثمانين جلدة، ثم دعم هذه العقوبة بأخرى أشدَّ وأخزى، وهي اتهامه أَبَدَ الدهر في ذِمَّته واطِّراح شهادته، فلا تُقْبَل له شهادة أبدًا، ثُمَّ وَسَمه بعد ذلك بسِمَة هي شرُّ الثلاثة جميعًا، وهي سمة الفسق ووصمة الفجور، ثم عاود أمرهم بما هو أشدُّ وأهول، وهو اللعن والعذاب! وإن في حديث الإفك، وما أفاض الله في شأنه لموعظة وذكرى لقوم يعقلون[9].

وبصفة عامَّة فالمرأة في الإسلام هي نصف المجتمع, وهي تلد النصف الثاني؛ فهي الأُمَّة بأسرها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"[10].
----------------------------------------------------
[1] النسائي: السنن الكبرى، كتاب السير، بيعة النساء، (8713)، وأحمد: (27051)، وابن حبان: (4553)، والحاكم: (6946), وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (529).
[2] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، (537).
[3] مسلم: كتاب الأيمان، باب صحبة المماليك وكفارة من لطم عبده، (1658).
[4] أبو داود: كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين، (2614)، والبيهقي: السنن الكبرى (17932)، وابن أبي شيبة في المصنف 6/483.
[5] العرْق: العظم عليه بقية اللحم، ويقال: تعرقته واعترقته، إذا أخذت منه اللحم بأسنانك. انظر: شرح السيوطي على مسلم 2/ 68.
[6] مسلم: كتاب الحيض، باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها، (300).
[7] (النور: 4).
[8] (النور: 23).
[9] محمد أحمد إسماعيل المقدم: المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية، ص 96.
[10] أبو داود: كتاب الطهارة، باب في الرجل يجد البلة في منامه، (236)، عن عائشة رضي الله عنها.

حقوق المرأة في الإسلام :

وعلى هذا فإن هناك حقوقًا أخرى أعطاها الإسلام للمرأة وأكرمها بها عن مثيلاتها في كل الديانات والمذاهب والملل المعاصرة والغابرة، منها[1]:

1-حقُّ الحياة :


فقد حَرَّم الله عز وجل وَأْدَها كما كان يَصْنَع بها العرب في الجاهلية، وشنَّع القرآن الكريم على أهل الجاهلية بسبب وَأْدِهم البنات ومهانتها عندهم، ف : "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ[2]"، و: "وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[3]".
وفي ذلك يروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وَأَدْتُ في الجاهليَّة ثمان بنات. فقال: "أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ نَسَمَةً"[4].
وعن يحيى بن أبي وَرَقَةَ بن سعيد، عن أبيه، قال: أخبرتني مولاتي كبيرة بنت سفيان، وكانت قد أدركت الجاهلية، وكانت من المبايعات، قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَدْتُ أَرْبَعَ بنينَ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: "أَعْتِقِي أَرْبَعَ رِقَابٍ". قَالَتْ: فَأَعْتَقْتُ أَبَاكَ سَعِيدًا، وَابْنَاهُ مَيْسَرَةَ، وَجُبَيْرًا، وَأُمَّ مَيْسَرَةَ[5].

2-حقُّ الملكية والتصرُّف بأموالها :

لقد أعطى الإسلام للمرأة حقَّ ملكية الميراث، كما أعطاها حقَّ التصرف بأموالها، فلها أن تبيع وتشتري وتتصدَّق من أموالها كما تشاء، فهي كاملة الأهليَّة، وإذا كانت عاملة فهي تستطيع أن تتصرَّف بمالها وتنفق منه بالطريقة التي تُرِيد وَفْق الأحكام الشرعيَّة، وجمهور أهل العلم من الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة على أنَّ من حقِّ المرأة التصرُّف في مالها بدون إذن زوجها، واستدلُّوا بآيات الله التي تخاطِب المرأة والرجل بصيغة واحدة، فيقول تعالى: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا". كما استدلُّوا بالمساواة المقرَّرة في غالب الأحكام الشرعيَّة بين الرجل والمرأة حيث : "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[6]". كما استدلُّوا بسُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم العمليَّة.
ومنها قصة إعتاق ميمونةَ زوجِ الرسول صلى الله عليه وسلم وليدتَهَا بدون علمه، وإقراره لها على ذلك، فعن ميمونة بنت الحارث، رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ"[7].
وكذلك قصة أُمِّ الفضل بنت الحارث، قالت: "إن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم. فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة، فشربه"[8].
كما تصرَّفت أُمُّ الفضل في هذا اللبن، وهو من مالها، فأرسلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأقرَّها وشربه، ولو كان تصرُّفُها غيرَ شرعي لبَيَّنَ ذلك.
قال النووي رحمه الله – وهو يُعَدِّدُ بعض فوائد هذا الحديث- : "ومنها أنَّ تصرُّف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إِذْن الزوج، سواء تصرَّفت في الثلث أو أكثر، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا تتصرَّف فيما فوق الثلث، إلاَّ بإذنه، وهو موضع الدلالة من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم، لم يسأل: هل هو من مالها ويَخْرُجُ من الثلث، أو بإذن الزوج أَمْ لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل.
ومن أكبر الأدلة على حقِّ المرأة في تصرُّفها في مالها، بدون إذن زوجها، حَثُّ الرسول صلى الله عليه وسلم النساء على الصدقة، واستجابتهن لذلك، وتصدُّقهن بحليهن، كما روى ذلك ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرني عطاء، عن جابر رضي الله عنه، قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر، فصلَّى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناسَ، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم، نزل وأتى النساء، فذكَّرهُنَّ وهو يتوكَّأ على يَدِ بلال، وبلال باسط ثوبه، يُلْقِين النساءُ صدقة". قلت لعطاء: زكاة يوم الفطر؟ قال: لا، ولكن صدقة يتصدَّقن بها حينئذ، تُلقي المرأة فتخها ويلقين[9].
ولم يحدَّ الشارع من هذا الحقِّ إلاَّ في حالة كون المرأة سفيهة أو غير قادرة على التصرف الجيد في المال حفاظًا عليها من الفتنة والسوء.


3- حقُّ الموافقة على الخاطب أو رفضه :

فالمرأة كالرجل لها حقُّ اختيار الزوج المؤمن الصالح، ولا يجوز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا"[10].
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم : "لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها ؟ قال: "أَنْ تَسْكُتَ"[11].
وقد جاءت الخنساء بنت خذام فأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّ أباها زوَّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فردَّ نكاحه[12].

4-حقُّ العلم والتعلم :

سواء أكان العلم في المسجد - كما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم - أو في المدارس والجامعات كمـا هو في وقتنا الحالي؛ فقد قـال الـرسول صلى الله عليه وسلم : "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا... فَلَهُ أَجْرَانِ"[13] وقد كان الرسولصلى الله عليه وسلم يجعل للنساء يومًا ليعظَهُنَّ ويذكِّرَهُنَّ ويأمرَهُنَّ بطاعة الله تعالى.

5-حقُّ مفارَقة الزوج :

فقد أباح الشرع الإسلامي للمرأة التخلُّص من الزوجيَّة بطريق الخُلْعِ في حال كون الكراهية من جهتها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي r فقالت: يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دين ولا خُلُق، إلاَّ أنِّي أخاف الكفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" فقالت: نعم. فردَّت عليه حديقته، وأمره ففارقها[14].

6- الحقُّ في إعطاء الأمان والجوار:

فللمرأة الحقُّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين، وذلك كما فعلت أُمُّ هانئ بنت أبي طالب حينما أجارت رجلاً مشركًا، فأبى أخوها علي رضي الله عنه إلاَّ أنْ يقتله؛ فكان قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة: "أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ"[15].

---------------------------------------
[1] فاطمة بنت خليل محمد محسن: دور المرأة المسلمة بين الأصالة والمعاصرة.
[2] (التكوير: 8، 9).
[3] (الأنعام: 137).
[4] البيهقي: السنن الكبرى، كتاب الديات، باب ما جاء في الكفارة في الجنين وغير ذلك، (16202).
[5] الطبراني: المعجم الكبير، 25/15.
[6] (آل عمران :195)
[7] البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج ، (2452)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، (999).
[8]البخاري: كتاب الحج، باب الوقوف على الدابة بعرفة، (1578)، ومسلم: كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، (1123).
[9]البخاري: كتاب العيدين، باب موعظة الإمام النساء يوم العيد، (935)، ومسلم: كتاب صلاة العيدين، (885)، شرح النووي على صحيح مسلم (6/173).
[10] مسلم: كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، (1421)، عن ابن عباس t.
[11] البخاري: كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، (4843)، عن أبي هريرة t.
[12] البخاري: كتاب النكاح، باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحهم مردود، (4845).
[13] البخاري: كتاب النكاح، باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها، (4795)، عن أبي موسى الأشعري.
[14] البخاري: كتاب الطلاق، باب الخلع وكيفية الطلاق فيه، (4973).
[15] البخاري: أبواب الجزية والموادعة، باب أمان النساء وجوارهن، (3000)، عن أم هانئ بنت أبي طالب، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، (336).