قال ابن قتيبة: " الصورة ليست بأعجب من اليدين, والأصابع, والعين, وإنما وقع الإلف لتلك؛ لمجيئها في القرآن, ووقعت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن, ونحن نؤمن بالجميع, ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " ....تأويل مختلف الحديث .. ( ص221).

( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى الآية 11.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص الآية 4.

(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) مريم الآية 65.

(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) طه الآية 110.

فنحن لا نتخيل صورة أوهيئة أو شكلاً معيناً لله جل وعلا ، لأنه لا يحيط به عقل ولا يتخيله ذهن، فهو أعظم من الكل ، فمهما تخيلت عظمته فهو أعظم ، فكيف يمكن ان ترسم صورة لمن ليس لمثله شيء ومالم تحيط به علماً ؟!!

كيف يمكن أن تتصور علم الله وأنت لا تعلم كيفيته وحدوده ، كيف يمكن أن ترسم صورة لقدرته وكيف وكيف وكيف لكل صفاته ؟

أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، نؤمن بها ولا نطلب كيفيتها ولم نؤمر بأن نبحث عن الكيف فكما نؤمن أن لله يد ونحن لا نعلم كيفيتها ، ونؤمن بأن الله يستوي على العرش ولا نعلم كيفية الإستواء ، ونؤمن أن لله ساق ولا نعرف هيئتها .. كذلك نؤمن بأن الله يأتي في صورة تلو الأخرى ولا نعرف كيفيتها وهيئتها ولا يمكن أن نعرف ذلك في حياتنا الدنيا إذا لم يثبت أن أحد قد رأى الله في الدنيا حتى الأنبياء ومنهم موسى عليه السلام حين تجلى له الله ، ومحمد صلى الله عليه وسلم في إسراءه .

قال بن القيم رحمه الله " وكذلك قولنا في وجْهِه تبارك وتعالى ويديه وسمعه وبصره وكلامهواستوائهولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفاتوحقائقها كما لم يمنع ذلك من أثبت لله شيئا من صفات الكمال من فهم معنى الصفةوتحقيقها فإن من أثبت له سبحانه السمع والبصر أثبتهما حقيقة وفهم معناهما فهكذاسائر صفاته المقدسة يجب أن تجري هذا الْمَجْرَى ،وإن كان لا سبيل لنا إلىمعرفة كنهها وكيفيتها فإن الله سبحانه لم يكلف عباده بذلك ، ولا أراده منهم ، ولم يجعللهم إليه سبيلا ، بل كثير من مخلوقاته أو أكثرها لم يجعل لهم سبيلا إلى معرفة كنههوكيفيته ، وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دانٍ قد حُجِب عنهم معرفة كنههاوكيفيتها ، وجعل لهم السبيل إلى معرفتها والتمييز بينها وبين أرواح البهائم . وقدأخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار فقَامَتْ حقائق ذلك في قلوبأهل الإيمان وشاهدته عقولهم ولم يعرِفُوا كيفيته وكنهه ، فلا يشك المسلمون أن في الجنةأنهارا من خمر وأنهارا من عسل وأنهارا من لبن ، ولكن لا يعرفون كُنه ذلك ومادتهوكيفيته ، إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمر إلا ما اعتصر من الأعناب ، والعسل إلا ماقَذَفَتْ به النحل في بيوتها ، واللبن إلا ما خرج من الضروع ، والحرير إلا ما خرج من فَمِ دُودالقـزّ ، وقد فهموا معاني ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثلا لما في الدنيا ، كما قالابن عباس : ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء . ولم يمنعهم عدم النظير في الدنيامن فَهْمِ ما أُخبِروا به من ذلك ، فهكذا الأسماء والصفات لم يمنعهم انتفاء نظيرها فيالدنيا ومثالها من فهم حقائقها ومعانيها ، بل قام بِقُلوبهم معرفة حقائقها وانتفاءالتمثيل والتشبيه عنها ، وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثةمواضع من القرآن ." انتهى . الصواعق المرسلة على الجهميةوالمعطلة 2/426