القلوب لاتعطى مناها مولاها

الحمدُ للهِ الذي تَفَرَّدَ بالجلالِ والعظمةِ والعِِزِ والكبرياءِ والجَمَالِ وأَشْكرُهُ شُكرَ عَبدٍ مُعْترفٍ بالتقصيرِ عن شكرِ بعض ما أوليهُ مِن الأنعام والأفضال وأَشهد أنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيَكَ لَهُ ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ


اما بعد:


وقد أجمع السائرون إلى الله أنَّ القلوبَ لا تُعطي مُنَاهَا حَتَّى تصل إلى مَوْلاَهَا ، وَلا تَصِلُ
إِلَى مَوْلاَهَا

حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً سَلِيمَةً ، ولا تكون صَحِيحَةٌ سَلِيمَةً حَتَّى يَنْقَلِبَ دَاؤُهَا فَيَصِيرَ نَفْسَ دَوَائِهَا .
ولا يَصِحُ لَهَا ذَلكَ إَلا بِمُخَالَفَةِ هَوَاهَا ، فهواها مرضُها ، وشفاها مخالفتهُ ، فإن استحكم المرض قتل أو كاد .
وكما أنَّ مَن نَهَى نفسهُ عن الهوى كانت الجنة مأواه ، كذلك يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نَعيمًا البتة .
بل التفاوتُ الذي بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نَعِيمَ الدنيا ونعيم الآخرة ، وهذا أمر لا يصدق به إلا من بَاشَرَ قلبه هذا .ولا تحسب أن قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط ، بل في دورهم الثلاثة كذلك .
أعني : دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار ، فهؤلاء في نعيم ، وهؤلاء في جحيم ،
وهل النعيم إلا نعيم القلب ؟
وهل العذاب إلا عذاب القلب ؟ .
وأي عذابٍ أَشَدُّ مِنَ الخوفِ والهمَّ والحزنِ وضيقِ الصدرِ وإعراضِهِ عن الله والدار الآخرة وَتَعَلُّقِهِ بغيرِ اللهِ وانقطاعِهِ عن اللهِ ؟ بكل واد منه شعبة ، وكل شيء تعلق به وأَحَبَّهُ مِن دونِ اللهِ فإنه يَسُومُه سُوءَ العذاب .


القلوب لاتعطى مناها مولاها


فَكُلُ مَنْ أَحَبَّ شيْئًا غيرَ اللهِ عُذِبَ به ثَلاثَ مَرَّات : في هذه الدار ، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حَصَل عُذِّبَ به حَال حُصولِهِ بالخوفِ مِن سَلْبِهِ وفواتِهِ والتنغيصِ والتنكيدِ عليه وأنواع المعارضات ، فإذا سُلِبَهُ اشْتَدَّ عَذَابهُ عليه .
فهذه ثلاثةُ أنواع من العذاب في هذه الدار . وأما في البرزخ فعذاب يقارنه أَلَمُ الفراق الذي لا يرجى عوده ، وألم فوات ما فاته مِن النعيم العظيم باشتغاله بضده ، وألم الحِجَابِ عن الله ، وألم الحسرةِ التي تقطع الأَكباد .

القلوب لاتعطى مناها مولاها

فالهَمُ والغَمُ والحسرةُ والحزنُ تعمل في نفوسهم نظير ما تعمل الهوام والديدان في أبدانهم ، بل عَمَلُها في النفوس دائم مستمر حتى يردها الله إلى أجسادها ، فحينئذٍ ينتقل العذاب إلى نوع هو أدهى وأمر .
فأين هذا مِن نعيم مَنْ يرقص قلبه طربًا وفرحًا وأُنسًا بربه ، واشتياقًا وارتياحًا بحبه وطمأنينة بذكره ؟ حتى يقول بعضهم في حال نزعه : وأطرباه .
ويقول الآخر : إن كان أهل الجنة في مثل هذا الحال إِنهم لفي عَيْشٍ طيب .
وقال الآخر : مَسَاكينُ أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا لَذيذَ العيشِ فيها وما ذاقوا أَطْيَبَ ما فيها . ويقول الآخر : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .

ويقول الآخر : إِنَّ في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخر . فيا مَن باع حظه الغالي بأبخس الثمن ، وغبن كُلَّ الغبنِ في هذا العقد وهو يرى أنه قد غَبَنَ ، إذا لم تكن لك خبرة بقيمة السلعة فاسأل المقومين .
فيا عجبًا مِن بِضَاعَةٍ مَعَكَ اللهُ مُشْتَرِيها ، وثَمَنُها جَنَّةُ المأْوىَ ، والسفيرُ الذي جرى على يده عقد التبايع وضمن الثمن عن المشتري هو الرسول وقد بِعْتَهَا بغايةِ الهوان !! .


هَل الدُّنْيَا وما فيهَ جَمِيعًا...... سِوَى ظِلٍّ يَزُولُ مَعَ النَّهَارِ
تَفَكَّر أَيْنَ أَصْحَابُ السَّرَايَا...... وَأَرْبَابُ الصَّوافِنِ والعِشَارِ
وَأَيْنَ الأَعْظَمُونَ يَدًا وَبَأْسًا ....وَأَيْنَ السَّابِقُونَ لِذِي الفِخَارِ
وَأَيْنَ القَرْنُ بَعْدِ القَرْنِ مِنهُمْ.....مِنْ الخُلَفَاء والشُمِ الكِبَارِ
كأَنْ لَمْ يُخْلَقُوا أَوْ لَمْ يَكُونُوا..... وهَلْ أَحَدٌ يُصَانُ مِنَ البَوارِ



واللهُ أَعْلَمْ . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين .


منقــــــــــــــــــــــــول


القلوب لاتعطى مناها مولاها

hk hgrg,f ghju'n lkhih pjn jwg hgn l,ghih