ولذا ختم الله عز وجل الآية بقوله : ( وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )
وقد جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقال : يا محمد إنا نجِد أن الله يجعل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ،والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأرسول الله صلى الله عليه وسلم :
( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) رواه البخاري ومسلم .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟
كتبها عبد الرحمن السحيم
أما قول الله تعالى
يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات
فهذه فتوى من موقع الأسلام ويب
فقد دلت الآية الكريمة على وجود سموات وأرض في الجنة، ولكن هذه السموات والأرض غيرسموات وأرض الدنيا، كما قال الله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَالْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) [إبراهيم:48]. قال الحسن البصري : تبدل سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض.
وروى أحمد وعبد بن حميد في مسنده، والترمذي وابن حبان في صحيحه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة، ما بناؤها. قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه" فدل على أن أرض الجنة غير أرض الدنيا.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة، فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص".
والدرمك: هو الدقيق الخالص البياض.
وهناك أدلة كثيرة، وأقوال جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يثبت هذا الأمر، وهي مذكورة عند تفسير هذه الآية، وفي كتب الحديث عند ذكر صفة الجنة والنار، وهذه السموات والأرض في الجنة باقية للأبد، ولله تعالى في خلقهما حكمة يعلمها سبحانه وتعالى، لأنه لم يخلق شيئاً عبثاً، وما كان لنا أن نخوض في ما لا علم لنا به، ولا في ما لا يترتب على السؤال فيه عمل، وليس معنى ذلك أن المسلم لا يبحث عن الحكمة إذا تيسرت معرفتها، لأن ذلك يزيد في الإيمان.
وأتفق أهل السنةوالجماعة على أن الجنة والنار لا تفنيان، كما سبق في الفتوى رقم: 4228، والفتوى رقم: 7485.
وأما الاستثناء في قوله تعالى عن أصحاب الجنة: ( خَالِدِينَ فِيهَامَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَمَجْذُوذٍ) فيحتمل معنيين:
أحدهما: أن يراد: إلا ما شاء ربك في أول أزمنةالقيامة، وهي المدة التي يدخل فيها عصاة المؤمنين غير التائبين في العذاب إلى أن يعفو الله عنهم بفضله بدون شفاعة أو بشفاعة، كما في الصحيح من حديث أنس: "يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحممة أخرجوا وأدخلوا الجنة، فيقال: هؤلاء الجهنميون.
ويحتمل أن يقصد منه التحذير من توهم استحقاق أحد ذلك النعيم حقاً على الله، بل هو مظهر من مظاهر الفضل والرحمة، وليس يلزم من الاستثناء المعلق على المشيئة وقوع المشيئة، بل إنما يقتضى أنها لو تعلقت المشيئة توقع المستثنى، وقد دلت الوعودالإلهية على أن الله لا يشاء إخراج أهل الجنة منها، وأياً ما كان فهم إذا أدخلواالجنة كانوا خالدين فيها فلا ينقطع عنهم نعيمها، وهو معنى قوله: (عَطَاءً غَيْرَمَجْذُوذٍ) والمجذوذ: المقطوع. ا.هـ من تفسير التحبير والتنوير لابن عاشور.
وهكذا الاستثناء في أهل النار لا يدل على فناء النار، أو خروج الكفرة منها،وإنما هو في عصاة المؤمنين الذي يدخلون ويمكثون فيها زمناً، ثم يخرجون منها.
قال ابن كثير رحمه الله: وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها أبو الفرج بن الجوزي في كتابه زاد المسير، وغيره من علماء التفسير،ونقل كثيراً منها الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله في كتابه، واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وأبي سنان ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضاً: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين، فتخرج من النار من لم يعمل خيراً قط، وقال يوماً من الدهرلا إله إلا الله، كما وردت الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون ذلك، كما في حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة،ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها، ولا محيد له عنها، وهذاالذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة. ا.هـ
المفضلات