بقلم د/أحمد عبد الحميد عبد الحق
كثيرون هم الذين اشتهروا ببعض خصال الخير على مر التاريخ، ولكن قلة منهم جُمعت فيهم كل الخصال، فلا تكاد تذكر خصلة إلا وصفوا بها، ومن هذه القلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي قيل عنه: إنه مات وما على الأرض شبيه به.. فمن هو عبد الله بن عمر؟
إنه عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، ولد في بداية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم، ونشأ في طاعة الله، فدخل في حيز السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، ثم كان في طليعة المهاجرين إلى المدينة المنورة؛ إذ هاجر قبل أبيه وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره.
فاته فضل المشاركة في غزوتي بدر وأحد، لكن لم يفته فضل السبق مع رسول الله صلى الله عليه إلى باقي الغزوات، خاصة غزوة الحديبية التي تمت فيها بيعة الرضوان، وقال الله فيمن شهدها: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 18).
كان من أهل الورع والعلم، كثير الحرص على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد التحري والاحتياط والتوقي في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، حتى قال في نهاية حياته: "لقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نكثت ولا بدّلت إلى يومي هذا".
شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له :
ذُكر عن مولاه نافع أنه قال: "رأيت في المنام كأنما بيدي قطعة إستبرق، ولا أشير بها إلى موضع من الجنة إلا طارت بي إليه، فقصصتها على حفصة رضي الله عنها، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: "إن أخاك رجل صالح، أو: إن عبد الله رجل صالح" وفي حديث آخر "إن أخاك عبد الله رجل صالح، لو كان يقوم من الليل"؛ يقول نافع: "فما ترك ابن عمر بعدها قيام الليل".
شهادة الصحابة والصالحين له:
قال الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر وابنه عبد الله"، وقال عبد الله بن مسعود: "إن أملك شباب قريش لنفسه في الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنه"، وقال ميمون بن مهران: "ما رأيت أورع من ابن عمر"، وقال مالك بن أنس: "كان ابن عمر من أئمة المسلمين"، وقال السدي: "رأيت نفرا من الصحابة كانوا يرون أنه ليس أحد فيهم على الحالة التي فارق عليها النبي صلى الله عليه وسلم إلا ابن عمر".
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: "مات ابن عمر وهو مثل عمر في الفضل"، وفي رواية أخرى: "كان عمر في زمان له فيه نظراء، وكان ابن عمر في زمان ليس فيه نظير"، وقال سعيد بن المسيب: "كان ابن عمر حين مات خير مَن بقي"، وقال ابن الحنفية: "كان ابن عمر خير هذه الأمة".
شدة تأسيه بالرسول صلى الله عليه وسلم:
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد الحرص على التأسي به في كل شيء، حتى إنه كان إذا نزل بمنزل من المنازل التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في ألا يصلي إلا في المكان الذي كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُسأل عن سبب ذلك فيقول: أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودفعه حب التأسي به إلى أنه كان يقلده في كل شيء حتى في صبغ شعر رأسه ولحيته، فقد ورد عن زيد بن أسلم أنه كان يُصفّر شعر رأسه ولحيته، فقيل له: تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها.
ولم يكن رضي الله عنه شديد الحرص على التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كان شديد الالتزام بأوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه، فقد ذكر نافع مولاه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو تركنا هذا الباب للنساء" فما دخل منه (أي عبد الله) بعد ذلك حتى مات.
كما كان رضي الله عنه شديد الحرص على التدقيق في رواية أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قيل عنه: "لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أحذر أن لا يزيد فيه ولا ينقص منه ولا.. ولا.. من عبد الله بن عمر بن الخطاب".
ولم يكن ذلك يعني أن غيره من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتساهلون في الرواية، وإنما معناه أنه كان شديد التدقيق لما يسمع قبل أن يحدث به. وفوق ذلك كان لا يسمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى.
يتبع بعون الله
uf] hggi fk ulv >> r],m hgwhgpdk td uwv hgtjk
المفضلات