( تمهيد )الجمع في اللغة وجمع القرآن عند علماء المسلمينالجمع في اللغة:قال ابن فارس:(1) الجيم والميم والعين أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على تضامِّ الشيء.(2)فالْجَمْعُ ضَّمُّ المتفرِّقِ بتقريبِ بعضِهِ من بعضٍ، وَهُوَ خِلاَفُ التَّفْرِيقِ وَهُوَ مَصْدَرُ جَمَعَ يَجْمَعُ مِنْ بَابِ مَنَعَ.(3)يقال: جَمَعْتُ الشَّيْءَ عَنْ تَفْرِقَةٍ أَجْمَعُهُ جَمْعًا وَأَجْمَعْـتُهُ، وَجَمَّعْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ فَاجْتَمَعَ وَاجْدَمَعَ.ويقال للمجموع (وهو الذي جُمِعَ من هاهنا وهاهنا، وإن لم يُجْعَل كالشيء الواحد): جَمْعٌ وجميعٌ وجماعةٌ.(4)وَيُقَالُ أَجْمَعَ الْمَسِيرَ وَعَلَى الْمَسِيرِ - يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ: عَزَمَ عَلَيْهِ، وَحَقِيقَتُهُ جَمَعَ رَأْيَهُ عَلَيْهِ، وَمنهُ الْحَدِيثُ: مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ،(5) أَيْ: مَنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ فَيَنْوِيه.وَأَجْمَعُوا عَلَى الأَمْرِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ وَاسْتَجْمَعُوا بِمَعْنَى تَجَمَّعُوا، وَاسْتَجْمَعَ السَّيْلُ اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ، وَاسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُمُورُهُ اجْتَمَعَ لَهُ مَا يُحِبُّهُ.ويُقَالُ رَجُلٌ مُجْتَمِعٌ إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ؛ لأَنَّهُ وَقْتُ اجْتِمَاعِ الْقُوَى، أَوْ لأَنَّ لِحْيَتَهُ اجْتَمَعَتْ.وَالْجَمْعُ الدَّقَلُ؛ لأَنَّهُ يُجْمَعُ وَيُخْلَطُ مِنْ تَمْرِ خَمْسِينَ نَخْلَةً، وَقِيلَ: كُلُّ لَوْنٍ مِنْ النَّخْلِ لاَ يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمْعٌ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى التَّمْرِ الرَّدِيءِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: " بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا".(6)وَالْجَمْعُ أَيْضًا الْجَمَاعَةُ، تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، وَيُجْمَعُ عَلَى جُمُوعٍ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ.وَجَمْعٌ اسْمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ، إمَّا لأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا، وَإِمَّا لأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ بِحَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا.والجمع: مصدر قولك: جمعت الشيء، والجمع: المجتمعون، وجمعه: جموع، والجماعة والجميع والْمَجْمَع والْمَجْمَعَةُ: كالجمع.وفي الحديث: له سَهْمُ جَمْعٍ،(7) أي له سهمٌ من الخير جُمِعَ فيه حظَّانِ، وقيل: أراد بالجمع الجيشَ، أي: كسهمِ الجيشِ من الغنيمة.(8)وَالْمَجْمَعُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مِثْلُ الْمَطْلَعِ وَالْمَطْلِعِ - يُطْلَقُ عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى مَوْضِعِ الاجْتِمَاعِ، وَالْجَمْعُ الْمَجَامِعُ.وفي الحديث: بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ(9)أَيْ كَانَ كَلاَمُهُ rقَلِيلَ الأَلْفَاظِ كَثِيرَ الْمَعَانِي.وَحَمِدْتُ اللهَ تعالى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ. أَيْ: بِكَلِمَاتٍ جَمَعَتْ أَنْوَاعَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ تعالى.(10)نستخلص مِمَّا سبق أن الجمع يطلق في اللغة على عدة معان،(11) هي:1 - الْجَمْعُ هو ضم الأشياء المتفرقة بتقريب بعضها من بعض.2 - الْجَمْعُ مصدر جَمَعَ الشَّيْءَ يجمعُه إذا كان متفرِّقًا فضَمَّ بعضَهُ إلى بعضٍ.3 - الْجَمْعُ: المجتمعون، تسمية بالمصدر، كالجماعة والجميع والْمَجْمَع والْمَجْمَعَةُ.4 - الْجَمْعُ: الجيش، كالجميع.5 - جَمْعٌ: الْمُزْدَلِفَةُ، لأن الناس يجتمعون بِها، أو لأن آدم uاجتمع هناك بحواء.6 - الْجَمْعُ: الدَّقَل؛ لأَنَّهُ يُجْمَعُ وَيُخْلَطُ، وَقِيلَ هُوَ كُلُّ لَوْنٍ مِنْ النَّخْلِ لاَ يُعْرَفُ اسْمُهُ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرَّدِيءِ مِنَ التَّمْرِ.جمع القرآن عند علماء المسلمين:ثم إن علماء الشرع أطلقوا جمع القرآن(12) على أربعة معانٍ، وهي:1 - حفظ القرآن في الصدور.2 - تأليف سور القرآن الكريم.3 - تأليف الآيات في السورة الواحدة من القرآن الكريم.أما الإطلاق الأول فقد حصل في عصر النبي r، حيث حفظ القرآنَ الكريمَ عن ظهر قلبٍ النبيُّ rوجمعٌ من أصحابه y، ومنه قولهU: } إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {:عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِU: }لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ!إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {،(13) قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ.(14)وعن قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍt: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ r؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ.(15)وأما الإطلاقان الثاني والثالث، فقال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال ، وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة رضي اله عنهم(16) وأما الجمع الآخر، فضمُّ الآي بعضها إلى بعضٍ، وتعقيب القصة بالقصة، فذلك شيءٌ تولاَّه رسول اللهr،ـ(17) كما أخبر به جبريل عن أمر ربهU .ـ(18)وأما الإطلاق الرابع، فيتضمن مرحلتين: الأولى جمع متَفَرِّقِهِ في صحفٍ، وهو ما حدث في عصر الصِّدِّيقt، والثانية: جمع تلك الصحف في مصحفٍ واحدٍ، وهو ما حدث في عصر عثمان بن عفان t.ـ(19)
(1) هو الإمام العلامة اللغوي المحدث أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني، صاحب كتاب مجمل اللغة، كان رأسًا في الأدب، بصيرًا في فقه مالكٍ، مناظرًا متكلمًا، وكان من رءوس أهل السنة، المجردين على مذهب أهل الحديث، توفي في صفر سنة395 هـ. سير أعلام النبلاء (17/103)، شذرات الذهب لابن العماد (3/132).(2) أبو الحسين أحمد بن فارس- مقاييس اللغة (1/479).(3) جمهرة اللغة لابن دريد (2/103)، وتهذيب اللغة للأزهري (1/397).(4) الراغب الأصفهاني - المفردات في غريب القرآن - تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني - دار المعرفة - بيروت -ص 96-97، وتهذيب اللغة للأزهري (1/397).(5) رواه أبو داود في سننه عن حفصة - رضي الله عنها -: كتاب الصوم، باب النية في الصوم (2/329) ح: 2454، والنسائي في سننه عن حفصة - رضي الله عنها: كتاب الصيام، باب النية في الصيام - اختلاف الناقلين لخبر حفصة: سنن النسائي مع شرح السيوطي والسندي (2/196-198)، ورواه مالكٌ في الموطأ عن عبد الله بن عمر وعائشة وحفصة y: كتاب الصيام، باب من أجمع الصيام قبل الفجر ص 193.(6) اَلْجَنِيبُ على وزن فَعِيلٍ مِنْ أَجْوَدِ أنواع التَّمْرِ - القاموس المحيط (جنب) ص 89، والحديث متفقٌ عليه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما، البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه: صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (4/467) ح: 2202-2202، ومسلم في صحيحه: كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا: صحيح مسلم مع شرح النووي (11/20-21).(7) رواه أبو داود في سننه عن أبي أيوب: كتاب الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم (1/158) ح: 578، ومالك في الموطأ عن أبي أيوب: كتاب صلاة الجماعة، باب إعادة الصلاة مع الإمام، والنسائي في سننه عن أبي سعيد الخدري: كتاب الغسل والتيمم، باب التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة: سنن النسائي مع شرح السيوطي والسندي (1/213).(8) ابن الأثير الجزري - النهاية في غريب الحديث والأثر - تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناحي - المكتبة العلمية - بيروت - (1/296)، وابن منظور الإفريقي - لسان العرب - دار المعارف - القاهرة - (1/678-683).(9) رواه البخاري في صحيحه كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي r بعثت بجوامع الكلم (13/261) ح 7273.(10) انظر مادة ( جمع ) في: تهذيب اللغة (1/397-402)، ولسان العرب (1/678-683)، والصحاح (3/1198-1200)، والقاموس المحيط ص 917-918.(11) مقاييس اللغة (1/479-480)، ولسان العرب (1/678-679،682)، والقاموس المحيط ص 917، والصحاح (3/1198)، وانظر المعجم الوسيط (1/135).(12) انظر مناهل العرفان (1/239).(13) الآيتان 16،17 من سورة القيامة.(14) رواه البخاري في صحيحه: كتاب بدء الوحي، باب 4، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (1/39) ح 5.(15) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي r ح 5004 (8/663)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.(16) بحث ترتيب السور، وهل هو توقيفي أو باجتهاد من الصحابة y .يأتي في الفصل الثالث من الباب الأول - إن شاء الله.(17) كما في حديث عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، وفيه: كَانَ النَّبِيُّ r مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: ضَعْ هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا. رواه وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وأحمد في مسنده - مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501.(18) البرهان في علوم القرآن - الزركشي (1/258-259).(19) دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة (7/148)، وانظر مناهل العرفان (1/239).
[lu hgrvNk hg;vdl
المفضلات