شكرًا أخي ذو الفقار بارك الله فيك.الدار دارك يا أخي والمقام مقامك وكلنا هنا لنتعلم
1- لم يحدد الراوي المقصود من الفعل "نسخ". فقد مر الفعل بتطورات على مر الزمن أضفت عليه معانٍ غير معناه الأصلي "كتب عن معارضة copy". ويشهد علماء الأصول أن المتقدمين (السلف) استعملوا الفعل "نسخ" وقصدوا به: التفسير - الشرح - البيان - التخصيص - الاستثناء - التقييد ..الخ. وبالتالي يمكن لفاهم أن يفهم أنه سأل: "ما دامت الآية قد نسخت الأخرى بمعنى شرحتها وفسرتها .. الخ فلماذا تكتب الأصل وهو مختصر وعندك بيانه وشرحه؟"أتمنى ان يكون في ردك جواباً للدليل
فقد جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن الزبير
" قلت لعثمان هذه الآية التي في البقرة : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا - إلى قوله - غير إخراج } . قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها ؟ قال : تدعها يا ابن أخي ، لا أغير شيئا منه من مكانه . "
2- شهد ابن مجاهد التابعي أن الآية لم تنسخ. وكذلك ابن عباس في حديث صحيح:
4531 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ) قَالَ كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ) قَالَ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً ، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِى وَصِيَّتِهَا ، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) فَالْعِدَّةُ كَمَا هِىَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا . زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ . وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ). (صحيح البخارى. ج 15 / ص 26)
يعلق الحافظ ابن رجب الحنبلي على هذه الرواية. فيقول:
"قال الجمهورُ: إنَّ المتوفَّى عنها زَوْجُها كانت تَعْتدُّ بالحَوْل، ثُم نسخها اللَّهُ تعالى بأربعةِ أَشْهر وعَشْراً، مع أنَّ الناسِخَ ههنا مُقَدَّم، والمَنْسوخَ متأَخِّر، وهذا مُشْكِل، فإِنَّهم قالوا: إنَّه ثَبَت بالاستقراءِ أنَّ الناسِخ في القرآن متأخِّرٌ عن المنسوخِ، فلو سَلَّمنا أن استقراءهم تامُّ، وَرَدت عليهم هاتان الآيتانِ. أقول: وقد مَرَّ معنا أنه ما من آيةٍ إلاَّ وهي مُحْكَمةٌ في بَعْضِ جُزْئياتِا، وهذا الذي يقولُه الراوي، أن هاتين الآيتين مُحْكَمتانِ. وحاصِلُه: أَنَّه نزل أَوّلاً: أنْ يُوصِي الزَّوْجُ أقرباءه أن لا يُخرِجوا زوجَتَه من بيتِه إلى سَنة، ثُم نزلت الآيةُ الأُخرى، وأُمِرتْ بِتَربُّصِ أربعةِ أَشْهُر وعَشْراً، وتحتمت العِدةُ، لا يُزادُ عليها ولا يُنْقص منها. أما الأشهرُ الستةُ الباقية، فهي محيَّرةٌ فيها، إنْ شاءت سكنت في هذا البيت، وإنْ شاءت خرجت؛ ثُم إن اختارت أن تَمْكُث في البيت حتى تتمَّ حَوْلاً كامِلاً، يقال للوَرَثة: أنْ لا يُخْرجُوها إلى مُدَّتها. ومُحصَّله أن التربُّصَ بأربعةِ أَشْهر وعَشْراً مُتَحَتِّم، وواجِبٌ من جهة الشَّرْع. والباقي سنةٌ موسَّعة، فكلتا الآيتين عند هؤلاء السَّلف محكمتان." (فيض الباري. ج 3 / ص 221)
ثم يقول:
قوله: (قال ابنُ عباس) وكان كلامُه رضي اللَّهُ تعالى عنه يَحْتَمِلُ أن يُحْمل على أنَّ الخِفَّةَ عنده راجِعةٌ إلى ما زاد على أربعةِ أَشْهُرٍ وعَشْراً، لكن ظهَر بعد الإِمْعان في كلامه أنَّ نَفْس السُّكْنى عنده ليس بلازمٍ، فلها الخروجُ بأَعْذَار يسيرةٍ. (فيض الباري. ج 3 / ص 222)
لذا يبوب تفسيرُ الطبري هذه الرواية ويضعها تحت العنوان الفرعي: ((وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء. ذكر من قال ذلك: ...)) (تفسير الطبري. تحقيق: أحمد محمد شاكر. مؤسسة الرسالة. ج5. ص258)
صورة للصفحة التي ورد بها هذا:
تحميل الكتاب:
http://islamport.com/e-shamelah_2.11.rar
3- قرر العلماء أن الآية الناسخة لابد أن تكون نقيض الآية المنسوخة من كل وجه وإلا لا يصح النسخ بمعنى المحو. ولا تعارض في الآيتيين محل النقاش:
يقول الشيخ محمد محمود ندا:
"ذكرنا فيما سبق أن القائلين بالنسخ قرروا أنه لابد لتحقيق النسخ من ورود دليلين متعارضين لا سبيل إلى الجمع بينهما، فكان لزامًا أن يكون هناك قانون يضبط هذا التعارض بحيث لا يمكن الجمع بين الدليلين بحالٍ من الأحوال." (النسخ في القرآن بين المؤيدين والمعارضين. مكتبة الدار العربية للكتاب. ص 36)
ويقول الطبري مؤكدًا على شرط التعارض في الآيات:
"قال أبو جعفر: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)، فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخًا." (تفسير الطبري. ج 14 / ص 42)
ليس شرطًا. بدليل:2- إن استعجابه لكتابة عثمان للآية يؤكد تماماً أنه كان يعلم أن الآية منسوخة حكماً وليس على ما حملت النسخ عليه من معنى
1- اختلاف العلماء. والمعنى أن أفهامهم تعددت. بل تأكيد مجاهد وابن عباس على أن الآيتين محكمتان.
2- ابن الزبير قليل الحظ في علوم القرآن عندما ظن أن كل ما يُنْسَخ لابد أن لا يُكْتَب.
3- نحن لا ندري أن ابن الزبير استعمل الفعل "نسخ" أو غيره. فقد كان آخر راوي في أي رواية يروي بالمعنى لا بالحرف الذي نطق به الراوي الأول. وإليك مثالًا واحدًا في هذا بخصوص الفعل "نسخ":
4- "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا ، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِى لِحْيَانَ . قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِىَ عَنَّا وَأَرْضَانَا . ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ." (صحيح البخاري)
وفي مسند الإمام أحمد (ج 3):
"قال قتادة وحدثنا أنس أنهم قرؤوا به قرآنا وقال بن جعفر في حديثه انا قرأنا بهم قرآنا بلغوا عنا قومنا وأنا قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد. وقال بن جعفر ثم نسخ ذلك أو رفع."
وفي مسند الإمام أحمد نجد أن الفعل "نُسِخَ" جاء على لسان أنس:
"فقنت النبي صلى الله عليه و سلم شهرا يدعو على هذه الأحياء عصية ورعل وذكوان وبني لحيان وحدثنا أنس إنا قرأنا بهم قرآنا بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا عز و جل فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ أو رفع." (ج 3)
انظر إلى تطور الفعل "نسخ" في الرواية. في صحيح البخاري يستعمل الراوي "رُفِعَ"، وفي المسند في الرواية الثانية نفس الفعل "رُفِعَ" ويستعمل جعفر "نُسِخَ" ، وفي المسند في الرواية الثالثة يستعمل الراوي الأول الفعل "نُسِخَ". وهذا دليل قاصم على أننا عندما نقرأ الفعل "نسخ" في الأحاديث لا يمكن أن نجزم أنه من ألفاظ الراوي الأول.
والسلام عليكم
المفضلات