صفحة 12 من 20 الأولىالأولى ... 28910111213141516 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 111 إلى 120 من 390
 

العرض المتطور

  1. #1
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي




    عسكرة التعليم في إسرائيل


    إنطلق قادة الحركة الصهيونية ومؤسسو دولة إسرائيل من قناعة مفادها أن هذه الدولة تعيش في أزمة وجود كيانية سترافقها للأبد، على اعتبار أنها تعيش في قلب محيط عربي لا يمكن أن يسلم بوجودها، ويقبل شرعيتها.
    لذا فقد كان الاستنتاج الذي توصل إليه قادة الحركة الصهيونية هو أن الصراع بين العرب ودولة إسرائيل هو صراع وجود وليس صراع على حدود أو أرض أو موارد طبيعية؛ من هنا كانت الإستراتيجية التي اعتمدها الصهاينة من أجل تحقيق الحسم في هذا الصراع هو القوة، والقوة فقط القائمة على المنعة العسكرية، الأمر الذي أدى الى سيادة الطابع العسكري للمجتمع الإسرائيلي برمته، لدرجة دفعت رئيس وزراء إسرائيل الاول دفيد بن غوريون للقول أن " اسرائيل عبارة عن مجتمع للمحاربين ".
    ويعبر وصف بن غورويون هذا بشكل أمين وصادق عن مظاهر تأثير العسكرة على المجتمع الإسرائيلي. فهذا المجتمع الذي يقدس القوة، لا يحترم إلا القيم التي تعكسها، من هنا فأن المجتمع الإسرائيلي يمر بعملية عسكرة متواصلة، فالساسة هم جنرالات متقاعدون، ومدراء المؤسسات الإقتصادية هم من خريجي الجيش، والصحف ووسائل الاعلام تبحث عن معلقين من كبار الضباط المتقاعدين.
    وضمن هذه العملية المتواصلة، فقد تمت عسكرة التعليم ايضا في الدولة العبرية. وكما تقول الباحثة والكاتبة الصحافية الإسرائيلية إرنا كازين " فأن من يطلع على مناهج التعليم في المدارس الاسرائيلية في جميع المراحل لا بد أن يلفت انتباهه التوجه العام القائم على التنشئة التربوية على روح العسكرة والتطوع للجيش واعداد الطفل حتى يكبر ليصبح مقاتلاً، لتكريس الروح الاسبارطية " .
    ولقد سادت هذه الروح منذ قيام إسرائيل في العام 1948، وقد تغلغلت في جميع الأجهزة الرسمسية وغير الرسمية الاسرائيلية ضمن محاولة لخلق " الإسرائيلي الجديد "، الإسرائيلي اليهودي الذي خرج منتصراً ضد سبعة جيوش عربية واقام دولة " بعد ألف عام "، كما يحلو لواضعي فلسلفة التعليم الإسرائيلي أن يكرسوا ذلك في أذهان الأطفال والشبيبة، والى غير ذلك من المزاعم الأسطورية.
    ولا خلاف بين الباحثين في الدولة العبرية على أن هذه الروح تعززت بعد حرب العام 67، والانتصار الساحق الذي حققته اسرائيل في هذه الحرب على كل من مصر وسوريا والأردن. وقد تجسدت عملية عسكرة التعليم في الدولة العبرية في مظاهر ثلاث أساسية:
    أولاً: زرع مفاهيم العسكرة والقوة في نفوس الطلاب.
    ثانياً: تكليف العسكر بإدارة مؤسسات التعليم وممارسة مهنة التعليم بأنفسهم.
    ثالثاً: ظهور المدارس الدينية العسكرية: والتي تعتبر أخطر مظاهر عسكرة التعليم الإسرائيلي، لأن الطلاب هناك تتم تربيتهم على العسكرة وعلى التطرف الديني في صوره الأكثر سوداوية.
    زرع قيم العسكرة
    التربية على العسكرة في إسرائيل تتم بوسائل مختلفة ومتعددة، ويحاول جهاز التعليم في إسرائيل صبغ وعي الطفل الإسرائيلي بالعسكرة ومفاهيمها منذ نعومة أطفاره.
    ففي رياض الأطفال تقوم إدارات هذه الروضات بتنظيم رحلات للأطفال لقواعد الجيش الإسرائيلي، وتحرص هذه الإدارات على أخذ صور تذكارية لكل طفل وهو يقف فوق دبابات الجيش، وبعد ذلك يتم توزيع رايات ألوية الجيش على الأطفال لكي يقوموا بتثبيتها على رياض الأطفال؛ في الوقت الذي لا يتم فيه لفت نظر هؤلاء الأطفال الى قيم الديموقراطية والمساواة التي تدعي الدولة العبرية أنها قيم " مقدسة " لديها.
    وتقوم إدارات المدارس الثانوية بتنظيم رحلات لطلابها الى مواقع الجيش، حيث يشاهد الطلاب مناورات وتدريبات بالنار الحية، في حين يتم تنظيم رحلات الى مواقع المعارك بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية.
    وتعمل إدارات المدارس على حث الطلاب على إرسال هدايا للجنود، سيما الجنود من المهاجرين الجدد الذين وفدوا على الدولة بدون ذويهم في الوقت الذي لا تبذل إدارات المدارس أي جهد في اقناع الطلاب بارسال مثل هذه الهدايا للفقراء والمعوزين والمرضى وغيرهم.
    في نفس الوقت يقوم الطلاب بإرسال رسائل الى الجنود لشكرهم على " الجهود التي يبذلونها لحماية أمن الدولة والشعب ".
    ومن ضمن مناهج التعليم يتم تدريس تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية، الى جانب دراسة السير الذاتية لكبار القادة العسكريين الذين حققوا " انجازات " خلال هذه الحروب، حيث يطلب من الطلاب عادة كتابة مواضيع انشاء حول هؤلاء القادة.
    وأحد الأمثلة التي تجسد عسكرة التعليم في إسرائيل بشكل واضح، وهو كتاب الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الذي ألفه مردخاي فاشستوم، حيث أن المسائل الحسابية التي تتكون منها التدريبات التي يطلب من الطلاب الإجابة عليها تدور حول الجيش وألويته. فمثلاً يرد في الكتاب السؤال التالي: من بين 6340 جندياً مدرباً، طلب من 2070 الانضمام الى وحدة المظليات، و1745 الى سلاح المشاة، كم بقي من الجنود؟.
    وضمن الأنهجة اللامنهجية التي تكرس العسكرة قيام مؤسسات التعليم بتنظيم رحلات للطلاب للمعارض الفنية التي تخلد ذكرى الجنود الذين قتلوا في حروب اسرائيل، سيما متحف " ياد لبنيم ".
    وتقول الباحثة في مجال التربية الدكتورة فيرد شمرون " بهذه الطريقة يتم تجنيد الفن من أجل التغطية على بشاعة الحرب ". وتضيف شومرون أنه في خارج اسوار المدرسة يشاهد الطلاب الإعلانات التجارية التي تقدس الجيش. فمثلاً شركة " تنوفا " للألبان في تقوم بلصق ملصقات دعائية حول الجبن، تقول فيه ( 50% للمظليين، 50% للواء جولاني، 100 للعائلة).
    في نفس الوقت، وضمن برامج الإذاعة المدرسية، يقوم الطلاب بإستضافة جنرلات وكبار الضباط في الجيش والمخابرات وإجراء مقابلات معهم، ويترك لبقية الطلاب توجيه أسئلة لهم.
    الى جانب كل ذلك تقوم ألوية الجيش والوحدات المختارة بلصق لوحات دعائية لها في المدارس الثانوية لحث الطلاب في المرحلة الثانوية على التطوع في صفوفها بعد تجندهم الاجباري للجيش، لأنه على الرغم من أن الخدمة العسكرية في الجيش اجبارية في الدولة العبرية، إلا أنه يترك للجنود عادة الإنضمام للوحدات التي يرغبون بالإنضمام اليها.
    الى جانب ذلك، فأن المدارس تتعاون مع قسم القوى البشرية في هيئة أركان الجيش في تنظيم دورات تجنيد للطلاب خلال المرحلة الثانوية، وذلك لإعداد الطلاب لمرحلة الجيش.
    وتشير الباحثة في مجال التربية الدكتورة ريلي مزالي الى أن الضباط والجنود يدخلون الى غرف التدريس ويتحدثون للطلاب عن الفظائع التي يرتكبها الجيش دون أن يثير ذلك أي تحفظ لدى أولياء أمور هؤلاء الطلاب.
    سيطرة العسكريين على إدارة المؤسسات التعليمية
    أحد أبرز مظاهر عسكرة التعليم في إسرائيل هو تولي كبار ضباط الجيش في الاحتياط مناصب ادارية هامة في جهاز التعليم وإدارة المؤسسات التعليمية.
    فوزارة التعليم في إسرائيل تقوم بتمويل مشروع يطلق عليه " تسافتا "، ويهدف هذا المشروع الى تأهيل الضباط المتقاعدين من الجيش والمخابرات للانخراط في سلك التعليم.
    وقام المشروع بتخريج 300 ضابط، حيث تم دمجهم في المؤسسات التعليمية. بعض هؤلاء الضباط درس لعام واحد ونال رخصة لممارسة التدريس، ومنهم من عين فوراً في وظائف ادارة في المدارس، ومن الضباط من عينوا في وظائف تربوية.
    ومن الضباط من تولوا وظائف مرموقة في جهاز التعليم بدون أي اعداد تربوي، مثل رون خلودائي الرئيس الحالي لبلدية تل ابيب، والذي سبق له ان كان مديراً لمدرسة " جمناسيا هرتسليا "، ودرور الوني. ومن الضباط الذين تولوا مناصب في جهاز التعليم ومارسوا التعليم ضباط كان لهم سجل اجرامي واضح ضد ابناء الشعب الفلسطيني، مثل العقيد ايلان باتمان الذي كان حاكماً عسكرياً لكل من رام الله وجنين.
    اللافت للنظر، والمثير للإستهجان هو أن القائمين على جهاز التعليم في اسرائيل يعلنون أنهم لا يستعينون بخدمات الضباط في التدريس لإغراض تربوية وتعليمية، بل لتكريس قيم العسكرة لدى الطلاب.
    فها هو موطي ساجي، مدير مشروع برنامج اعداد الضباط في جهاز التعليم الإسرائيلي يقول مدافعاً عن الاستعانة بالضباط في التدريس قائلاً " لدينا في الجهاز التعليم لا يبحثون عن معلمين مهنيين، بل عن قياديين، فضباط الجيش المتقاعدون يتمتعون بميزات خاصة وقدرات ضخمة ".
    ويتحدث عن مزايا الضباط كمدرسين " هؤلاء الضباط في عيونهم بريق وإحساس بأداء الرسالة ". ويضيف " يقف أمام الطلاب رجل برتبة عقيد، بشخصيته القوية، فيحقق نجاحاً كبيراً، عندها يقف الطلاب لينشدوا النشيد الوطني، وهكذا يتبين أنه ينقل اليهم العديد من القيم ولديه ما يسوقه لهم، أنه قادم من مدرسة لا مثيل لها : الجيش، أنه ليس كالمدرسات من خريجات كليات اعداد المدرسين ".
    وتفسر الدكتورة سيغال بن بورات، استاذة التربية في جامعة حيفا، ميل جهاز التعليم للاستعانة بخريجي الجيش، بقولها " أن تكون مواطناً جيداً في إسرائيل، يعني أن تخدم في الجيش وتندمج في سوق العمل ". وتضيف أن مصطلح المواطنة الجيدة يخلو تماماً من المضامين الديموقراطية والإنسانية. وتستذكر أن جهاز التعليم في الدول الديموقراطية يجب أن ينمي مواطنين وليس جنوداً ولا عمال.






  2. #2
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    مناهج لتكريس العنصرية
    الذي يفاقم تأثير العسكرة في نظام التعليم في إسرائيل هو حقيقة أن مناهج التعليم الإسرائيلية تكرس منهجاً يدعو لمواصلة حالة الصراع.
    فحسب بحث أعده الباحث الإسرائيلي ايلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا فأن كتب التدريس الاسرائيلية حالت دون تحقيق السلام مع العرب.
    وحسب البحث فأن كتب التعليم في إسرائيل ساهمت طيلة نصف القرن الماضي اشعال جذوة الصراع الفلسطيني العربي، وكرست حالة الحرب، وحالت دون التوصل للسلام بين العرب واليهود. ووصف بوديا مناهج التدريس اليهودية ب " المنحرفة "، منوهاً الى أن هذه المناهج تتميز بطغيان الصورة النمطية والأفكار المقولبة حيال العرب، وزرع كراهيتهم في نفوس التلاميذ الإسرائيليين إلى حد الاستنتاج بأن ما جرى داخل جدران المدارس الإسرائيلية قد اثر إلى مدى بعيد في قرار الحرب والسلام لدى قادة الدولة العبرية.
    واشار البحث الذي جاء تحت اسم " الصراع" الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية العبرية"
    و الصادر عن مؤسسة مدار لدراسة الشؤون الإسرائيلية في رام الله، الى ان الكتب المدرسية الإسرائيلية رعت نوعاً من الصراع الصامت بين الطرفين وحافظت عليه، وقادت بطريق غير مباشر إلى اثارة الصراع المسلح.
    واكد بوديا، ان جهاز التعليم الإسرائيلي قد اختار النهج القومي الذي يخضع الماضي لاحتياجات الراهن والمستقبل على حساب الحقيقة والموضوعية في كتابة التاريخ بهدف خلق ذاكرة جماعية متميزة، منوهاً الى أن ثلاثة ارباع الكتب التي تستخدم في المدارس الإسرائيلية ليست مجازة ما يعني انكشاف التلاميذ إلى مواد اكثر خطورة.
    واكد الباحث أن كتب التاريخ الإسرائيلية التي اخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونية ورعاية الأساطير والتمجيد بأبطالها ضمن صهر المهاجرين في بوتقة وذاكرة جماعية واحدة.
    ولفت إلى أن تلك الكتب وصفت الصراع بطريقة تبسيطية أحادية الأبعاد ومشبعة بعدم الدقة إلى حد التشويه.
    وأوضح الكاتب أن هذه الكتب سعت لشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم، ما أدى إلى ترسيخ صورة نمطية لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائماً بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السلام مقابل صورة العرب "الخونة العدوانيين المتخلفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوماً نحو التدمير".وحول تناول هذه الكتب لاول مواجهة مع المسلمين التي حدثت في المدينة المنورة، فان هذه الكتب تصف القبائل اليهودية في تلك الفترة بأنها " شريفة ومحترمة وشجاعة، بينما وصف العرب بأنهم ماكرون وخونة وبأنهم هزموا اليهود بالخدعة والمؤامرة ".
    ونوه الكاتب إلى ان تعابير مثل متوحش ومحتال ومخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت كثيراً ما تستخدم في وصف العربي بينما ما يرتكب ضد اليهود يسمى عداوات ومذابح ومجازر بغية خلق صلة بين العرب وبين اللاسامية المتأصلة في تجارب التاريخ اليهودي في أوروبا، مشيراً الى أن العرب يوصفون بأنهم النسخة الحديثة من العماليق، ألد اعداء الإسرائيليين في التوراة.
    ويؤكد الكاتب أن كتب التدريس عززت عملية ابتعاد اليهود عن العرب، وهذا بدوره زاد من مستوى اسطرة الصراع وعزز الميل إلى تجريد العرب من انسانيتهم".. ونوه الكاتب إلى ان التحامل الإسرائيلي ضد العرب كان اسقاطاً للموقف اليهودي تجاه الغريب في الشتات.
    ويقتبس الباحث قول الباحث اليهودي سيغريد ليحمان، الذي قال: "نحن كيهود نميل إلى رؤية العربي كغير اليهودي كأحد الاغيار، نحن كأوروبيين نراه آسيوي خصماً لتطلعاتنا القومية وكاشتراكيين نحن نراه كممثل لاشد انماط الرجعية سواداً"..
    وأشار بوديا، إلى أن ردة فعل غريبة جاءت في اسرائيل على زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حيث حرص كبار المسؤولين في الدولة على الدعوة الى تعميق القيم الصهيونية على حساب ثقافة السلام.
    واقتبس من كلام الوزير التعليم السابق زبولون هامر قوله: "هناك زعماء عرب يظنون انهم ان لم يكونوا قادرين على القضاء علينا في ميدان المعركة، فإنهم سينجحون في فعل ذلك عن طريق عملية " السلام ".
    ويؤكد الباحث أن كتب التدريس الاسرائيلية تحاول ان تكرس قناعة مفادها ان السلام مع العرب " يهدد إسرائيل المهزوزة ويستلزم تحصين الناشئة بتقوية الوعي الصهيوني".. ويؤكد البحث انه عندما حاول وزير التعليم السابق اسحاق نافون احداث تقارب بين التلاميذ العرب واليهود داخل اسرائيل، لم يشارك في هذه الأنشظة الا 2% من المربين اليهود، منوهاً للموقف
    الصارم للمؤسسة الدينية اليهودية الرافض لعقد مثل هذه اللقاءات،بحيث ان ذلك يثبت ان الذاكرة الجماعية لليهود كضحايا لمخططات الاضطهاد والابادة جعلتهم "سجناء ماضيهم الخاص"..
    ويؤكد الباحث أن الإسرائيليين كانوا يعرفون عن الإسكندينافيين أكثر مما يعرفونه عن جيرانهم العرب، وهو ما ساهم في تعقيد الصراع كما ساعد في خلق أرضية بررت استخدام القوة ضد العرب.
    ونوه إلى أن 4.1% فقط من الوقت المحدد للتاريخ في المدرسة الإسرائيلية قد خصص للتاريخ العربي، لافتاً إلى موافقته على رأي باحثين أجانب بأن اليهود نقلوا صورة الأغيار من الشتات إلى إسرائيل وسلطوها على العرب بشكل خاطئ.
    من ناحيته يقول الكتاب و الناقد أنطوان شلحت، الذي كتب مقدمة للبحث أن السنوات التي تلت العام 2000 قد شهدت صعوداً يمينياً متطرفاً إلى رأس هرم جهاز التعليم في الكيان، بعد تسلم ليمور لفنات من حزب الليكود حقيبة التعليم.
    واقتبس شلحت الباحث سامي شالوم، الذي رأى بفترة وزيرة التعليم السابقة ليمور لفنات الاكثر خطورة بالنسبة للتعليم الإسرائيلي، باعتبارها "قاب قوسين أو أدنى من الفاشية التامة". ونوه الى ان ليفنات قد اخرجت كل ما ليس مستمداً من الرواية الصهيونية التاريخية، والتي تعتبر ان فلسطين كانت خالية من السكان عدا قلائل هربوا عام 1948.
    المدارس الدينية العسكرية " يشيفوت ههسدير "
    ينقسم المتدينون في إسرائيل الى تيارين أساسيين:
    1- التيار الديني الأرثوذكسي: وهو التيار الذي توصلت مرجعياته الروحية مع مؤسس الدولة دفيد بن غوريون إلى اتفاق يقضي باعفاء المنتسبين إليه من طلاب المعاهد والمدارس الدينية من الخدمة العسكرية، والتفرغ لدراسة الدين، مع العلم أن أتباع هذا التيار يشكلون حوالي 18% من اليهود في إسرائيل.
    2- التيار الديني الصهيوني: وهو التيار الذي اعتبر نفسه منذ البداية جزءاً لا يتجزأ من الدولة، واعتبرت مرجعياته الروحية الخدمة العسكرية ليس مجرد واجب تقتضيه المواطنة، بل فريضة دينية يتوجب القيام بها على أكمل وجه.
    ويشكل اتباع هذا التيار فقط من 7-10% من عدد اليهود، وذراعهم السياسي حزب " المفدال " الديني، وينتمي معظم المستوطنين الى هذه الشريحة.
    حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي ظلت نسبة المتدينين الصهاينة في الهيئات القيادية في الجيش حتى أقل من النسبة التي يمثلونها من حيث تعداد السكان.
    فحتى ذلك الوقت ظل القادمون من القرى التعاونية " الكيبوتسات " - التي تمثل قلاع العلمانية الإسرائيلية - ينفردون بتبوؤ المواقع القيادية في الجيش، لدرجة أن الانتماء ل " الكيبوتس " كان رديفاً للانتساب للوحدات المختارة في الجيش، مع أنه بمثل هذا الانتساب تفتح الطريق أمام هؤلاء الضباط والجنود لتبوؤ المواقع القيادية في الجيش والدولة مستقبلاً. لكن منذ ذلك الوقت حدث تغير درامتيكي متلاحق ولافت للنظر.
    فقد قلت نسبة خريجي " الكيبوتسات " الذين يلتحقون بالوحدات المختارة بسبب تحلل الكثير من هؤلاء من الايمان ب " واجب التضحية من أجل الدولة ". في المقابل حدثت عملية عكسية تماماً، حيث كانت توجيهات المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني لأتباعها بأن عليهم يتوجهوا تحديداً للانخراط في الوحدات المختارة والسريات النخبوية في الجيش، من أجل قيادة الجيش وبالتالي التحكم في المشروع الصهيوني.
    الذي سهل على الصهاينة المتدينين تحقيق هدفهم هو وجود ما يعرف بالعبرية ب " يشيفوت ههسدير "، وهي مدارس دينية عسكرية – يمولها الجيش – و التي ينضم اليها حصراً اتباع التيار الديني الصهيوني بعد تخرجهم من المدرسة الثانوية.
    فأواخر السبعينات توصلت المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني الى اتفاق مع هيئة أركان الجيش الإسرائيلي تم الاتفاق بموجبه على أن تتولى المدارس الدينية التابعة لهذا التيار مهمة اعداد الشباب الذين ينتمون لتيار الصهيونية الدينية لمرحلة الجيش.
    بحيث يتولى الحاخامات الذين يشرفون على هذه المدارس محاولة زيادة الدفاعية لدى هؤلاء الشباب للتطوع للخدمة في الوحدات المقاتلة والمختارة في الجيش وذلك عبر زرع قيم التضحية من أجل الوطن وغيرها من القيم في نفوس هؤلاء الطلاب، الى جانب اعدادهم بشكل مهني لمرحلة الجيش؛ بحيث يتم اعداد هؤلاء الطلاب عسكرياً عن طريق ضباط يقوم الجيش بارسالهم الى هذه المدارس ليتولوا تدريب الطلاب على استخدام السلاح، وبعض التدريبات العسكرية داخل اطار المدرسة.
    ويتولى الجيش دفع مستحقات التعليم في هذه المدارس، الى جانب دفع رواتب الحاخامات الذين يتولون التدريس فيها، لكن الجيش في نفس الوقت لا يتدخل في منهاج التعليم غير العسكرية، حيث يحظى الحاخام الذي يدير المدرسة بحرية عمل كاملة. فنظام التعليم فيها مستقل تماماً وتتحكم فيه المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني دون أي قدر من الرقابة على مضامين مناهج التعليم فيه
    الى جانب مظاهر العسكرة الصارخة التي تقوم عليها هذه المدارس، فأن الطلاب فيها يتلقون تعليماً دينياً بالغ التطرف ويقوم على العنصرية وكراهية الآخر بشكل فج. ويكفي أن نعرف أن معظم هذه المدارس تقع إما في المستوطنات، أو في القدس المحتلة ويشرف عليها مدراء هم من أكثر الحاخامات تطرفاً. والى جانب العسكرية، فأن هذه المدارس تربي طلابها بصراحة على رفض القيم الديموقراطية
    يقضي هؤلاء ثمانية عشر شهراً في هذه المدارس، يمارسون خلالها تعليمهم الديني وفي نفس الوقت يؤدون الخدمة العسكرية، مع العلم أنه بعد تخرجهم منها يقضون ثلاثين شهراً اضافية في الخدمة العسكرية.
    يبلغ عدد هذه المدارس اثنين واربعين مدرسة، والشعار الذي ترفعه هذه المدارس أن " الخدمة العسكرية والروح القتالية هي مهمة جماعية يفرضها الدين بهدف قيادة المشروع الصهيوني ".
    من هنا كان كل طالب في هذه المدارس لا ينظر خلال تأديته الخدمة العسكرية أنه يؤدي خدمة اجبارية تنتهي بعد ثلاث سنوات، بل أنها بوابة واسعة لممارسة التأثير على مستقبل الدولة وعلى عملية صنع القرار فيها.





  3. #3
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    العمود الفقاري للجيش
    على الرغم من أن الخدمة العسكرية في إٍسرائيل الزامية، إلا أن الانتساب للوحدات المختلفة داخل الجيش هي أمر اختياري وطوعي.
    وبفعل التثقيف والتعبئة التي يتعرضون لها داخل " يشيفوت ههسدير "، فأن اتباع التيار الصهيوني الديني يتجهون للانتساب للوحدات المختارة، وسرايا النخبة في الجيش.
    شيئا فشيئاً أصبح معظم قادة الوحدات المقاتلة هم من المتدينين .
    ومعظم القادة والمنتسبين للوحدات المختارة مثل " سرية وحدة الاركان "، و " ايجوز "، " دوفيديفان " و " يسام "، هم ايضاً من المتدينين. ليس هذا فحسب أن المتدينين يحتكرون الخدمة في ما يعرف ب " سرايا النخبة " التابعة لألوية المشاة، فمثلاً 60% من القادة والمنتسبين لسرية النخبة في لواء المشاة " جفعاتي " هم من المتدينين.
    تغلغل المتدينين الصهاينة في المواقع القيادية للجيش دفع الجنرال يهودا دونيدينان الذي كان مسؤولاً عن قسم "الشبيبة " في وزارة الدفاع للقول أن أتباع التيار الديني الصهيوني أصبحوا يشكلون " العمود الفقاري " للجيش.
    لا يقتصر اندفاع المتدينين خريجي " يشيفوت ههسدير "،نحو المواقع القيادية في الجيش، بل أيضاً في الأجهزة الاستخبارية. فعلى الرغم من أنه لا يعلن عادة عن هوية الذين يخدمون في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، إلا أن التسريبات الصحافية تؤكد أن المتدينين أصبحوا يمثلون ثقلاً متصاعداً داخل جهاز المخابرات الداخلية " الشاباك "، وهو أكثر الأجهزة الاستخبارية تأثيراً على دوائر صنع القرار في الدولة.
    وما ينطبق على الجيش والمخابرات ينطبق على الشرطة وحرس الحدود. وهذا كله بالطبع بفضل وجود المدارس الدينية العسكرية.
    مدرسون ومرجعيات للإفتاء
    اللافت للنظر أن معظم المدراء والمعلمين في المدارس الدينية العسكرية هم من الحاخامات، وبعضهم يعتبر مراجع هامة للإفتاء، وفتاوى هؤلاء يتم تدريسها في هذه المدارس للطلاب ويتم التعامل معها بقدسية الكتب المقدسة.
    ويكفي هنا نطلع على بعض الفتاوى التي يدرسها هؤلاء الطلاب حتى نتعرف على نوعية التعبئة والتثقيف التي يتلقاها هؤلاء الطلاب.
    تكريس ثقافة الكراهية والإجرام
    ففي هذه المدارس يتم تدريس عدد كبير من الفتاوى التي تعمل على تكريس ثقافة الكراهية وتدفع الشباب اليهودي الى تبني مواقف عنصرية ظلامية من العرب والمسلمين.
    وأكثر من ذلك، تمهد الطريق أمام ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين.
    ولعل أخطر الفتاوى التي يتعلمها ويتلقنها طلاب المدارس الدينية العسكرية هي الفتاوى التي يصدرها الحاخام مردخاي الياهو، الحاخام الأكبر السابق للدولة العبرية، وأهم مرجعية دينية للصهاينة المتدينين الذين تتبع لهم " يشيفوت ههسدير حصراً ".
    وتتحول فتاوى هذا الحاخام الى مادة دراسية وعلمية يتنافس المدرسون من الحاخامات على تدريسها. فقد أصدر هذا الحاخام فتوى تدعو لابادة الفلسطينيين بشكل كامل. مردخاي قال في فتوى تم تعميمها على جميع المدارس الدينية العسكرية، ونشرتها وسائل الاعلام الإسرائيلية، وحظيت باهتمام خاص من قبل وسائل الاعلام الدينية و تم تضمينها المئات من المطبوعات التي توزع داخل الكنس اليهودية في الدولة العبرية أنه يتوجب قتل جميع الفلسطينيين حتى أولئك الذين لا يشاركون في القتال ضد الاحتلال.
    لم يكتف الحاخام البارز بذلك، بل اعتبر أن هذه ليست مجرد فتوى، بل " فريضة من الرب يتوجب على اليهود تنفيذها ".
    بعد ذلك بأسبوع قام الحاخام اليعازر ملميد مدير المدرسة الدينية العسكرية في مستوطنة " تفوح "، الذي أصدر فتوى تبيح لطلاب مدرسته بسرقة محاصيل المزارعين الفلسطينيين، على اعتبار أنهم جزءاً من " الأغيار الذين يجوز لليهود استباحة ممتلكاتهم ".
    بالفعل فقد تم تطبيق فتوى الحاخام وقام تلامذته بنهب المحاصيل الزراعية للفلسطينيين في شمال الضفة.
    دوف ليئور الحاخام الأكبر لمستوطنة " كريات أربع "، شمال شرق مدينة الخليل، ورئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، والذي يدير في نفس الوقت مدرسة دينية عسكرية أصدر فتوى تبيح للمستوطنين تسميم مواشي ودواب وآبار المياه التي يملكها المزراعون الفلسطينيون في البلدات والقرى المجاورة للمستوطنة
    . وأيضاً هنا لم يتردد المستوطنون والطلاب في تنفيذ الفتوى، فلا يكاد مر يوم في الفترة التي تلت اصدار الفتوى، دون أن يستيقظ سكان هذه البلدات والقرى، إلا ويجدوا الكثير من دوابهم قد نفق بفعل السموم التي يرشها المستوطنون على المراعي التي تقصدها ماشية الفلسطينيين.
    وفي السابع من ايلول من عام 2005 وجه كبار الحاخامات اليهود، رسالة تتضمن فتوى دينية الى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق ارييل شارون ، حثوه فيها على عدم التردد في المس بالمدنيين الفلسطينيين خلال المواجهات المندلعة في الأراضي المحتلة، وجاء في الفتوى التي وقعها الحاخامات المسؤولون عن المدارس الدينية، وفي المقدمة منهم الحاخام دوف لينور ، ما نصه : «نحن الموقعون ادناه، ندعو الحكومة الاسرائيلية والجيش الاسرائيلي الى العمل حسب مبدأ، من يقم لقتلك ، سارع الى قتله . وأضافت الرسالة: «لا وجود في العالم لحرب يمكن فيها التمييز بشكل مطلق، بين المدنيين والجيش، لم يحدث ذلك في الحربين العالميتين، ولا في حرب الولايات المتحدة في العراق، وحرب روسيا في الشيشان، ولا في حروب اسرائيل ضد اعدائها ، قومية تحارب قومية ، قومية تنتصر على قومية »، على حد تعبير الرسالة .
    وأردف الحاخامات : " والسؤال المطروح أمامنا هو هل نحارب العدو من خلال هجوم يقتل خلاله مدنيون من صفوفه، أو نمتنع عن الحرب بسبب المدنيين فنخاطر بذلك بالمدنيين لدينا؟ الجواب على السؤال نجده ببساطة لدى الحاخام عكيفا ( أحد مرجعيات الافتاء لليهود في العصور الغابرة، الذي قال : حياتنا أولى". واعتبر الحاخامات ان هذا ما درج عليه ملوك اسرائيل على مر التاريخ ، مضيفين " هكذا تصرف شعب اسرائيل منذ ايام النبي موسى ، الذي حارب أهل مدين ، وهكذا تصرف بفتاح الجلعادي ، شاؤول، داوود ، وكل قادة اسرائيل على مر العصور ، وهكذا تصرفت دولة اسرائيل في حرب الأيام الستة، وهكذا هو المتعامل به في القانون الدولي، لا حاجة ولا فائدة من انتظار المهاجم حتى يبدأ هجومه ، بل يجب استباقه ومنعه من تنفيذ مآربه "، كما جاء في نص الفتوى .
    وحذر الحاخامات مما سموه التقليد النصراني في التعامل في النزاعات القائل «ادر خدك الثانية »، وفي اشارة الى نشطاء السلام الاسرائيليين قال البيان «لن نتأثر بمن بلغوا الدرك الأسفل منطقيا واخلاقيا من خلال تفضيلهم لحياة الاعداء على حياتنا ".
    وما يهم هنا أن هذه الفتوى تم تدريسها في حينه لطلاب المدارس الدينية العسكرية في جميع ارجاء الدولة العبرية.
    هذه الخلفية تفسر العديد من فتاوى الحاخامات، التي تدرس في " يشيفوت ههسدير "، التي تستهين بحياة العرب وتتعامل معهم بازدراء شديد.
    فمثلاً يتعلم طلاب المدارس الدينية فتوى الحاخام دوف لينور التي حظر فيها تبرع اليهود باعضائهم للاغيار ، لكنه اباح لهم عند الضرورة تلقي تبرعات مماثلة من أولئك الاغيار.
    وأمام احتجاج رابطة تبرع الاعضاء في اسرائيل غير الحاخام فتواه قليلا ، بحيث اباح لليهودي ان يتبرع بعضو لشخص يحتاج في حالة الضرورة وقال ان اليهود اذا ما امتنعوا عن التبرع للاغيار ، فإن هؤلاء الأخيرين لن يعطوهم شيئا بالتالي، وهذا قد يسهم في الاضرار باليهودي الذي قد يحتاج الي الحصول على عضو بديل ينقذ به حياته ، ومن ثم فإنه اعتبر ان السماح بتبرع اليهودي لأي واحد من الاغيار، هو في حقيقة الأمر احتياط هدفه تحقيق مصلحة اليهودي في أي فترة لاحقة، غدا أو بعد غد.
    ومن المواد العنصرية التي تدرس في هذه المدارس التفوهات العنصرية الصادرة عن الزعيم الروحي لحزب «شاس» عودفاديا يوسف الذي قال " عندما يأتي المسيح المنقذ ، فإنه سيرسل كل العرب الى جهنم ".
    واضاف " لماذا لا يفعل ارييل شارون ما يجب فعله؟ انه يخاف من شعوب العالم ، لكن المسيح المنقذ حين يأتي فإنه لن يخشى احدا ، وسيرسل كل هؤلاء العرب الى جهنم " .
    ويصف يوسيف العرب ب " الثعابين " ويدعو الى عدم الوثوق بهم على الاطلاق.
    ويقبل طلاب هذه المدارس على الاطلاع على كتب دينية ذات طابع عنصري مقيت، مثل الكتاب الذي اصدره الحاخاماسحاق غينزبرج بعنوان «باروخ البطل» جاء تخليدا لاسم باروخ جولد شتاين، الذي نفذ مجزرة الحرب الابراهيمي في العام 1994.
    ويعتبر هذا الحاخام أن جولدشتاين قد قام بعمل " جليل ومجيد ". وهكذا فأن جميع طلاب المدارس الدينية يتربون على ان جولدشتاين هو في مرتبة القديسين، وجعلوا من قبره مزاراًيتبركون به.
    وفي المدارس الدينية يتم التهجم على الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فهاهو الحاخام ايلي الباز، الذي يحاضر في العديد من المدارس الدينية، والذي يعتبر من أبرز الحاخامات الشرقيين، لا يفوت فرصة دون التهجم على دين الإسلام والتعرض لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالذم.
    ليس هذا فحسب، بل أن هذا الحاخام المجرم يصر على التندر أمام مستمعيه بترديد النكات التي تمس بالمسلمين والفلسطينيين ويستخدم عبارات نابية في مهاجمة المسلمين
    . أما الحاخام الياهو ريسكين، والذي يدير المدرسة الدينية العسكرية في مستوطنة " افرات " القريبة من بيت لحم ويعتبر احد كبار حاخامات المستوطنين فيسخر من الدعوات لاجراء حوار بين حاخامات اليهود والقائمين على المؤسسة الدينية الرسمية في العالم العربي.
    ويرى ريسكين أن لغة الحوار الوحيدة بين المسلمين واليهود هو " الرصاص "، معتبراً أنه بدون اقناع العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص أنه لا يمكن فرض تسوية على " إسرائيل " بالقوة، فأنه لا طائل من مثل هذه الحوارات.
    من ناحية نظرية بحتة، ولكون دولة إسرائيل دولة علمانية، فأنه لا يوجد مكانة قانونية للفتاوى التي يصدرها كبار الحاخامات في الشؤون السياسية والعسكرية،بإستثناء الشؤون الدينية التي تنظم شؤون الفتوى بخصوصها مؤسسة الحاخامية الكبرى، والتي تمثل أكبر هيئة دينية في الدولة. لكن من ناحية عملية، فأن الثقافة السائدة في الدولة العبرية تجعل لهذه الفتاوى، سيما الصادرة عن مرجعيات الإفتاء الكبيرة في الدولة أهمية قصوى وتأثير بالغ ليس فقط على قطاعات واسعة من اليهود، وعلى رأسهم طلاب المدارس الدينية، بل على دوائر صنع القرار في الدولة العبرية. صحيح أن المتدينين سواء الذين يتبعون التيار الديني الصهيوني أو التيار الديني الأرثوذكسي يشكلون حوالي 28% من مجمل المستوطنين في الدولة، إلا أن أكثر من 50% من سكان هذه الدولة يعرفون أنفسهم كمحافظين، وهؤلاء يولون أهمية كبيرة لما يصدر عن المرجعيات الدينية في أرجاء الدولة.
    لكن مكمن الخطورة في تأثير هذه الفتاوى العنصرية التحريضية يكمن – كما أسلفنا - في تأثيره على المتدينين، وعلى وجه الخصوص طلاب المدارس الدينية العسكرية الذين ينطلقون بشكل كبير لتولي المناصب العليا في الجيش والأجهزة الاستخبارية.
    فحسب دراسة أعدها قسم العلوم الاجتماعية في جامعة " بار ايلان " التي يسيطر عليها المتدينون، تبين أن أكثر من 99% من طلاب المدارس الدينية العسكرية، و90% من المتدينين بشكل عام يعتقدون أنه في حال تعارضت قوانين الدولة وتعليمات الحكومة مع فحوى الفتاوى الصادرة عن الحاخامات، فأن عليهم أن يتجاهلوا قوانين الدولة وتعليمات الحكومة والعمل وفق ما تنص عليه فتاوى الحاخامات.
    ولا خلاف بين علماء الاجتماع السياسي في الدولة العبرية وكذلك الجنرالات المتقاعدين على أنه لن يكون ذلك اليوم بعيداً الذي تنتقل فيه قيادة الجيش بأكملها الى أتباع التيار الديني الصهيوني.





  4. #4
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    تكريس النزعات الانفصالية:
    لكن وجود هذه المدارس أشعل الأضواء الحمراء لدى الكثير من النخب في الدولة العبرية التي باتت ترى في هذه المدارس تهديداً للنظام الديموقراطي الإسرائيلي ونقطة انطلاق لتشجيع النزعات الانفصالية عن الدولة.
    ففي النظم الديموقراطية ينحصر دور المستوى العسكري فقط في تنفيذ السياسات التي تقررها الحكومات التي تفرزها الانتخابات. ويعد عدم التزام العسكر بتعليمات الحكومة تقويضاً عملياً لتلك الديموقراطية. هنا يكمن الخطر في تبوؤ المتدينين للمواقع القيادية في الجيش، الذي تضمنه لهم " يشيفوت ههسدير ".
    فالقائد والجندي المتدين في الجيش الإسرائيلي قد تمت تربيته على أنه عندما يفرض عليه الاختيار بين تنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة عن قيادته وحكومته المنتخبة، وتعليمات مرجعياته الروحية، فأنه لا يتردد في تلبية تعليمات المرجعيات الدينية.
    ولعل المثال الأكثر وضوحاً على ذلك هو ما قاله الجنرال يسرائيل فايس كبير حاخامات الجيش الذي قال مؤخراً أنه يفضل خلع بزته العسكرية على تنفيذ أي أمر يصدر عن قيادة الجيش ويتعارض مع تعليمات الحاخام ابراهام شابيرا، ثاني أهم مرجعية روحية للتيار الديني الصهيوني.
    المفارقة أن مدراء " يشيفوت ههسدير " من الحاخامات الذين يحرصون على تذكير طلابهم الذين يعدونهم لقيادة الجيش والدولة أنه لا مصدر أكثر قدسية من تعليمات التوراة والكتب المقدسة اليهودية، وأن أي تعليمات تصدرها قيادة الدولة يجب أن تفقد شرعيتها في حال تعارضت مع تعاليم الدين التي تحتكر المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني الحق في تفسيرها.
    فمثلاً جميع المرجعيات الروحية للصهيونية الدينية دعت اتباعها من القادة والجنود الى رفض تعليمات قيادة الجيش بالمشاركة في تنفيذ خطة " فك الارتباط ".
    ولعل الذي يعكس صدقية المخاوف من تأثير وجود هذه المدارس الكبير هو حقيقة أن معظم الذين شاركوا في الاحتجاجات ضد عمليات اخلاء المستوطنات هم من طلاب وخريجي المدارس الدينية العسكرية. ليس هذا، بل أن حاخاماً بحجم ابراهام شابيرا دعا اتباعه من طلاب المدارس الدينية العسكرية للانشقاق عن الجيش في حال تمت تنفيذ خطة " فك الارتباط ".
    بعض حاخامات الصهيونية الدينية من الذين يديرون بعض المدارس الدينية العسكرية دعوا طلابهم واتباعهم الى اطلاق النار على افراد الأمن الإسرائيلي الذين يشاركون في اخلاء المستوطنات، كما أفتى الحاخام حاييم دروكمان الذي هو نفسه مديراً لاحدى " يشيفوت ههسدير " في منطقة الخليل.
    وحسب استطلاع لآراء الضباط والجنود المتدينين أشرف عليه مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات ونشر العام الماضي، تبين أن أكثر من 95% من الجنود والضباط المتدينين يرون أنهم سينفذون تعليمات الحكومة المنتخبة وقيادتهم في الجيش، فقط في حال توافقت مع الفتاوى التي يصدرها كبار الحاخامات والمرجعيات الدينية. وكما يقول الجنرال شلومو غزيت، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقاً فأنه " لا يختلف اثنان في اسرائيل على أن الجندي المتدين الذي يتخرج من المدارس الدينية العسكرية يرى في الحاخام الذي يدرسه أو يدير المدرسة التي يتعلم فيها هو قائده الأعلى وليس قائده العسكري ".
    من هنا فقد كان تحذير رئيس " الموساد " الأسبق الجنرال داني ياتوم واضحاً وقاطعاً، فإمكانية أن يحدث انقلاب عسكري على الحكومات المنتخبة في إسرائيل أصبحت أمراً وارداً بسبب التثقيف التي تمنحه المدارس الدينية العسكرية لطلابها الذين يتجهون بقوة تبوء المواقع القيادية في الجيش.
    وإن كان مثل هذا السيناريو ظل ينظر اليه في إسرائيل حتى وقت قريب على أنه محض خيال، فأن المخاوف على استقرار النظام السياسي بسبب اندفاع المتدينين الصهاينة نحو المواقع القيادية في الجيش أصبحت حديث الساعة في الدولة العبرية. فإلى جانب ياتوم فأن هناك عدداً كبيراً من الجنرالات المتقاعدين والساسة، فضلاً عن الباحثين والصحافيين من يرى في تغلغل طلاب المدارس الدينية العسكرية من اتباع التيار الديني الصهيوني الواسع في الجيش أكبر خطر يهدد النظام " الديموقراطي " في الدولة العبرية، لدرجة أن هناك من دعا الى التوقف عن استيعاب المتدينيين الصهاينة في الوحدات القتالية، وسد الطريق أمام تبوؤهم المراكز القيادية في الجيش.
    ويضيف ياتوم " قبل عامين كنت أعتقد أن هذا السيناريو وهم وخيال، لكنه أصبح واقعيًا في ضوء الأحداث الأخيرة التي نشهد فيها مظاهر العصيان في الجيش ، و التشكيك في شرعية الحكومة والبرلمان " من قبل حاخامات الصهيونية الدينية، وتحديداً الذين يديرون المدارس العسكرية الدينية.
    ويرى المفكر الصهيوني بامبي شيلغ أن الغرور أعمى أتباع التيار الديني الصهيوني من خريجي وطلاب المدارس العسكرية الدينية بحيث لم يعودوا يستسيغون أن يتم حسم القرارات المصيرية للدولة خارج عباءة رجال الدين.
    ويصل شيلغ الى القول أن هذا الغرور قد أدى الى ظهور النزعات الانفصالية لهذا التيار عن الدولة ومؤسساتها.
    ويصل الكاتب يارون لندن الى نفس النتيجة محذراً من تفاقم النزعات الانفصالية لدى التيار الصهيوني الديني. اللافت للنظر، أنه وعلى الرغم من تحذير النخب العلمانية من خطورة المدارس الدينية العسكرية، والحاخامات الذين يديرونها على النظام الديموقراطي في الدولة، إلا أن مؤسسات حفظ القانون والنظام في الدولة العبرية لم تحاول ولو مرة واحدة التعرض لهؤلاء الحاخاما أو مساءلتهم عن هذا التحريض العنصري الذي لا يوازيه تحريض.
    يس هذا فحسب، بل أن الحاخامات المتورطين في هذا التحريض يحظون بثقل متزايد في السياسة الاسرائيلية، ويتنافس صناع القرار السياسي في الدولة العبرية على استرضائهم والتقرب منهم، والتزلف اليهم.
    والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا هذا الصمت ازاء هذه الفتاوى القاتلة، ولماذا الكيل بمكيالين؟.
    الذي يثير المرارة أن أحداً في العالم العربي لم يحاول الاهتمام بما يصدر عن المرجعيات الدينية الكبرى في الدولة العبرية من فتاوى ويحاول اطلاع الرأي العام والعربي و العالمي على هذا التثقيف على الحقد الأعمى في المدارس الدينية العسكرية التي تمثل نبع الآسن من الكراهية.
    خلاصة
    لا شك أن المعطيات السابقة يجب أن تشعل الأضواء الحمراء لدى دوائر صنع القرار في العالم العربي، أن كان هناك ثمة من يلقي بالاً لما يحدث في إسرائيل. فعسكرة التعليم في إسرائيل و تبوؤ المتدينين المراكز القيادية في الجيش سيؤثر مستقبلاً بشكل كبير على طابع العلاقات بين اسرائيل مع العالم العربي. فالجيش الذي سيكون تحت قيادة المتدينين هو غير الجيش الحالي، على الرغم من أن معظم القادة الحاليين ذوي نزعات عنصرية متطرفة. الجيش الاسرائيلي تحت قيادة المتدينين سيدفع الحكومة الى سياسات أكثر تصادماً مع العالم العربي، فضلاً عن أنه سيتجاهل مظاهر الغزل التي تبديها أنظمة الحكم العربية تجاه الدولة العبرية، وذلك بفعل تأثرهم الشديد بالأفكار الخلاصوية التي توغل في نفيها للآخر العربي وازدرائه.
    المراجع:
    1-امنون ليفي، " المتدينون الجدد "، ماجناس، تل ابيب، 1992.
    2- ايلي بودايا ، الصراع في كتب التاريخ المدرسية العبرية "، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية: رام الله، 2005.
    3- داني ياهف، " ما أروع هذه الحرب "، المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية: رام الله، 2006.
    4-مجلة قضايا اسرائيلية، السنة الاولى، العدد 3، صيف 2001.
    5-مجلة قضايا اسرائيلية، السنة الثانية، العدد 8، خريف 2002.
    6-معاريف 24/3/2005.
    7-معاريف 16/6/2003.
    8-يديعوت احرونوت 5/7/2002





  5. #5
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    العنصرية والوجدان الإسرائيلي


    د. عبد الوهاب المسيري


    يمكننا الآن أن نترك العنصرية القانونية لننتقل إلى مدى تغلغل الرؤية العنصرية في الوجدان الإسرائيلي. في مقال لـ"يوري أفنيري" (نُشر على موقعه الإلكتروني في 28 أبريل2007 بعنوان "لم يضع الأمل بعد")، يبّين الكاتب أن النزعة الديموجرافية الإقصائية تتبدى في كثير من رموز الدولة الصهيونية، التي تدعي أنها يهودية. الكاتب يشير إلى النشيد الوطني الصهيوني الإسرائيلي، فيقول: "إن مشكلة هذا النشيد لا تكمن في كلماته وليس في اللحن أيضاً، الذي تمت "سرقته" من أوروبا الشرقية. المشكلة هي أنها تُخرج من الدائرة المواطنين العرب، الذين أصبحوا يشكلون الآن أكثر من 20% من السكان في الدولة. لا أريد أن أخوض هنا مرة أخرى في السؤال فيما إذا كانت إسرائيل هي "دولة يهودية". ما معنى ذلك؟ دولة الدين اليهودي فيها أغلبية يهودية أم لا؟ على من يريد ذلك أن يسأل نفسه أيضاً: هل صحيح أن نجعل كل مواطن عربي يشعر بأنه من دون انتماء؟ إن هذه دولة غريبة ومعادية؟ يمكن لـ"هتكيفا" أن تظل نشيد الحركة الصهيونية، ويمكن لليهود أن ينشدوها في لوس أنجلوس وفي "كريات ملاخي". ولكنها لا يجب أن تكون نشيد الدولة الوطني .حان الوقت للنظر في تبديل النشيد الوطني، ليس بهدف إرضاء المواطنين العرب فحسب، بل كذلك بهدف إرضاء أنفسنا: ليكون لنا نشيد وطني يجسد واقعنا، وبهذه الروح قدمت قبل 38 سنة اقتراح قانون للكنيست ولم يتم قبوله. لقد حان الوقت لتجديد الفكرة".
    "هذا صحيح بالنسبة للعَلم أيضاً. العَلم الأزرق والأبيض هو عَلم الحركة الصهيونية. لقد أخذوا "الطاليت" (الشال الذي يرتديه اليهود أثناء الصلاة) وأضافوا إليه نجمة داوود (وهي شعار يهودي قديم ظهر في حضارات أخرى أيضاً) وكوّنوا عَلماً وطنياً جديداً. إن فيه نقصاً واضحاً: لوناه، الأزرق والأبيض، يختفيان على خلفية السماء، الغيوم والمباني. والسلبية الرئيسية في العلم تكمن في أنه يخرج كل الجمهور العربي من عائلة الدولة. العربي الذي يؤدي التحية للعلم يكون كاذباً في أعماق نفسه حين يحاول التعاطف مع رموز مثل "الطاليت" ونجمة داوود، اللذين ينكرانه ولا يعنيان له شيئاً. ناهيك عن أن العديد من العرب يؤمنون بأن الخطين الأزرقين يشيران إلى نهري النيل والفرات، وأن العلم يشير إلى نية الصهاينة في إقامة دولة يهودية بموجب الوعد في الكتاب المقدس (التكوين، 15): "لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ". هذه ليست حقيقة، ولكن هذا يزيد الأمر صعوبة بالنسبة للعلم. هدف العَلم الوطني هو التوحيد، أما هذا العَلم فهو يقسّم. إنه لا يعزف على أوتار قلب جمهور مهم في الدولة. إنه يبعدهم. ولا يبعدهم وحدهم. كما كتب "جدعون ليفي" مؤخراً، لقد تم "امتلاكه" من قبل "اليمين المتطرف"، وهو يرتبط في قلوب دعاة السلام والعدل بالتنكيل على الحواجز، بالمستوطنات وبالاحتلال".
    ظهر عام 2004 كتاب بعنوان نحو قبر فاغراً فاه - أزمة المجتمع الإسرائيلي، ألفه "ميخائيل فارشافشكي" (ميكادو) وترجمه مازن الحسيني (2004). والكتاب يعطينا فرصة أن ندخل في العقل الإسرائيلي والمزاج العنصري فيه. يقول المؤلف إنه تجول في إسرائيل لعدة شهور، وكتب بأمانة الشعارات التي وجدها في القدس. فوجد أن الشعارات تنقع عنصرية وكرهاً، وفيما يلي بعض الأمثلة:
    - "ترانسفير = السلام + الأمن" (بوستر معلق في جميع أنحاء القدس).
    - "الأردن هو الدولة الفلسطينية - ترانسفير الآن!" (مئات البوسترات على الطريق السريع بين تل أبيب والقدس).
    - "رَحِّلوا العدو العربي" (بوستر).
    - "رَحِّلوا عرفات!" (بوستر).
    - "اضربوا العرب - حطموا العرب" (بوسترات).
    - "لا لليساريين، لا للتفجيرات" (كتابة على الحائط).
    - "إما نحن أو هم - ترانسفير" (بوسترات).
    - "غادر ثلاثمائة ألف منهم إلى الأردن - ترانسفير" (بوسترات).
    - "كاهانا على حق - اطردوا العرب" (كتابة على الحائط).
    - "الموت للعرب" (كتابة على الحائط).
    - "كلا لوسائل الإعلام المُعادية".
    - "أنا أشتري من يهود فقط" (بوستر).
    - "حاكموا مجرمي أوسلو" (ملصق وبوستر وكتابة على الحائط).
    - "السلام كارثة، نريد الحرب" (ملصق صغير).
    - "كلا لفلسطين !" (كتابة على الحائط).
    - "الخليل للأبد" (ملصق صغير).
    - "شارون يعطي الإرهابيين دولة" (بوسترات بمناسبة الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود).
    ويعلق الكاتب على هذه الشعارات وهذا المزاج العنصري بقوله: "الشعارات الواردة في "البوسترات" والملصقات التي أوردناها سابقاً، تبيّن أن تعبير الجمهور عن العنصرية أصبح الآن شيئاً عاماً، واكتسب مشروعية بين الأحزاب السياسية التي تقف في مقدمة الحياة السياسية الإسرائيلية، والممثلة في الحكومة. وتدور العنصرية حول محورين اثنين، لو أخذا سوياً، سيشكلان فلسفة السياسة الجديدة فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني: القمع والترحيل".
    ثم يحاول الكاتب تفسير هذا المزاج العنصري فيقول: "تضرب وحشية السنوات الأخيرة جذورها في طريقتيْ سلوك عميقتين لدى البشر: الخوف والرغبة في الانتقام. 1- الخوف: درج الساسة الإسرائيليون على تنمية الخوف، والتلاعب به في أكثر أشكاله انحطاطاً وبدائية، دون محاولة على الإطلاق لإضفاء شيء من المدنيّة على ذلك الخوف. ويتلخص قرع الطبول في: أنهم -أي الفلسطينيون- يريدون ذبحكم؛ إنهم يلقون عليكم قنابل؛ يجب علينا أن نرد بلا تردد أو وازع أو أي تفكير بالعواقب، حتى تلك العواقب التي تتعلق بسلامة الإسرائيليين أنفسهم. 2- رغبة الضحية في الانتقام: هذه الرغبة -كما هو الحال في أي مكان آخر- تُبقي على دوامة العنف: إذا فجَّرت نفسك في تل أبيب سوف أقصف غزة، وإذا قتلت ثلاثة من أبنائي سوف أقتل خمسة من أبنائك.
    ويخلص الكاتب من كل هذا بالقول إن ثمة هدفاً سياسياً مزدوجاً لمنطق الانتقام والضربات "الاستباقية" والثأر. فبالنسبة لأكثر الساسة الإسرائيليين اعتدالاً -بشكل خاص حزب "العمل" وجزء من قيادة الجيش العليا- هذا أسلوب للقضاء على المقاومة التي مضى الآن على استمرارها أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وحَمْل الفلسطينيين على القبول بـ"حل" ترفضه حتى الآن جميع تيارات الرأي العام الفلسطيني. أما بالنسبة للمتطرفين، فإن هدف العنف في المناطق المحتلة هو حمل الفلسطينيين على الرحيل -الأمر الذي يسميه حزب مولديت "الترانسفير الطوعي"- أو أن يؤدي إلى تصعيد ينتهي بعملية تطهير عرقي على نطاق واسع.
    وفي نهاية هذا الجزء من الكتاب، يحلل الكاتب الصور المجازية المهيمنة على الوجدان الإسرائيلي، فيقول: "لم تعد "نجمة داوود" (التي تُسمى بالعبرية "درع داوود") هي رمز دولة إسرائيل، إذ أصبح الرمز هو الجرافة "البيلدوزر". فالجرافات تستخدم في كل مكان، في الطرق والأحياء، تخلع الأشجار و"البيّارات". باختصار، لتدمير الطبيعة والثقافة. عندما يُطلق لها العنان، لا تتوقف الجرارات عند الخط الأخضر. إن لها الكلمة العليا في إسرائيل نفسها: تتحكم كما تشاء دون أي اعتبار للبيئة أو احترام البيئة لها.


    والله أعلم.





  6. #6
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    فصول من «التطهير العرقي في فلسطين»


    11 قائداً صهيونياً في «البيت الأحمر» أمروا بتدمير 531 قرية وطرد 800 ألف فلسطيني




    بقلم : طه محمد علي


    كتاب ايلان بابه «التطهير العرقي في فلسطين» الذي تنشر «الحياة» ابتداء من اليوم فصولاً منه، يكشف المسكوت عنه حول دور التطهير العرقي في حرب إنشاء إسرائيل التي سميت «حرب الاستقلال» فيما سماها العرب بحق «نكبة» فلسطين.
    ويدحض المؤلف الأفكار الرائجة هنا وهناك عن ان نزوح الفلسطينيين من أرضهم يعود الى اختيار طوعي أو الى وعود الجيوش العربية بأن النازحين سيعودون ما ان تكمل تلك الجيوش عملياتها ضد ما سمي آنذاك «العصابات الصهيونية».
    وما جرى عام 1948 في فلسطين معقد وبسيط في آن، ويمكن تجاوز التعقيد الذي نشرته أجهزة إعلام وإشاعات، الى الحقيقة القائلة إن ما حدث بسيط ومرعب، إذ تم تطهير مساحات كبرى من فلسطين من سكانها الأصليين، ما يُعتبر جريمة ضد الإنسانية أرادت اسرائيل إنكارها ودفع العالم الى نسيانها. والكتاب هو محاولة لاسترداد وقائع اسرائيلية مشينة، من النسيان.
    تصدر الطبعة العربية من الكتاب في أواسط الشهر المقبل عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وأنجز الترجمة أحمد خليفة. والمؤلف ايلان بابه من المؤرخين الإسرائيليين الجدد وأستاذ في جامعة حيفا وناشط في مؤسسات أبحاث من اجل السلام، وله مؤلفات أخرى عن تاريخ فلسطين الحديث والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
    «نحن لم نبك/ ساعة الوداع!/ فلدينا/ لم يكن وقت/ ولا دمع/ ولم يكن وداع!
    نحن لم ندرك/ لحظة الوداع/ أنه الوداع/ فأنّى لنا البكاء؟!
    (1988)
    (لاجئ من قرية صفورية)
    «أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئاً غير أخلاقي.
    (ديفيد بن غوريون،
    مخاطباً اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية،
    في حزيران/يونيو 1938)
    «البيت الأحمر» كان من أفضل نماذج البناء في تل أبيب في أعوامها الأولى. كان مصدر فخر للبنائين والحرفيين الذين عملوا في بنائه في العشرينيات من القرن الماضي، وقد جرى تصميمه ليكون المقر الرئيس لمجلس العمال المحليين. وظل هكذا إلى أن أصبح في أواخر سنة 1947 مقر قيادة الهاغاناه، الميليشيا الصهيونية الرئيسة في فلسطين. كان على مسافة قريبة من البحر في شارع اليركون، في الجزء الشمالي من تل أبيب، وشكل إضافة بديعة إلى المدينة «العبرية» الأولى، المنشأة على ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ «المدينة البيضاء»، كما كانت الطبقة المثقفة والنخبة المتعلمة من سكانها تسميانها تحبباً. ذلك بأن بياض مبانيها النقي في تلك الأيام، خلافاً لحالها اليوم، كان يكسب المدينة بأسرها ذاك الألق الساحر الذي اتسمت به مدن موانئ البحر الأبيض المتوسط في تلك الحقبة، وفي بعض الأمكنة الجغرافية. كانت متعة للنظر، وقد امتزجت بانسجام في مبانيها الأساليب المعمارية الفلسطينية المحلية بأساليب الـ bauhaus (طراز بناء ألماني – المترجم) في خليط أُطلقت عليه تسمية Levantine ، بمعنى يخلو تقريباً من الإيحاءات السلبية لهذا المصطلح. لقد كان «البيت الأحمر» على شكل مستطيل بسيط، ازدانت واجهته الأمامية بأقواس شكلت إطاراً للمدخل، وسندت شرفات الطبقتين العلويين. أمّا صفة «الأحمر» فقد كانت مستوحاة إمّا من ارتباطه بالحركة العمالية، وإمّا من الصبغة الحمراء الوردية التي كانت تلونه وقت غروب الشمس. والتفسير الأول أكثر ملاءمة. وقد تواصل اقتران المبنى بالنسخة الصهيونية من الاشتراكية عندما أصبح، في السبعينات من القرن الماضي، المقر الرئيس للحركة الكيبوتسية. إن بيوتاً مثله، هي بقايا تاريخية مهمة من مخلفات فترة الانتداب، جعلت اليونسكو في سنة 2003 تصنف تل أبيب موقعاً تراثياً عالمياً.
    هذا المبنى لم يعد موجوداً الآن، إذ راح ضحية التطوير، الذي هدم هذا الأثر المعماري ليحول المكان إلى موقف للسيارات مجاور لفندق شيراتون الجديد. كما لم يبق في الشارع الذي كان قائماً فيه أي أثر لـ «المدينة البيضاء» التي تحولت بالتدريج إلى الحاضرة المترامية الأطراف، الملوثة الهواء، النابضة بالحياة؛ أي تل أبيب الحديثة.
    في هذا المبنى، عصر يوم أربعاء بارد، في 10 آذار (مارس) 1948، وضعت مجموعة من أحد عشر رجلاً، مكونة من قادة صهيونيين قدامى وضابطين عسكريين شابين، اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقياً. وفي مساء اليوم نفسه، أُرسلت الأوامر إلى الوحدات على الأرض بالاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين من مناطق واسعة في البلد. وأُرفقت الأوامر بوصف مفصل للأساليب الممكن استخدامها لإخلاء الناس بالقوة: إثارة رعب واسع النطاق؛ محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية؛ حرق منازل وأملاك وبضائع؛ طرد؛ هدم (بيوت ومنشآت)؛ وأخيراً، زرع ألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم. وتم تزويد كل وحدة بقائمة تتضمن أسماء القرى والأحياء المحدَّدة كأهداف لها في الخطة الكبرى المرسومة. وكانت هذه الخطة، التي كان اسمها الرمزي الخطة دالِتْ [الحرف «د» بالعبرية]، هي النسخة الرابعة والنهائية عن خطط أقل جذرية وتفصيلاً عكست المصير الذي كان الصهيونيون يعدونه لفلسطين، وبالتالي لسكانها الأصليين. وقد كانت الخطط الثلاث السابقة تعكس في شكل مبهم تفكير القيادة الصهيونية بالنسبة إلى كيفية التعامل مع تلك الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين القاطنة في الأرض التي كانت الحركة القومية اليهودية تشتهيها لنفسها. أمّا هذه النسخة الرابعة والأخيرة، فقد بينت ذلك بوضوح، وعلى نحو غير قابل للتأويل: الفلسطينيون يجب أن يَرْحلوا. وبحسب تعبير سمحا فلابان (Simcha Flapan)، من أوائل المؤرخين الذين أشاروا إلى أهمية هذه الخطة ومغزاها، فإن «الحملة العسكرية ضد العرب، بما في ذلك غزو المناطق الريفية وتدميرها، رُسمت معالمها في خطة دالِتْ التي أعدتها الهاغاناه» وكان هدف الخطة، في الواقع، تدمير المناطق الفلسطينية الريفية والحضرية على السواء.
    هذه الخطة، كما سنحاول أن نوضح في الكتاب، كانت النتيجة الحتمية للنزعة الأيديولوجية الصهيونية التي تطلعت إلى أن تكون فلسطين لليهود حصراً، كما أنها كانت استجابة للتطورات على الأرض في إثر قرار الحكومة البريطانية بإنهاء الانتداب. وأتت الاشتباكات المسلحة مع الميليشيات الفلسطينية المحلية لتوفر السياق والذريعة المثالية من أجل تجسيد الرؤيا الأيديولوجية التي تطلعت إلى فلسطين نقية عرقياً. وكانت السياسة الصهيونية في البداية قائمة على ردات فعل انتقامية على الهجمات الفلسطينية في شباط (فبراير) 1948، لكنها ما لبثت أن تحولت في آذار (مارس) 1948 إلى مبادرة لتطهير عرقي للبلد بأكمله.
    بعد أن اتخذ القرار، استغرق تنفيذ المهمة ستة أشهر. ومع اكتمال التنفيذ، كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين، أي ما يقارب 800.000 نسمة، قد اقتُلعوا من أماكن عيشهم، و531 قرية دُمرت، و11 حياً مدينياً أُخلي من سكانه. إن هذه الخطة التي تقرر تطبيقها في 10 آذار 1948، والأهم من ذلك تنفيذها بطريقة منهجية في الأشهر التالية، تشكل مثالاً واضحاً جداً لعملية تطهير عرقي، وتعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية.
    أصبح من المستحيل تقريباً، بعد الهولوكوست، إخفاء جرائم شنيعة ضد الإنسانية. والآن، في عالمنا المعاصر، الذي يشهد ثورة في مجال الاتصالات، وخصوصاً مع تكاثر وسائط الإعلام الإلكترونية وانتشارها، لم يعد في الإمكان إنكار كوارث من صنع البشر، أو إخفاؤها عن أعين الرأي العام. ومع ذلك، فإن هناك جريمة كهذه جرى محوها كلياً تقريباً من الذاكرة العامة العالمية، وهي جريمة طرد الفلسطينيين من وطنهم في سنة 1948. إن هذا الحدث المصيري، الأكثر أهمية في تاريخ فلسطين الحديث جرى إنكاره بصورة منهجية منذ وقوعه، ولا يزال حتى الآن غير معترف به كحقيقة تاريخية، ناهيك عن الاعتراف به كجريمة يجب مواجهتها سياسياً وأخلاقياً.
    التطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية، والذين يقدمون عليه اليوم يُعتبرون مجرمين يجب محاكمتهم أمام هيئات قضائية خاصة. وقد يكون من الصعب التقرير بشأن المرجعية أو كيفية التعامل، في النطاق القانوني، مع الذين خططوا والذين نفذوا التطهير العرقي فلسطين في سنة 1948، لكن من الممكن استحضار جرائمهم والتوصل إلى رواية تاريخية أكثر دقة من أية رواية وضعت حتى الآن، وإلى موقف أخلاقي أكثر نزاهة.
    نعرف أسماء الأشخاص الذين جلسوا في تلك الغرفة في الطبقة العلوية في «البيت الأحمر»، تحت ملصقات ماركسية الإيحاء كتبت عليها شعارات مثل «إخوة في السلاح» و «القبضة الفولاذية»، ورسوم تمثل اليهود «الجدد» - أصحاء، مفتولي العضلات، وقد لوّحتهم الشمس- يصوّبون بنادقهم من وراء سواتر واقية في «الحرب الشجاعة» ضد «الغزاة العرب المعتدين». كما أننا نعرف أسماء الضباط الكبار الذين نفذوا الأوامر على الأرض، وجميعهم شخصيات معروفة في هيكل عظماء البطولة الإسرائيلية. وكثيرون منهم كانوا إلى فترة غير بعيدة أحياء يرزقون، ويؤدون أدواراً رئيسة في السياسة والمجتمع الإسرائيليين؛ أمّا الآن، فإن قلة منهم لا تزال على قيد الحياة.
    أمّا بالنسبة إلى الفلسطينيين، وكل من رفض أن يبتلع الرواية الصهيونية، فقد كان واضحاً لديهم منذ زمن بعيد، سابق لتأليف هذا الكتاب، ان هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم، وأنهم نجحوا في التهرب من العدالة، وان من الأرجح ألاّ تجري محاكمتهم على ما اقترفت أيديهم. وبالإضافة إلى هول الاقتلاع، فإن أشد ما يبعث الإحباط في نفوس الفلسطينيين هو أن الجريمة التي ارتكبها أولئك المسؤولون يستمر إنكارها تماماً، كما يستمر تجاهل معاناة الفلسطينيين منذ سنة 1948.
    منذ ثلاثين عاماً تقريباً، بدأ ضحايا التطهير العرقي إعادة تجميع مكونات الصورة التاريخية التي بذلت الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث سنة 1948 كل ما في وسعها لإخفائها وتشويهها. لقد تحدثت القصة الإسرائيلية التاريخية التي جرى تلفيقها عن «انتقال طوعي» جماعي أقدم عليه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين قرروا أن يهجروا بيوتهم وقراهم موقتاً من أجل أن يفسحوا الطريق أمام الجيوش العربية الآتية لتدمير الدولة اليهودية الوليدة. غير أن المؤرخين الفلسطينيين، وفي طليعتهم وليد الخالدي، استطاعوا في السبعينات من القرن الماضي، من خلال جمع مذكرات ووثائق أصلية تتعلق بما جرى لشعبهم، أن يستعيدوا جزءاً كبيراً من الصورة التي حاولت إسرائيل محوها. لكن سرعان ما عتّم على الحقائق المستعادة مؤلفات مثل كتاب «نشوء 1948» (Genesis 1948) لمؤلفه دان كورتسمان Dan Kurtzman والذي نُشر في سنة 1970، وأعيد نشره في سنة 1992 (هذه المرة مع مقدمة بقلم أحد منفذي التطهير العرقي في فلسطين، يتسحاق رابين، الذي كان حين كتابة المقدمة رئيساً للحكومة). إنما لم يخل الأمر من قلة ساندت المجهود الفلسطيني، مثل مايكل بالومبو Michael Palumbo، الذي أيد كتابه: النكبة الفلسطينية The Palestinian Catastrophe، الذي نشر في سنة 1987، صحة الرواية الفلسطينية لأحداث 1948، استناداً إلى وثائق الأمم المتحدة ومقابلات مع لاجئين ومعنيين فلسطينيين، كانت ذكرياتهم عما جرى لهم خلال النكبة ما زالت حية في وجدانهم.
    كان في الإمكان تحقيق اختراق سياسي في المعركة بشأن الذاكرة في فلسطين عندما ظهر في ثمانينات القرن الماضي ما يسمى في إسرائيل «التاريخ الجديد». وكانت تلك محاولة قامت بها مجموعة صغيرة من المؤرخين الإسرائيليين لمراجعة الرواية الصهيونية عن حرب 1948. وكنت واحداً منهم. لكننا، أعني المؤرخين الجدد، لم نساهم مساهمة فعالة في النضال ضد إنكار النكبة لأننا تفادينا الخوض في مسألة التطهير العرقي وركزنا على التفصيلات، كما يفعل عادة المؤرخون الدبلوماسيون. مع ذلك، نجح المؤرخون الإسرائيليون التصحيحيون، باستخدام الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية أساساً، في إظهار سخف وكذب الادعاء الإسرائيلي أن الفلسطينيين غادروا البلد «بمحض إرادتهم». واستطاع هؤلاء المؤرخون أن يوثقوا حالات كثيرة لطرد جماعي من القرى والمدن، وأن يبينوا أن القوات المسلحة اليهودية ارتكبت عدداً كبيراً من الأعمال الوحشية، بما في ذلك مجازر شنيعة.
    ومن الأشخاص المعروفين جيداً، ممن كتبوا عن الموضوع، المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس Benny Morris ولأنه اعتمد حصراً على وثائق في الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية، فإنه خلص إلى رسم صورة جزئية فقط لما جرى في الواقع، ومع ذلك كانت كافية بالنسبة إلى عدد من قرائه الإسرائيليين كي يدركوا أن «الهروب الطوعي» للفلسطينيين مجرد خرافة، وأن الصورة التي رسمها الإسرائيليون لأنفسهم، بأنهم خاضوا حرباً «أخلاقية» في سنة 1948 ضد عالم عربي «بدائي» عدائي، مجافية للحقيقة إلى حد كبير، بل من المحتمل أن تكون فقدت صدقيتها.
    كانت الصورة التي رسمها موريس جزئية لأنه صدّق من دون تمحيص ما ورد في التقارير العسكرية الإسرائيلية التي وجدها في الأرشيفات، بل اعتبره الحقيقة المطلقة. وقاده ذلك إلى تجاهل أعمال وحشية ارتكبها اليهود، مثل تلويث القناة التي تصل المياه عبرها إلى عكا بجراثيم التيفوئيد، وحالات الاغتصاب المتعددة، وعشرات المذابح. كما أنه بقي مصراً، على رغم عدم صحة ذلك، على أنه لم يحدث قبل 15 أيار (مايو) 1948 إخلاء للسكان بالقوة، بينما تظهر المصادر الفلسطينية بوضوح أن القوات الإسرائيلية كانت نجحت قبل أشهر من دخول القوات العربية فلسطين في طرد ما يقارب ربع مليون فلسطيني بالقوة، في وقت كان البريطانيون ما زالوا مسؤولين عن حفظ الأمن والنظام في البلد، وتحديداً قبل 15 أيار 1948. ولو كان موريس وغيره استخدموا مصادر عربية، أو التفتوا إلى التاريخ الشفوي، لكانوا استطاعوا - ربما - أن ينفذوا على نحو أفضل إلى التخطيط المنهجي وراء طرد الفلسطينيين في سنة 1948، وأن يقدموا وصفاً أكثر صدقاً لفداحة الجرائم التي ارتكبها الجنود الإسرائيليون.
    كان هناك حين ظهور المؤرخين الجدد، ولا يزال، حاجة تاريخية وسياسية إلى المضي إلى ما هو أبعد من مجرد السرد المقصور على الوصف الذي نجده في مؤلفات موريس وغيره، لا من أجل استكمال الصورة (أو بالأحرى جلاء نصفها الآخر) فحسب، بل أيضاً- وهذا هو الأهم - لأننا نفتقر إلى طريقة أُخرى لفهم جذور الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الراهن. وفوق ذلك كله، طبعاً، هناك الواجب الأخلاقي الذي يحتم الاستمرار في النضال ضد إنكار وقوع الجريمة. إن السعي للمضي إلى ما هو أبعد من ذلك بدأه فعلاً آخرون. وأهم عمل صدر في هذا المجال هو كتاب وليد الخالدي الفذّ All That Remains (تُرجم إلى العربية تحت عنوان: «كي لا ننسى» - المترجم)، ولا عجب في أن يكون هذا العمل هو الأهم إذا أخذنا في الاعتبار مساهمات الخالدي القيّمة في النضال ضد الإنكار الصهيوني. إنه توثيق علمي لتاريخ القرى (الفلسطينية - المترجم) المدمَّرة (وما جرى لها في سنة 1948 - المترجم)، وسيبقى دليلاً لكل من يرغب في معرفة فداحة نكبة 1948.
    قد يظن المرء أن ما تم الكشف عنه من حقائق تاريخية كاف لإثارة أسئلة مقلقة. لكن الحقيقة هي أن رواية «التاريخ الجديد» والمساهمات التاريخية الفلسطينية الحديثة فشلت في النفاذ إلى مملكة الضمير الأخلاقي، وفي دفع أصحاب الضمير الحي إلى القيام بما يتوجب عليهم فعله. وما أسعى إليه في هذا الكتاب هو تفحص آلية التطهير العرقي الذي حدث في سنة 1948، ومنظومة المعرفة التي سمحت للعالم بأن ينسى الجريمة التي اقترفتها الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في سنة 1948، ومكنت مرتكبيها من إنكارها.
    قوات صهيونية تحتل قرية قرب صفد
    بكلمات أُخرى: أريد أن أدافع عن نموذج التطهير العرق Paradigm of ethnic cleansing وأن أستعمله بدلاً من نموذج الحرب paradigm of war كأساس وموجه للبحث العلمي والنقاش العام في شأن أحداث 1948. ولا شك لديّ في أن غياب نموذج التطهير العرقي (كأداة للبحث - المترجم) يفسر جزئياً لماذا أمكن أن يستمر إنكار النكبة طوال هذه الفترة المديدة من الزمن. فعندما أنشأت الحركة الصهيونية دولتها القومية لم تخض حرباً نجم عنها «بصورة مأسوية، لكن لم يكن هناك مفر من ذلك»، طرد «أجزاء» من السكان الفلسطينيين، بل بالعكس: كان الهدف الرئيسي للحركة تطهير فلسطين بأسرها تطهيراً عرقياً شاملاً، باعتبارها البلد الذي أرادت أن تقيم دولتها فيه. وقد أرسلت الدول المجاورة جيشاً صغيراً - بالمقارنة مع قوتها العسكرية الإجمالية - في محاولة فاشلة لمنع التطهير العرقي، لكن ذلك حدث بعد أسابيع من بدء التطهير العرقي، ولم يؤد إلى وقف العمليات التي كانت جارية، والتي استمرت إلى أن أُكملت بنجاح في خريف سنة 1948.
    هذه المقاربة - اعتماد نموذج التطهير العرقي أساساً مسلَّماً به لرواية أحداث 1948 - قد تبدو للبعض، من أول نظرة، بمثابة اتهام. وهي فعلاً كذلك، من نواح عديدة. إنني شخصياً أتهم السياسيين الذين خططوا، والجنرالات الذين نفذوا الخطة، بارتكاب جريمة تطهير عرقي. ومع ذلك، فإنني عندما أذكر أسماءهم لا أفعل ذلك لأنني أريد رؤيتهم يحاكمون بعد وفاتهم، وإنما كي أستحضر مرتكبي الجرائم والضحايا بصفتهم بشراً، وكي أحول دون إرجاع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل إلى عوامل زئبقية مثل «الظروف»، «الجيش»، أو كما يقول موريس «في الحرب تجري الأمور كما في الحرب» La guerre comme la guerre، وما شابه ذلك من تعابير غامضة تسمح للدول ذات السيادة بالإفلات من تبعات ما ترتكبه من جرائم، وللأفراد بالإفلات من قبضة العدالة.
    إني أتهم، لكني أيضاً جزء من المجتمع المدان في هذا الكتاب. وأشعر بأنني جزء من الحكاية، وأيضاً أتحمل مسؤولية عما جرى. وأنا، مثل كثيرين في المجتمع الذي أنتمي إليه، مقتنع - كما سيتضح في الصفحات الأخيرة من الكتاب - بأن مثل هذه الرحلة الضرورية إلى الماضي هو الوسيلة للتقدم إلى الأمام إذا أردنا أن نصل إلى مستقبل أفضل لنا جميعاً، فلسطينيين وإسرائيليين على السواء. وهذا هو، في الجوهر، القصد من وراء هذا الكتاب.
    إن أحداً لم يجرب، على حد علمي، هذه المقاربة من قبل. فالروايتان التاريخيتان الرسميتان المتنافستان في بشأن ما حدث في فلسطين سنة 1948، تتجاهلان مفهوم التطهير العرقي. وبينما تدعي الرواية الصهيونية - الإسرائيلية أن السكان المحليين غادروا البلد «طوعاً»، يتحدث الفلسطينيون عن «النكبة» التي حلت بهم؛ وهذا أيضاً تعبير مراوغ كونه يحيل إلى الكارثة نفسها أكثر مما يحيل إلى من أوقعها، ولماذا فعل ذلك. لقد جرى تبني مصطلح «النكبة»، لأسباب مفهومة، كمحاولة لمواجهة الثقل المعنوي للهولوكست اليهودية. لكن تجاهل من أوقعها قد يكون ساهم، إلى حد ما، في استمرار العالم في إنكار أن ما جرى في فلسطين سنة 1948، وبعد ذلك، كان تطهيراً عرقياً.
    التعريف العام لمكوّنات التطهير العرقي ينطبق حرفياً، تقريباً، على حالة فلسطين. وقصة ما جرى في سنة 1948، بحد ذاتها، ليست معقدة. لكن هذا لا يجعلها تبدو، تبعاً لذلك، فصلاً مبسَّطاً، أو هامشياً، في تاريخ طرد الفلسطينيين من وطنهم. وفي الحقيقة، فإن اعتماد موشور التطهير العرقي يمكّن المرء بسهولة من اختراق عباءة التعقيدات التي يلفّع الدبلوماسيون الإسرائيليون الحقائق بها بصورة شبه غريزية، والتي يختبئ الأكاديميون الإسرائيليون تحتها، عندما يتصدون للمحاولات الخارجية لانتقاد الصهيونية، أو الدولة اليهودية بسبب سياساتها أو سلوكها. يقولون في بلدي: «الأجانب لا يفهمون، ولا يستطيعون أن يفهموا، هذه الحكاية المعقدة»، وبالتالي لا حاجة حتى إلى شرحها لهم. ويجب ألاّ نسمح لهم بالتدخل في محاولات حل النزاع، إلاّ إذا قبلوا وجهة النظر الإسرائيلية. وقصارى ما يمكن للعالم فعله، حسب ما دأبت الحكومة الإسرائيلية على القول دائماً، هو أن يُسمح «لنا»، نحن الإسرائيليين، بصفتنا ممثلين للطرف «المتحضر» و «العقلاني» في النزاع، بإيجاد حل عادل لـ «أنفسنا» وللطرف الآخر، الفلسطينيين، الذين هم في النهاية صورة مصغرة للعالم العربي «غير المتحضر» و «الانفعالي» الذي ينتمون إليه. ومنذ أن أبدت الولايات المتحدة استعدادها لتبني هذه المقاربة المشوهة والقبول بالغطرسة الكامنة وراءها، حصلنا على «عملية سلام» لم تؤد، بل لم يكن من الممكن أن تؤدي، إلى أي نتيجة، لأنها تتجاهل تماماً لب المشكلة.
    لكن قصة 1948 ليست، طبعاً، معقدة على الإطلاق، وبالتالي فإن هذا الكتاب يتوجه إلى القادمين الجدد إلى هذا الحقل، وفي الوقت نفسه إلى أولئك الذين كانوا، لأعوام كثيرة، ولأسباب متعددة، معنيين بالمسألة الفلسطينية، ويفتشون عن طريق للاقتراب من إيجاد حل لها. إنها القصة البسيطة والمرعبة لتطهير فلسطين من سكانها الأصليين، وهي جريمة ضد الإنسانية أرادت إسرائيل إنكارها وجعل العالم ينساها. إن استردادها من النسيان واجب علينا، ليس فقط من أجل كتابة تاريخ صحيح كان يجب أن يُكتب منذ فترة طويلة، أو بدافع من واجب مهني؛ إن ذلك، كما أراه، قرار أخلاقي، وبالذات الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها إذا أردنا أن نعطي المصالحة فرصة، وأن نتيح للسلام أن يحل ويتجذر في فلسطين وإسرائيل.





  7. #7
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي



    تعريفات
    وأصبح التطهير العرقي حالياً مفهوماً معرَّفاً جيداً. فمن فكرة تجريدية مرتبطة حصراً، إلى حد كبير، بالأحداث فيما كان يسمى سابقاً يوغوسلافيا، صار الآن يُعرَّف أنه جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي. وقد ذكّر أسلوب استخدام بعض الجنرالات والساسة الصرب لتعبير «التطهير العرقي» العلماء المختصين بأنهم سمعوا هذا التعبير من قبل، إذ استخدمه النازيون وحلفاؤهم في يوغسلافيا، كالميليشيات الكرواتية، في الحرب العالمية الثانية. لكن جذور الطرد الجماعي، طبعاً، ضاربة في القدم. فقد استخدم الغزاة الأجانب التعبير (أو مفردات مرادفة له)، وطبقوا مضمونه بمنهجية ضد السكان الأصليين، منذ زمن التوراة حتى زمن أوج الاستعمار.
    تعرّف موسوعة «هاتشينسون» Hutchinson «التطهير العرقي» بأنه طرد بالقوة من أجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أو أرض يقطن فيها سكان من أعراق متعددة. وهدف الطرد هو ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان، بكل الوسائل المتاحة لمرتكب الترحيل، بما في ذلك وسائل غير عنيفة، كما حدث بالنسبة إلى المسلمين في كرواتيا، الذين طردوا بعد اتفاقية ديتون في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995.
    ويحظى هذا التعريف أيضاً بقبول وزارة الخارجية الأميركية، ويضيف خبراؤها أن جزءاً من جوهر التطهير العرقي هو اقتلاع تاريخ الإقليم المعني بكل الوسائل الممكنة. والطريقة الأكثر استخداماً هي إخلاء الإقليم من السكان في سياق «أجواء تضفي شرعية على أعمال المعاقبة والانتقام». وتكون النتيجة النهائية لمثل هذا العمل خلق مشكلة لاجئين. وقد تفحصت وزارة الخارجية الأميركية بصورة خاصة ما حدث في أيار (مايو) 1999 في مدينة بيك في كوسوفو الغربية. فقد تم إخلاء هذه المدينة في غضون 24 ساعة، وهذا ما لم يكن ممكناً إنجازه إلاّ من خلال تخطيط مسبق أعقبه تنفيذ منهجي. وقد حدثت أيضاً مجازر متفرقة من أجل تسريع العملية. وما حدث في بيك في سنة 1999 حدث بالطريقة نفسها تقريباً في مئات من القرى الفلسطينية في سنة 1948.





  8. #8
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    طرق قاتلة لتهريب العمال الفلسطينيين إلى الاراضي المحتلة

    يعيش الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية الذين يعملون في إسرائيل، وخاصة في قطاع البناء ظروفا صعبة، تبدأ برحلة التوجه إلى العمل، مرورا بظروف العمل القاسية، وانتهاء بالعودة إلى بيوتهم.
    ومع تشديد إجراءات الدخول إلى إسرائيل، استحدث الفلسطينيون طرقا متعددة وقاتلة في كثير من الأحيان لتهريبهم إلى أماكن عملهم، ليدفعوا بذلك ثمنا باهظا في سبيل توفير لقمة عيش كريمة لأبنائهم.
    ويحذر ناشطون في العمل النقابي العمالي من صعوبة المرحلة القادمة على العمال الفلسطينيين وخاصة عند اكتمال بناء الجدار الفاصل، مشددين على ضرورة البحث عن بدائل لهؤلاء العمال.
    طرق التهريب
    وتعتبر مرحلة النقل من وإلى أماكن العمل، الأصعب والأخطر على حياة العمال، حيث يتم نقل غالبيتهم بسيارات غير قانونية عبر طرق التفافية وعرة وقاتلة وبسرعات جنونية، وحمولة مضاعفة لتجاوز الحواجز العسكرية ونقاط المراقبة الاحتلالية.
    وبشكل عام يتقاضى عمال البناء داخل الخط الأخضر أجرا يتراوح بين 30-50 دولارا يوميا، فيما يستغل المهربون حاجة هؤلاء العمال فيتقاضون من كل عامل نحو 20 دولارا بدل إيصاله لمكان عمله، و20 دولارا أخرى بدل إعادته.
    وخلال الأسابيع الأخيرة وقعت العديد من الحوادث المرورية المروعة، أشهرها تجاوز سائق إشارة مرورية في منطقة كريات جاد وسط إسرائيل بسرعة عالية ليتجاوز سيارات الشرطة، الأمر الذي أدى إلى مقتل ثلاثة نساء صهيونيات وإصابة أربعة عشر عاملا كانوا معه.
    الأكثر غرابة وخطورة في التنقل كما يقول أحد العمال للجزيرة نت هو استخدام خلاطات الباطون في تهريب العمال لتجاوز الحواجز الصهيونية.
    ويوضح هذا العامل الذي فضل عدم ذكر اسمه أن وشاية وصلت إلى جنود أحد الحواجز بأن أحد أرباب العمل يهرّب عمالا بواسطة خلاطة باطون، ولدى وصول هذه الخلاطة إلى الحاجز أمر الجندي السائق بتشغيلها لكنه رفض، فلما أصر الجندي على طلبه اضطر لإنزال العمال فتم اعتقالهم.
    ولا يخفي العمال قلقهم من وسائل النقل المميتة التي يستخدمونها، لكنهم يؤكدون أنه لا بديل عن هذه المخاطرة لتوفير لقمة العيش لأبنائهم، نظرا لعدم توفر فرص عمل في الأراضي المحتلة، ولتدني الأجر في حال توفر العمل حيث لا يتجاوز 20 دولارا ليوم العمل الواحد.
    ملاحقات ومحاكمات
    أمين العام لاتحاد العمال الفلسطينيين شاهر سعد قال للجزيرة نت إن نحو 38 ألف عامل فلسطيني لدى إسرائيل لا يحملون تصاريح عمل، فيما يحمل هذه التصارح فقط نحو 23 ألفا، وفي الغالب لا يحصلون على حقوقهم كاملة سواء من حيث ساعات العمل أو نظام الصحة والسلامة المهنية.
    ويضيف أن حاجة العمال وخاصة في مجال البناء دفعتهم لاختراع كثير من وسائل التهريب للوصول إلى أماكن عملهم، فبعضهم يغير شكله ليصبح على شكل حاخام أو مستوطن صهيوني، وبعضهم يستغل الخوارق الإسمنتية للجدار، وآخرون يهربون في شاحنات البضائع والثلاجات الصهيونية المغلفة، ومنهم من يستغل بعض الفتحات في الجدار الفاصل والأسلاك الشائكة، أو يستخدم الرافعات لتجاوزه.
    وأشار سعد إلى أن كثيرا من العمال تعرضوا لحوادث مرورية مروعة، والكثير منهم يضطر رغم قسوة الظروف للمبيت في مكان عمله بسبب خطورة العودة وارتفاع تكاليفها، فيبيتون تحت السيارات أو في حاويات البضائع وحاويات القمامة، أو في سيول المياه بعيدا عن عين الشرطة التي تداهم ورشات العمل بحثا عنهم.
    وتوقع سعد أن يزداد الوضع سوءا وأن تزيد نسبة البطالة في الضفة الغربية مع اكتمال بناء الجدار الفاصل على 13% في الضفة، مطالبا السلطة الفلسطينية بتوفير أماكن عمل بديلة لهم





  9. #9
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    فصول من «التطهير العرقي في فلسطين» (3 من 8)
    «الترانسفير» مصيراً لسكان القرى واختيار حيفا هدفاً أول لتهجير أهل المدن


    كتاب ايلان بابه «التطهير العرقي في فلسطين» الذي تنشر «الحياة» فصولاً منه، يكشف المسكوت عنه حول دور التطهير العرقي في إنشاء إسرائيل.
    ويدحض المؤلف الأفكار الرائجة عن ان نزوح الفلسطينيين من أرضهم يعود الى اختيار طوعي أو الى وعود الجيوش العربية بأن النازحين سيعودون ما ان تكمل عملياتها ضد ما سمي آنذاك «العصابات الصهيونية».
    تصدر الطبعة العربية من الكتاب في أواسط الشهر المقبل عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وأنجز الترجمة أحمد خليفة. والمؤلف ايلان بابه من المؤرخين الإسرائيليين الجدد وأستاذ في جامعة حيفا وناشط في مؤسسات أبحاث من اجل السلام.
    «الحياة» نشرت حلقتين، وهنا الثالثة:
    في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1947، كان عزرا دانين ونائبه يهوشواع (جوش) بالمون مختفيين عن الأنظار، وقد افتتحا اجتماع «الهيئة الاستشارية» بإخبار الحاضرين أن النخبة الحضرية الفلسطينية أخذت تترك بيوتها وتنتقل إلى مساكنها الشتوية في سورية ولبنان ومصر. وكان ذلك ردة فعل نموذجية من جانب النخب الحضرية في أوقات الأزمات - الذهاب إلى مكان آمن ريثما يهدأ الوضع. مع ذلك، فإن المؤرخين الإسرائيليين، بمن فيهم المؤرخون التصحيحيون (الجدد) مثل بِني موريس، فسروا هذا الخروج التقليدي الموقت بأنه «هروب طوعي» كي يقولوا لنا إن إسرائيل ليست مسؤولة عما آل إليه أمرهم. لكنهم عندما تركوا، كان في نيتهم العودة إلى بيوتهم لاحقاً، وما منعهم من العودة هم الإسرائيليون: إن منع الناس من العودة إلى بيوتهم بعد إقامة قصيرة في الخارج هو عملية طرد مثل أي عمل آخر موجه ضد سكان محليين بهدف طردهم.
    وأخبر دانين الحاضرين أن هذا هو المثل الوحيد الذي استطاعا اكتشافه في ما يتعلق بمغادرة فلسطينيين إلى ما وراء الحدود المعيَّنة للدولة اليهودية في قرار الأمم المتحدة، باستثناء عشائر بدوية عدة انتقلت إلى أمكنة قريبة من قرى عربية خوفاً من تعرضها لهجمات يهودية. ويبدو أن دانين كان مصاباً بخيبة أمل من جراء ذلك، لأنه طالب في الوقت نفسه باتباع سياسة أشد عنفاً بكثير، على رغم حقيقة أنه لم يكن هناك مبادرات أو نيات هجومية من ناحية الفلسطينيين. وتابع شارحاً للهيئة الاستشارية الفوائد التي ستنجم عن مثل هذه السياسة: قال له مخبروه إن أعمال عنف ضد الفلسطينيين سترعبهم، «الأمر الذي سيجعل أي مساعدة من العالم العربي غير مجدية»، وهذا ما يعني ضمناً أن القوات اليهودية سيكون في وسعها أن تفعل بهم ما تشاء.
    «ماذا تعني بأعمال عنف؟» استفسر بن - غوريون.
    «تدمير وسائط النقل (حافلات الركاب، والشاحنات التي تنقل المحاصيل الزراعية، والسيارات الخاصة)... وإغراق القوارب التي يستعملونها للصيد في يافا، وإغلاق دكاكينهم، ومنع المواد الخام من الوصول إلى مصانعهم».
    «كيف ستكون ردة فعلهم؟» سأل بن - غوريون.
    «ردة الفعل الأولية قد تكون أعمال شغب، لكنهم في نهاية المطاف سيفهمون الرسالة». وهكذا فإن الهدف الرئيسي كان ضمان أن يصبح السكان تحت رحمة الصهيونيين، كي يمكن حسم مصيرهم. ويبدو أن بن- غوريون أعجبه الاقتراح، وكتب إلى شاريت بعد ثلاثة أيام شارحاً له الفكرة العامة: إن المجتمع الفلسطيني في المنطقة اليهودية سيكون «تحت رحمتنا»، وسيكون في استطاعة اليهود أن يفعلوا بهم ما يشاؤون، بما في ذلك «تجويعهم حتى الموت».
    وكان يهودي سوري آخر، إلياهو ساسون، هو من حاول، إلى حد ما، أن يقوم بدور محامي الشيطان في الهيئة الاستشارية، وبدا أن لديه شكوكاً تجاه المقاربة الشديدة العداء التي كان دانين وبالمون يشرحانها. كان هاجر إلى فلسطين سنة 1927، وربما كان الشخص الأكثر إثارة للفضول، وأيضاً الأكثر تناقضاً، في الهيئة الاستشارية، ففي سنة 1919، قبل أن يصبح صهيونياً، انضم إلى الحركة القومية العربية في سورية. وكان دوره الرئيسي في الأربعينات من القرن الماضي هو التحريض على اتباع سياسة «فرِّقْ تَسُدْ» داخل المجتمع الفلسطيني، وأيضاً في الدول العربية المجاورة. لكن محاولاته زرع الشقاق بين المجموعات الفلسطينية لم تبق لها أهمية بعد أن اتجهت القيادة الصهيونية نحو تطهير عرقي شامل لفلسطين بأسرها.
    وكان اجتماع 10 كانون الأول آخر اجتماع يقوم فيه ساسون بمحاولة لإقناع زملائه بأنه على رغم الحاجة إلى «خطة شاملة» كما سمّاها - أي اقتلاع السكان الفلسطينيين - فإن من الفطنة عدم اعتبار جميع السكان العرب أعداء، والاستمرار في استخدام تكتيكات «فرِّق تَسُدْ». وكان فخوراً جداً بدوره، في الثلاثينات، في تسليح المجموعات الفلسطينية المسماة «عصابات السلام»، والتي كانت مكوَّنة من خصوم الزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني. وقد قاتلت هذه الوحدات ضد التشكيلات [المسلحة] الوطنية الفلسطينية خلال الثورة العربية. وأراد ساسون الآن استخدام تكتيكات «فرِّق تَسُدْ» لتجنيد عشائر بدوية موالية.
    نشاطات مبكرة
    لم ترفض الهيئة الاستشارية فكرة استيعاب مزيد من المتعاونين «العرب» فحسب، بل ذهبت إلى حد اقتراح التخلي عن فكرة «الرد الانتقامي» بكاملها، وأيد معظم المشاركين في الاجتماع «الانهماك» في حملة تخويف منهجية. ووافق بن - غوريون، وشُرع في تطبيق السياسة الجديدة في اليوم التالي للاجتماع.
    كانت الخطوة الأولى حملة تهديدات منسقة جيداً. فكانت وحدات خاصة تابعة للهاغاناه تدخل القرى بحثاً عن «المتسللين» (إقرأ: «متطوعين عرباً») وتوزع منشورات تحذر السكان المحليين من التعاون مع جيش الإنقاذ. وكانت أي مقاومة لهذه التعديات تنتهي في العادة بإطلاق القوات اليهودية النار عشوائياً وقتل عدد من القرويين. وكانت الهاغاناه تسمي هذه الغارات «الاستطلاع العنيف» (هَـ - سِيور هَأَليم). والفكرة في الجوهر هي دخول قرية غير محصنة قبيل منتصف الليل، والبقاء فيها بضع ساعات، وإطلاق النار على كل من يجرؤ أو تجرؤ على مغادرة البيت، ومن ثم المغادرة. عمل القصد منه إظهار القوة أكثر مما كان عملاً تأديبياً، أو هجوماً انتقامياً.
    في كانون الأول 1947، اختيرت قريتان غير محصنتين: دير أيوب وبيت عفّا. وإذا ما سُقْتَ اليوم سيارتك في اتجاه الجنوب الشرقي من مدينة الرملة وقطعت مسافة قدرها نحو 15 كم، خصوصاً في يوم شتائي عندما تخضرّ شجيرات الرَّتَم الشائكة الصفراء عادة، والتي تغطي سهول فلسطين الداخلية، فإنك ستصادف منظراً غريباً، صفوفاً طويلة من الأنقاض والحجارة في حقل مكشوف تحيط بساحة مربعة متخيّلة كبيرة نسبياً؛ إنها أنقاض السياجات الحجرية لدير أيوب، وبينها أنقاض سور حجري منخفض بُني سنة 1947 لأسباب جمالية أكثر منه لحماية القرية، التي كان يقطن فيها نحو 500 نسمة. وكان سكان هذه القرية في معظمهم من المسلمين، ويعيشون في بيوت حجرية أو طينية على شاكلة البيوت المنتشرة في المنطقة. وكانوا قبل الهجوم اليهودي مباشرة يحتفلون بافتتاح مدرسة جديدة تسجل فيها عدد لا يستهان به من التلاميذ، 51 تلميذاً، وتحقق كل ذلك بفضل الأموال التي جمعوها من بعضهم البعض، والتي كانت كافية أيضاً لدفع راتب المعلم. لكن ابتهاجهم سرعان ما تبدد عندما دخلت سرية مؤلفة من عشرين جندياً يهودياً القرية - التي كانت، مثل كثير من القرى في ذلك الوقت، لا تمتلك أية آلية للدفاع - وشرعوا في إطلاق النار عشوائياً على البيوت. وقد هوجمت القرية لاحقاً ثلاث مرات قبل أن يجرى إخلاؤها بالقوة في نيسان (أبريل) 1948، ومن ثم تدميرها كلياً. وقامت القوات اليهودية بهجوم مشابه في كانون الأول على بيت عفّا في قطاع غزة، لكن سكانها تمكنوا من صد الهجوم.
    وتبع ذلك كله عمليات تدمير في مناطق محدودة في أماكن متفرقة من أرياف فلسطين ومدنها. واتسمت النشاطات في الريف في البداية بالتردد. اختيرت ثلاث قرى في الجليل الأعلى الشرقي: الخصاص والناعمة وجاحولا، لكن العملية أُلغيت، ربما لأن القيادة العليا اعتقدت أنها طموحة أكثر من اللازم. غير أن قائد البالماح في الشمال، يغآل ألون، تجاهل الإلغاء جزئياً، وأراد أن يجرب مهاجمة قرية واحدة على الأقل، واختار الخصاص.
    كانت الخصاص قرية صغيرة يقطن فيها بضع مئات من المسلمين ومئة مسيحي، يعيشون بسلام معاً في موقع طوبوغرافي فريد في القسم الشمالي من سهل الحولة، على مصطبة طبيعية عرضها نحو مئة متر، نجمت قبل آلاف السنين عن التقلص المتدرج لبحيرة الحولة. وكان الرحالة الأجانب يخصّون هذه القرية بالذكر لجمال موقعها الطبيعي على ضفاف البحيرة، ولقربها من نهر الحاصباني. هاجمت القوات اليهودية القرية في 18 كانون الأول 1947، وشرعت في نسف البيوت في سواد الليل، بينما كان سكانها يغطون في النوم. فقُتل جراء ذلك خمسة عشر قروياً، بمن فيهم خمسة أطفال. وأصاب الحدث مراسل «نيويورك تايمز»، الذي كان يتابع الأحداث عن كثب، بالصدمة. وذهب إلى قيادة الهاغاناه مطالباً بتفسير ما جرى. وأنكرت هذه في البداية وقوع العملية، لكن، عندما أصر المراسل على طلبه، اضطرت في النهاية إلى الاعتراف، وأصدر بن - غوريون اعتذاراً علنياً درامياً، مدعياً أن العملية لم يكن مصادقاً عليها. لكن بعد أشهر، في نيسان، أدرجها في قائمة العمليات الناجحة.
    عندما اجتمعت اللجنة الهيئة الاستشارية يوم الأربعاء 17 كانون الأول ، انضم إليها يوحنان راتنر وفريتس آيزنشتاتر (عيشت)، وهما ضابطان كان بن - غوريون عيّنهما لوضع «استراتيجيا قومية» قبل أن يبتكر الهيئة الاستشارية. وتوسع المجتمعون في مناقشة ما يمكن استخلاصه من عملية الخصاص الناجحة، وطالب بعضهم بمزيد من العمليات «الانتقامية» يشتمل على تدمير قرى، وطرد سكان، وإحلال مستوطنين يهود محلهم. وفي اليوم التالي لخص بن - غوريون ما جرى في الاجتماع أمام لجنة الدفاع، وهي الهيئة الرسمية الأوسع التابعة للمجتمع اليهودي، والمسؤولة عن شؤون الدفاع. ويبدو أن الجميع اهتزوا طرباً لدى سماعهم ما قيل لهم، بمن في ذلك ممثل حزب اليهود المتدينين المتعصبين، أغودات يسرائيل، الذي قال: «لقد بُلّغنا أن لدى الجيش القدرة على تدمير قرية كاملة وطرد سكانها جميعاً؛ هيا، لنفعل ذلك!» وأقرت اللجنة تعيين ضباط استخبارات لكل عملية مشابهة. وسيكون لهؤلاء دور حاسم في تنفيذ المراحل التالية للتطهير العرقي.
    استهدفت السياسة الجديدة أيضاً الأماكن الحضرية في فلسطين، واختيرت حيفا لتكون الهدف الأول. ومن المثير للاهتمام أن هذه المدينة اختيرت من جانب المؤرخين الإسرائيليين المنتمين إلى التيار المركزي ومن جانب المؤرخ التصحيحي بِني موريس كمثال لوجود نية حسنة صهيونية صادقة تجاه السكان المحليين. أمّا الحقيقة فكانت في نهاية سنة 1947 أبعد ما تكون عن ذلك. فمنذ اليوم التالي لتبني الأمم المتحدة قرار التقسيم، تعرض الـ75.000 فلسطيني في المدينة لحملة إرهابية اشتركت في شنها الإرغون والهاغاناه. ولمّا كان المستوطنون اليهود جاؤوا المدينة في العقود المتأخرة، فإنهم بنوا مساكنهم في أعالي الجبل، وبالتالي فإنهم كانوا يقطنون، من ناحية طوبوغرافية، فوق الأحياء العربية، وكان في استطاعتهم أن يقصفوها ويقتنصوا سكانها بسهولة. وشرعوا في ذلك مراراً وتكراراً منذ أوائل كانون الأول. كما استخدموا وسائل أُخرى لإرهاب السكان: كانت القوات اليهودية تدحرج براميل مملوءة بالمتفجرات وكريات حديدية ضخمة في اتجاه المناطق السكنية العربية، وتصب نفطاً ممزوجاً بالبنزين على الطرقات وتشعله. وعندما كان السكان الفلسطينيون المذعورون يخرجون من بيوتهم راكضين بغية إطفاء تلك الأنهار المشتعلة، كان اليهود يحصدونهم بالمدافع الرشاشة. وفي المناطق التي كان فيها عرب ويهود ما زالوا يتعاملون مع بعضهم البعض، كانت الهاغاناه تُحضر إلى الكاراجات الفلسطينية سيارات بحجة إصلاحها، مملوءة بالمتفجرات وأدوات التفجير، ومن ثم تفجرها فتنشر الموت والفوضى. وكانت تقوم بهذا النوع من الهجمات وحدة خاصة تابعة للهاغاناه، هَشَاحَر («الفجر»)، مكونة من «مستعربين»؛ أي يهود متنكرين كفلسطينيين. وكان العقل المدبر لهذه الهجمات شخص يدعى داني أغمون، كان يرئس وحدات «الفجر». ويلخص المؤرخ الرسمي للبالماخ، في موقعه في شبكة الإنترنت، ما جرى آنذاك على النحو التالي: «كان الفلسطينيون [في حيفا] يعيشون منذ كانون الأول تحت وطأة حصار وتخويف.» لكن الأسوأ سيأتي لاحقاً.
    وقد وضع اندلاع العنف المبكر نهاية حزينة لتاريخ طويل نسبياً من التعاون والتضامن بين العمال في مدينة حيفا المختلطة، وكان الوعي الطبقي جرى كبحه في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي من جانب القيادة القومية لكل من الطرفين، خصوصاً من جانب اتحاد العمال اليهودي، لكنه ظل يحفز العمال على القيام بنشاطات مطلبية مشتركة ضد أرباب العمل ويحملهم على التعاون في أوقات الانكماش الاقتصادي والشدة.





  10. #10
    مراقبة الأقسام العامة
    أمـــة الله غير متواجد حالياً
    رقم العضوية : 15
    تاريخ التسجيل : 1 - 10 - 2007
    الدين : الإسلام
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 14,900
    شكراً و أعجبني للمشاركة
    التقييم : 10
    معدل تقييم المستوى : 31

    افتراضي


    أدت الهجمات اليهودية في المدينة إلى تفاقم التوتر في منطقة كان العمال اليهود والعرب يعملون فيها جنباً إلى جنب: في منشآت مصفاة شركة نفط العراق في منطقة خليج حيفا. وبدأ الأمر بإلقاء زمرة تابعة للإرغون قنبلة على مجموعة كبيرة من الفلسطينيين كانت في انتظار الدخول إلى المنشآت. وادعت الإرغون أن ذلك كان رداً انتقامياً على هجوم سابق قام به عمال عرب على زملاء لهم يهود. وكانت تلك ظاهرة جديدة في موقع صناعي كان العمال العرب واليهود معتادين فيه العمل المشترك من أجل الحصول من مستخدميهم البريطانيين على شروط عمل أفضل. لكن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة ألحق ضرراً جدياً بالتضامن الطبقي، وبدأت التوترات تتفاقم. وكان إلقاء القنابل وسط التجمعات العربية من اختصاصات الإرغون، وفعلت ذلك مراراً قبل سنة 1947. إلاّ إن هذا الهجوم بالتحديد جرى بالتنسيق مع قوات الهاغاناه كجزء من مخطط جديد لإلقاء الرعب في قلوب سكان حيفا ودفعهم إلى الهروب من المدينة. وخلال ساعات، رد العمال الفلسطينيون على الهجوم بأعمال شغب، وقتلوا عدداً كبيراً من العمال اليهود - 39 شخصاً - في واحدة من أسوأ الهجمات الفلسطينية المضادة، وكانت آخرها، لأن سلسلة الاشتباكات المعتادة المكوّنة من فعل وردة فعل توقفت بعد ذلك.
    أمّا اللجنة القومية في حيفا، التابعة للفلسطينيين، فقد ظلت تناشد البريطانيين مرة بعد أُخرى [التدخل لحمايتهم - المترجم]، مفترضة، خطأً، أنه نظراً إلى كون حيفا آخر محطة في عملية الجلاء البريطاني، فإن في استطاعتها الاعتماد على حماية البريطانيين، على الأقل إلى أن يرحلوا. وعندما لم يحدث ذلك، بدأ أعضاء اللجنة القومية يبعثون برسائل يائسة إلى أعضاء الهيئة العربية العليا داخل فلسطين وخارجها، طالبين النصح والمساعدة. ووصلت مجموعة صغيرة من المتطوعين إلى المدينة في كانون الثاني ، لكن بعض الأعيان وقادة المجتمع كان أدرك وقتها أن مصيره حُسم في لحظة تبني الأمم المتحدة قرار التقسيم: الطرد على يد جيرانهم اليهود. هؤلاء الجيران الذين كانوا هم أنفسهم من دعاهم في البداية، في الفترة العثمانية، إلى المجيء والبقاء معهم، فوصلوا بائسين ومفلسين من أوروبا، وشاركوهم العيش في مدينة كوزموبوليتانية مزدهرة - إلى أن صدر قرار التقسيم المشؤوم.
    على هذه الخلفية يجب أن يتذكر المرء خروج نخبة حيفا البالغ عدد أفرادها نحو 15.000 شخص، وكثيرون منهم تجار ناجحون أدى خروجهم في ذلك الوقت إلى تعطيل التجارة والأعمال، ووضع عبء إضافي على كاهل الشرائح الفقيرة في المدينة.
    «هذا ليس كافياً»، صرح يوسف فايتس قائلاً عندما اجتمعت الهيئة الاستشارية يوم الأربعاء، في 31 كانون الأول 1947، قبل ساعات قليلة فقط من مذبحة بلد الشيخ. واقترح علانية ما كان سجّله سراً في يومياته أوائل الأربعينات: «أليس الآن هو الوقت الملائم للتخلص منهم؟ لماذا نستمر في ترك هذه الأشواك بيننا وهي خطر علينا؟» وبدت ردات الفعل الانتقامية، في نظره، طريقة قديمة للتعامل مع الوضع لأنها لا تتضمن الهدف الرئيسي المتمثل في مهاجمة القرى واحتلالها. وكان فايتس عُيّن عضواً في الهيئة الاستشارية لأنه كان رئيس دائرة الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي، ولأنه كان في الهيئة أدى دوراً حاسماً في توضيح أفكار «الترانسفير» الغامضة لأصدقائه وترجمتها إلى سياسة فعلية. وقد شعر بأن النقاش الجاري فيشأن المستقبل يفتقر إلى غاية، إلى توجه كان رسم معالمه في الثلاثينات والأربعينات.
    «الترانسفير»، كتب في سنة 1940، «لا يخدم هدفاً واحداً فحسب - تقليل عدد السكان العرب - بل يخدم أيضاً غرضاً ثانياً لا يقل أهمية عن الأول، وهو إخلاء الأرض التي يزرعها العرب حالياً وتحريرها من أجل الاستيطان اليهودي.» ومن ثم، خلص إلى القول: «الحل الوحيد هو ترحيل العرب من هنا إلى الدول المجاورة. يجب ألاّ نترك حتى قرية واحدة أو عشيرة واحدة.»
    وكانت تلك الجلسة الوحيدة للهيئة الاستشارية التي يتوافر لدينا محضر لها، (موجود في أرشيف الهاغاناه). وأعد فايتس من أجل هذه «الحلقة الدراسية الطويلة» مذكرة موجهة إلى بن - غوريون شخصياً، حضّ فيها الزعيم على المصادقة على خططه لترحيل السكان الفلسطينيين عن المناطق التي أراد اليهود احتلالها، وعلى جعل الأعمال المتصلة بذلك «حجر الأساس للسياسة الصهيونية.» ومن الواضح أنه كان يشعر بأن المرحلة «النظرية» في ما يتعلق بخطط «الترانسفير» انتهت، وحان أوان تطبيق الأفكار. وفي الواقع، غادر فايتس الحلقة الدراسية الطويلة وفي حيازته إذن بإنشاء زمرة صغيرة تابعة له تحت اسم «لجنة الترانسفير»، وأتى إلى الاجتماع التالي حاملاً خططاً فعلية.
    في الحقيقة لم يكن هناك معارضة تستحق الذكر، وهذا ما يجعل الحلقة الدراسية الطويلة جلسة محورية بالغة الأهمية. فنقطة الانطلاق التي تقبلها الجميع، كانت أن التطهير العرقي ضروري. أمّا بقية المسائل، أو بالأحرى المشكلات، فكانت ذات طبيعة سيكولوجية أو لوجستية. فالأيديولوجيون مثل فايتس، والمستشرقون مثل ماخنس، والجنرالات مثل ألون، شكوا من أن جنودهم لم يستوعبوا بعد، كما يجب، الأوامر السابقة التي صدرت إليهم بتوسيع العمليات إلى ما هو أبعد من الأعمال الانتقامية المعتادة. والمشكلة الرئيسة، في نظرهم، كانت أن الجنود بدوا عاجزين عن التخلي عن الأساليب القديمة في الردود الانتقامية. «إنهم ما زالوا ينسفون بيتاً هنا وبيتاً هناك»، اشتكى غاد ماخنس، زميل دانين وبالمون، الذي أصبح، ويا للعجب، المدير العام لوزارة الأقليات الإسرائيلية في سنة 1949 (إذ بدا، على الأقل، وهذه نقطة في مصلحته، كأنه شعر بشيء من الندم على سلوكه في سنة 1948، واعترف صراحة في سنة 1960 بأنه «لولا الاستعدادات [العسكرية الصهيونية] المكشوفة ذات الطبيعة الاستفزازية، لكان من الممكن تفادي الانزلاق إلى الحرب [في سنة 1948]»). لكن وقتئذ، في كانون الثاني 1948، بدا نافد الصبر من كون القوات اليهودية ما زالت منهمكة في البحث عن «أفراد مذنبين» في هذا المكان أو ذاك، بدلاً من إلحاق الضرر في شكل فعال.
    شرح ألون وبالمون لزملائهما التوجه الجديد: هناك ضرورة لسياسة أكثر شراسة في المناطق التي ظلت «هادئة فترة أطول من اللازم.» ولم يكن ثمة حاجة إلى إقناع بن - غوريون، إذ أعطى في نهاية الحلقة الدراسية الطويلة الضوء الأخضر للقيام بسلسلة كاملة من الهجمات الاستفزازية والفتاكة على قرى عربية، بعضها كردود انتقامية، وبعضها الآخر غير ذلك. والقصد هو التسبب بأقصى ما يمكن من الأضرار وقتل أكثر ما يمكن من القرويين. وعندما سمع أن المراحل الأولى المقترحة لتنفيذ السياسة الجديدة كانت جميعها في الشمال، طلب القيام بعمل تجريبي في الجنوب أيضاً، على أن يكون محدداً، لا عاماً. وهنا تكشّف بن - غوريون فجأة عن أنه كاتب حسابات حقود. فقد حضّت على القيام بهجوم على مدينة بئر السبع، والسعي بصورة خاصة الى قتل نائب المحافظ، الحاج سلامة بن سعيد، وشقيقه، اللذين رفضا في الماضي التعاون مع الخطط الصهيونية للاستيطان في المنطقة. وشدد بن - غوريون على أنه لم يعد هناك ضرورة للتمييز بين «البريء» و«المذنب»، إذ حان الوقت لإلحاق أذى مصاحب ( collateral). وتذكّر دانين بعد أعوام أن بن - غوريون شرح معنى «أذى مصاحب» بقوله: «كل هجوم يجب أن ينتهي باحتلال، ودمار، وطرد».
    أمّا بالنسبة إلى المزاج «المحافظ» السائد في صفوف جنود الهاغاناه، فقد أوضح يغئيل يادين، رئيس هيئة أركان الهاغاناه - وبعد 15 أيار 1948 رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي - أن الوسيلة للتقدم [في حل هذه المشكلة - المترجم] تكمن في تبني مصطلحات جديدة صريحة، وفي تلقين عقائدي أشد قسوة. وكان نائبه، يغآل ألون، أكثر نزوعاً إلى الانتقاد. فقد انتقد الهيئة الاستشارية بصورة غير مباشرة لأنها لم تصدر أوامر صريحة بالقيام بهجوم شامل في بداية كانون الأول. «لقد كان في استطاعتنا وقتها أن نحتل يافا بسهولة، وكان يجب أن نهاجم القرى الموجودة حول تل أبيب. يجب أن نقوم بسلسلة من العقوبات الجماعية حتى لو كان هناك أطفال يعيشون في البيوت [المهاجمة].» وعندما حاول إلياهو ساسون، بمساعدة رؤوفين شيلواح، أحد مساعديه (لاحقاً شخصية بارزة في حقل الاستشراق الإسرائيلي)، أن يلفت الانتباه إلى أن الاستفزاز من شأنه أن ينفّر الفلسطينيين المسالمين، أو الذين يكنون الود لليهود، أجابه ألون بنفاد صبر قائلاً: «الدعوة إلى السلام ستكون ضَعْفاً!» وأبدى موشيه دايان آراء مشابهة، واستبعد بن - غوريون أي محاولة للتوصل إلى اتفاق في يافا، أو في أي مكان آخر.
    كان غياب جهة واضحة منسِّقة مصدر قلق للعسكريين في الهيئة الاستشارية. وذُكر أن قوات متحمسة تهاجم أحياناً قرى في مناطق ترغب القيادة العليا موقتاً في تجنب حدوث استفزازات فيها. ونوقشت في الحلقة الدراسية الطويلة حادثة معينة جرت في حي روميما في القدس الغربية. وكانت تلك المنطقة في المدينة هادئة جداً إلى أن قرر قائد محلي في الهاغاناه أن يرعب الفلسطينيين في الحي بحجة أن صاحب محطة وقود هناك كان يشجع قرويين على مهاجمة السيارات اليهودية المارة. وعندما قتل الجنود صاحب المحطة، ردت قريته، لفتا، بهجوم على حافلة ركاب يهودية. وأضاف ساسون أنه اتضح أن التهمة كانت كاذبة. لكن هجوم الهاغاناه هذا كان فاتحة لسلسلة من الهجمات ضد قرى فلسطينية واقعة على المنحدرات الغربية لجبال القدس، وموجهة بصورة خاصة ضد قرية لفتا التي، حتى بشهادة استخبارات الهاغاناه، لم يحدث أن هاجمت أي قافلة على الإطلاق.
    قرية لفتا، كانت واحدة من أوائل القرى التي تعرضت للتطهير العرقي. وكانت [في زمن بعيد - المترجم] مكان إقامة قاسم أحمد، قائد ثورة 1834 ضد حكم إبراهيم باشا المصري، والتي يعتبرها بعض المؤرخين أول ثورة وطنية فلسطينية. وكانت القرية مثالاً رائعاً للهندسة المعمارية الريفية، بشوارعها الضيقة المتوازية مع منحدرات الجبل. وقد تجلى ازدهارها النسبي، مثل كثير من القرى الأُخرى، خصوصاً في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، في تشييد بيوت جديدة، وتحسين الطرقات والأرصفة، بالإضافة إلى مستوى معيشي أعلى. وكانت لفتا قرية كبيرة، يقطن فيها 2500 نسمة، معظمهم مسلمون، وعدد قليل منهم مسيحيون. وكان من مظاهر رخائها المستجد مدرسة للبنات تعاون عدد من القرى على تمويل بنائها في سنة 1945.
    كانت الحياة الاجتماعية في لفتا تدور حول مركز تجاري، اشتمل على ناد ومقهيين. وكان يجذب إليه المقدسيين أيضاً. وكان أحد المقهيين هدفاً للهاغاناه عندما شنت هجومها في 28 كانون الأول 1947. وقد أمطر اليهود المسلحون بالرشاشات المقهى بالرصاص، بينما أوقف أفراد من عصابة شتيرن حافلة ركاب بالقرب من المكان وبدأوا إطلاق النار عليها عشوائياً. وكانت تلك أول عملية لعصابة شتيرن في الريف الفلسطيني.
    كانت هذه هي النتيجة النهائية للحلقة الدراسية الطويلة. فمع أن القيادة الصهيونية اعترفت بضرورة أن تكون الحملة منسقة وخاضعة للإشراف، إلاّ إنها قررت تحويل كل مبادرة غير مصادق عليها إلى جزء عضوي من الخطة، مانحة إياها مباركتها بعد وقوعها.





 

صفحة 12 من 20 الأولىالأولى ... 28910111213141516 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مجلة التاريخ الصهيوني / باللغتين العربية و الإنجليزية
    بواسطة نور القلب في المنتدى المكتبة الإسلامية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 2009-06-13, 07:44 AM
  2. وثيقة تاريخية بخط السلطان عبد الحميد الثاني
    بواسطة صفاء في المنتدى منتدى التاريخ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 2008-05-18, 09:43 PM
  3. الهولوكست وجذورها
    بواسطة ذو الفقار في المنتدى ثمار النصرانية
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 2008-03-29, 07:57 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML