الداعي
عضو جميل


godfather, بادئ ذي بدء, أحب أن أرسل لك تحية تشي بشذوذك الماركسي؛ لأنَّك لم ولن ولا تعرف كيف تمنع الله من أن يتم نوره, واعلم أنَّني من شمِّ العرانين. ومن آيات شذوذك, أنَّك لا تحسن الحديث بأدب, ومهما يكن من أمر: فماذا ينتظر المرء من شيوعي أشرب قلبه بالشذوذ اللينيني_الماركسي؟!

تبتغي مني الحديث عن نقاط ذكرتها, وتروم ذلك. فلك ذلك:

1_نسخ الحكم مع بقاء الرسم:
هذا نسخ واقع في كتاب الله المعجز, المتقن المحكم, في كتاب جعل مَنْ آمن به متربعين على عرش المعمورة بعدما كانوا كلاب الصحراء, وهاهم اليوم بعد ترك العمل به أذلاء أشقياء, ولن يرجعوا كسابق عهدهم ومجدهم إلا إن أقاموا فيهم قرآن ربِّ الأرض والسماء.

اعلم أنَّ هذا النسخ فيه ازدواجية:
*نسخ إلى بدل, ونسخ إلى لا بدل.
*نسخ إلى مثل, ونسخ إلى خير.
*نسخ إلى شاق, ونسخ إلى أخف.

فهل ثمَّة أمر متعلق بهذا النسخ؟


2_آية السيف:
هي قول الله_ جل جلاله _في كتابه المحكم:" فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ", (التوبة: 5). وهذه الآية نزلت في مشركي العرب ليس غير, فالله لم يقبل منهم غير الإسلام, وذلك قوله: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
أمَّا غير مشركي العرب من الملل والنحل, فلا إكراه في الدين من حيث اعتناقه, ولكنَّهم يكرهون على التحاكم إليه إلا في بعض الأمور التي بينها الشارع إن كانوا أهل ذمة أو من هم بمنزلتهم, وإن لم يعيشوا في ظل دولة الإسلام, فبيننا وبينهم علاقات لا مجال لذكرها الآن.
فهل ثمَّة أمر متعلق بهذه الآية؟

3_نسخ القرآن بالسنة:
لقد فصل القاضي تقي الدين النبهاني في هذه المسألة, فقال في كتابه الأصولي (الشخصية الإسلامية):
وأمّا نسخ القرآن بالسنّة فلا يجوز, وهو غير واقع.
أمّا عدم جوازه فلأن الله تعالى يقول: (وأنزلنا إليك الذِكر لتُبيّن للناس ما نُزِّل إليهم)، فوَصَف النبي بكونه مبيِّناً، والناسخ رافع وليس بمبيِّن والرفع غير البيان. و    : (ما ننسخ من آية أو نُنسِها نأت بخير منها أو مثلِها) فإنه يدل على أن الآتي بالخير أو المثل هو الله تعالى لرجوع الضمير إليه، وذلك لا يكون إلاّ إذا كان الناسخ هو القرآن، ولهذا قال: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)، فأشعَرَ أن الآتي بالخير أو المثل هو المختص بكمال القدرة، فلا يكون النسخ بالسنّة لأن الآتي بها هو الرسول. وأيضاً فإنه يقتضي أن البدل يكون خيراً من الآية المنسوخة أو مثلها والسنّة ليست كذلك، وإنه وإن كانت السنّة حاصلة بالوحي كالقرآن بقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى) ولكنها حاصلة بالوحي معنى وهي غير متلوّة فلا نتعبد بتلاوتها، والقرآن حاصل لفظاً ومعنى وهو متلو ونتعبد بتلاوته، و    : (وإذا بدّلنا آية مكان آية)، فأخبَرَ أنه إنّما يبدّل الآية بالآية لا بالسنّة، و    : (وقال الذين لا يرجون لقاءنا ائتِ بقرآن غير هذا أو بدِّله قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ)، وهو دليل على أن القرآن لا يُنسخ بغير القرآن. ويدل على ذلك أن المشركين عند تبديل الآية مكان آية قالوا: (إنّما أنت مفترٍ) فأزال الله تعالى وهمهم بقوله: (قل نزّله روح القُدُس من ربك بالحق)، وذلك يدل على أن التبديل لا يكون إلاّ بما نزّله روح القُدُس وهو القرآن (نزل به الروح الأمين).
والحاصل هو أنه وإن كان كل من القرآن والسنّة قد جاء به الوحي، ولكن السنّة تنسب للرسول، فيقال: قال رسول الله، ولا يقال: قال الله إلاّ في الحديث القدسي فلا تُنسب إلى الله، والسنّة منها ما جاء به جبريل ومنها ما جاء عن طريق الإلهام ومن طريق المنام، والقرآن إنّما جاء به جبريل، والسنّة جاءت معنى من الله، والقرآن جاء لفظاً ومعنى، والسنّة لا يُتعبد بها تلاوة، والقرآن يُتعبد به تلاوة، وهذا كله يجعل القرآن لا يُنسَخ بالسنّة. ثم إن نص آيتي النسخ يدل على أن الناسخ للآية هو الآية فالأولى تقول: (ما ننسخ من آية أو نُنسِها نأت بخير منها أو مثلِها)، فيُفهم منها أن الناسخ آية لأن الخير والمثل لا يكون إلاّ في الآيات ولا يكون في الأحاديث، والثانية تقول: (وإذا بدّلنا آية مكان آية) فإنه نص بأن التبديل حاصل بوضع آية مكان آية، وهذا يعني أن الناسخ لا بد أن يكون آية، فلا يكون الناسخ للقرآن إلاّ قرآناً. فهذا كله دليل على أن القرآن لا يُنسخ بالسنّة سواء أكانت متواترة أو خبر آحاد.
وأمّا عدم وقوع نسخ القرآن بالسنّة فلأنه لم يَرِد حكم من الأحكام ناسخاً لحكم من أحكام القرآن. أمّا الأحكام التي ادّعوا أنها نُسخت بالسنّة فإن منها ما هو منسوخ بالقرآن ومنها ما هو تخصيص وليس بنسخ، فقد قالوا: إن الوصية للوالدين والأقربين الواردة في قوله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) منسوخة بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث). والجواب على ذلك أنها منسوخة بآية الميراث (يوصيكم الله في أولادكم) الآيات. وقالوا: إن جلد الزاني الوارد في قوله تعالى: (الزاني والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) نُسخ بالرجم الثابت بالسنّة. والجواب أن الجلد لم يُنسخ بل هو باق، وإنّما جاء تخصيص الجَلد بغير المحصَن والرجم للمحصَن، فهو تخصيص وليس بنسخ، وتخصيص القرآن بالسنّة جائز لأنه يَصدُق عليه أنه بيان فيندرج تحت قوله: (لتُبيِّن)، بخلاف النسخ فإنه رفع وليس ببيان.
على أن هذين الحديثين (لا وصية لوارث) وحديث الرجم أخبار آحاد، فلو فرضنا جدلاً أن القرآن يُنسخ بالسنّة فإنه لا يجوز أن يُنسخ بخبر الآحاد لأن القرآن قطعي الثبوت، وخبر الآحاد ظني الثبوت، والقطعي لا يُنسخ بالظني لأن النسخ إبطال فلا يُزال حكم ثابت قطعاً بحكم ثابت ظناً، وهذا أيضاً يؤيد أن ما جاءوا به من أمثلة على الوقوع غير صحيح. وما دام نسخ القرآن بالسنّة لم يقع مطلقاً، وعدم الوقوع وحده كاف للدلالة على عدم الجواز لأنه ليس المراد الجواز عقلاً بل الجواز شرعاً. وكذلك لا يُنسخ القرآن بإجماع الصحابة ولا بالقياس، لأن كلاً منهما حصل بعد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أجمع الصحابة على منْع النسخ بعد الرسول، ولا مخالف في ذلك مطلقاً.
فهل ثمَّة أمر متعلق بهذه المسألة؟