كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيعاني دعاة النصرانية -كثيرًا- من قوة الإسلام وحيويته وسرعة انتشاره في جميع بقاع العالم، بما في ذلك أوروبا نفسها، إلى الحد الذي دفع قسيسًا ألمانيًّا إلى أن يحرق نفسه في ساحةِ كبرى الكنائس التاريخية هناك! تاركًا رسالةً قال فيها: "إنه أقدم على ذلك لتوجيه رسالة إلى الكنيسة لعمل شيء قبل أن تتحول أوروبا إلى الإسلام".
ولا شك أن الكنيسة كانت وما تزال تعمل على نشر دينها، ولكنَّ الآفةَ ليست في جهد الكنيسة، إنما الآفةُ في دين الكنيسة المخالفِ للفطرة والمخالفِ للعقل، وفوق هذا؛ فهو متناقض ينقض بعضه بعضًا. وقد لجأ المُبَشِّرون بدين الكنيسة في سبيل ترويج بضاعتهم المعيبة إلى وسائل؛ منها:
1- محاولة التوفيق بين هذا الدين والعقلِ والفطرةِ؛ وهي محاولة يُقدِم كُلُّ مَن يُقدِم عليها وهو يائس منها ابتداءً؛ فيخطو فيها خطوة أو خطوتين ثم يلجأ إلى الخديعة الكبرى: "آمِنْ وسيأتيك الفهم"، وأما المؤمن بعقيدتهم؛ فيقال له: "هيهات وأنَّى لك الفهم".
وهذا ما يقوله كتابهم المقدس على لسان "بولس" الواضع الحقيقي لهذه الديانة؛ فيقول في رسالته الأولى لأهل كورنثوس في الإصحاح الأول منها:
"17- فإن المسيح قد أرسلني لا لأعمد؛ بل لأبشر بالإنجيل، غير معتمد على حكمة الكلام، لئلا يصير صليب المسيح كأنه بلا نفع.
18- لأن البشارة بالصليب جهالة عند الهالكين، وأما عندنا نحن المخلصين؛ فهي قدرة الله.
19- فإنه قد كتب: سأبيد حكمة الحكماء وأزيل فهم الفهماء!(1).
20- إذن أين الحكيم؟ وأين الكاتب؟ وأين المجادل في هذا الزمان؟ ألم يقلب الله حكمة هذا العالم جهالة؟.
21- فبما أن العالم في حكمة الله لم يعرف الله عن طريق الحكمة؛ فقد سر الله أن يخلص بجهالة البشارة الذين يؤمنون.
22- إذ إن اليهود يطلبون آيات، واليونانيين يبحثون عن الحكمة.
23- ولكننا نحن نبشر بالمسيح مصلوبًا، مما يشكل عائقـًا عند اليهود وجهالة عند الأمم.
24- وأما عند المدعوين، سواء من اليهود أو اليونانيين، فإن المسيح هو قدرة الله وحكمة الله.
25- ذلك لأن جهالة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوى من البشر(2)". اهـ.
2- وأما الوسيلة الثانية من حِيَل دعاة هذا الدين؛ فهي محاولة إلصاق تـُهَمٍ بالإسلام؛ ليبدو للعقل والفطرة متناقضًا مثل دينهم، بل أشد، وهذا المسلك بدأ يفقد فعاليته في ظل ثورة الاتصالات التي مكنت الرجل الغربي من الاطلاع على الإسلام من مصادره الأصلية؛ مما دفع "الفاتيكان" إلى تبني سياسة الحوار مع الإسلام بهدف منع دعاة الإسلام من بيان هذه الاضطرابات الموجودة في دينهم، وعندما تولى "بندكت" منصب "بابا الفاتيكان" وكأنه أتى لتوه من "العصور الوسطى" ردد نفس الاتهامات القديمة إلا أنه عاد وبسرعة إلى تبني لغة الحوار.
3- وأما الوسيلة الثالثة؛ فهي مؤتمرات الحوار بين الأديان؛ والتي ترمي إلى وضع "ميثاق شرف" -كما يسمونه- يلتزم بمقتضاه النصارى والمسلمون بعدم دعوة كل دين لأتباع الدين الآخر، وتوجيهِ الجهود إلى دعوة الوثنيين، ومع أن التزام ذلك يمثل بالنسبة للمسلم خيانة لأمانة الدعوة إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ إلا أن هذا "السلام الديني" ليس بأحسن حالاً من "السلام السياسي"؛ والذي يمثل خيارًا استراتيجيًّا لجانب واحد فقط، وهم المسلمون! وأما الطرف الآخر؛ فيصول ويجول كما يشاء.
وعلى الرغم من ذلك؛ فما زال تيار الإسلام تيارًا ذا اتجاه واحد؛ يدخل الناس في الإسلام أفواجًا في كل بلاد الدنيا، وفي عقر دار النصرانية، ولا يكاد يخرج منه أحد؛ مما يوقع دعاة هذا الدين في حرج شديد؛ ومن أجل ذلك يحرصون على الحصول على أي عدد من المتنصرين ولو بلا أي رصيد من القناعة، ومِنْ ثَمَّ ينتشرون في البلاد الفقيرة والمنكوبة يدًا تمد الرغيفَ والدواءَ وبالأخرى الصليبَ، كما يبحثون في بلاد المسلمين الأخرى عن أي مريضٍ نَفْسِيًّا أو مُهَمَّشٍ اجتماعيًّا أو صاحبِ عاهة فكرية؛ ليجعلوا منه رمزًا للمتحولين من الإسلام إلى النصرانية.
وفي هذا الإطار تأتي تلك المحاولات الضخمة التي بُذِلَتْ من أجل تنصير جَدَّة الرئيس الأمريكي "باراك حسين أوباما"؛ فهي سيدة مُسِنَّة مسلمة ما زالت حتى الآن لا تعرف شيئًا عن الصلب والفداء والخطيئة الأولى، التي يزعم كهنة هذا الدين أن كل مولود قد ولد بها! ولكن غاية ما هنالك أنهم أوهموها أن حفيدها يواجه متاعب من أجل إسلامها، وبالتالي لابد أن تعلن تَنَصُّرَهَا؛ ليبقى في منصبه! وأعدوا لتعميدها حفلاً كبيرًا، وأظهروا فرحًا عظيمًا؛ وكأنهم قد أقنعوا علماء المسلمين كافة بالتحول عن الإسلام إلى النصرانية!! ولَكِنِ الحمدُ لله أن أبناءها قد تداركوا هذا الأمر قبل فوات الأوان، ولكن حتى لو كانوا قد نجحوا في مهمتهم الدنيئة -والعياذ بالله-؛ فهل تصلح هذه الحالة وما شابهها في ستر سوءات ذلك الدين المتناقض؟!
هذه الحالات التي ليس لها إلا عقلُ الأطفال مع شَرَهِ ونَهَمِ الكبار؛ على نحو ما أخبرَنا إنجيلُ "متى": أنه لن يفهم النصرانيةَ إلا هذه النوعيةُ من البشر!
أو هؤلاء الذين فقدوا كل عقل وحكمة؛ على نحو ما أخبرَنا به "بولسُ": أنه لن يفهم مسألة صلب المسيح إلا بإبادة حكمة الحكماء وإزالة فهم الفهماء!!
وأما الحكماء والفهماء منهم فإنهم يدخلون في دين الله أفواجًا في كل يوم في أوروبا وأمريكا، وفي كل بقاع الدنيا؛ منهم رجال فكر وبحث كالدكتور "موريس بوكاي" الجراح الفرنسي الذي شغلته قضية التعارض بين العلم والدين، فدرس هذه القضية ككتب الفلاسفة المنسوبة إلى الوحي، وألف كتابه: "التوراة والإنجيل والقرآن في ضوء العلم الحديث"، الذي ألفه وهو آنذاك نصرانيٌّ، ثم أسلم بعد ذلك.
ومما جاء في مقدمة ذلك الكتاب الرائع:
"ولا وجه للمقارنة بين العدد الضئيل المحدود من الحقائق العلمية المذكورة في الإنجيل مع تعارضها مع حقائق العلوم الوضعية، والعدد الكبير من الحقائق العلمية الموجودة في القرآن مع اتفاقها واتساقها مع معطيات وحقائق العلوم الوضعية".
وليست هذه هي النقطة الوحيدة التي عني بها في هذا الكتاب؛ بل كانت النقطة الأهم هي مدى صدق نسبة هذه الكتب إلى الله -تعالى-، فيقول:
"إن القرآن الكريم هو عن الوحي الإلهي الذي تلقاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي تلقاه بواسطة الملاك جبريل -عليه السلام- وحفظه عن ظهر قلب"، إلى أن قال: "وعلى النقيض من ذلك نجد أن الكتاب المقدس في المسيحية يقوم أساسًا على روايات بشرية عديدة وغير مباشرة".
ويقول أيضًا: "إن أحدًا لا يستطيع أن يحدِّد بالضبط كيف كانت نصوص كلام الله في التوراة عندما أنزلها، ولا يستطيع أحد أن يحدِّد مدى التصورات الخيالية التي أضافها خيال وأهواء أولئك الذين قاموا بكتابتها وتحريرها، ولا يستطيع أحد أن يحدِّد مدى التحريف غير المقصود ولا مدى التحريف المقصود لهذه النصوص التي تحويها التوراة الموجودة بين الناس في وقتنا الحاضر".
ومن هؤلاء من كان رجلَ دينٍ عند قومه، كالأستاذ "محمد مجدي مرجان" رئيس محكمة الجنايات والإدارية العليا، والذي قد كان قسيسًا فأسلم، وكتب في ذلك كتبًا من أبرزها:
"الله واحد أم ثالوث؟".
"المسيح إنسان أم إله؟"، ويقول في مقدمته:
"ولدت لأعبد المسيح -أي: لأجد نفسي كذلك- ولأرفعه إلهًا فوق الآلهة، فلما شببت شككت، فبحثت عن الحقيقة ونقَّبت فعرفت، فناداني المسيح: يا عبد الله، أنا بشر مثلك، فلا تشرك بالخالق وتعبد المخلوق، ولكن اقتدِ بي، واعبدْه معي، ودعنا نبتهل له سويًا: "أبانا وإلهنا، حمدك وسبحانك رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين"، يا عبد الله أنا وأنت وباقي الناس عبيد الرحمن"(3).
ومنهم الأخت "وفاء قسطنطين" التي كانت هذه الديانة بالنسبة لها سببًا لمنزلة عالية عند بني دينها، لم لا وهي زوجة كاهنٍ ذي حظوة واسعة عند بني دينه؟! ولكنها آثرت الإسلام، وتحمَّلت من أجله، حتى حينما أُكرهت على التراجع الظاهري قالت: "ولدت مسيحية وسأموت مسيحية"، ومعلوم أن النصارى لا يرون أن المولود يولد مسيحيًّا، ويبدو أنها عَنَتِ المسيحية الحقَّة التي هي الإسلام الذي يقرر أنه ما من مولود إلا ويولد على الفطرة.
ونحن نوقن أن تراجعها لم يكن إلا تراجعًا ظاهريًّا، وإلا لظهرت على الملأ مع كم هائل من القصص التي يجيد القوم صياغتها حول مجيء المسيح إليها، كما جاء إلى بولس محرف ديانتهم، أو ترائي العذراء لها، أو غير ذلك من قصص القوم الخيالية.
إذن فباعتراف كتابهم المقدس، ثم بشهادة الواقع فقائمة المهتدين هي قائمة العقلاء الحكماء، وهي مع ذلك طويلة جدًّا -بحمد الله-.
وقائمة المرتدين هي قائمة الحمقى والجهلاء، أو على أحسن الأحوال "ذوي العقول الطفولية"، ومع ذلك فإنها قصيرة جدًّا -بحمد الله-.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1) الإشارة إلى ما نسبه إنجيل متى إلى عيسى -عليه السلام- أنه قال: "أحمدك أيها الأب، رب السماء والأرض؛ لأنك حجبت هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، وكشفتها للأطفال". "متى:12".
والخلاف بين عبارة متى وبولس ليس لفظيًّا فقط، بل معنويًّا أيضًا؛ فالعبارة المنسوبة لعيسى -عليه السلام- في إنجيل متى تترك أملاً للفهم بشرط ترك العقل الناضج إلى عقول الأطفال، وأما عبارة بولس فلا تترك أي أمل في الفهم، وكلاهما أظلم من الأخرى، وعيسى -عليه السلام- بريء من كل منهما.
وهذا يدل على أن بولس لم يكن يحفظ إنجيل متى جيدًا، كما يبطل دعوى النصارى أن كتبهم كتبت بإلهام من الروح القدس -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-.
(2) ومما تجدر الإشارة إليه أن كلمة "جهالة" التي تكررت في هذه الفقرة كما وردت في النسخة العربية من كتابهم المقدس هي ترجمة غير دقيقة للكلمة الإنجليزية "foolishness" الواردة في النسخة الإنجليزية منه، وترجمتها الدقيقة "حماقة"، وعلى ذلك تكون الترجمة الدقيقة للجملة الأخيرة في النص السابق: "لأن حماقة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوى من البشر"، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
(3) هذه عبارات مستفادة من عبارات وردت على لسان عيسى -عليه السلام- في الأناجيل، ومنها لفظ الأب الذي استخدمه عيسى -عليه السلام- على الله لنفسه ولغيره، كما قال هنا على وجه الجمع: "أبانا"، وهي ترجمة غير صحيحة لكلمة "إلهنا أو ربنا"، ونحن نجزم أن المسيح -عليه السلام- لم يقلها بهذا اللفظ.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف

]uhm hgkwvhkdi duhk,k