الرابع:أن هذه التلبية " متضمّنة للإخبار عن اجتماع الملك والنعمةوالحمد لله عزّ وجل ،وهذا نوع آخر من الثناء عليه ، غيرالثناء بمفردات تلك الأوصاف العليّة،

فله سبحانه من أوصافه العلى نوعانثناء
نوعٌ متعلّق بكل صفةٍ علىانفرادها،
ونوعٌ متعلّق باجتماعها،وهو كمال مع كمال وهو عامة الكمال،والله سبحانه يفرِّق في صفاته بين الملك والحمد، وسوغ هذا المعنى أن اقترانأحدهمابالآخرمن أعظم الكمال، والملك وحده كمال ، والحمد كمال ، واقتران أحدهمابالآخركمال، فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة، مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرّحمة ، مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الدّاعي إلي محبته، كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله ، وكان في ذكر العبد له معرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ماهو مقصود العبودية ولبّها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" قاله ابنالقيم رحمه الله في كتابه تهذيب السنن ( 2/ 339

الخامس:في قوله : " لا شريكله " وقد تكرّرت في التلبية مرَّتين، مرة عقب إجابته بقوله " لبيك "،
ومرة عقب قوله " إنّ الحمد والنعمة لك والملك
فالأول يتضمّن أنه لا شريك له في إجابة هذه الدّعوة ،
والثاني يتضمّن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك،

وإذا تقرّر أن الحمد كله من الله ، والنعمة كلهامن الله،والملك كله له ، ليس له شريك في ذلك بوجه من الوجوه فليُفرد وحده بالتلبية والخضوع والمحبّة والانقيادوالطاعة والإذعان .


وكيف يُجعل مع الله شريكا في العبادة من لا يملك في هذا الكون من يشركون ، بل إنّ الأمر كله لله لاشريك له وهذا من أبين ما يكون من دلالة على فساد الشرك، وأنّ أهله من أسفه الناس وأضلهم عن سواء السبيل . فهذه خمسة دلائل عظيمة وبراهين جليلة على وجوب التوحيد والإخلاص اشتملت عليه اكلمات التلبية وأرشدت إليها بوضوح وجلا .

وقد قال الصحابي الجليل جابربن عبد الله رضي الله عنهماكما في صحيح مسلم عندما وصف حجّة النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فأهلَّ بالتوحيد ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك،إنّ الحمدوالنعمة لك والملك لا شريك لك"

فوصف رضي الله عنه هذا الإهلال بأنه إهلال بالتوحيد لما تضمنته كلمات التلبية من تحقيق الإخلاص ونبذ الشرك وإقامة الحجة والبرهان على ذلك ،
وفي هذاأيضا دلالة على أن هذه الكلمات ليست ألفاظاً مجرّدة لاتدلُّ على معان،بل لها معنى عظيم ، ومد لول جليل ، ألا وهو روح الدِّين وأساسه وأصله الذي عليه يبنى توحيد الله عزّوجل .


ولهذا فإن الواجب على كل من أهلَّب هذه الكلمات أن يعرف مادلَّت عليه من معنى ، وأن يستحضر ماتضمّنته من دلالة وأن يحقِّق ذلك ، ليكون صادقا في إهلاله ، موافقاً كلامُه حقيقة حاله؛بحيث يكون مستمسكاً بالتوحيد، محافظا عليه مراعيا لحقوقه، مجانباً لنواقضه ومايضاده من الشرك بالله ، حذِراً تمام الحذر من الوقوع فيه ، أو في شيء من أسبابه ووسائله وطرقه؛ إذ هوأعظم ذنب وأكبر جرم.




أجارنا الله جميعا من الشرك ، وحمانا من وسائله وذرائعه ورزقنا التوحيد والإخلاص ، إنه سبحانه سميع الدعاء وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.