الرد الثانى لحاتم3
--------
بعد تحديدات و تعريفات أولية للإلحاد والأيمان انتقل الزميل القبطانإلى مناقشة وجود الله. ونحن ننتقل معه إلى هذه المناقشةدون الوقوف عند هذه التحديدات مع أن لدينا فيها رأيا،وذلك احتراما لطريقة ومنهج الزميل القبطان في طرح موضوعه فهو نفسه لم يركز علىإشكالية التحديد ويؤسسه على منظور محدد ، حيث قال في معرض تعريفه للألحاد:
اقتباس:
لا يهمني في هذا السياق الأصل اللغوي للكلمة، أو التعريفاتالمتباينة لها، علاقتها بمدارس فكرية مختلفة، أو أن كلمات أخرى أقل شيوعا قد تكونأكثر دلالة
هذا وإن كنت منهجيا أطلب من زميليومن كل ملحد أو مؤمن أن يعتني بموقفه ويعطي لأمر التحديد الدلالي قيمة فيبنيهويؤسسه على تصور واضح مقنع ...
لنتابع نقدنا لمداخلة الزميل
قصور المنهجية الحسية في التفكير في قضايا الألوهية
يقول الزميل القبطان
اقتباس:
سنختار لهذا الحوار الاعتقاد الشائع بوجود الله..
الزعم بوجودإله أو آلهة، هو زعم استثنائي بكل المقاييس.
فلم ير أحد منا إلها في حياتهاليومية، ولا يعرف أحد شكل مثل هذا الإله، ملمسه، أو يستطيع التخاطب معه للتأكد منأفكاره حوله.
وأرى أنه :
بغض النظر عما فيكلام الزميل من نزوع نحو تسفيه موضوع الألوهية بقوله "لمير أحد منا إلها في حياته"،وكأن الرؤية بجهازالعين تصلح أن تكون دليلا للاعتقاد أو عدمه، أقول : لو اعتمد مثل هذاالاستدلال حتى في المجال العلمي لتم شطب البناء المفاهيمي العلمي من أساسه،فلا أحد من العلماء رأى الجاذبية و لا أحد منهم رأي الألكترونولا الأثير ، ولا الطبيعة التموجية للضوء ، ولا طبيعته الذرية... و لا ...و... لا .. الخ
ولكن إذا كان الزميل القبطان في مبتدأ كلامه يرتكز على منظورمنهجي وليس فقط على مجرد كلمة أطلقها عفويا ، فلا بد من مناقشة هذا المنظور المنهجي، ومن حقه تبنيه ومن واجبنا نقاشه فيه. لذا عليه أن يعلن هذا المنظور في مستقبلمداخلاته وعندها سأفصل القول في شأنه ،،،
لكن يكفيني هنا أن أشير إلى فساد هذاالمنهج في التفكير بمصير الوضعية المنطقية عند أمثالفتجنشطينالذي انطلق من مفهوم المطابقة الحسية للمفاهيمفانتهى إلى ما انتهت إليه حلقة فيينا معكارناب ورايشنباخحيث تم شطب قضايا الألوهية ،بل ومجمل البناء المفاهيم لثقافة البشرية بدءا بالحقوالعدل وانتهاء بالجمال، وذلك بدعوى كونها ليس لها مدلول في الواقع الحسيتنطبق عليه ، ومن ثم فهي مفاهيم لغو يجب انتزاعها من المعجم !!! ولكن نعرف جميعاالمأزق الذي خلصت إليه الوضعية المنطقية حتى أسقطها في مواقف ساذجة مثيرة للسخريةفي الوسط الفلسفي ، وهذا ما وعاه فتجنشطين بذكاء الأمر الذي جعله يتراجع عن هذاالمنظور الحسي في التعامل مع المفاهيم،وإن لم يخلص به ذاك إلى الأيمان.
لكن إذأذكر بهذا أود أيضا الأشارة إلى أن هذا المنهج منهج الرؤية والحس في قياس المفاهيموالنظر إلى الوجودهو منهج فاسد. لايقول به اليوم لا الفلاسفة ولا العلماء . ومن ثمفالقول بأن الله لم يره أحد ولم يلمسه أحد ليس بدليل يحتجبه ، لا فلسفيا و لا علميا ،فضلا عن دينيا.
اقتباس:
ولذلك فهذا الإعتقاد بحاجة إلى أدلة استثنائية لتبريره.
.......
على المؤمن بإله أو آلهة أن يبرر إيمانه بأدلة استثنائية.
وهنا كنت أتمنى أن يعطي زميلي معنى الدليلالأستثنائي الذي يطالبنا بالأتيان به.
فما معنى الدليل الاستثنائي ؟
ثملنفترض :إذا كان ما جاء به الموقف الأيماني لم يرق إلى الدليل الاستثنائي ،فهل ماجاء به الموقف الألحادي يرقى إلى هذا النوع من الأدلة؟
أو أن الأدلةالأستثنائية هي أدلة ضعيفة مهزوزة ، وأدلة الملحد غير استثنائية؟؟؟؟
تساؤلاتنحتاج إلى أن نستعلم من زميلنا القبطان موقفه لكي نناقشه فيه عن بينة.
لكن قبلذلك أقول في سياق الحديث عن الأدلة :
إن كان للموقف الأيماني أدلة – بغض النظرعن نوعها وقيمتها الابستمولوجية– فإن الموقف الألحادي ليس له أدلة على الأطلاق ،فهوفي مسلكه عادة ما ينحصر في نقد أدلة الأيمان.
وهذا ما سنجد الزميل القبطان يقومبه هو أيضا ،لننصت إليه يقول :
اقتباس:
ويكفي لتبرير الموقف الإلحادي، أن أظهر ضعف هذه الأدلة وعدمتماسكها.
بينما ليس من الضروري لتبرير الإلحاد بالمعنى الذي أقصده أن أبرهن علىعدم وجود هذه الآلهة.
أو حتى تقديم تفسيرات بديلة.
(البعض يسمي هذا الموقف "الإلحاد السلبي"، أو اللاأدرية المعرفية مع الإلحاد العملي)
وجوابي :
إن الكلام السابق هو بحدذاته دليل على ضعف الموقف الألحادي ،لأنه لا يقدم دليلا ،بليقتصر على نقد أدلة الايمان. وهو اعتراف ضمني بوجود أدلة على الأيمان وعدموجودها على الالحاد.
مفهوم المعجزة
لنر هذا النقد لأدلة الأيمان واحدا تلو آخر :
أول فكرة طرحها زميليهي المعجزة ، وإن كنت لم أجد مبررا كافيا لطرحها لأنها خارجة عن موضوع الأيمانبالله على الأقل في لحظة حوارنا هذا.
حيث يقول :
اقتباس:
المعجزات والكوارث الطبيعية والظواهر الخارجة عن المألوف:
هذاهو الدليل الأكثر رواجا في المعتقدات الشعبية لتبرير فكرة النبوة (القرآن معجزةمحمد)، أو تجسد الآلهة (المسيحية، الهندوسية).
وهي أهم دليل على الإهتمامالمفترض الذي توليه الآلهة بالجنس البشري، والتخاطب معه والتدخل في مجرى حياتهوالتعامل مع سلوكه بالرضى أو الغضب.
ولكن يكفيني عدم اعتراف المعتقدين بدينبمعجزات الأديان الأخرى، لكي نرى التأثير "المحلي جدا" لهذه المعجزات.
عندي على ما سبقنقد منهجي،حيث أرى فيه اختلالا لأنه من حيث التصنيفالعلمي الدقيق ليس نقدا لدليل وجود الله ،بل هو نقد لدليل النبوة.فالمعجزة دليل علىالنبوة أكثر منها دليلا على الألوهية.
والنبوة ليست موضوعنا ،بل إن موضوعنا هوإثبات وجود إله لهذا الكون، وعندما نكمله لنا أن نفتح موضوعا جديدا نعنونه ب"هلالقرآن كلام الله ؟" أو "هل محمد رسول الله؟ " أو نناقش مبتدأ الأمر ،أقصد "ماالحاجة إلى النبوة أصلا؟"
نقد نقد أدلة الأيمان: مفهوم السببية
لكن بعد هذا الانحراف نحو موضوع النبوة يدخل الزميلالقبطان في سياق الموضوع (نقد أدلة الأيمان) فيقول بادئا بنقد :
اقتباس:
العلة الأولى:
"نظرا لأن لكل شيء سبب، فلا بد لهذه الأسباب أنتلتقي في سبب أول، هو الله".
نقطة الضعف الأساسية هي أن افتراض وجود "سبب أول" ينقض الفرضية الأولى، وهي أن "لكل شيء سبب".
بعد ذلك تبدأ دوامة طويلة، لتبريرالرغبة في استثناء الله من هذه السببية.
فيصبح البرهان دائريا.
أي عوضا عنالانطلاق من فرضية عامة، إلى استنتاج خاص.
يتم تفصيل البرهان ليناسب النتيجةالتي يريد المؤمن التوصل إليها.
وتعليقي على ماسبق هو :
1- أولا :
إذا كنت تعيب على المؤمن استثناء وجود الله من سبب وجودفأنتم تستثنون وجود الكون /العالم من سبب وجود.
إذن فأنتم تتساوون مع المؤمن فياستثناء كائن من السؤال عن خالق له.
المؤمن يستثني الله.
وأنتم تستثنونالعالم.
إذن فتلك الدوامة الطويلة التي تعيبونها على الموقف الأيماني لأستثناءالله من المخلوقية تسقطون فيها أنتم أيضا.
فلماذا تستعجبون ؟
2- ثانيا :
يقوم نقد الزميل القبطان لمبدأ العلة الأولى على نقد مبدأ السببية لذا سنفصلالقول فيه على النحو التالي :
2-1 إن التعبير الذي عبر به زميلي أي قوله :
"نظرا لأن لكل شيء سبب"
فيهاختلال في لغة الأصطلاح ،فنحن لا نقول "لكل شيء سبب" حتى يتم الرد علينا بالقول،فلماذا تستثنون الله من انطباق قانون السببية عليه؟
بل نقول :"لكل حادث سبب ". وإذا قلنا "لكل شيء سبب"فمعناه لكل شيء حادث سبب.
فالحادث أي الذي لم يكن منقبل ثم كان هو الذي يحتاج إلى من يحدثه ويخرجه من اللاوجود إلى الوجود.
وأرى أنهذا الخطأ في التعبير هو ما سقط فيه بول دفيز نفسه ، وهو معذور كفزيائي في عدممعرفته بعلم اللاهوت واستدلالاته ولغته الاصطلاحية الخاصة ،ولعل هذا الخطأ فيالتعبير انتقل إلى الزميل القبطان من كتابات بول دفيز أو من غيره من الكتاب. وبولدفيز ، بالمناسبة ، هو الذي زعم زميلي أنني أخطأت فهمه في تعقيبه علي ، وسأوضحالأمر في التعقيب الثاني مستدلا بأقوال بول دفيز نفسه.
إذن ثمة خطأ في الصيغةالتعبيرية لمفهوم العلة الأولى التي طرحها وانتقدها الزميل.
ثالثا :
منالمعلوم لكل قارئ مهتم بتاريخ الفلسفة أن الاستهانة بمبدأ السببية وإنكاره يرجع إلىدفيد هيوم ، وقد ركز هيوم كثيرا على نقد استثناء الله من قانون العلية.
لكنمشكلة دفيد هيوم هي أصلا مشكلة في مفهومه للسببية/العلية ،قبل أن تكون مشكلة في فهممدلول الألوهية . فهو لا يعتقد بكينونة وجودية للسببية بلهي مجرد اقتران ، أو عادة ذهنية. وهي الفكرة التي سينزلق إليها كانط أيضافيحول السببية إلى مقولة عقلية.
وهنا يجب أن ننبه إلى أن في فلسفة دفيد هيومهشاشة واضحة لمقولة السببية التي هي عنده مقولة فكر لا مقولة وجود. بمعنى أنهاقانون ذهني لا قانون ينتظم الموجودات في صيغ تعالقها الأنطلوجي.( وفلسفيا ثمة فارقبين منظور الغزالي للسببية ومنظور دفيد هيوم ليس هذا مقام بسط القول فيه).
ويمكنني أن أفهم عدم اهتمام دفيد هيوم بالسببية وعدم احترامه وتقديره لها. لكنلا يمكن أن نستسيغ من فزيائي عدم تقديره للسببية مثل بول دفيز.
ولا أقول إندفيز لم يقدر مفهوم السببية إنما أقول إنه لم يفهمها فلسفيا . بل تجده ينطلق مماانطلق منه الزميل القبطان " لكل شيء سبب" ، ويحسب أن هذا هو الصيغة التي يطرح بهافي علم الكلام أو في الاستدلال الكوسمولوجي. وهذا خطأ منه.
وقد كرره القبطان فيمداخلته ،حيث نجده يعيد عبارة لكل شيء سبب أكثر من مرة ويحسب أنها هي القاعدة التيينطلق منها الاستدلال على وجود الله. بينما القاعدة هي" لكل حادث سبب".
قد يقال فما الفرق ؟
أولا لكل علم لغتهواصطلاحه ، وعندما يخطئ أحد في الاصطلاح عند أهل العلم والاختصاص ،فإنهم يعدونه منخارج العلم ولا يدرك لغته فضلا عن الاقتدار على نقده. فلو قلت مثلا إن "الحدس" هومعرفة مباشرة بلاوساطة من تجربة حسية ولا من استلالات وأقيسة عقلية. فهذا تعريفاصطلاحي دقيق ومقبول ،ويمكن أن ينطبق على مختلف الفلاسفة القائلين بالحدوسأوالمحددين لمدلولها. لكن تأمل معي لو قلت في وسط فلسفي وفي معرض الحديث عن كانطالعبارة التالية" إن الحدس معرفة مباشرة بلا وساطة من تجربة حسية..." ؟؟؟؟
ماذاسيكون حالي عند أهل الأختصاص الفلسفي ؟؟ إنهم بكل بساطة سيكشفون أنني لا أعرف كانطالبتة ،لأنني أخطأت مصطلحيا خطأ فادحا في التعبير ،فالحدس عند كانط هو معرفة حسية.
وهكذا تلاحظ أن الارتكاز على القول "إن لكل شيء سببا" هو مزلق في التعبيرالاصطلاحي.
هذا من حيث الخطأ في التعبير و الاصطلاح . وللأمانة نقول إن كثيرامن الإخوة الدينيين يسقطون هم أيضا فيه.
أما الخطأ من حيث معرفة معنى الاستدلالفأبينه بما يلي :
عندما نتفق عن كون الكون حادث ، وعندما نرى العلم يشتغلبمقولة السببية ، وعندما يشتغل الملحد كما المؤمن في حياته اليومية وفق مقولةالسببية ،فإننا يجب علينا نحن جميعا مؤمنين وملحدين أن نحترم عقولنا ونعمل وفق مبدأالسببية ،فنتساءل : ما سبب الكون ؟ أي من أوجد هذا الكون الحادث؟
الأجابةالمؤمنة إجابة عقلانية في تقديري ،فهي لا تقول بكون الكون أوجد نفسه وأحدث ذاته ،بلتقول بأنه أوجده خالق مريد .
هنا يطرح الفكر الالحادي اعتراضه :
من خلق الله؟ويريد أن يطبق مبدا السببية عليه. وقد أجبتفي مداخلتي الأولى عن هذا السؤال.وأكتفي هنا فقط بالتذكير بأننا نقول لكل حادث سبب، وليس لكل شيء سبب. وبما أن الله ليس حادثا فهو ليس له سبب.
وإذا اعترض الملحدبالقول "وما أدرانا أن الله ليس حادثا" ،نرد إذااعتبرناه حادثا فسنحتاج عندئذ إلى خالق له ، وإذا اعتبرنا هذا الخالق مخلوقا محدثاسنكون مضطرين للبحث عمن أحدثه وخلقه ،وهكذا دواليك حتىنصل إلى سبب أول غير حادث تقف عنده سلسلة العلل. وبذلك فقط نتجنب التسلسلالمرفوض عقل ، كما نتجنب الدور المرفوض عقلا.
ولم أقرأ بعد أي نقد إلحاديمعقول لدليل الأحتياج إلى العلة الأولى. ولقد قرأت مراراكتاب "الدين الطبيعي" لدفيد هيومولم أزدد إلا اقتناعابدليل الأيمان ووجوب علة أولى لهذا الكون.
واختلال النقد الإلحادي للأيمان واضححتى من ذاته سواء عند هيوم أو غيره من الفلاسفة مثل شوبنهور.
يتبع ....
المفضلات