يتساءل كثير من النصارى عن سر انتشار الإسلام .

فمن قائل: انتشر بقوة السلاح .

ومن قائل: اعتنقته الأمم الغبية .

ومن قائل: دخل فيه طلاب الشهوات .

ومن قائل.. الخ.

وأبى أولئك الأذكياء أن يفكروا في العلة الأولى لدخول الجماهير الهائلة في الإسلام.

هذه العلة الأولى هي ما لديهم هم من تعاليم لا يصدقها عاقل، ولا تطيب بها نفس امرئ حصيف!..

أيا ما كان الأمر فقد بسط الإسلام جناحيه على العالم قديما، وترك الحرية لأتباع الديانات الأخرى أن يصروا على موروثاتهم أو يهجروها إلى شرعيته الجديدة، ونتج عن ذلك أن دخل فيه ألوف .

ثم بقيت فئات من الناس داخل الرقعة التي ملكها، مستمسكة بأديانها، ولا حرج في ذلك عليها.

لكنها ـ مع الأسف ـ تكره الإسلام وتحس كأنما كان تقدمه على حسابها.

فهي تود له العنت، وتنتظر له الخبال...



لقد شعر الدعاة إلى النصرانية أن إدخال المسلمين في ديانتهم مستحيل.

فماذا يصنعون لهدم الإسلام الذي يمقتونه أشد المقت؟.

قرروا أن يفسدوا أبناءه بتسليط الشهوات عليهم وإشاعة الإلحاد الأعمى بينهم .


سئل رئيس مدرسة تبشيرية في فلسطين: كم نصرت من أبناء المسلمين؟ فكتب إلى سادته الذين أرسلوه، لا تسألوني كم مسلما نصرته، ولكن سلوني كم معولا صنعته من هؤلاء الأبناء لهدم الإسلام نفسه!!!

ومناهج الدراسة التي تخرج اليوم أبناء الإسلام مفروض فيها أن تقطع صلتهم بدينهم فلا يتعلمون منه حكما ولا يتربون منه على فضيلة.

وبذلك تشب الأجيال الجديدة غريبة عن الإسلام بل عدوا لتقاليده وشرائعه.

فإذا كانت هذه الناشئة المقطوعة عن دينها هي التي تلي الوظائف الصغرى، والمناصب الكبرى فلن ينتظر منها إلا أن تصنع بدينها الموروث مثل أو أشد مما يصنعه به خصومه الناقمون عليه..

وذلك ما يثلج صدور الصليبيين في حملتهم على الإسلام .


إن الحضارة المادية الأخيرة تهاجم مبدأ الإيمان بالله واليوم الآخر.

وإذا أفلحت في غزو مسلم أفسدت قلبه وشككته في ربه فإنه سيترك قيود إسلامه لينطلق مع حياة الإلحاد المطلق .


ويستحيل أن يترك الإسلام إلى النصرانية.

لأنه إن رأى الإسلام خطأ في فهم الحياة فسيرى النصرانية جنونا مطبقا وحماقة كبرى!!.

والذي يستبعد من طريقه إيمانا قائما على قواعد المنطق لن يلتفت أبدا إلى إيمان معزول عن العقل والعدل ورجال الكنيسة الكارهون للإسلام يعرفون هذا حق المعرفة.

بيد أنهم يرون شيوع الإباحة والإلحاد في الدنيا كلها أدنى إلى عواطفهم من بقاء الإسلام في بلد استقر فيه دهرا طويلا.


ولقد تظاهر الغزو الصليبي والاحتلال الأجنبي على بلوغ هذه الغاية الخسيسة، كلاهما يريد القضاء على الإسلام والإجهاز على روح المقاومة فيه.

فأما ألاحتلال العسكري، فهو يرى في بقاء الإسلام خطرا على كيانه.

إذ سيظل المسلمون المخلصون يقاتلون عدوهم ويستمسكون بحقوقهم، وينتهزون كل فرصة لرده من حيث جاء.

وأما الهجوم الصليبي فقوامه الغل الذي يتوارثه رجال الكنيسة على الإسلام وأهله.

ولو مكنتهم أيديهم من إشباع رغائبهم لملأوا بلادنا بالمذابح التي توارينا على عجل تحت أطباق الثرى! ما سر هذا الغضب الهائل على الإسلام وأهله؟ أهي كراهية المريب لمن يعرف حقيقته ويكشف خبيئته؟ فالكنيسة يهيجها من الإسلام أنه يلفت الأنظار بقوة إلى ما في مبادئ التثليث والفداء من تناقض وغرابة!! أم هي الرغبة في الانفراد بالبقاء؟


إذ الكنيسة تعلم أنه في سوق التنافس الحر بين الأفكار والأديان لن تلقى بضاعتها رواجا.

فهي تلجأ إلى وسائل الدس أو العنف لتطرد السلع الأخرى من السوق، وتمنعها من التداول..


المهم أن الحضارة المادية الحاكمة في الغرب والكنيسة المسيحية المحكومة هناك قد اتفقت مصالحهما في القضاء على الإسلام وإظلام حاضره ومستقبله..

وأنهما رأتا الطريقة المثلى لتحقيق مأربهما هي إفساد التعليم بإقصاء الدين عنه.

وبذلك يتخرج الوزير الكبير والضابط الكبير والطبيب الكبير والمهندس الكبير.. الخ.

وكل أحد منهم لا يفهم من دينه حرفا، بل لعله يعرف عن دينه ما يزهده فيه.

وبذلك يتم الارتداد عن الإسلام في صمت وأمان..!


ويصل الصليبيون الجدد إلى ما عجز أجدادهم عن الاقتراب منه في العصور الوسطى بعد حرب دامت أجيالا!! وقد شعر المسلمون المخلصون بخطورة المصير المرسوم لدينهم، فهبوا يصرخون محذرين من عواقبه حتى بحت أصواتهم وليس من مجيب!!


لكن هذه الشناعات التي يجأر العلماء من فشوها، هي بعض ما تجتهد أوروبا الصليبية لإشاعته بيننا، إن الفساد الذي عرا الأخلاق، والتصدع الذي أصاب الجماعات خير في نظر رجال الكنيسة من إشراف الإسلام على التوجيه العام لسياسة التعليم والتنظيم!!.



ولا أدل على غلبة حظ الشيطان من أن الكنيسة رتبت أعداءها الألداء فكان الإسلام أول أولئك الأعداء.

في سبيل القضاء عليه، حالفت المجوسية ولو كانت كفرا بالله.

وفي سبيل القضاء عليه، حالفت اليهودية ولو كانت تحقيرا لعيسى..

فكانت بعض المؤسسات المسيحية في الولايات المتحدة تكتب بأضواء الكهرباء : "ادفع دولارا واحدا تقتل عربيا " في فلسطين.

وفى سبيل القضاء على الإسلام حالفت الإباحية التي جعلت الأعراض كلأ مباحا، تركتها تنتشر في الغرب ثم تنتقل إلى الشرق.

ولكن الخطايا ليست أمرا جللا، فإن صلب عيسى غفرها لأتباعه سلفا!!.

إن الأمر الجلل هو بقاء الإسلام.

تلكم صورة عارية لشعور الكنائس المختلفة نحو الإسلام وأهله.

وهى صورة ينقبض لها فؤاد المسلم الذي يود لو يلقى الناس كلهم بوجه ضحوك وقلب تقي.


وقد تحدث بعض خبثاء المستشرقين مبرراً ضغائن قومه على الإسلام.

فزعم أن الإسلام هو الذي بدل موقفه.

إذ بدأ أول أمره مسالما موادا، فلما استشعر القوة وملك السلطان تنكر لأهل الكتاب.

أما أن الإسلام بدأ أمره مسالما موادا فهذا حق.

وأما أنه وجد من أهل الكتاب ـ يهودا أو نصارى ـ تقديرا لهذه المسالمة أو احتراما لهذه الموادة فذاك باطل.

ليدلنا من شاء على موقف واحد في التاريخ وقفه رجال اليهودية أو النصرانية فيه مؤازرة للإسلام وهو يكافح الوثنية، أو فيه حياد مشرب بعطف، أو حياد مجرد، أو امتناع فحسب عن مساعدة عباد الأصنام.

ليدلونا ـ إن استطاعوا ـ على موقف واحد هادنت فيه الكنائس المسيحية خصومها في الرأي أو العقيدة، ومكنت فيه أعداءها من إقامة شعائرهم التي يقدسونها.


لقد بدأ الإسلام فصرح: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير).


إن الإسلام ما زال على موقفه الأول، لو لقي من اليهود والنصارى عرفانا بالحقائق واحتراما لذويها، والتزاما للحدود الصحيحة في شتى المعاملات.


ويوجد من أهل الكنائس أناس أوتوا حظا من السماحة والبصر، عاملوا المسلمين بكرم ونبل، فبادلهم المسلمون التحية بخير منها وحافظوا أتم المحافظة على مشاعرهم ومناسكهم.

وكم نرجو لو يكثر هؤلاء المنصفون، وكم نرجو لو ملكوا زمام قومهم، فعاشوا وعشنا معهم في وئام وطمأنينة..

لكن هؤلاء المعتدلين لا يجدون استجابة من قومهم.

فإن روح الحقد المتأصل على الإسلام تدمر ما أمامها، وتجابه المسلمين بأوضاع محرجة.

وقد لاحظنا ذلك حتى في الأقليات الدينية التي تخلفت بهذه الديار بعد انتشار الإسلام فيها.

إن هذه الأقليات تأبى الاعتراف بأن دينا جديدا قد ألقى رحاله هنا، وأن كثرة كبيرة قد آمنت به!!.

ويبدو هذا الإباء في محاولاتها المتعمدة أن تفرض وجودها بالعنف أو اللطف على كل شيء ولو على حساب الكثرة الطيبة المهادنة..

فإذا كان في بلد ما مائة أسرة، تسعون منها مسلمة، تصلى في أربعة مساجد، فإن الأسر العشر الباقية تحاول أن يكون لها أربع كنائس أو خمس!!!.

ولماذا تبذل هذه المحاولات؟.

إنها رغبة من القلة المتوجسة في إثبات بقائها وتدعيم كيانها، وإبراز طابعها على الأرض التي تحيا فيها..عليها كلها!!..

وربما أحست الكثرة بهذه النيات، فوضعت قيودا على بناء الكنائس، محافظة منها كذلك، على أن يكون مظهر البلاد إسلاميا ما دامت كثرة السكان مسلمين.

والنزاع بين القلة والكثرة هنا ليس نزاعا على حرية العبادة، فهي ليست موضع جدل.

بل نزاع على أي الفريقين يترك طابعة على البلاد؟ الكثرة المسالمة أم القلة المتحدية؟!! القلة التي تريد أن تبنى في كل قرية متداعية البنيان كنائس سامقة الجدران ـ للإعلان لا للعبادة ـ والتي تتخير الأحياء الحساسة في المدائن الكبرى لتدفع بأبراجها في الفضاء، كأنما تقول للكثرة المسلمة: إنكم هنا غرباء طارئون!! وإن دينكم في عواصمه الكبرى لا ينبغي أن يحتل إلا منزلة مهينة.

وقد امتد هذا التحدي من ناحية العقائد إلى الناحية العمرانية العامة.

فإن الأقليات المتحفزة للسيطرة على البلاد، الحالمة بعودة الحكم المطلق إليها، تعمل ـ جاهدة ـ على استغلال كل نفوذ تحرزه في الإدارة والوظائف، لخدمة مصالحها الخاصة.


منقول بتصرف



hglfav hgkwvhkd lh`h dvd] lk hglsgldk?