: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ *وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) (القمر:1- 2)
الشبهـــــة:
إن فلاسفة ماديين - من يقلّدونهم تقليداً أعمى - يريدون أن يطمسوا ويخسفوا معجزة انشقاق القمر الساطع كالبدر، فيثيروا حولها أوهاماً فاسدة،
إذ يقولون:
« لو كان الانشقاق قد حدث فعلاً لعرفه العالم، ولذكرته كتب التاريخ كلها!».
ويقولون:
أن جميع مراكز الحضارة المعروفة في ذلك الزمن، ما عدا منطقة الصين الشرقية واليابان، تقع في مجال "المعجزة المزعومة". ومع ذلك لا يوجد سجل تاريخي واحد من هذه الحضارات يشير إلى هذه الظاهرة العظيمة والتي بلا شك كانت ستدخل في ذكرى العلماء والعامة على حد سواء.
الــــــــــــــرد:
أولا:
إن انشقاق القمر معجزة لإثبات النبوة، وقعت أمام الذين سمعوا بدعوى النبوة وأنكروها، وحدثت ليلاً، في وقت تسود فيه الغفلة، وأُظهِرت آنياً، فضلاً عن أن اختلاف المطالع ووجود السحاب والغمام وأمثالها من الموانع التي تحول دون رؤية القمر، علماً أن أعمال الرصد ووسائل الحضارة لم تكن في ذلك الوقت منتشرة؛ لذا لا يلزم أن يرى الانشقاق كلُ الناس، في كل مكان، ولا يلزم أيضاً أن يدخل كتب التاريخ.
ثانيـــــــــــــــا:
إن تعنت الكفار في ذلك الزمان معلوم ومشهور تاريخاً، فعندما أعلن القرآن الكريم: (وَانشَقَّ الْقَمَرُ) وبلغ صداه الآفاق، لم يجرؤ أحد من الكفار - وهم يجحدون القرآن - أن يكذّب بهذه الآية الكريمة. أي ينكر وقوع الحادثة. إذ لو لم تكن الحادثة قد وقعت فعلاً في ذلك الوقت، ولم تكن ثابتة لدى أولئك الكفار، لاندفعوا بشدة ليبطلوا دعوى النبوة، ويكذّبوا الرسول . بينما لم تنقل كتب التأريخ والسير شيئاً من أقوال الكفار حول إنكارهم حدوث الانشقاق، إلا ما بيّنته الآية الكريمة:(وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) وهو إن الذين شاهدوا المعجزة من الكفار قالوا: هذا سحر فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا؟. ولما حان الصباح أتت القوافل من اليمن وغيرها فسألوهم، فأخبروهم: انهم رأوا مثل ذلك. فقالوا: إن سحر يتيم ابي طالب قد بلغ السماء!.
ثالثـــــــــا:
لقد قال معظم أئمة علم الكلام «إنَّ إنشقاق القمر متواتر، مثل فوران الماء من بين أصابعه الشريفة وارتواء الجيش منه، ومثل حنين الجذع من فراقه عليه الصلاة والسلام الذي كان يستند إليه أثناء الخطبة، وسماع جماعة المسجد لأنينه. أي أن الحادثة نقلته جماعة غفيرة عن جماعة غفيرة يستحيل تواطؤهم على الكذب، فالحادثة متواترة تواتراً قطعياً كظهور المذنب قبل ألف سنة وكوجود جزيرة سرنديب التي لم نرها.
وهكذا نرى أن إثارة الشكوك حول هذه المسألة القاطعة وأمثالها من المسائل المشاهدة شهوداً عياناً إنما هي بلاهة وحماقة، إذ يكفي فيها أنها من الممكنات وليست مستحيلاً.
علماً أن انشقاق القمر ممكن كانفلاق الجبل ببركان.
رابعـــــــــــــا:
إنَّ المعجزة تأتي لإثبات دعوى النبوة عن طريق إقناع المنكرين، وليس إرغامهم على الإيمان. لذا يلزم إظهارها للذين سمعوا دعوى النبوة، بما يوصلهم إلى القناعة والاطمئنان إلى صدق النبوة. أما إظهارها في جميع الأماكن، أو إظهارها إظهاراً بديهياً بحيث يضطر الناس إلى القبول والرضوخ فهو منافٍ لحكمة الله الحكيم ذي الجلال، ومخالف أيضاً لسر التكليف الإلهي. ذلك لأن سر التكليف الإلهي يقتضي فتح المجال أمام العقل دون سلب الاختيار منه.
فلو كان الخالق الكريم قد ترك معجزة الانشقاق باقية لساعتين من الزمان، وأظهرها للعالم أجمع ودخلت بطون التاريخ كما يريدها الفلاسفة لكان الكفار يقولون إنها ظاهرة فلكية معتادة. وما كانت حجة عـلى صدق النبوة، ولا معجزة تخص الرسول الأعظم .
أو لكانت تصبح معجزة بديهية ترغم العقل على الإيمان وتسلبه من الاختيار وعندئذٍ تتساوى أرواح سافلة كالفحم الخسيس من أمثال أبي جهل، مع الأرواح العالية الصافية كالألماس من أمثال أبي بكرالصديق، أي لكان يضيع سر التكليف الإلهي.
ولأجل هذا فقد وقعت المعجزة آنياً، وفي الليل، وحين تسود الغفلة، وغدا اختلاف المطالع والغمام وأمثالها حُجباً أمام رؤية الناس لها. فلم تدخل بطون كتب التاريخ.
خامســــــــــا:
إنَّ هذه المعجزة التي وقعت ليلاً، وآنياً، وعلى حين غفلة، لا يراها كل الناس دون شك في كل مكان. بل حتى لو ظهرت لبعضهم، فلا يصدِّق عينه، ولو صدّقها، فان حادثة كهذه مروية من شخص واحد لا تكون ذات قيمة للتاريخ.
ثم ان في ذلك الوقت: كانت سُحب الجهل تغطى سماء انكلترا، والوقت على وشك الغروب في اسبانيا، وامريكا في وضح النهار، والصباح قد تنفس في الصين واليابان.. وفي غيرها من البلدان هناك موانع أخرى للرؤية. فلا تشاهد هذه المعجزة العظيمة فيها.
فإذا علمت هذا فتأمل في كلام الذي يقول:« إنَّ تاريخ إنكلترا والصين واليابان وأمريكا وأمثالها من البلدان لا تذكر هذه الحادثة، إذن لم تقع! «. أي هذرٍ هذا.. ألا تباً للذين يقتاتون على فتات أوربا..
سادســــــــا:
إنَّ انشقاق القمر ليس حادثة حدثت من تلقاء نفسها، بناء على أسباب طبيعية وعن طريق المصادفة! بل أوقعها الخالق الحكيم - رب الشمس والقمر - حدثاً خارقاً للسنن الكونية، تصديقاً لرسالة رسوله الحبيب ، وإعلاناً عن صدق دعوته، فأبرزه سبحانه وتعالى وفق حكمته وبمقتضى سر الإرشاد والتكـليف وحكمة تبليغ الرسالة، وليقيم الحجة على من شاء من المشاهدين له، بينما أخفاه - اقتضاء لحكمته سبحانه ومشيئته - عمن لم تبلغهم دعوة نبيه من الساكنين في أقطار العالم، وحَجَبه عنهم بالغيوم والسحاب وباختلاف المطالع وعدم طلوع القمر، أو شروق الشمس في بعض البلدان وانجلاء النهار في أخرى وغروب الشمس في غيرها.. وأمثالها من الأسباب الداعية إلى حَجب رؤية الانشقاق.
فلو أُظهرت المعجزة إلى جميع الناس في العالم كله فإما أنها كانت تبرز لهم نتيجة إشارة الرسول الأعظم وإظهاراً لمعجزة نبوية، وعندها تصل إلى البداهة، أي يضطر الناس كلهم إلى التصديق، أي يُسلب منهم الاختيار، فيضيع سر التكليف، بينما الإيمان يحافظ على حرية العقل في الاختيار ولا يسلبها منه..أو أنها تبرز لهم كحادثة سماوية محضة، وعندها تنقطع صلتها بالرسالة الأحمدية ولا تبقى لها مزيّة خاصة.
الخـــلاصة:
إنَّ انشقاق القمر لا ريب فيه. فلقد أثبت إثباتاً قاطعاً. وسنشير إلى وقوعه بستة براهين قاطعة من بين الكثير منها، وهي:
(1)إجماع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وهم العدول.
(2)واتفاق العلماء المحققين من المفسرين لدى تفسيرهم:(وَانشَقَّ الْقَمَرُ)
(3)ونقل جميع المحدّثين الصادقين في رواياتهم وقوعه بأسانيد كثيرة وبطرق عديدة.
(4)وشهادة جميع أهل الكشف والإلهام من الأولياء الصادقين الصالحين
(5)و تصديق أئمة علم الكلام المتبحرين رغم تباين مسالكهم ومشاربهم.
(6)وقبول الأمة التي لا تجتمع على ضلالة كما نص عليه الحديث الشريف.
كل ذلك يبين انشقاق القمر ويثبته إثباتاً قاطعاً يضاهي الشمس في وضوحها.
(سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم)afihj p,g hkarhr hgrlv
المفضلات