جولدا مائير
هي امرأة من بقايا خيبر، وبني قريظة، وبني النضير، كرهت كلّ ما هو إسلامي، وأبت عليها طبيعتها النكدة، الميَّالة إلى الشر دائماً، إلا أن تكون كخفافيش الظلام، لا تهنأ بضياء، ولا تذعن إلى الحق .
ولدت جولدا مائير في الثالث من مايو عام 1898م لأبوين يهوديين، بمدينة "كييف" ، وكان أبوها نجاراً بسيطاً اضطرته الحاجة ومتطلبات الحياة إلى السفر إلى أمريكا عام 1903م، للبحث عن عمل يتكسب منه ويكفل للأسرته حياة كريمة.
استقرَّ الأب في مدينة "ميلواكي" بولاية "ويس كونسن"، وبعد فترة من العمل اضطر إلى استدعاء الأسرة للإقامة معه، فالزوجة لم تعد تستطع مواجهة الحياة وحدها، والقيام بواجبات الأطفال، فانتقلت الأسرة كلها إلى "ميلواكي" عام 1906م.
التحقت الطفلة جولدا مائير بإحدى المدارس الابتدائية في "ميلواكي"، وكانت دراستها الثانوية في المدينة نفسها، وأثناء المرحلة الثانوية بدأت تظهر عليها ملامح وعلامات الشخصية القوية الفاعلة المؤثرة في الآخرين، فاستطاعت النفاذ إلى قلوب زميلاتها، ونجحت في جعلهن يلتففن حولها ويجعلنها مستشارتهن الخاصة!
تخرجت جولدا مائير في معهد المعلمات بـ"ميلواكي" وعملت في التدريس العام بالمدينة نفسها، وأثناء هذه الفترة انضمت إلى إحدى الجماعات الصهيونية النشطة، ومن خلال تواجدها في هذه الجماعة تعرفت على زوجها "موريس ميرسون" الذي كان من الأعضاء البارزين في الحركة، ومن المنظِّرين لها.. كانت العلاقة بينهما تكاملية، فهو يسعى إلى التنظير والتقعيد، بينما هي تسعى إلى إحياء هذه النظريات على أرض الواقع!
في عام 1917م تمَّ زواج "جولدا" من "ميرسون" ذلك الرجل الهادئ، صاحب النظريات، الذي كان ينقاد غالباً إليها وينزل على آرائها، واستطاعت هي ـ بفضل حنكتها وتسلطها وطبيعة "ميرسون" الهادئة الميَّالة إلى التأمل ـ أن تقنعه بالسفر إلى فلسطين، بالرغم من رؤيته الخاصة بعدم جدوى السفر؛ إلا أنَّه كان يؤثر عدم الجدال معها، فهو قد عرفها قبل أن يتزوجها، وربما كان توثبها الدائم وقفزها على الأحلام من الأمور التي رغَّبته في الزواج منها برغم اختلافه معها في كثير من الأمور!
بعد وصولها وزوجها "ميرسون" إلى فلسطين، وقيام دولة إسرائيل، انخرطت هي في العمل العام، وأصبحت ناشطة معروفة، يعهد إليها بالأعمال المهمة، بينما زوجها خفتت عنه الأضواء؛ نظراً لطبيعته الخاصة، التي لم تجعله يحظى بالحضور الاجتماعي كزوجته.
أنجبت جولدا مائير ولداً وبنتاً، طوَّعت حياتهما ليسيرا معها في ركاب دعوتها، واستطاعت أن تعوضهما عن غيابها من حياتهما، فقد كانا فرحين بأمهما، واستطاعت هي أن تغرس بداخلها قناعة خاصة، مفادها أنَّها ليست امرأة عادية، وأنهما ليسا ولديين عاديين، فأمهما تسعى لبناء دولة، وهذا أوْلى من مكوثها إلى جوارهما.
زادت المهام وتتابعت الأعباء، وكلما تتابعت المسؤوليات اتسعت الهوة بين الزوجين، وكان كل منهما ينزع إلى عالمه الخاص، حتى جاء اليوم الذي غابت فيه جولدا ـ أو كادت ـ عن حياة موريس، ولم تعد تملك أن تمنحه من وقتها وعاطفتها وفكره، ما يجب على المرأة أن تمنحه لزوجها، وشعر هو بذلك، فكان الانفصال عام 1945م، وهو انفصال مبني على قناعات مسبقة عند الطرفين، وكان من توصيات جولدا لميرسون أثناء الانفصال أنهما لا بد أن يظلا صديقين، وأن يعملا سوياً لرفعة إسرائيل وتثبيت أركان الدولة.
انطلقت مائير تبشِّر بالدولة الجديدة، وتعمل بهمة عالية، وحرية أكثر، وراحت تسعى لتذليل كل العقبات أمام المستوطنين القادمين من بقاع الأرض، فتقول في مذكراتها عنهم: "كان الرواد الأوائل من حركة العمل الصهيوني هم المؤمنين الوحيدين الذين يستطيعون تحويل تلك المستنقعات أو السبخات إلى أرض مروية صالحة للزراعة، فقد كانوا على استعداد دائم للتضحية والعمل مهما كان الثمن مادياً أو معنوياً".
في الوقت نفسه كانت تدرك أنَّ التعبئة المعنوية وحدها لا تبني ولا تعمر، ولا بدَّ من تقديم الأسباب المادية، فتقول في موضع آخر من المذكرات نفسها: "لقد كانت فلسطين هي السبب، لقد كنت شغوفة بشرح طبيعة الحياة في إسرائيل لليهود القادمين، وأوضح لهم كيف استطعت التغلب على الصعاب التي واجهتني عندما دخلت فلسطين لأول مرة، ولكن حسب خبرتي المريرة التي مارستها، كنت أعتبر أنَّ الكلام عن الأوضاع وكيفية مجابهتها نوع من الوعظ أو الدعاية، وتبقى الحقيقة المجرَّدة؛ هي وجوب إقامة المهاجرين وممارستهم للحياة عملياً. لم تكن الدولة الإسرائيلية قد أنشئت بعد، ولم تكن هناك وزارة تعنى بشؤون المهاجرين الجدد، ولا حتى من يقوم على مساعدتنا لتعلم اللغة العبرية، أو إيجاد مكان للسكن، لقد كان علينا الاعتماد على أنفسنا، ومجابهة أي طارئ بروح بطولية مسؤولة".
لقد أعمى حلم إقامة الدولة عيون جولدا مائير عمَّا سواه من حقائق، فآمنت ـ إيماناً منحرفاً ـ وأقنعت الكثيرين بأنَّ فلسطين لهم، وبأنَّ العرب ليسوا موجودين أصلاً، وإن كانت لهم بقايا أو ظلال؛ فهي أضعف من أن تصمد أمام الزحف الصهيوني العنيد، وهناك قصة معروفة قيلت خلال اجتماعها بعدد من الكتاب الإسرائيليين عام 1970م، حينما عرض عليها كاتب بولندي انطباعه عن فلسطين بعد زيارته لها قائلاً: "العروس جميلة ولكن لديها عريس" فأجابته بغطرسة: "وأنا أشكر الله كل ليلة؛ لأنَّ العريس كان ضعيفاً، وكان من الممكن أخذ العروس منه"! ويحملها طموحها الجموح ونظرتها التوسعية أقصاهما حين وقفت على شاطيء خليج العقبة وأخذت تستنشق الهواء وتقول: "إني أشم رائحة أجدادي في خيبر".
عاشت مائير حياتها وسط أجواء صاخبة، محشودة بالعداوات والصداقات، فبقدر ما كسبت مؤيدين متعصبين لها؛ كسبت معارضين ناصبوها العداء، حتى من بني جلدتها، وخصوصاً أصحاب خندق السلام! ومن بين هؤلاء الكاتب الإسرائيلي "بوعز أبل باوم" الذي أعدَّ دراسة تحمل عنوان "دليل رؤساء حكومات إسرائيل" يصف فيها جولدا مائير بأنَّها كانت منافقة، تجيد التلون كالحرباء، ويقول إنَّها بوقوفها ضد السلام أدت إلى اندلاع حرب أكتوبر التي راح ضحيتها 2600 شاب إسرائيلي، ورغم أنَّ الملك حسين حذَّرها قبل اندلاع الحرب بثلاثة أيام؛ إلا أنَّها تجاهلت تحذيراته، إضافة إلى أنَّ فترة حكمها اتسمت بالجمود ورفضت أية مبادرة للسلام، فقد كانت امرأة متصلبة فظَّة، تفتقر للمرونة وتميل إلى الوحشية، فحينما كانت تمر في طرقات وزارة الخارجية، وتلقي تحية الصباح باللكنة الأمريكية الثقيلة، تجد جميع العاملين وقد فروا للاختفاء في غرفهم هرباً منها.
ويضيف المؤلف قائلاً: إنه على الرغم من أن جولدا كانت تتصف بالبلاهة في بعض الأحيان, وتخلط بين ما هو مسموح وما هو ممنوع, غير أنها تظل واحدة من ثلاثة رؤساء وزراء تمتعوا بالكاريزما (الآخران هما بن غوريون وبيغين) وخطبها السياسية كانت تجذب المستمعين, ومعظمها كانت خطبا عدوانية شرسة, وقد وصفها بن غوريون بأنها الرجل الوحيد في الحكومة الإسرائيلية"!
وفي عام 1978م هلكت جولدا مائير عن ثمانين عاماً، قضتها في صراع مع الحق! فقد كانت طيلة حياتها المديدة تخشى المستقبل وترهب المجهول، وكانت تنظر إلى الأطفال الفلسطينيين على أنهم بذور شقاء الشعب الإسرائيلي، فكانت تقول: "كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة".
ماتت جولدا مائير ولم يمت أطفال فلسطين، ماتت واتسعت رقعة الأطفال الذين ملؤوا المعمورة يطالبون بحقهم في أرض فلسطين.[/align]YlvHm lk frhdh odfv !!!!!
المفضلات