وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً ، وهو إما باطل أو قليل النفع ، وهو أيضاً مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع ، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم ؛ حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم من الكلام أو الجدال والخلاف أو الفروع النادرة أو التقليد الذي لا يحتاج إليه أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها ، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة ، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله .

فلا بد في مثل هذه المسألة من التفصيل ، والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين ، والله سبحانه أعلم ([1]).
فإذا فرغ من حفظ القرآن أو حفظ ما تيسر فيشتغل بالعلوم الشرعية([2]) مبتدئاً بالأهم فالأهم ، فالعلم كثير والعمر قصير فليأخذ المسلم من العلم أنفعه ، وقد قال بعضهم :


ما أكثر العلم وما أوسعه ! *** من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالبـاً *** محاولاً فالتمـس أنفعــه([3])


وقال ابن معطي في مقدمة ألفيته :

وبَعدُ فالعلمُ جليلُ القـدْرِ *** وفي قليلهِ نفـاذُ العُمْــرِ
فابدأ بما هو الأَهمُ فالأهـم *** فالحازمُ البادي فيما يُستتم
فإنَّ مَنْ يُتقن بعضَ الفـنِ *** يُضْطَرُ للباقي ولا يَستغْـني


ويقدم أصول المسائل التي يحتاج إليها في عباداته وتتكرر على غيرها مما لا يتكرر ولا يحتاج إلى أدائه فيشرع بحفظ كتاب الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – فقد بين فيه – ما يجب تعلمه على كل مسلم ومسلمة من أصول العلم ومهمات المسائل ، فلا يسع مسلماً جهل ما في هذا الكتاب ، ثم يشرع بحفظ كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – ففيه بيان لجميع أنواع التوحيد ، وأكثر أبوابه في توحيد الإلهية ؛ لأنه الأصل الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب .

ويطالع بعض شروحه كتيسير العزيز الحميد للشيخ العلامة سليمان بن عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمهم الله – وكتاب فتح المجيد للشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ .

ويحفظ العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ففيها بيان لمعتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات . والإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به من المسائل ، وبعد ذلك الإيمان بالقدر وما يتعلق به . ثم بين – رحمه الله – حقيقة الإيمان وحكم أصحاب الكبائر ومعتقد أهل السنة في أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم بين بعد ذلك معتقد أهل السنة في كرامات الأولياء ، ثم ختم العقيدة في بعض صفات أهل السنة والجماعة






-----------------------------------

([1]) الفتاوى ( 23/54-55) .

([2])ولا مانع من الاشتغال بحفظ القرآن وحفظ متن أو متنين في آن واحد ، فالناس يتفاوتون في قوة الحافظة والذاكرة . فمن الناس من تختلط عليه المعلومات إذا شرع في حفظ متنين جميعاً فضلاً عمـا زاد ، ومن الناس من لا يؤثر عليه ذلك فليجتهد كل امرىء على قدر طاقته ولا يضيع وقـته .

([3])جامع بيان العلم وفضله (1/437) .




يتبع ....