صفحة 9 من 10 الأولىالأولى ... 5678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 90 من 97
 
  1. #81
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الباب الرابع: إشكالية العزلة والخـصوصية اليهودية



    العزلـــة اليهوديــة
    Jewish Isolationism
    «الانعزالية اليهودية» عبارة تفترض أن اليهود يعيشون في حالة عزلة عن الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها. وتُفسَّر هذه الانعزالية في الأدبيات الصهيونية على أساس أنها فُرضت فرضاً على اليهود وأنهم غير مسئولين عنها. كما تُفسَّر أيضاً بأن اليهود لا يمكنهم الاندماج في مجتمعات الأغيار بسبب هويتهم أو شخصيتهم أو طبيعتهم أو تاريخهم أو جوهرهم اليهودي. ولا يختلف تفسير معاديي اليهود لهذه الظاهرة عن تفسير الصهاينة، فاليهود بحسب تصورهم يعزلون أنفسهم عن الأغيار لأن هذه هي طبيعتهم وشخـصيتهم وهوـيتهم، وتنعكـس هذه السمة في سلوكهم وتاريخهم. يتفق الصهاينة والمعادون لليهود، إذن، على أن الانعزالية سمة أساسية وأنها لا علاقة لها بالحركيات الاجتماعية التي يوجد فيها اليهود، وإنما يُسبِّبها شيء ما داخلهم.

    ولا يمكن، بطبيعة الحال، إنكار أهمية بعض جـوانب النسـق الديني اليهودي مثل عقيدة الشــعب المختـار، وكذلك كثرة الشـعائر الدينية، في تشجيع اليهود على العزلة. وقد وصل هذا الاتجاه في النسق الديني اليهودي إلى ذروته في القبَّالاه اللوريانية الدينية، حيث تُطرح فكرة أن اليهود خُلقوا من طينة مغايرة للطينة التي خُلق منها البشر. ولكن علاقة الأفكار الدينية، وأية أفكار، بسلوك الإنسان ليست علاقة سببية بسيطة. فالأفكار لا تحدد سلوك الإنسان أبداً ولكنها تخلق لديه استعداداً كامناً أو قابلية ليسلك سلوكاً معيَّناً ويبتعد عن أنماط معينة من السلوك. كما أن من الصعب بمكان تحديد ما إذا كانت فكرة مثل فكرة الشعب المختار هي التي أدَّت إلى عزلة اليهود أو أن الفكـرة هي نتيجة هذه العزلة، أو أن العلاقة هي علاقة تأثير وتأثر، وما مدى التأثير وما عمق التأثر.

    وعلى أية حال، لا يكمن الخلل الأساسي في النموذج التفسيري الصهيوني والمعادي لليهود في سببيته البسيطة وحسب وإنما في مستواه التعميمي المرتفع وفي تجريديته الزائدة، إذ أن كلا الفريقين يتحدث عن « اليهود ككل » وبشكلٍّ عام ويُفسِّر الظاهرة داخل هذا الإطار. ولو أننا تحركنا في إطار الجماعات اليهودية لأمكننا اكتشاف التنوع وعدم التجانس، وأن أعضاء الجماعات اليهودية انعزلوا عن بعض المجتمعات واندمجوا في البعض الآخر، وأنهم انصهروا في بعض المجتمعات وطُردوا من البعض الآخر، وأن هذه الظواهر يمكن تفسيرها من خلال مُركَّب من الأسباب الحضارية والاقتصادية الخارجيــة التي تختـص بمجتمع الأغلبية، والأسباب الداخلية التي تختص بأعضاء الجماعة. ومن أهم هذه الأسباب، في تَصوُّرنا، اضطلاع أعضاء الجماعات اليهودية بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة في كثير من المجتمعات، خصوصاً المجتمع الأوربي ابتداءً من العصور الوسطى. والجماعة الوظيفية الوسيطة لا يمكنها أن تقوم بدورها إلا في حالة عزلة، إذ أنها تضطلع بوظائف مشينة أو بوظائف تتطلب الحياد والموضوعية مثل البغاء أو التجارة.

    ومن أشهر حالات عزلة اليهود، وجودهم داخل الجيتوات القسرية في أوربا ابتداءً من أواخر عصر النهضة. ولكن العزلة وصلت قمتها في أوكرانيا، حيث كان اليهود يشكلون جماعة وسيطة تمثل طبقة النبلاء (شلاختا) الحاكمة في بولندا. وكانت عزلة اليهود على عدة مستويات:

    1 ـ طبقية: جماعة تجارية مالية تمثل النخبة الحاكمة في وسط زراعي فلاحي وتساندها القوة العسكرية البولندية.

    2 ـ لغوية: جماعة تتحدث اليديشية في وسط يتحدث الأوكرانية.

    3 ـ ثقافية: جماعة ترتدي أزياءً وتأكل طعاماً يختلفان عن أزياء وطعام الفلاحين.

    4 ـ دينية:جماعة يهودية تمثل النبلاء الكاثوليك في وسط أرثوذكسي.

    وحينما تصبح العزلة على كل هذه المستويات، فإنها عادةً ما تكون متطرفة، إذ إن العزلة على مستوى ما تدعم العزلة على مستوى آخر. ولكن، ورغم هذه العزلة، فإن من المعروف أن الجماعة اليهودية تأثرت بوسطها الفلاحي السلافي، وظهر هذا التأثر في انتشار الحسيدية التي نبعت من الفلكلور الديني المسيحي السلافي، أي أنه لا يمكن أن تُوجَد عزلة مطلقة إلا في كتابات العنصريين الاختزاليين من الصهاينة والمعادين لليهود.







  2. #82
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    اليـهــــودي الخالـــــــص
    Quintessential or Pure Jew
    «اليهودي الخالص» عبارة تفترض وجود هوية يهودية خالصة لا تشوبها أية شوائب حضارية، فهذه الهوية تتمتع بنقاء عرْقي وحضاري إثني. لكن هذا المصطلح لا يرد إلا نادراً في الكتابات الصهيونية، مثل إشارة المفكر الصهيوني كلاتزكين إلى « النمط القومي الخالص » وإشارة بن جوريون إلى « اليهودي الذي هو يهودي مائة في المائة ». ومع هذا، فإن هذا المفهوم كامن في كل الكتابات الصهيونية، بل يمكن القول بأن اليهودي الخالص هو اليهودي المثالي الذي يحاول المشروع الصهيوني تحقيقه، فباسم هذا «اليهودي الخالص» ترفض الصهيونية الموروث الثقافي لأعضاء الجماعات اليهودية بل وترفض وجودهم ذاته، وباسمه تحاول تأسـيس الدولة اليهـودية حتى يتحقق هذا الجوهر. واليهودي الخالص، بكل ما فيه من حيوية وإبداع وولاء يهودي مطلق، هو نقيض اليهودي المنفي بكل ما فيه من هامشية وتَمزُّق وازدواج في الولاء. ويحاول الصهاينة تطبيع يهود المنفى لإعادة صياغتهم في صورة «اليهودي الخالص».

    نقـــاء اليهـــود عرْقيــــاً
    Racial Purity of the Jews
    «نقاء اليهود عرْقياً» عبارة تفترض أن أعضاء الجماعات اليهودية قد حافظوا، عبر التاريخ وفي كل زمان ومكان، على نقائهم العرْقي، فلم يختلطوا بالأجناس والشعوب الأخرى، وهذه فكرة يروِّج لها المعادون لليهود ويسوقونها دليلاً على رغبة اليهود في عزل أنفسهم وعلى خطورة العرْق اليهودي. فهوستون تشامبرلين يزعم أن ذلك النقاء العرْقي هـو سـر قـوة اليهـود، وأنه هو أيضاً ما يجعلهم «غرباء بين الأمم».

    وكان الصهاينة كذلك يروجون هذه الفكرة ويؤسسون عليها ادعاءهم حتمية إنشاء دولة يهودية مستقلة تكون يهودية مثلما أن إنجلترا إنجليزية وفرنسا فرنسية؛ دولة يعيش فيها الشعب اليهودي المنفصل عرْقياً عن بقية شعوب الأرض من الأغيار. ولذا، بذل كثير من « العلماء » الصهاينة كثيراً من المحاولات التي ترمي إلى إثبات نقاء اليهود عرْقياً. ومن أهم المحاولات في هذا المضمار محاولات عالِم الاجتماع الصهيوني آرثر روبين في كتابه اليهود في الوقت الحاضر حيث أورد أسماء كثير من المراجع في الموضوع من بينها اسم إغناتز زولتشان (1877 ـ 1944) الذي وصف اليهود بأنهم « أمة من الدم الخالص لا تشوبها أمراض التطرف أو الانحلال الخلقي الناجمة عن عدم النقاء ». وقد أكد زولتشان أن « حظر الزواج المُختلَط في اليهودية قد أدَّى إلى عدم اختلاط اليهود بأجناس لم تحافظ على نقائها بالدرجة نفسها ». وقد قدَّم روبين نفسه تعريفاً عرْقياً لليهود فبيَّن أنهم « اسـتوعبوا عناصر عرْقية أجنبية بدرجـة محـدودة، ولكنهم في أغلبيتهم يمثلون جنساً متميِّزاً، على خلاف الحال في دول وسط أوربا ». وأضاف أن من الواجب الحفاظ بشكل واع على الاستمرار العرْقي اليهودي الذي تحقق بشكل تلقائي عبر التاريخ، وأكد أن أي جنس راق يتدهور بسرعة إذا ما تزاوج بجنس أقل رقياً، ذلك لأن التزاوج بالأجناس الأخرى يضرُّ بمحاولات المحافظة على الصفات الممتازة للجنس، ومن ثم فـ « لابد من محاولة منع التزاوج للمحافظة على انفصالية اليهود ».

    ومن الواضح أن روبين وزولتشان حينما يتحدثان عن اليهود فهما يتحدثان عن اليهود الإشكناز وحسب أو يهـود العالم الغربي ويستبعدان أعضاء الجماعات اليهودية الأخرى ويُروِّج المعادون لليهود المقولة نفسها. وما يُسمَّى «الصفات العرْقية الشائعة عن اليهود» هو في واقع الأمر «الصفات العرْقية الشائعة عن اليهود الإشكناز أو يهود العالم الغربي». وفي كتاب المفكر المصري الدكتور جمال حمدان اليهود دراسة مستفيضة لبعض هذه الصفات مثل قصر القامة وضيق الصدر والسمنة والأنف المعقوف وشكل الرأس. ويشير الدكتور جمال حمدان إلى أن الدراسات المترية تُظهر اليهودي في أغلب الحالات أقصر من غيره بضع بوصات. ولكنه يبيِّن أن طول القامة لا يمكن اعتباره صفة جسمية أصيلة، فمن الثابت علمياً أنها صفة مطاطة تتكيف بالبيئة الطبيعية والاجتماعية، كما يُعَدُّ ضيق الصدر من هذه الصفات الشائعة، الأمر الذي تؤكده الأدلة العلمية، فمحيط صدر اليهودي (الإشكنازي) أقل كثيراً منه عند « الأغيار ». ولكن هذه الصفة ـ كما يبيِّن الدكتور جمال حمدان ـ نتيجة طبيعية للبيئة والحرفة، فالحرف التقليدية لليهود الإشكناز (خياطة ـ صباغة ـ صناعة أحذية) ترتبط بتلك الظاهرة. وتُعَدُّ صفـة « السحنة » اليهودية أكثر هذه الصفات شيوعاً، والمُحقَّق علمياً أنها لا تُوجَد عند كل اليهود ولا تكاد تُعرَف في أشـكناز أمريكا كما أنها معروفة بين غير اليهـود. وسحنة الوجه تعبير اجتماعي مُكتسَب من البيئة أكثر من كونها صفة جسمية، حتى سماها البعض «تعبير الجيتو»، فهي من فعل الانتخاب الصناعي لا الوراثة.











  3. #83
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    أما مسألة الأنف المعقوف،كصفة مميِّزة لليهودي في المخيلة الشعبية، فهي أسطورة أخرى. فلقد أثبتت الدراسات الأنثروبولوجية أن هذه الصفة غير موجودة إطلاقاً بين أنقى عنصر سامي وهم البدو،ولكنها صفة غالبة بين القبائل القوقازية المختلفة، وكذلك في آسيا الصغرى،وتشمل العناصر المحلية في المنطقة مثل الأرمن والجورجيين.ونجده بين شـعوب البحر المتوسـط أكثر مما نجده بين يهود أوربا الشـرقية،ويَكثُر انتشارها بين الهنود الحمر في أمريكا الشمالية!

    ومن أهم المقاييس الأنثروبولوجية، لتحديد الانتماء العرْقي، شكل الرأس. وقد بيَّن الدكتور جمال حمدان في كتابه اليهود أنثروبولوجياً أن من بين المجموعات الرئيسية الثلاث (الإشكناز والسفارد والشرقيين) يقع الإشكناز بين عراض الرؤوس وأحياناً عراض الرؤوس جداً، هكذا هم في كل أوربا والعالم الجديد ابتداءً من الفولجا حتى كاليفورنيا. ولكن الأهم من هذا أنهم يشبهون السكان المحيطين محلياً ويقتربون جداً من شكل ونسبة رأسهم، فمثلاً ليس ثمة فارق في شكل الرأس بين اليهود والمسيحيين في كل من روسيا وبولندا، بينما في منطقة القوقاز تتحول رؤوسهم لشكل «قمع السكر » الشهير عند الأرمن والقفقاز بل ونجده حتى بين يهود التركستان.

    وكان من الشائع أن السفارد على النقيض من ذلك تماماً، أي أنهم طوال الرؤوس جميعاً. ولكن هذه المقابلة تبسيطية أكثر مما ينبغي، فرغم أن طول الرأس يَغلُب بين السفارد فإن منهم جماعات استعرَضَت رؤوسهم كما في شمال إيطاليا وربما كانت بينهم جماعات أخرى من سفارد البلقان. ويُلاحَظ أن السفارد يعيشون جملة بين شعوب طويلة الرأس كالبربر والعرب بحيث لا يمكن أن يغيِّر التزاوج شكل رؤوسهم بل على العكس يؤكده.

    ويأتي اليهود الشرقيون في حدود التصنيف، فجزء منهم طوال الرؤوس كالسفارد ويشمل يهود مصر والشام واليمن والعراق وجنوب إيران (والسكان المحيطون بهم طوال الرؤوس، إلا أن حجم الرأس عندهم أطول بدرجة أو أخرى من حجم الرأس عند اليهود). أما الجزء الآخر منهم، كالإشكناز، فقد استعرضت رؤوسهم كما في شمال العراق ومنطقة جبال القوقاز وشمال إيران ويهود التركستان الروسية بكل شظاياها، وأخيراً هناك اليهود القرّاءون في القرم وليتوانيا. ففي كل هذه الحالات يعيش اليهود في محيط واسع من العرض الشديد للرأس، وقد استعرضت رؤوسهم بشدة فأصبحوا لا يختلفون عنه أبداً.

    ويحاول بعض العلماء أن يجعلوا من اليهود طوال الرأس من السفارد وبعض الشرقيين وحدة إثنولوجية قائمة بذاتها، قد تتباين فيما بينها من منطقـة إلى منطقـة ولكنهـا بعامة تتباين أكثر مع السـكان المحيطين. ولذا فهم يصورون اليهود الإشكناز ومعهم بقية الشرقيين وحدة إثنولوجية أخرى. ومع هذا يعترف هؤلاء العلماء بأن كل نوع أو سلالة جنسية معروفة في أوربا يمكن بسهولة أن تُلتَقط من بين يهود القارة، وأن أغلب اليهود يمثلون بطريقة أو بأخرى خليطاً من عديد من تلك السلالات والأنواع، ولذا من السهل جداً أن نلتقط من بين يهود الروسيا أفراداً يتميَّزون بالصدغ الواسع والأنف العريض القصير وعظام الوجنة البارزة بدرجة لا تفرق بينهم وبين جماعات الفن المغولية التي تَسكُن منطقة الفولجا، بينما يُوجَد بين اليهود الألمان أفراد هم بكل معنى الكلمة نورديون مثاليون.


    ويمكن من ناحيتنا (والكلام لا يزال للدكتور جمال حمدان) أن نضيف على مستوى العالم متناقضات كالموزايك [الفسيفاء] تكاد تغطي كل ما نعرف بين البشر من اختلافات في الصفات الجنسية، فهناك اليهود السود في الحبشة وجنوب الصحراء الكبرى، وهناك اليهود المُلوَنون في الهند، بل والصفر أحياناً في التركستان، وأخيراً اليهود الشقر في أوربا. وكما لاحظ دالبي في أواخر القرن الماضي، هناك كل الأنواع والألوان بين اليهود البيض والسمر، فهناك اليهودي الربعة غليظ الملامح عريض الرأس من الإشكناز واليهودي النحيف دقيق الملامح طويل الرأس من السفارد، وهناك الأنف اليهودي المُحدَّب والأنف المُقعَّر بين كثير من يهود روسيا. وهناك العيون اللوزية في السفارد، والمكتنزة الضخمة في الأشـكناز، والعيون المغولية المسـحوبة في بعض يهود وسـط آسـيا. وبعامة، فإن السفارد أشبه بعنصر البحر المتوسط والإشكناز أشبه بالصقالبة الشماليين، وفضلاً عن هذا فإن الدراسات السيرولوجية أثبتت تماماً أن هناك بين اليهود معدل تَفاوُت كبير جداً في فئات الدم وهو ما ينفي تَجانُس الأصل. وأكثر من ذلك، لا تُبدي تلك الفئات أية علاقة بفئات الدم عند اليهود السامريين الأمر الذي يؤكد عمق انفصالهم جنسياً عن الأصل القديم (إن كان هذا الأصل واحداً).

    فالحديث عن الوحدة العرْقية بين اليهود (كما بيَّن الدكتور جمال حمدان وغيره من العلماء) لا محل له من حقيقة أو علم على الإطلاق. واليهود لا يعرفون الوحدة العرْقية أكثر مما يعرفون الوحدة الجغرافية، وثمة اتفاق بين الدارسين في الوقت الحاضر على أن نقط التشابه بين أعضاء الجماعات اليهودية وبين أبناء المجتمعات التي يعيشون فيها يفوق كثيراً أي تَشابُه قد يُوجَد بين أية جماعة يهودية وأية جماعة يهودية أخرى في مجتمع آخر.

    وهذا أمر مُتوقَّع تماماً، ورغم التشريعات اليهودية الخاصة بتحريم الزواج المختلط، فمن المعروف أن اليهود تزاوجوا بغيرهم من الشعوب. بل وكان من الصعب علىهم أن يفعلوا غير ذلك لأنهم كانوا شعباً من البدو الرحل الذين يتنقلون من مكان إلى آخر. لقد جاء الآباء، أسلاف العبرانيين، من بابل، فهم إذن من أصل سامي عربي. وحينما وصلوا إلى كنعان، تزاوجوا مع الحيثيين الذين هم من أصل أرمني. ولا شك في أن العبرانيين تأثروا حضارياً وعرْقياً بالمصريين أثناء إقامتهم في مصر بعد هجرة يوسف ويعقوب. وقد خرجوا من مصر ومعهم « اللفيف العرْقي » الذي يشير إلىه العهد القديم. وقد تزوج موسى أثناء الخروج أو الهجرة من مصر من امرأة مدينية (من مدين) ثم من كوشية. وتزاوج العبرانيون بالكنعانيين بعد تسللهم إلى أرض كنعان وبغيرهم من الأقوام السامية التي كانت تقيم هناك. ومن الطريف أن أم داود (الذي سيأتي من نسله الماشيَّح ملك اليهود) لم تكن، حسبما ورد، يهودية. أي أنه هو نفسه مشكوك في انتمائه إلى الشعب اليهودي. وفي العصر الهيليني، كانت نسبة التزاوج بالأجانب مرتفعة إلى حدٍّ كبير










  4. #84
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    ورغم أن اليهودية ليست ديانة تبشيرية، فإن كثيراً من الشعوب قد تَهوَّدت. فقد فرض الحشمونيون اليهودية قسراً على بعض الشعوب المجاورة لهم، مثل الأدوميين والإيطوريين. كما تَهوَّدت قبائل الخزر (أو نخبتها القائدة) في ظروف لا تزال غامضة. ويُلاحَظ أن الكنيسة، في العصور الوسطى، كانت تكرِّر من آونة لأخرى تحريم الزواج بين اليهود والمسيحيين، وهو أمر يدل على استمرار الظاهرة. أما في العصر الحديث، فإن معدلات الزواج المُختلَط في ألمانيا في الثلاثينيات، في روسيا السوفيتية (سابقاً) وفي الولايات المتحدة وفي معظم البلاد التي تزايدت فيها معدلات العلمنة، تصل إلى نحو 50% في كثير من الأحيان. وكانت نتيجة الزواج المختلط هي عدم النقاء العرْقي.

    وقد اتضحت الخلافات العرْقية بين اليهود في الدولة اليهودية بشكل مثير لا يمكن الجدل بشأنه: فاليهود الإشكناز الشقر ويهود الفلاشاه السود ويهود بني إسرائيل الداكنو اللون (الذين جاءوا من الهند) لا يمكن أن ينتموا إلى عرْق واحد مهما بلغت الادعاءات العنصرية (الصهيونية أو المعادية لليهود) من حنكة وموضوعية!

    ولو كانت هناك سمات يهودية عرْقية واضحة لما ادعى بعض اليهود (أيام هيمنة النازية) أنهم ينتمون للجنس النوردي وأنهم لا علاقة لهم بالجنس السامي، ولما طلب النازيون من أعضاء الجماعات اليهـودية أن يُعلِّقـوا نجمـة داود، حتى يسـتطيع الآريـون التعرف عليهم. ولكن التفكير العنصري الاختزالي يمكنه التعايش ببساطة مع مثل هذه التناقضات، فهو لا يشعر بالأمن أو الاستقرار إلا في عالم واحدي مادي كل الأمور فيه بسيطة ويمكن ردها لعنصر مادي واحد يُدرَك بالحواس الخمس، مثل العرْق وشكل الأنف وحجم الرأس.

    الأمـراض اليهودية (الخصوصية اليهودية الطبية)
    (Jewish Diseases )Jewish Medical Specificity
    «الأمراض اليهودية»، هي تلك الأمراض التي يُفترض أنها تصيب اليهود وحدهم. وتذخر الكتابات الطبية المعنية بالمسألة الوراثية بالحديث عن إشارات إلى مناعة اليهود ضد أمراض مُعْدية معينة كالسل أو الطاعون. وتصل هذه الدراسات إلى حد الشطط حين تتحدث عن التفوق المعرفي والعلمي والعقلي لليهود وعن ارتفاع معدلات الذكاء الوراثي بينهم. والواقع أن مثل هذه الأفكار تفترض أن ثمة خصوصية بيولوجية وراثية يهودية، أي خصوصية طبية ونفسية وعرْقية تسم اليهود كافة في كل زمان ومكان.

    ولكن دراسة ظاهرة الأمراض اليهودية (أو الأمراض التي يُصاب بها أعضاء الجماعات اليهودية) بتعمق، ومن خلال استخدام نموذج تفسيري أكثر تركيباً وثراءً من ذلك النموذج التبسيطي الاختزالي السائد في بعض الكتابات الغربية، تبين لنا وبشكل قاطع عدم صحة هذا الافتراض. كما تبين لنا الدراسة المتأنية مدى التنوع والاختلاف في الأمراض التي تصيب الجماعات اليهودية المختلفة.

    ويمكن تصنيف الأمراض التي تُصيب أعضاء الجماعات اليهودية المختلفة إلى قسمين من منظور الخصوصية أو انعدامها:

    1 ـ أمراض تصيب أعضاء الجماعات اليهودية دون غيرهم من سكان المجتمعات التي يعيشون بينها (ويندرج تحت هذا التصنيف زيادة مناعة أعضاء الجماعات اليهودية ضد بعض الأمراض بمعدل يفوق المعدل السائد بين أعضاء الأغلبية). وهذه الخصائص الطبية يمكن تفسيرها من خلال نموذج تفسيري يؤكد أهمية العناصر الثقافية (بالمعنى العام للكلمة) المقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية. ومع هذا يبيِّن هذا النموذج أن الخصوصية الطبية التي تسم جماعة يهودية ما ليست خصوصية طبية يهودية عالمية عامة، أي أنها لا تشمل كل يهود العالم وإنما تقتصر على جماعة يهودية دون غيرها من الجماعات. ومن ثم لا يمكن الحديث عن خصوصية طبية أو بيولوجية عالمية عامة. ويُلاحَظ أن هذا التنوع وذلك الاختلاف نابعان أساساً من مُركَّب من العوامل البيئية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي نتج عنها ظهور بعض الأمراض الوراثية التي اختلفت من جماعة إلى أخرى ونتج عنها ارتفاع نسبة الإصابة ببعض الأمراض بين جماعة دون أخرى.

    ثمة أمراض بعينها تكثر بين أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة من أصل يديشي أو إشكنازي، وثمة أمراض وراثية تنتشر بينهم دون غيرهم من السكان. ومن بين هذه الأمراض مرض «جاوشر»، وهو مرض وراثي يَنجُم عن صفة متنحية (والصفة المتنحية هي الصفة التي لا تظهر إلا عندما يكون الوالدان حاملين للصفة الوراثية نفسها). ومن أهم أعراض مرض جاوشر، انخفاض نسبة خميرة (إنزيم) تدخل في أيض نوع من أنواع الدهون في الدم، وهو ما يتسبب عنه تراكم هذه المادة في كلٍّ من الكبد والطحال والجهاز العصبي، مؤدياً إلى أعراض مرضية متلازمة في النمط المزمن الذي يظهر في البالغين، أو إلى الوفاة في غضون عامين أو ثلاثة أعوام في النمط الحاد الذي يظهر بين الأطفال. وتبلغ نسبة حاملي هذه الصفة الوراثية بين يهود الولايات المتحدة من أصل يديشي حوالي واحد بين كل ستين بينما تبلغ هذه النسبة بين غير اليهود حوالي واحد بين كل ستمائة.

    وهناك أيضاً مرض «تاي ـ ساكس»، وهو مرض يَنجُم عن غياب خميرة تدخل في أيض الدهون أيضاً، ويؤدي هذا المرض إلى موت الأطفال المصابين به في غضون عامين أو ثلاثة أعوام. وتبلغ نسبة حاملي الصفة المتنحية المسببة لهذا المرض بين يهود الولايات المتحدة من أصل يديشي نحو واحد بين كل ثلاثين، بينما تصل هذه النسبة في غير اليهود إلى واحد بين كل ثلاثمائة، ونسبة احتمال ولادة طفل مصاب بهذا المرض تصل إلى واحد بين كل ثلاثة آلاف وستمائة من اليهود من أصل يديشي بينما تنخفض إلى واحد بين كل ثلاثة ملايين وستمائة ألف بين غير اليهود.












  5. #85
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي




    وهناك أيضاً مرض «نيمان بيك»، وهو مرض ينجم عن تطفُّر جيني له علاقة بغياب خميرة تدخل أيضاً في أيض الدهون، ونسبة حاملي هذه الصـفة عـالية بين يهـود الولايات المتحـدة من أصـل يديشي. وهناك بالمثل ما يُسمَّى «متلازمة بلوم» (و«المتلازمة»، هي مجموعة من الأعراض المرضية المتلازمة، والتي يُقال لها بالإنجليزية «سندروم syndrome». وتتمثل متلازمة بلوم في انخفاض وزن المولود وضعف نموه وحساسية جلده للشمس وتَراكُم اللمف وظهور شكل الفراشة على الوجه.

    ويُلاحَظ أيضاً ارتفاع نسبة إصابة يهود الولايات المتحدة من أصل يديشـي بنقص غير عـادي في الخميرة 21 - هيدروكسـيليز غير التقليدي. ويؤدي هذا النقص إلى تَراكُم مواد دهنية في الأنسجة العصبية والكبد والطحال.

    ومما يلفت النظر في هذه المجموعة من الأمراض الوراثية، والتي تزيد نسبة تواترها بين يهود الولايات المتحدة من أصل يديشي، أنها تتعلق أساساً بنقص خمائر أيض الدهون! والواقع أن ثمة ظاهرة مماثلة تتعلق بقبائل الهوي في أمريكا الشمالية حيث يزداد عدد الأفراد من «أعداء الشمس»، أو الألبينو، ونظراً لارتفاع قيمة هذا الشكل بين قبائل الهوي، يحدث ما يُسمَّى «الانتقاء الثقافي»، أي أن الثقافة تفرض على المجتمع أو الجماعة نوعاً من الانتقائية الوراثية نظراً لأهمية عنصـر معيَّن. وهذا العنصـر، في حالة اليهـود، هو الوصية التي تقول «لا تطبخ العجل بلبن أمه »، والتي تتضمن تحريماً ضمنياً على استخدام الدهون. ويمكننا بالمثل رؤية الأمراض الوراثية التي تزداد نسبتها بين يهود الولايات المتحدة، المهاجرين من مناطق اليديشية، كنوع من الانتقاء الثقافي وأيضاً الطبقي، ذلك أن معظم هؤلاء المهاجرين من أصول فقيرة، ويصبح الامتناع عن تناول الدهون نوعاً من الالتزام الديني والذي قد يكون أيضاً بسبب عجز القدرة المادية.

    ومن الأمراض العصبية التي ترتفع نسبة الإصابة بها بين يهود اليديشية في العصر الحديث (بخاصة بين المهاجرين) مرض ذهان الهوس والاكتئاب أو المرض الدوري، وهو المرض الذي تنتاب المريض فيه حالات متعاقبة من الهوس ثم الاكتئاب، وأحياناً تكون الحالات اكتئابية فقط أو هوسية فقط. ويُذكَر أن هذا المرض يكون مقترناً (لدى بعض اليهود غير اليديشيين المصابين به) بعمى الألوان وبنقص في الخميرة المسؤولة عن انتزاع هيدروجين الجلوكوز 6 فوسفات من على الصبغية س، ومن ثم يُفترض أن يكون لهذا أصل وراثي.

    ومرة أخرى، يُفسِّر نموذج الانتقاء الثقافي سبب تَفشِّي هذا المرض بين اليهود من أصل يديشي أو إشكنازي. وكما يقول رفائيل باتاي في كتابه العقل اليهودي، تزداد نسبة إصابة فقراء اليهود والطبقة العاملة اليهودية التي تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي الطائفة بهذا المرض، فذهان الهوس والاكتئاب هو من أمراض عدم التَكيُّف ويزداد بشدة عندما تزداد الهوة الاجتماعية بين أفراد الطبقة الواحدة. واليهودي الفقير يزداد إحساسه بالغربة وعدم التكيف لإحساسه بأن اليهود الآخرين أكثر غنى منه، ومن ثم تبدأ نوبات السخرية من الذات التي تتلوها نوبات الاكتئاب والإحباط.

    وكذلك يُفسِّر لنا هذا النموذج انخفاض معدلات الخصوبة بين اليهود من أصل يديشي في الولايات المتحدة حتى أصبحت تساوي النسبة العامة للمواطن الأمريكي من الطبقة الوسطى. فالحراك الطبقي الذي حققه يهود اليديشية في الولايات المتحدة غيَّر نمط حياتهم وجعلهم أقرب إلى التمسك بقيم الطبقة الوسطى أكثر من المواطن الأمريكي العادي. فاليهودي اليديشي المنتمي إلى الطبقة الوسطى الأمريكية لن يَقبَل أن يحرمه الإنجاب من كل المزايا الفردية التي يتمتع بها، وذلك على العكس من جده الفقير في بولندا الذي كان ينجب كثيراً لأن الأولاد يشكلون مصدراً للدخل (كقوة عمل)، ولأن الثقافة السائدة لا تأبه كثيراً بالانتماء الفردي بقدر ما تحرص على الانتماء الجماعي.

    أما اليهود القرّاؤن، فيُلاحَظ أن من بين الأمراض الوراثية التي ترتفع نسبة ظهورها بينهم مرض فردبخ هوفمان، وهو مرض أيضي يؤدي إلى تَحلُّل خلايا الدماغ ويؤدي إلى موت الأطفال المصابين به. وتبلغ نسبة الأشخاص حاملي المرض بين القرّائين نحو واحد بين كل ثلاثين.

    ويُفترَض أن ليهود الولايات المتحدة من أصل يديشي مناعة خاصة ضد الإصابة بالسل. وقد ذكرت بعض المراجع التاريخية أنه إبَّان تَفشِّي وباء الطاعون في أوربا في القرون الوسطى وما بعدها، كانت نسبة إصابة اليهود به أقل بكثير من نسبة إصابة الآخرين. والواضح أن المناعة النسبية ليهود الولايات المتحدة من أصل يديشي ضد السل يمكن فهمها في ضوء نموذج الانتقاء الثقافي، فمعظم هؤلاء من أصول فقيرة عاشت في مناطق فُرضت عليها العزلة، وبذلك تَفشَّى السل في أجدادهم، والناجون هم أولئك الذي استطاعوا اجتياز المرض واكتسبوا مناعة نسبية ورَّثوها للأجيال التالية التي هاجرت إلى الولايات المتحدة وارتقت في السلم الاجتماعي إلى مستوى الطبقة الوسطى. أما بالنسبة إلى وباء الطاعون، فقد استطاع كثير من يهود أوربا خلال العصور الوسطى تَجنُّب هذا المرض، مثلهم مثل سائر الأثرياء، لمقدرتهم على الابتعـاد عن المناطق الموبوءة، وكذلك لنظافتهم والطبيعة الخاصة لطعامهم.

    وفيما يختص بيهود المشرق، نجد أن نسبة الإصابة بأمراض نزف الدم (الهيموفيليا) تقل قياساً بغيرهم. ويمكننا في ضوء نموذج الانتقاء الثقافي أيضاً أن نرى انخفاض نسبة أمراض الدم بين اليهود الشرقيين، حيث أن اتباع تعاليم التلمود يخلق هذا النوع من الانتقائية. فقد ورد في التلمود فقرة تدعو إلى عدم ختان الطفل المولود لامرأة مات لها طفل من النزيف بعد ختانه، وإلى عدم تحبيذ زواج تلك المرأة من رجل من العائلة نفسها.
    ومن المعروف أن ختان الذكور تقليد مصري اعتاد عليه اليهود وأخذوا معه جميع التعاليم المرتبطة به. وبذا، يمكننا أن نقول إن هذا أدَّى إلى عملية انتقائية خاصة تؤدي إلى عزل جيني معيَّن يقلل من الإصابة بهذا المرض.






  6. #86
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    2 ـ أمراض تصيب أعضاء الجماعات اليهودية بنسبة لا تختلف عن أعضاء الأغلبية:

    يُلاحَظ أن هناك تشابهاً في النمط الوراثي أو في مسألة الإصابة بالمرض بين أعضاء الجماعات اليهودية وبين الشعوب التي يتواجدون بينها. فهم ينتمون إلى ثقافة هذه الشعوب ويعيشون ظروفها. وفي دراسة أجريت في إسرائيل أعوام 1964 ـ 1966، يُلاحظ الباحث أن نسبة الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم المصاحب للحمل ترتفع بين النساء اليهوديات من أصل إيراني. وكذا بين المسلمات العرب، عنها بين النساء اليهوديات من أصل يديشي أو سفاردي. وهو يحاول أن يربط بين المرض وبين ما دعاه بـ «الأصل العرْقي»، ولكنه يعود في فقرة أخرى ليتحدث عن العوامل الاقتصادية الاجتماعية، وليس عن الأصل العرْقي، دون أن يُلاحظ ما في قوله من تَناقُض، فيقول: إن المرض أكثر انتشاراً بين الأمهات الفقراء وغير المتعلمات!

    في هذا الصدد، تَذكُر دراسة أجريت في إسرائيل بين عامي 1952 و1953 أن معظم حالات أمراض الجهاز الهضمي بين يهود اليديشية هي حالات قرحة المعدة والقولون العصبي، وهي حالات عصبية جسمية. وعلى العكس من ذلك، تزداد الأمراض المعدية بين اليهود الشرقيين. فيهود اليديشية القادمون من أوربا يعانون أساساً من أمراض الحضارة الغربية، أما اليهود الشرقيون فيعانون من أمراض المنطقة العربية.

    ونحن نلاحظ أيضاً أن غالبية الأمراض الوراثية، التي تُعزَى إلى اليهود بشكل أو آخر، ما هي إلا أمراض تزيد نسبتها بين صفوف يهود الولايات المتحدة من أصل يديشي. ويرجع هذا أولاً وقبل كل شيء إلى ارتفاع مستواهم المادي مقارنةً بغيرهم من البشر في الولايات المتحدة حيث يحتلون مراكز قوية داخل صفوف الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، الأمر الذي يتيح لهم قدراً عالياً من التعليم، وبالتالي يمكنهم الاستفادة من عملية فحص الأبوين وفحوص ما قبل الزواج التي تتطلب تكاليف باهظة لا يقدر عليها المواطنون من أصل أفريقي مثلاً.

    وعلى أية حال، فإن هذه الدراسات لا تتطرق إلى الأمراض الوراثية العائلية التي تصيب العائلات اليهودية الثرية كعائلة روتشيلد على سبيل المثال. والملاحَظ أن النمط الوراثي هنا يختلف عن النمط العام لأمراض يهود اليديشية ويقترب من النمط الوراثي للعائلات الأرستقراطية الأوربية كآل رومانوف الروس مثلاً، حيث تنتشر بينهم أمراض الدم مثل الهيموفيليا، وهي أمراض تعني شدة انغلاق العائلة على نفسها، وهو ما يؤدي إلى العزل الجيني أو التثبيت الوراثي لصفة مُتنحية.

    لكن الحديث عن الأمراض اليهودية، دون مقارنة هذه الظاهرة بالظواهر المماثلة في المجتمع، يؤدي إلى نزع الظاهرة من سياقها ويفتح الباب على مصراعيه للنظريات العنصرية، والمنطق نفسه الذي يحاول إثبات التفوق الوراثي لليهود يمكن أن يحاول أيضاً إثبات خطورتهم الوراثية وضرورة اتخاذ الإجراءات لوضع حد لهذا الخطر.

    نقـــاء اليهـــود حضـــارياً (إثنـــياً)
    Cultural (Ethnic) Purity of the Jews
    «نقاء اليهود حضارياً (إثنياً)» هي عبارة تعني أن ثمة شعب يهودي ذو تقاليد حضارية يهودية خالصة، احتفظت باسـتقلالها ووحـدتها ونقائها.

    والنقاء الحضاري هو المفهوم الأساسي الكامن في الكتابات الصهيونية عن اليهود. ومن ثم، فهم يتحدثون عن «الخصوصية اليهودية» أو «التراث اليهودي» أو «الثقافة اليهودية» وعن «التاريخ اليهودي» وكأن هناك بنية تاريخية مستقلة يدور اليهود في إطارها بمعزل عن الأغيار، وذلك برغم انتشارهم في كل أنحاء الأرض، بل ويتحدثون عن «النظام السياسي اليهودي» و«الاقتصاد اليهودي»، وهكذا، باعتبارها كلها ناتجة عن هذا النقاء الحضاري اليهودي، وباعتـبارها الأطــر التي احتفـظ اليهود من خلالها بنقائهم.

    ويُلاحَظ أن النقاء الثقافي غير منفصل عن النقاء العرْقي، فاستناداً إلى فكرة الشعب العضوي (فولك)، ترتبط حضارة أي شعب بالدماء التي تجري في عروقه. ومن ثم، فإن هناك وحدة لا تنفصم عراها بين الحضارة والعرْق. وقد سادت هذه الفكرة أوربا في القرن التاسع عشر، وكانت من أكثر الأفكار شيوعاً، وأثَّرت في الفكر القومي الغربي وفي الفكر النازي والصهيوني وفي النظرية الإمبريالية الغربية.

    ونحن نذهب إلى أن هناك ثقافات يهودية مختلفة باختلاف التشكيلات الحضارية التي يوجد داخلها اليهود - ومن هنا عدم نقاء الظواهر الحضارية اليهودية ابتداءًً باللغة العبرية ذاتها، وانتهاءً بالنشيد الوطني الإسرائيلي «الهاتيكفاه» (أي الأمل) - (انظر الباب المعنون «ثقافات أعضاء الجماعات اليهودية [تعريف وإشكالية]»).

    والواقع أن الامتزاج مع الحضارات والشعوب الأخرى ليس أمراً معيباً أو مشيناً، فهو قانون الوجود الإنساني. ولكن الصهاينة، شأنهم شأن المعادين لليهود، يحاولون خلع صفة النقاء الحضاري وأحياناً العرْقي على اليهود، وفي هذا إنكار لإنسانيتهم لأنهم حين ينتزعون اليهود من سياقهم التاريخي المتعيِّن إنما ينتزعونهم من سياقهم الإنساني الوحيد.







  7. #87
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي


    الخصوصية اليهودية
    Jewish Specifcity
    «الخصوصية اليهودية» تعبير ينطلق من أن هناك سمات وخصائص ثابتة يُفتَرض أنها مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية ومن ثم تمنحهم خصوصيتهم. وهذه الفكرة كامنة في جميع الأدبيات الصهيونية والأدبيات المعادية لليهود، إذ أن كلاًّ منهما يرى أن ثمة طبيعة بشرية يهودية أو تاريخاً يهودياً خاصاً مقصوراً على اليهود. ولكن دارس الجماعات اليهودية في العالم سيرى أن مفهوم الخصوصية اليهودية ليس له ما يسنده في الواقع، إذ يتسم أعضاء الجماعات اليهودية، بل والنسق اليهودي الديني ذاته، بعدم التجانس. ولذا، فقد يكون من الأدق الحديث عن خصوصيات الجماعات اليهودية، وهي خصوصيات أدَّت العناصر التالية إلى ظهورها:

    1 ـ اضطلعت أعداد كبيرة من الجماعات اليهودية بدور الجماعات الوظيفية الأمر الذي أدَّى إلى عزلها عن المجتمع، ومن ثم كان لهذه الجماعات لون خاص بها وشخصية شبه مستقلة. لكن هذه الخصوصية وظيفية أكثر منها حضارية، أي مرتبطة بالوظيفة لا بالتراث المشترك.

    2 ـ ما يضفي على أعضاء الجماعات اليهودية، (في معظم الأحوال) طابع الاستقلال النسبي الإثني هو ميراثهم من تشكيل حضاري سابق كانوا يتواجدون فيه، وحملوا بعض عناصره وسماته معهم إلى التشكيل الحضاري الجديد الذي انتقلوا إليه، وتمسكوا بها وحافظوا عليها دون أن تكون هذه العناصر والسمات يهودية بالضرورة.

    3 ـ الخصوصية اليهودية التي تتمتع بها الجماعات اليهودية الوظيفية هـي أقـرب إلى الحـالة الذهنية الافتراضية منها إلى الحالة الواقعية الفعلية، فرغم العزلة التي يفرضها المجتمع على الجماعة الوظيفية فإن أعضاء الجماعة اليهودية يكتسبون كثيراً من خصائص هذا المجتمع ويندمجون فيه.

    لكل هذا، لا يمكن الحديث عن خصوصية يهودية واحدة عالمية مُستمَدة من معجم حضاري واحد، بل يمكننا أن نقول إن هناك خصوصيات يهودية شتى اكتسبها أعضاء الجماعات اليهودية لا من تراث يهودي عالمي أو من خلال حركيات حضارية يهودية عامة، وإنما من خلال التفاعل مع عدة تشكيلات حضارية، ومن خلال التكيف معها بطرق مختلفة، ومن خلال الاندماج فيها في نهاية الأمر. ومن ثم أصبح أعضاء الجماعة اليهودية في الصين يهوداً صينيين (أو صينيين يهوداً) تحددت خصوصيتهم داخل التشكيل الحضاري الصيني وبسببه، لا خارجه وبالرغم منه. ولذا، انضمت قيادة الجماعة اليهودية في الصين إلى طبقة كبار الموظفين العلماء (ماندرين)، وتطبَّع أعضاء الجماعة اليهودية بطبائع الصينيين في كثير من النواحي. ويُقال الشيء نفسه عن يهود الهند ويهود إثيوبيا ويهود العالم العربي. بل ونجد، داخل التشكيل الحضاري الواحد، كالتشكيل الحضاري العربي، أن يهود العراق يختلفون عن يهود اليمن بمقدار اختلاف العراق عن اليمن. وفي اليمن، يختلف يهود صنعاء عن يهود الجبال (صعدا وغيرها) بمقدار اختلاف أهل صنعاء عن أهل الجبال.

    وتختلف الأزياء التي يرتديها أعضاء الجماعات اليهودية باختلاف التشكيل الحضاري الذي ينتمون إليه. فالبنطلون الجينز أو الميني جيب (زي الفتاة اليهودية الأمريكية الحديثة) يختلف عن زي الفتاة اليهودية الأمريكية في الجنوب الأمريكي قبل الحرب الأهلية حيث كانت تلبس أزياء الأرستقراطية الإنجليزية. وزي كلتيهما لا علاقة له بالزي الذي ترتديه الفتاة اليهودية من قبائل البربر في المغرب وتونس. وكل هذه الأزياء لا علاقة لها بما ترتديه الفتاة اليهودية المحجبة في بخارى أو نساء السفارد الأرستقراطيات في شبه جزيرة أيبريا اللائي كـن يرتدين ملابــس الأرسـتقراطية الإسـبانية (أو #########. ويُقال الشيء نفسه عن فلكلور المجتمعات اليهودية الذي هو في واقع الأمر فلكلورات الجماعات المختلفة التي ينتمون إلىها، فطاسة الخضة التي يستخدمها يهود مصر أمر غير معروف ليهود بولندا الذين تأثروا بالتراث الشعبي السلافي، وكلاهما سيُصدَم حينما يعرف بعض العادات التي يمارسها يهود إثيوبيا مثل ختان الإناث وعزل المرأة في كوخ مستقل أثناء الحيض. والشيء نفسه ينطبق على الفنون الجميلة، فرسوم شاجال تختلف اختلافاً جوهرياً عن الزخارف الهندسية التي تظهر على النحاسيات المملوكية التي لا يزال الحرفيون اليهود يصنعونها في دمشق، وكلاهما يختلف عن الحلي الفضية التي يصنعها الصاغة اليهود في اليمن أو تونس.

    وقد يُقال إن اللغة العبرية تشكل عنصراً مشتركاً بين أعضاء الجماعات اليهودية، لكن من المعروف أن العبرية ظلت في معظم الأحيان لغة الصلاة التي كُتبت بها بعض الكتابات الفقهية، ولم يكن يجيدها سوى أعضاء الأرستقراطية الدينية. وبعبارة أخرى، كانت اللغة العبرية، كعنصر مشترك مستمر، مقصورة على فئة صغيرة من الجماعات اليهودية، ولا تمتد إلى كل النشاطات الإنسانية. أما الغالبية الساحقة من أعضاء الجماعات اليهودية، فكانوا يتحدثون لغات ولهجات استقوها من الحضارات والمجتمعات التي وُجدوا فيها، وهذه اللغات تحدِّد ولا شك جانباً كبيراً من رؤيتهم للعالم.

    ولعل الصورة اللغوية بين يهود العالم توضح ما نرمي إلى تأكيده. فالغالبية الساحقة ليهود العالم في نهاية القرن التاسع عشر كانت تتحدث اليديشية (لا العبرية). وفي الوقت الحالي نجد أن غالبية يهود العالم (الولايات المتحدة ـ إنجلترا ـ كندا ـ جنوب أفريقيا ـ أستراليا ـ نيوزيلنده) يشكلون جزءاً لا يتجزأ من التشكيل الاستعماري الاستيطاني الأنجلو ـ ساكسوني، ولذا فهم يتحدثون الإنجليزية لا العبرية (وفي تَصوُّرنا أن إسرائيل هي أيضاً جزء من هذا التشكيل، ولكن الغرب رأى أن يحتفظ هذا الجيب ببعض السمات اليهودية مثل العبرية حتى يمكنه استيعاب الفائض البشري اليهودي من شرق أوربا والذي كان يتدفق على غرب أوربا في نهاية القرن التاسع عشر). أما يهود الفلاشاه فهم يتحدثون الأمهرية ويتعبدون بالجعيزية التي لم يسمع بها كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم، تماماً كما لم يسمع الفلاشاه من قبل بالعبرية أو اليديشية وربما الإنجليزية.

    والواقع أن مصدر الاختلاف بين اللغات التي يتحدث بها أعضاء الجماعات اليهودية، والأزياء التي يرتدونها، والفنون التي يعجبون بها أو ينتجونها، هو دائماً اختلاف التشكيلات الحضارية التي انتمى إليها أعضاء الجماعات اليهودية في الماضي، أو التي ينتمون إليها في الوقت الحاضر، وهذا ما حمل أحدهم على الإشارة إلى أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة بأنهم «واسب يهود». وكلمة «واسب» هي اختصار لعبارة «وايت أنجلو ساكسون بروتستانت White Anglo Saxon Protestant» أي «بروتستانتي أبيض من أصل أنجلو ساكسوني». ويشير يهود فرنسا الأصليون إلى المهاجرين المغاربة بوصفهم «كوشر كُسْكُس»، أي أن يهودية يهود المغرب مرتبطة ولصيقة بهويتهم المغربية، فطعامهم لا تقرِّره العقيدة اليهودية وحدها، ولذا فهو ليس «كوشير» وحسب، وإنما يقرره أيضاً انتماؤهم الإثني، ولذا فهو أيضاً «كُسْكُس». والخصوصية اليهودية هنا ليست سمة عامة وإنما هي سمة مرتبطة بانتمائهم المغربي. ولذلك، يرى البعض أن هؤلاء لو فقدوا خصوصيتهم المغربية لفقدوا هويتهم اليهودية أيضاً.

    وقد يُقال إن ثمة رابطة دينية قوية بين أعضاء الجماعات اليهودية، وإن الخصوصية اليهودية تكمن في هذه العقيدة الفذة. ولكننا لو دققنا النظر لوجدنا أن العقيدة اليهودية لا تختلف كثيراً عن الإثنية اليهودية، فالعقيدة اليهودية ذاتها تأخذ شكل تركيب جيولوجي غير متجانس تتراكم داخله أنساق دينية مختلفة، بعضها توحيدي وبعضها الآخر حلولي أو تشاوبي (انظر الباب المعنون «اليهودية باعتبارها تركيباً جيولوجياً تراكمياً»). والرؤية اليهوديـة في الصـين اكتسـبت مضموناً صينياً صريحاً، وانغمس اليهود تحت تأثير الكونفوشيوسية في عبادة الأسلاف وكانوا يطلقون على الإله اسم «تاين» أي السماء، أو «تاو»، أي الطريق، وكانوا يعبدونه في معبد يهودي يقف بجواره معبد آخر خُصِّص لعبادة الأسلاف. وكان بعضهم يأكل لحم الخنزير (مثل الصينيين) ولكنهم كانوا لا يضحون به لأسلافهم بل كانوا يقدمون لهم لحم الضأن وحسب. والأسلاف هنا، بالمناسبة، هم إبراهيم ويعقوب وإسحق. وفي الهند تأثرت اليهودية بنظام الطوائف المغلقة وبالعديد من الشعائر الخاصة بالنجاسة، تحت تأثير الهندوكية. أما في إثيوبيا، فقد تأثرت اليهودية هناك بكل من الإسلام والمسيحية، فيهود الفلاشاه يخلعون نعالهم ويصلون في مسجد، ولكنهم يتلون صلواتهم بالجعيزية، لغة الكنيسة القبطية، كما أن يهوديتهم دخلتها عناصر وثنية عديدة. وفي المحيط الإسلامي، قام موسى بن ميمون بتطوير عناصر التوحيد في اليهودية وأكـدها، بل وحـاول ابنه من بعـده إضفـاء الطابع الإسلامي على اليهودية. كما تأثرت اليهودية في المحيط السلافي الفلاحي بالمسيحيين الأرثوذكس، وبحركات المتصوفة التي ظهرت بينهم، وكانت هذه العناصر من بين الأسباب المهمة التي أدَّت إلى ظهور الحسيدية. أما في ألمانيا، والولايات المتحدة فيما بعد، فقد تأثرت اليهودية بالمحيط البروتستانتي وظهرت اليهودية الإصلاحية في بلد لوثر. أما في البلاد الكاثوليكية، خصوصاً في أمريكا اللاتينية، فقد تأثرت اليهودية بالعقيدة الكاثوليكية في كثير من جوانبها، ولذلك لا توجد يهودية إصلاحية في أمريكا اللاتينية. وقد حدا هذا ببعض الدارسين إلى الحديث عن «يهودية كاثوليكية»، و«يهودية بروتستانتية»، و«يهودية إسلامية»، ويمكن أن نضيف «يهودية كونفوشيوسية» وأخرى «هندوكية» وثالثة «أفريقية»، فهذه كلها يهوديات تستمد خصوصياتها من محيطها الديني.

    وهذا الأمر طبيعي وإنساني إلى أقصى حد. فالبشر، شاءوا أم أبوا، يتأثرون بمحيطهم الحضاري ويؤثرون فيه. كما أن أعضاء الأقليات عادةً يتأثرون بمحيطهم الحضاري أكثر مما يؤثرون فيه، إلا إذا كانوا من الغزاة، ففي هذه الحالة يصبح الغزاة نخبة عسكرية حاكمة يتقرب منها أعضاء المجتمع ويتعلمون لغتها ويتشبهون بها إلى أن يفقدوا لغتهم وهويتهم الأصليتين. وعلى أية حال، لم يكن العبرانيون ولا أعضاء الجماعات اليهودية في مثل هذا الوضع في يوم من الأيام، باستثناء فترة احتلال فلسـطين على يد المسـتوطنين الصهاينة (وهم، على أية حال، جماعة غير متجانسة حضارياً، كما أن الفلسطينيين العرب جماعة واعية ومتماسكة حضارياً إلى أقصى حد).

    هذا إذن أمرٌ طبيعي وإنساني، لكن المشكلة تنشأ حينما يصرُّ المؤرخون الصهاينة وغيرهم على استخدام كلمة «يهود» للإشارة إلى أعضاء الجماعات اليهودية كافة، كما لو كانوا كلاًّ واحداً متماسكاً متجانساً، ومن ثم فإنهم يتحدثون عن «فن يهودي» و«أزياء يهودية» بل و«لغات يهودية» تُجسِّد كلها خصوصية يهودية مطلقة لا علاقة لها بالتشكيلات الحضارية المختلفة. والواقع أن حديث الصهاينة عن «الخصوصية اليهودية» ناجم عن ملاحظة أن الجماعات اليهودية منفصلة عما حولها من ظواهر مماثلة. فمما لا شك فيه أن كثيراً من الجماعات اليهودية، خصوصاً في الغرب، كانت معزولة عن محيطها الحضاري إلى حدٍّ ما، وقد تركت هذه العزلة أثرها على أعضاء الجماعات اليهودية على شكل تَميُّز وخصوصية. ولكن معظم الجماعات الوظيفية، يهودية كانت أم غير يهودية، تُضرَب عليها العزلة أيضاً وتكتسب خصوصية ما مرتبطة بوضعها الاجتماعي الحضاري المحدَّد. وكما أشرنا من قبل، فإن هذه الخصوصية ليست خصوصية واحدة ولا عالمية، بل هي خصوصيات مختلفة مُستمَدة من تشكيلات حضارية غير يهودية مختلفة.

    كما أن حديث الصهاينة متأثر بتجربة يهود شرق أوربا من يهود اليديشية، الذين كانوا كتلة بشرية ضخمة (تشكل 80% من يهود العالم) تتميَّز بشكلٍّ مباشر عن محيطها الحضاري. ولكن من الواضح أن هذا التميز ناجم عن عناصر حضارية حملها يهود اليديشية من الحضارات السابقة التي عاشوا في كنفها، وأدخلوا عليها عناصر تبنوها من الحضارة التي انتقلوا إليها. فاليديشية (أهم مظاهر خصوصيتهم) هي ألمانية العصور الوسطى التي كانوا يتحدثون بها قبل هجرتهم بعد أن دخلت عليها بضع كلمات سلافية وعبرية، ورداؤهم هو الكفتان (القفطان) رداء الأرستقراطية البولندية، وهو من أصل تتري تركي. كما أنهم تأثروا بمحيطهم السلافي في معتقداتهم الدينية، فالحسيدية هي نتاج الفكر الصوفي الفلاحي السلافي وعقائد المنشقين على الكنيسة الأرثوذكسية، وقبعتهم المعروفة بالستريميل المزينة بالفرو هي ذات أصل سلافي. ويمكن القول بأن خصوصية يهود اليديشية تكمن في عدة عناصر مستمدة من عدة حضارات، وأن وجودها مجتمعة فيهم هو ما قد يشكل خصوصيتهم. وقد كوَّن يهود اليديشية كتلة بشرية ضخمة مترابطة متميِّزة عن محيطها الحضاري مع تأثرها العميق به، ولذا فإنها تُعدُّ أقلية قومية مثل كثير من الأقليات القومية الأخرى التي كانت توجد داخل الإمبراطورية القيصرية، فهي لا تشكل شعباً يهودياً وإنما أقلية قومية شرق أوربية. وقد انطلق أعضاء حزب البوند من هذا المفهوم، وطلبوا حل مشكلة الجماعة اليهودية في شرق أوربا باعتبارها أقلية قومية يهودية شرق أوربية لا شعباً يهودياً عالمياً. وينطلق فكر دبنوف من المفهوم نفسه، فالحديث عن قومية الدياسبورا هو في واقع الأمر حديث عن الخصوصـيات اليهودية، وقومية الدياسـبورا هي حديث عن أقليات قومية، وعن أقلية قومية واحدة على وجه التحديد، وهي يهود اليديشية. ومن هنا كان رفض هؤلاء اللغة العبرية ودفاعهم عن اليديشية، لا باعتبارها لغة اليهود التي تُعبِّر عن خصوصية يهودية عالمية، وإنما باعتبارها لغة يهود شرق أوربا، التي تُعبِّر عن خصوصيتهم.

    ولكن هذه الخصوصية اليهودية اليديشية وغيرها من الخصوصيات اليهودية، تم اكتساحها مع ظهور العلمانية الشاملة في الغرب وعصر العقل والاستنارة. فالفكر العلماني والعقلاني ينظر إلى الكون في إطار فكرة القانون العام والطبيعة البشرية العامة والإنسان الطبيعي. وقد ظهر هذا الفكر قبل تَطوُّر الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية التي أدَّت إلى تَراجُع فكرة الإنسان الطبيعي والإنسانية العامة، حيث حل محلها إدراك أعمق للطبيعة البشرية ولتَداخُل العناصر التاريخية والحضارية الخاصة مع بنية الطبيعة البشرية ذاتها. وقد طالب عصر العقل أعضاء الجماعة اليهودية وغيرهم بالتخلص من خصوصيتهم ليصبحوا بشراً بالمعنى العام للكلمة. وكان يُنظَر إلى اليهود الذين يُؤثرون الإبقاء على خصوصيتهم الدينية أو الإثنية على أنهم «دولة داخل دولة». وقد شن الفكر العقلاني هجوماً شرساً على جميع الأقليات العرْقية واللغوية والدينية في المجتمع الغربي وضمن ذلك الجماعة اليهودية، ودعاهم إلى التخلي عن انعزاليتهم وإلى إصلاح وتحديث هويتهم، أي تطبيعها وتخليصها من أية خصوصية تكون قد علقت بها.







  8. #88
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    وقد استجاب اليهود إلى هذه الدعوة وبسرعة غير عادية لأسباب عدة، من بينها عدم وجود خصوصية يهودية عالمية كما أسلفنا، وعدم وجود سلطة مركزية يهودية تحدد الخصوصية اليهودية وتحدد معاييرها. ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية، بسبب غياب هذه السلطة، كانوا قد تشربوا قدراً كبيراً من الثقافة المحيطة بهم، عن وعي أو عن غير وعي، ولذا فلم يكن من الصعب إنجاز عملية التخلص من أية علامات على الخصوصية. كما ظهرت بين اليهود حركات إصلاح ديني وتنوير أسهمت في تخليص اليهود من أية خصوصية دينية أو غير دينية. ومع هذا، يجب ملاحظة أن أشكال العلمنة ومعدلاتها ذاتها كانت تختلف من بلد إلى آخر حسب الخصوصية الدينية والحضارية لهذا البلد أو ذاك.

    وأكبر دليل على الاختفاء السريع للخصوصية هو ما حدث للكتلة البشرية الشرق أوربية الضخمة من يهود اليديشية، والتي كانت تشكل 80% من يهود العالم. فقد اختفت اليديشية، أهم مظاهر هذه الخصوصية بسرعة غير عادية، ولم يعد هناك سوى بضعة جيوب وأفراد يتحدثونها. وتُعَدُّ تجربة المهاجرين اليهود مع الولايات المتحدة من أهم التجارب في التخلص من الخصوصية، فقد كان أعضاء الجماعة اليهودية هم أسرع أقلية تمت أمركتها رغم كثرة الحديث عن انعزالهم وتطلعاتهم القومية، وذلك لأن المجتمع الأمريكي هو المجتمع العلماني النموذجي. وفي الوقت الحاضر، تدل الصورة العامة للخصوصيات اليهودية في العالم على تآكلها، وعلى تزايد معدلات اندماج اليهود في مجتمعاتهم.

    وبطبيعة الحال، لا يمكن الحديث في الوقت الحاضر عن أية خصوصية إسرائيلية. ولكن، حتى إن ظهرت مثل هذه الخصوصية، فإنها لن تكون خصوصية يهودية عالمية وإنما خصوصية التجمع البشري الاستيطاني في الشرق الأوسط، ذلك المجتمع الذي يتحدث سكانه اللغة العبرية مع أنهم جاءوا من تشكيلات حضارية شتى وأحضروا معهم خصوصياتهم الحضارية المختلفة. والنزاع القائم بين الأرثوذكس وغير الأرثوذكس، وبين الدينيين واللادينيين، وبين السفارد والإشكناز، هو أكبر دليل على عدم وجود الخصوصية اليهودية العالمية أو العامة.

    الاندمـــــــاج
    Assimilation
    «الاندماج» هو تَبنِّي أعضاء الأقليات عادات الشعوب التي يعيشون في كنفها، وكذلك تراثها الحضاري من مأكل وملبس وطرق تفكير ولغة، بحيث لا يختلفون في كثير من الوجوه عن بقية أعضاء المجتمع. والاندماج عكس الانعزال، وهو مختلف عن الانصهار (أي الذوبان الكامل في المجتمع المضيف أو مجتمع الأغلبية واختفاء أي شكل من أشكال الخصوصية). وأعضاء الجماعات اليهودية، باندماجهم في محيطهم الحضاري وانصهارهم أحياناً أو بانعزالهم عنه أحياناً أخرى، لا يختلفـون عن بقـية أعضـاء الأقليات والجماعات الإثنية، أو عن بقية البشر.

    ولا يوجد قانون واحد يحكم ظاهرة اندماج أعضاء الجماعات اليهودية وانصهارهم أو انعزالهم، وبالتالي لا يمكن القول بأن اليهود يميلون بطبيعتهم إلى الانعزال عمن حولهم. كما لا يمكن الأخذ بعكس ذلك، كأن نقول إن اليهود يميلون بطبيعتهم إلى الاندماج فيمن حولهم، وهكذا. ففي غياب حركيات تاريخية اجتماعية يهودية مستقلة، لابد من العودة إلى أُطر مرجعية مختلفة، ومن ثم فإن من الضروري دراسة كل حالة على حدة بالإشارة إلى مرجعيتها التاريخية والثقافية غير اليهودية. ومع هذا، سنحاول أن نصل في المداخل التالية إلى بعض التعميمات الفضفاضة بمقارنة الحالات المختلفة ومقارنة أوضاع الجماعات اليهودية بجماعات وأقليات أخرى.

    الاندمـــــــاج البنيـــوي
    Structural Assimilation
    «الاندماج البنيوي» هو الاندماج النابع من حركيات المجتمع وبنيته وظروفه الموضوعية، هذا في مقابل «الدمج المدني» وهو إعطاء اليهود حقوقهم الدينية والسياسية والمدنية من خلال تشريعات وقوانين تصدرها الدولة وتشرف مؤسساتها على تنفيذها. وينطبق هذا الاندماج المدني على معظم يهود العالم الغربي، أي أغلبية يهود العالم.

    وتتم عمـلية الدمـج المدني على مسـتوى البنية الشـكلية السطحية، ولذا فهي لا تضرب بجذورها في الواقع المتعين، ومن ثم فهي مهددة بالاختفاء في أية لحظة. وقد حدث شيء مماثل في ألمانيا في ثلاثينيات هذا القرن. فأعضاء الجماعة اليهودية كانوا قد حققوا درجات عالية من الاندماج المدني، بعد أن حصلوا على حقوقهم السياسية والدينية كافة، وبعد أن أُتيح لهم مختلف الوظائف وفتحت المؤسسات التعليمية أبوابها لهم. وقد تم ذلك بمقتضى القانون. ولكن حين وصل النظام النازي إلى الحكم، فقدوا كل هذه الحقوق بسبب بنية المجتمع الألماني وعلاقة أعضاء الجماعة اليهودية بها، والتي أدت في نهاية الأمر، إلى وصول النازيين إلى سدة الحكم.

    ويمكن القول بأن آليات الدمج والعزل ليست مسألة ذاتية أو إرادية تماماً، وإنما مسألة لصيقة ببنية المجتمع، ومن ثم فهي قد تتجاوز رغبة المؤسسة الحاكمة في دمج الأقلية أو عزلها، بل وتتجاوز موقف أعضاء الأقلية من عمليتي الدمج والعزل. فمن المعروف أن الدولة الروسية القيصرية كانت راغبة تماماً في دمج اليهود، لأن هذا كان يخدم مصلحتها ويتفق مع رؤيتها. وبالفعل أصدرت الدولة الروسية العديد من القوانين لحث اليهود على الاندماج. ولكن كانت هناك عناصر عديدة ذات طابع بنيوي تعوق عملية الدمج المدني مثل تَخلُّف وفساد البيروقراطية الروسية التي كانت تشرف على عملية الدمج. كما أن تَخلُّف أعضاء الجماعات اليهودية لم يساعد كثيراً على عملية الدمج.

    ولنضرب مثلاً آخر من كوبا. حينما استولت قوات كاسترو على الحكم، كانت الحكومة الثورية الجديدة متعاطفة تماماً مع أعضاء الجماعة اليهودية، وأصدرت التشريعات اللازمة لمنحهم حقوقهم السياسـية والمدنية ولتهيئة الجـو اللازم لممارسـة الشـعائر الدينية اليهودية. ولكن على المستوى البنيوي كان الاقتصاد الاشتراكي يضطر الحكومة لتأميم العديد من المصانع التي كان يمتلكها أعضاء الجماعة اليهودية والاستيلاء على رؤوس أموالهم وتصفية كثير من الوظائف التي كانوا يشغلونها (فهم كانوا مرتبطين بالاقتصاد القديم والمصالح الأمريكية). كل هذا يعني في واقع الأمر أن بنية المجتمع نفسها كانت تلفظهم، رغم كل المحاولات المخلصة من جانب الحكومة الثورية أن تحافظ عليهم وتستفيد من خبراتهم.






  9. #89
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي




    وقد يكون من المفيد أن نتناول بعض آليات الاندماج والانعزال البنيويين فيما يلي:

    1 - يُلاحَظ حينما يتحـول أعضـاء الجـماعة الدينية إلى جماعة وظيفية، أي حينما يضطلعون بوظائف تتطلب نوعاً من الحياد والانفصال عن المجتمع، أنهم يحققون أقل درجات الاندماج، إذ أن عُزلَتهم تصبح أمراً وظيفياً مطلوباً. ومثال ذلك، الجماعة اليهودية في جزيرة إلفنتاين في مصر (قرب أسوان) والتي كانت تشكِّل جماعة وظيفية قتالية ابتداءً من عصر بسمتيك الثاني (594 - 588 ق.م)، وكذلك الجماعات اليهودية في الغرب والتي عمل بعض أعضائها أقنان بلاط في العصور الوسطى، وكذلك يهود الأرندا في بولندا ابتداءً من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر. وحينما يترك اليهود هذه الوظيفة، فإن الأسباب الداعية إلى عزلتهم تنتفي ويبدأ أعضاء الجماعة في الاندماج في المجتمع بل والانصهار فيه، تماماً كما حدث في حالة يهود الصين في مدينة كايفنج. ويمكن النظر إلى انخراط بعض يهود اليديشية (من يهود شرق أوربا) في صفوف الطبقة العاملة والوسطى داخل منطقة الاستيطان في روسيا في أواخر القرن التاسع عشر، أو تَحوُّل المهاجرين منهم في الولايات المتحدة إلى عمال ومهنيين وتجار في القرن العشرين، بوصفه تعبيراً عن هذه العملية التي يتحوَّل من خلالها أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة المنعزلة والتي توجد في مسام المجتمع إلى طبقة وسطى أو عاملة توجد في صلبه.

    2 - يبدو أن أعضاء الجماعات اليهودية حينما ينخرطون في صفوف المهن الحرة، فيعملون كأطباء ومحامين ومديرين وموظفين كبار، تصبح معدلات الاندماج بينهم عالية للغاية شريطة وجود ظروف معينة أهمها ألا تكون المهنة مقصورة عليهم، وألا يعمل بها أعداد كبيرة من أعضاء الجـماعة اليهـودية، وإلا تَحـوَّلوا إلى جـماعة وسيطة. فحينما تضم مهنة ما أعداداً كبيرة من أعضاء الأغلبية، فإن الانتماء إلى المهنة والاستفادة بشبكة الاتصال التي يتم تَبادُل أسرار المهنة من خلالها سيتطلب التخلي عن كل خصوصية قومية. وهذا ما حدث في الصين في كايفنج، حين انخرط اليهود في سلك طبقة الماندرين من كبار الموظفين من خلال الامتحان الإمبراطوري في منتصف القـرن السابع عشر، فاندمجــوا فيهم وأصبحـوا صينيين تماماً. ونحن نرى أن ما يحدث للجماعات اليهودية في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (سابقاً) هو من هذا القبيل. فأبناء العمال اليهود وأعضاء الطبقة الوسطى يدخلون الجامعات بنسبة عالية ويتحولون إلى مهنيين وعلماء، وهنا فإن ولاءهم ينصرف إلى أعمالهم وبالتالي إلى جماعتهم الجديدة. كما أنهم جزءٌ لا يتجزأ من المجتمع في ثقافته ولغته، الأمر الذي يشجع اليهود على الاندماج الثقافي.

    3 - يُلاحَظ أنه إذا ظهرت الخصوصية، وظهر التَميُّز والتمايز على المسـتويات الدينية والاقتصادية والثقافية، تصبح درجة العزلة عالية للغاية، إذ تدعم العزلة الاقتصادية العزلة الدينية التي تقوم بدورها بإضفاء القداسة على العزلة الاقتصادية. وربما كان وضع يهود الأرندا في أوكرانيا مثلاً متبلوراً يُجسِّد هذه الصورة، حيث كانوا يمثلون الإقطاع الاستيطاني البولندي في أوكرانيا، ويعملون بالأمور المالية والتجارية في وسط زراعي فلاحي، ويتحدثون اليديشية والبولندية في وسط يتحدث الأوكرانية. كما كانوا يهوداً يمثلون نخبة كاثوليكية في وسط أرثوذكسي، بل ويرتدون أزياء مختلفة عن تلك التي يرتديها الفلاحون، ويقصون شعورهم بطريقة متميِّزة في شكل لحية وسوالف، وبالتالي لم تكن تربطهم علاقات قوية بالمجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها. والصينيون، في جنوب آسيا، مَثَل آخر لهذا. وهذا يختلف عن تَميُّز الأقلية وتمايزهم على مستوى واحد فقط كما في حالة الأقلية القبطية في مصر، فالتميز ديني وحسب (وحتى على هذا المستوى توجد أرضية مشتركة عريضة)، أما على المستويات الثقافية والاقتصادية فهم جزء لا يتجزأ من التشكيل الحضاري العربي الإسلامي في مصر (يتحدثون العربية ولا يختلفون عن بقية أعضاء المجتمع في مأكلهم أو ملبسهم أو مشربهم).

    4 - يزداد مستوى العزلة والخصوصية إن كان هناك وطن أصلي يتبعه أعضاء الأقلية ويشكل النقطة المرجعية النهائية لهم يستمدون منه هويتهم ورؤيتهم لأنفسهم. وربما كان الصينيون في جنوب شرق آسيا مثلاً جيداً لذلك، فالصين هي دائماً وطنهم الأصلي ونقطة جذب حضارية ضخمة لها ثقلها ووزنها بالنسبة إليهم. وتزداد معدلات الاندماج باختفاء مثل هذا المركز، إذ يستمد أعضاء الأقلية رؤيتهم لأنفسهم من المجتمع الذي يوجدون فيه أياً كانت درجة انعزالهم عنه. وغياب مثل هذا المركز يعني أيضاً غياب معايير مركزية دينية أو ثقافية، وهو ما يعني أن كل أقلية لابد أن تتطور بحسب المعايير المحلية. وهذا ما حدث للجماعات اليهودية في كل أنحاء العالم، فرغم انفصالهم النسبي عن الأغلبية، فقد استمدوا هويتهم المسـتقلة منها (بسـبب غـياب ثقافة يهـودية عـالمية ومركز يهودي واحد)، ومن ثم حققوا معدلات عالية من الاندماج (رغم استقلاليتهم الظاهرة)


    5 - من الواضح أن ثمة علاقة بين معدلات الاندماج وحجم الجماعات اليهودية. فالجماعات الصغيرة تميل نحو الاندماج بسرعة على عكس الكتل البشرية الكبيرة، ومن هنا فإن تَركُّز أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة اليهودية أو غيرها في منطقة سكنية واحدة يساعدها على العزلة ويؤكد خصوصيتها، إذ يُمكِّنها من ممارسة معظم الأنشطة الحياتية داخل نطاق الجماعة ومن خلال أعضائها، أما إذا خَفَّت الكثافة السكانية فإن معدلات الاندماج تتزايد. كما أن صغر حجم الجماعة يجعلها غير قادرة على المساهمة في صياغة الأفكار التي تسود المجتمع، ولهذا فإنها تَتبنَّى الأفكار السائدة وتستبطنها تماماً. وربما كانت منطقة الاستيطان في روسيا (ثم الاتحاد السوفيتي)، بكثافتها البشرية اليهودية، هي أكثر المناطق التي ساعدت على انتشار الخصوصية اليهودية الشرق أوربية اليديشية، حتى أن بعض مثقفي هذه الجماعة اليهودية كانوا يتحدثون عن قومية يهودية شرق أوربية يديشية. ولكن، بعد الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي، فُتحت أمام اليهود أبواب الحراك الاجتماعي وسُمح لهم بترك منطقة الاستيطان. وقد ساهم هذا في نزوح اليهود وتَناثُرهم وزيادة معدلات الاندماج بينهم. والواقع أن انخراط أعضاء الجماعة في سلك المهنيين يساعد على هذه العملية إذ أن المهني يحاول أن يغتنم الفرص أينما وجدها، فيترك المنطقة ذات الكثافة السكانية اليهودية وينتقل إلى مناطق نائية تجعل حفاظه على خصوصيته كعضو في الجماعة اليهودية أمراً صعباً بالنسبة له.

    6 - يُلاحَظ أن يهود العالم يوجدون الآن في مناطق حضرية كبيرة مثل نيويورك. ويُلاحَظ أن ذلك يشجع على الاندماج، ذلك لأن هذه المناطق غير مقصورة على أعضاء الجماعة اليهودية، وهنا فإنهم يجدون أنفسهم في محيط ثقافي غير يهودي يضطرهم إلى التعامل معه بشكل دائم ويومي والتكيف معه في نهاية الأمر، خصوصاً إذا كانوا لا يعيشون داخل جيتوات مقصورة عليهم، ومن الواضح أن نشوء مثل هذه الجيتوات في المدن الكبيرة الحديثة أمر صعب.

    7 - تتزايد معدلات الاندماج في وجود نظم ديموقراطية تمنح اليهود حقوقهم السياسية والمدنية، وهو المناخ الذي يعيش فيه معظم يهود العالم الغربي، أي أغلبية يهود العالم.
    يُلاحَظ تزايد معدلات الاندماج مع وجود دولة قومية قوية ذات مؤسسات مركزية تُيسِّر عملية دمج كل المواطنين، مثل: نظام تعليمي قوي، ونظام شرطة بوسعه أن يكبح جماح المتطرفين من أعضاء الأقلية والأغلبية، ونظام إعلامي يعمل على نشر الصورة القومية المطروحة. كما تَخْلق مثل هذه المؤسسات القومية المركزية فرصاً اقتصادية متزايدة يستطيع أعضاء الأقلية أن يحققوا من خلالها شيئاً من طموحاتهم. وبدون هذه المؤسسات، تظل الصورة القومية مجرد فكرة وطموح عام.

    8 - يبدو أن العلاقات الاجتماعية كلما ازدادت قوة بين أعضاء الأغلبية قلَّت احتمالات الاندماج. بينما تتزايد فرص الاندماج بالنسبة لأعضاء الأقليات مع تَفكُّك النسيج المجتمعي واختفاء المعايير المركزية.

    9 - يؤدي وجود أقليات دينية أو إثنية أخرى في المجتمع إلى تزايد معدلات الاندماج في بعض الحالات، إذ أن عضو الأقلية لا يصبح شيئاً فريداً مُحاصَراً وإنما يصبح عضواً في مجتمع ذي سلطة مركزية واحدة وأطراف متعددة. ولكن الوضع نفسه قد يؤدي إلى تزايُد الخصوصية. فمع وجود أقليات عديدة، تَضعُف سلطة المركز وتستمر الأطراف في تطوير خصوصياتها المختلفة وفي إضفاء نوع من الشرعية على فكرة الخصوصية.

    هذه بعض التعميمات التي يجب التعامل معها بحذر شديد، ويجب ألا يركن الباحث لها وإنما أن ينظر لها باعتبارها مؤشرات عامة، قد تكون مضللة في ظروف معينة. ولذا ينبغي عليه أن يطرح أسئلة محددة، يحاول من خلال الإجابة عليها أن يصل إلى المنحنى الخاص للظاهرة. ولذا بدلاً من أن يتحدث عن " المهاجرين اليهود " بشكل عام، عليه أن يسأل عن نوعية المهاجرين اليهود الذين يصلون إلى المجتمع (مستواهم الاقتصادي - مستواهم التعليمي - مرحلتهم العمرية... إلخ). وبدلاً من أن يتحدث عن المجتمع المضيف بشكل مطلق عليه أن يتعامل مع هذا المجتمع في خصوصيته (درجة تقدُّمه - مدى احتياجه لخبرات معينة - نظام الحكم فيه... إلخ).

    ويمكن أن نضرب مثلاً لذلك باليهود السفارد الذين هاجروا إلى فرنسا في القرن السابع عشر بعد طردهم من إسبانيا. وكانت عملية اندماجهم سريعة بسبب صغر حجم الجماعة اليهودية، ولأنهم كانوا ذوي خبرة بالشئون المالية المتقدمة التي كان المجتمع يحتاج إليها، كما أن لهجة اللادينو التي كانوا يتحدثونها كانت لهجة إسبانية غير بعيدة عن الفرنسية. ومن ناحية أخرى، لم يكن السفارد مختلفين كثيراً عن الفرنسيين في ردائهم وعاداتهم الثقافية. ويختلف هذا تماماً عن حالة اليهود الإشكناز الذين استوطنوا فرنسا وغيرها من بلاد أوربا في القرن التاسع عشر، فقد جاءوا من بولندا وكانوا يتحدثون اليديشية، كما أنهم كانوا يشتغلون بأعمال الربا والرهونات وتجارة التجزئة وكانوا مختلفين عن الفرنسيين في ردائهم وعاداتهم الثقافية، وكان مستواهم الحضاري بالنسبة للمجتمع الفرنسي مُتدنياً. وهو ما جعل عملية دمجهم طويلة وصعبة ومُعقَّدة.

    وقد استخدمنا هنا معيارين: واحد اقتصادي (درجة الثراء) والآخر حضاري (التقدم والتخلف)، كما استخدمنا معياراً يتصل بالمجتمع المضيف (مدى حاجته للوافدين). إذا طبقنا هذه المعايير المركبة على ظاهرة مماثلة، فإنها قد تأتي بنتائج مختلفة تماماً. فقد تم توطين بعض أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا (مع التجار الألمان) لتشجيع التجارة. وكان يهود ألمانيا يتمتعون بمستوى حضاري أكثر تركيباً بالقياس للوسط الفلاحي البولندي ثم الأوكراني، وهنا نجد أن التقدم الحضاري قد أدى إلى الانعزال، فاحتفظ المهاجرون اليهود الألمان بلغتهم التي تطورت وأصبحت اليديشية. وقد جاء اليهود بناء على حاجة المجتمع لهم، وبدعوة منه، وهو أمر يُفتَرض فيه أن يؤدي إلى اندماجهم، ولكن العكس قد حدث، لأن الدعوة لم تأت من المجتمع ككل وإنما من النخبة الحاكمة التي أرادت أن تستخدم العنصر اليهودي في تطوير البلاد من الناحية التجارية، كما أنها استخدمته فيما بعد في استغلال الفلاحين وفي قمع البورجوازية، الأمر أدى إلى عزلة شبه كاملة لأعضاء الجماعة اليهودية.







  10. #90
    مراقبة أقسام رد الشبهات حول الإسلام
    الصورة الرمزية ساجدة لله
    ساجدة لله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 317
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 16,234
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 23
    البلد : مصر الإسلامية
    الاهتمام : منتدى البشارة
    الوظيفة : أمة الله
    معدل تقييم المستوى : 33

    افتراضي



    ومن المتصوَّر عقلياً أن يؤدي الاندماج إلى تقليل حدة التوتر ضد أعضاء الجماعات اليهودية، وهو ما يحدث بالفعل في معظم الأحيان، كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا. ولكن من الثابت أيضاً أن اندماج أعضاء الجماعة اليهودية وتحرُّكهم من مسام المجتمع إلى مركزه وتواجـدهم فيها بأعـداد كـبيرة قد يثير الحقد ضدهم. كما أن غياب الحدود والإشارات المميِّزة قد يؤدي إلى تصاعُد معدل التوتر بين أعضاء الجماعة اليهودية وأعضاء الأغلبية، إذ تظهر الرغبة في تأكيد الحدود (بين أعضاء الأقلية والأغلبية)، ثم تظهر النماذج التفسيرية العنصرية التي تتحدث عن المؤامرة اليهودية الخفية، وعن تغلغل اليهود في كل مناحي الحياة وتَخفِّيهم وتآمرهم ضد المجتمع. ومن هنا كان النازيون يناصبون اليهود الاندماجيين العداء بسبب عدم وضوحهم، بينما كانوا يتعاونون مع الصهاينة لأنهم يقبلون هوية يهودية متميِّزة وواضحة ومستقلة غير مندمجة في المجتمع. ولهذا، ساهم النازيون في إحياء الثقافة العبرية وشجعوا النشاط الصهيوني. وإذا كان نظام الحكم شمولياً، وأصيب الاقتصاد بكساد وزادت معدلات البطالة، فقد يتحول الهمس العنصري إلى مُخطَّط للطرد والإبادة (كما حَدَث في ألمانيا النازية).

    ويتصور معظم الباحثين أن تصاعُد معدلات العلمنة في المجتمع يزيد روح التسـامح تجـاه أعضاء الأقليات، ومن ثم تتزايد معدلات دمجهم. وهو افتراض سليم في بعض الأحيان، ولكن هناك أمثلة تدل على أن العكس قد يحدث. فمع تصاعُد معدلات العلمنة في الغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظهرت موجة من العنصرية، تستند إلى محاولة تعريف الإنسان من خلال عنصر مادي كامن فيه (حجم جمجمته - لون جلده - لون شعره) وهو ما أدى إلى ظهور النظريات العنصرية الغربية التي خلقت التربة الخصبة للحركات الشمولية والفاشية التي قامت بعزل اليهود والحرب ضد دمجهم.

    العــــزلة اللفظيـــة والاندمــــاج البنيــــوي
    Verbal Isolation and Structural Assimilation
    «العزلة اللفظية» هي أن يدَّعي أعضاء الجماعة اليهودية أن لهم هوية متميِّزة، مختلفة بشـكل جـوهري عن الهوية السائدة في المجتمع، في الوقت الذي تتآكل فيه هويتهم وتنتهي عزلتهم من خلال عمليات الدمج البنيوي. ولعل الولايات المتحدة أفضل مثل لذلك في الوقـت الحاضر. فرغم أن النبرة الإثنية اليهودية عالية للغاية، إلا أن الهوية اليهودية آخذة في التآكل وأكبر دليل على هذا معدلات الزواج المُختلَط العالية التي تزيد في بعض الولايات عن 60% من مجموع الزيجات اليهودية. ولذا لا يكف الصهاينة عن التحذير من الاندماج، باعتباره أكثر خطورة على اليهود من الإبادة النازية (الهولوكوست).

    ويركن معظم الدارسين العرب إلى اقتباس ادعاءات اليهود عن هويتهم باعتبارها حقائق، ثم يدرسون واقع الجماعات اليهودية في إطار هذا الادعاء، ويبدأون في مراكمة الشواهد على صدقه، متجاهلين كماً هائلاً من المعلومات يدل على العكس. ومن الثابت تاريخياً أن الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة حققت أسرع معدلات الاندماج بالمقارنة بمعدلات اندماج الأقليات المهاجرة الأخرى.

    الاندماج السياسي والاقتصادي والاندماج الحضاري: أشكالهما المختلفة
    Political and Economic, and Cultural Assimilation: Their Different Forms
    عملية الاندماج عملية مركبة يوجد فيها أساساً طرفان: أعضاء الأغلبية وأعضاء الأقلية. ولكن الطرفين ليسا متساويين، إذ أن مجتمع الأغلبية هـو العنصر الحاسـم في تقرير طبيعة العلاقة بين الأغلبية والأقلية، فهو الذي يسم الأقلية بميسمه، ومن هنا فالمسئولية (الاجتماعية والأخلاقية) تقع على عاتق الأغلبية بالدرجة الأولى.

    ويمكن أن ننظر للعلاقة بين الأغلبية والأقلية من منظور سياسي واقتصادي مباشر، كما يمكن أن ننظر إليها من منظور أكثر تركيباً، وهو المنظور الحضاري:

    1 - منظور سياسي اقتصادي:

    أ) يمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية يندمجون في النخبة الحاكمة ويصبحون جزءاً منها وتصبح مصالحهم من مصالحها، حينما يصبحون جماعة وظيفية وسيطة. وفي العصور الوسطى في الغرب، اندمج أعضاء الجماعات اليهودية في الطبقة الحاكمة وأصبحوا أقنان بلاط، ويهود أرندا في بولندا، ويهود بلاط في وسط أوربا وفي نواح أخرى منها. وغني عن القول أن اندماج اليهود في الطبقة الحاكمة يعني انعزالهم عن بقية الشعب.

    ب) واندماج أعضاء الجماعات اليهودية في الطبقة الوسطى يختلف عن ذلك تماماً، وهذا ما حدث في أوربا بعد الثورة الفرنسية وفي الولايات المتحدة عند بدايات الاستيطان حينما جاء أعضاء الجماعات اليهودية بخبرات تجارية مهمة ورؤوس أموال كبيرة، فانخرطوا في سلك الطبقة المتوسطة واندمجوا فيها وفقدوا كثيراً من ملامحهم الإثنية.

    جـ) اختلف الأمر تماماً مع وصول يهود اليديشية في أواخر القرن التاسع عشر، إذ تحوَّلت أعداد كبيرة منهم إلى عمال يعملون بصناعة النسـيج على وجـه الخصوص نتيجة ميراثهم الاقـتصادي الأوربي. ولكنهم، مع هذا، لم يكوِّنوا طبقة عمالية مستقلة تماماً، إذ كانوا جزءاً من الطبقة العاملة الأمريكية التي كانت تشكل جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي. ومع منتصف القرن الحالي، كان أبناء العمال من أعضاء الجماعة اليهودية قد دخلوا الجامعات وأصبحوا مهنيين وانخرطوا في صفوف الطبقة الوسطى بحيث أصبحت أغلبية يهود العالم أعضاءً في هذه الطبقة، وهو ما يعني تزايد معدلات الاندماج.

    د) يمكن أن يندمج أعـضاء الجـماعات اليهـودية في المصـالح الإمبريالية، وهذا هو جوهر الحل الصهيوني، إذ تذهب الصهيونية إلى أن أعضاء الجمـاعة اليهـودية في أوربا قد فشلوا تماماً، كجماعات وظيفية أو كأفراد، في الاندماج في التشكيلات الحضارية القومية الغربية. ولكنهم كدولة وظيفية قتالية استيطانية، يمكنهم تحقيق ما فشلوا فيه كأفراد، إذ أن هذه الدولة ستندمج في التشكيل الإمبريالي الغربي من خلال تمثيل مصالحه في الشرق الأوسط والدفاع عن هذه المصالح، وذلك نظير أن يقوم هو بتمويلها والدفاع عنها. والواقع أن هذا الوضع لا يختلف كثيراً عن وضع اليهود في العصور الوسطى في الغرب حينما اندمجوا في الطبقة الحاكمة في أوربا وانعزلوا عن بقية الشعب. فالدولة اليهودية أصبحت جزءاً من التشكيل الإمبريالي الغربي (وهو المقابل الموضوعي للنخبة الحاكمة) وانعزلت تماماً عن الدول المحيطة بها، وبهذا حل محل عزلة الجماعة الوظيفية عزلة الدولة الوظيفية.







 

صفحة 9 من 10 الأولىالأولى ... 5678910 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء التاسع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 53
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:37 AM
  2. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء الثامن
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 54
    آخر مشاركة: 2010-10-31, 04:12 AM
  3. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السابع
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:42 AM
  4. اليهود واليهودية والصهاينة والصهيونية الجزء السادس
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 2010-10-27, 05:20 AM
  5. اليهود واليهودية والصهيونية والصهاينة الجزء الأول
    بواسطة ساجدة لله في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 530
    آخر مشاركة: 2010-10-24, 03:44 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML