الاصطفاف في طابور التمرد
حاتم محمد
حالة التمرد الطائفية التي يعيشها التيار الأرثوذكسي في مصر، على ما يبدو قد أغرت الكثيرين على الخوض في تلك الغمار، فإذا بالقس المصري رفيق جريش المتحدث الإعلامي باسم الكنيسة الكاثوليكية يصرح بأن المسلمين يرغبون في إجلاء النصارى عن بلدان الشرق الأوسط، وأن هذا يحدث يوميًّا. نعم يقول أن هذا يحدث يوميا. والقس المصري الذي يعلم تفاصيل احتجاز الكنيسة الأرثوذكسية لكامليا شحاته وغيرها من الرجال والنساء بسبب تحولهم للإسلام، لم ينس أن ينتقد حد الردة في الإسلام الغير موجود فعليا أو عمليا؛ بعكس حد الردة النصراني المطبق بصورة بشعة؛ وعلى خلاف الحرية التي لا يمل من الدندنة بها، ولكنها حرية انتقائية كما هو معتاد منهم.
هذه ليست المرة الأولى التي يصرح فيها هذا القس بمثل هذا؛ ففي نوفمبر الماضي سبق وألمح إلى الإسلام بأنه يعيدنا إلي الألفية الأولي لعهد التخلف. ولم ينس التحريض على الوقفات الاحتجاجية التي كانت تطالب بالإفراج عن المعتقلين لدي الكنيسة. ثم أصابته حالة من التهجيص فإذا به يقول أن ثورة يوليو لم يكن فيها نصراني واحد، وكأن هؤلاء الذين قاموا بالانقلاب على الملك لطرد الاحتلال الإنجليزي كانوا ذاهبون لفرح أو لقضاء نزهة نيلية، وتغافلوا عن دعوة صديقهم النصراني.
هل يريد الأب رفيق مثلا ممن يرفضون التدخل الأمريكي أن يستعينوا بالنصارى الذين يخرجون في المظاهرات يستغيثون بشارون وبوش وينادون على أمريكا بالتدخل في مصر. ألا يعلم الأب رفيق جريش بوجود ؛ صورة في إحدى الكنائس القبطية التي في وادي النطرون تشير لقيام النصارى بصلاة شكر لله في الكنائس على مجيء الإنكليز.
في الحقيقة أن النصارى الكاثوليك لم يبدأ لهم تواجد ذا بال في مصر إلا بسبب التدخل الفرنسي في مصر في أيام محمد علي وكان على حساب الطائفة الأثوذكسية. حقا تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.
فهل هذا الاصطفاف في طابور التمرد رغبة في تحقيق مكاسب آنية على حساب حالة الضعف أو الارتباك التي تعيشها البلاد؟ كما يقول المثل الدارج : (إن خربت دار أبوك الحق خذ لك منه قالب). أم أنها ثمار بذرة المحبة التي زرعها سينودس أساقفة الشرق الأوسط الذي عقد في أكتوبر الماضي. فأنتجت حالة من التناصر والتعاضد، بهدف تقويض الوطن، خاصة وأن الخارج المستدعى قد يكون كاثوليكيا. وصدق الحكيم الخبير : (يقاتلونكم كافة)، ولما لا وهم الذين قالوا للذين كفروا من عبدة الأصنام والأوثان هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلا.
لقد أصبح التهاون مع هذه الحالات التمردية أمر شديد الخطورة، فالحكمة مطلوبة نعم؛ ولكن الحزم أمر واجب وإلا فإن هؤلاء ربما تأخذهم النشوة وبعيدا وتغريهم متغيرات باتت على وشك الوقوع في السودان الشقيق، فلا يستطيعون قراءتها بصورة مختلفة عما خططوا له ويتمنونه. فيهددون أمن الجميع.
ومن لم يعتبر بغيره صار عبرة لغيره، يقول القس يعقوب نخلة صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية: " الأمة القبطية لم تظهر في عالم الوجود ثانية إلا منذ أيام محمد علي، جد العائلة الخديوية". ولكن على الرغم من ذلك لم يحفظوا له جميل أو سابقة يد، تقول بوتشر: "أن البطريرك كيرلس الرابع الملقب بأبي الإصلاح، كان يرفع تظلمات شعبه إلى الإنكليز الذين كان يخشاهم سعيد باشا (حفيد محمد علي) الخديوي في ذلك الحين، ويخشى بأسهم ويحافظ على عدم تكديرهم".
وما أشبه الليلة بالبارحة، فهم يؤلبون على الجميع من جهة، ويزايدون بالمحبة والتأييد من جهة أخرى. خاصة وأن هناك فريق من جوقة الكتبة ومن يطلق عليهم مثقفين سارعوا بتحميل الحكومة المسؤلية كاملة، فربما يتطور الأمر يوما ما ونجدهم يطلبون بتقديم مدير الأمن أو المحافظ وبعض الضباط إلى محكمة دولية مثلا.
ولكن على الرغم مما يفعله شركاء الوطن؛ فنصيحة لهم ألا يغتروا بالخمسة ملايين الذين في جنوب السودان، فلعل الأمور ليست كما يظنون، وليقرؤا المستقبل بطريقة مختلفة، فبإذن الله ستجري الرياح بما لا تشتهي سفنهم حتى وإن وقع الانفصال، ولهذا حديث آخر يأتي في حينه إن شاء الله. ولكن إن كان هذا في السودان فما بلكم بمصر.
وإن كانت قراءة المستقبل بصورة مختلفة صعبة، فلتعتبروا بالماضي؛ فقد اقتحم التتار عاصمة الخلافة الإسلامية، وظننتم حينها ظن السوء، وأن الإسلام قد انتهى؛ فكان أن انتصر الإسلام وتحول أيضا التتار الغزاة إلى الإسلام.
جاءت الحملة الفرنسية على مصر وأيدها فريق منكم وسار في ركابها معينا ومؤيدا وناصرا، وعلى الرغم من ذلك ما حقق لكم نابليون شيئا وإنما حاول أن يكسب ود المسلمين. وزعم فيما زعم أنه حارب بابا روما لأنه يكره الإسلام.
احتلت مصر من قبل الإنجليز فماذا كان؛ خرج الإنجليز بعد أن نشأت في البلاد أكبر حركة إسلامية كرد فعل على العمليات التبشيرية، وخرجت الدعوة السلفية من عباءة الشيخ محمد رشيد رضا الذي تحرك كرد فعل للعمليات التبشيرية أيضا.
فهل من يعتبر؛ أم أن أبليس قد صدق عليهم ظنه؟.
المصدر


hghw'tht td 'hf,v hgjlv]