الحمد لله رب العالمين
من بين حين وآخر تطالعنا الشبهات المنصرين حول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه [1]
ولهم في هذا الحديث إعتراضين :
الأول في قوله صلى الله عليه وسلم :
لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام
والثاني :
فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه
بالنسبة لإعتراضهم الأول :
ولا أعلم ما وجه إعتراضهم على هذا .
فالسلام هو تحيه الإسلام وأهل الإسلام ، وتحيه أهل الجنة :
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ( 25 ) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ( 26 ) الواقعة
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ( 23 ) إبراهيم
فهل المعترض هنا من أهل الإسلام حتى يكون أهلاً لتلقى عليه تحية المسلمين ؟
هذا أولاً
ثانياً : تحية الإسلام – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – لا مكان لها عند أهل الكتاب ، فلا يلقونها فيما بينهم ولا يحيون بها بعضهم حتى يطلبون من المسلمين أن يحيوهم بها
فنجد مثال من تحية النصارى كما وردت في " العهد الجديد " :
1Co 1:3 نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
فكما يشرحونها :
"نعمة وسلام"- اقتبست المسيحية هاتين التحيتين وقرنتهما معاً ثم مسحتهما بمسحتها المقدسة, وطهرتها من كل شائبة مادية أو زمنية.
"نعمة وسلام": النعمة هي رضى الله الذي يحيطنا ويغمرنا والسلام هو بركة داخلية تكون في أعماق قلوبنا كالنبع الفيّاض.
"نعمة وسلام": بمثل هذه التحية استهل بولس رسائله إلى كورنثوس, وغلاطية, وفيليبي, وكولوسي, وتسالونيكي, وفيليمون: لكنه في رسائله الرعوية قد أضاف كلمة "رحمة".
مصدر التحية: "من الله أبينا والرب يسوع المسيح". مع أن الله هو أب الجنس البشري بوجه عام, إلا أنه أب للمؤمنين بنوع خاص, باعتبار كونهم متحدين بابنه يسوع المسيح, لذلك قال الرسول: "الله أبينا". فالضمير "نا" يعود على المؤمنين- وبولس الرسول واحد منهم.
إن في وضع اسم الرب يسوع جنباً إلى جنب مع اسم الله أبينا, واعتبارهما معاً مصدر نعمتنا وسلامنا, أكبر دليل على لاهوت المسيح. [2]
فتحيتهم تحيه مصدرها إيمانهم – وهم أحرار – وقبولها من حيث المنظور الإسلامي كفر بالله سبحانه وتعالى ، لمعارضتها العقيدة الإسلامية وما يتضنه إيمان المسلمين .
ولهذا لا يمكن أن تكون التحية بين المسلم والمسلم ، وبين المسلم والنصراني أو اليهودي واحدة .
هذا بالنسبة لإعتراضهم الأول .
أما الثاني :
وقوله صلى الله عليه وسلم :
فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه
فليس معنى كلامه هذا أن نضيق عليهم الخناق ومضايقتهم ، لأن في هذا ظلم لهم ، وقد حذر رسول الله صلى عليه وسلم من ظلمهم ، حتى وصل جزاء من يفعل ذلك هو محاجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم له يوم القيامة .
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة [3]
قال القرطبي [4] رحمه الله :
وليس معنى ذلك أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أننا نلجئهم إلى حرفه حتى نضيق عليهم ؛ لأن ذلك أذى منا لهم من غير سببٍ ، وقد نهينا عن أذاهم . [5]
وقال بن الملك يعني لا تتركوا لهم صدر الطريق هذا في صورة الازدحام وأما إذا خلت الطريق فلا حرج [6]
وذهب البعض إلى أن هذا الأمر حالة خاصة فقط ، كما نقل الامام بن القيم رحمه الله :
"هذا كان في قضية خاصة لما ساروا إلى بني قريظة بعد أن نقضوا العهد ووقفوا إلى جانب الكفار للقضاء على المسلمين قال: "لا تبدأوهم بالسلام" فهل هذا حكم عام لأهل الذمة "أهل الكتاب" أم يختص بمن كانت حاله بمثل حال أولئك "بنو قريظة"؟ هذا موضع نظر.
ويؤيد ذلك ما رواه أبو عبدالرحمن الجهني عن أبي بصرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إني راكب غدا إلى يهود، فمن انطلق منكم معي فلا تبدأوهم بالسلام فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم)." [7]
ولا توجد أي حرج في الرد على أهل الكتاب إن بدؤوا هم بالتحيه – التسليم – على أن يرد عليهم :
قال النووي رحمه الله :
اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب اذا سلموا لكن لايقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو وعليكم . [8]
فلا يوجد أي مشكلة في الحديث بجملته سوى في عقل المشكك لا أكثر ولا أقل .
والحمد لله رب العالمين
_____________________________________
[1] أخرجه مسلم في صحيحه 39 : ك : السلام 4 : ب : النهي عن ابتداء اهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم ح 2167 ج 7 ص 52 بشرح القاضي عياض .
والترمذي 22 : ك : السير عن رسول الله صلى الله عليه و سلم 41 : ب : ما جاء في التسليم على أهل الكتاب ح 1602 ج 4 ص 154 ، وقال حسن صحيح ، وصححه الألباني .
وأبي داود في أبواب السلام 149 : ب : في السلام على أهل الذمة ح 5205 ج 2 ص 773 .
[2] http://www.kalimatalhayat.com/commen...hesiaus_05.htm
[3] الجامع الصغير 4420 ، وقال حديث صحيح .
[4] الإمام الحافظ أبي العباس أحمد بن عمران ابراهيم القرطبي 578 : 656 هـ .
[5] المفهم ج 5 ص 490 .
[6] عون المعبود ج 14 ص 75 .
[7] http://www.dralsherif.net/Fatwa.aspx...D=4&RefID=1466
[8] المنهاج ج 14 ص 143 .gh jf]ch hgdi,] ,gh hgkwhvn fhgsghl tY`h grdjl Hp]il td 'vdr thq'v,i Ygn Hq
المفضلات