الــهــجــوم عــلــى الــوثــنــيـّـة :

كان معظم أباطرة القرن الخامس صغار السن جدا على نحو ملحوظ ـــ و هي نتيجة حتميّة لخلط فكرة الملكية الوراثيّة بمبدأ أن العنف آداة مشروعة في السّـياسة .

قام الأباطرة الصّغار الضّعاف العقول الذين يقضون يومهم في البلاط الغاص بمكياجات الوجه و الباروكات ـــ مع أسقف يقف عند أذانهم ـــ بإستعراض " مهاراتهم العسكرية العالية" عن طريق إصدار مراسيم تقطر حقدا و أنتقاما بصورة متنامية ضد الهراطقة و المتشككين. وفي وقت كان فيه تجديد الفيالق أكثر إلحاحا كانت أجهزة الكنيسة / الدولة تكـرّس جهدها أكثر من أي وقت مضى لإضطهاد و تعقب بني شعبها نفسه .
الأسقف أمبروس , على وجه الخصوص , " أرشد " ما لا يقل عن أربعة أباطرة , وجميعهم كانوا من المتواطئين في تفتيت الإمبراطورية الغربية . و حيث انهم كانوا يعملون بدون كلل ( و لكن بترف ) في مثل القضية الملحة حول ما إذا كان المسيح هو الرب بالفعل أو حول كيف أن العذرية فضيلة, فإن الضرائب أغرقت الأقاليم في الفقر , وأصبحت المرتبات لا تدفع إلى الجنود , و صارت غارات البرابرة لا تجد من يردعها.

طوال القرنين الرابع و الخامس صبت ثروات لا حدود لها في خزائن الكنيسة ــ و إن كان المستخلص من عائدات الضرائب أخذ في التضائل , في الواقع , بسبب هروب المواطنين من المدن لتجنب جباة الضرائب الجشعين .
ولقد كثـّـف " منجم الذهب هذا " و شدد من الإقتتال الشرس الذي مـيـّز المسيحية دائما ـــ الكاثوليك ضد الآريوسيين , أتباع دوناتوس ضد الأرثوذكس , الإسكندرية ضد القسطنطينية , ميلان ضد روما . و في كل بلاط إمبراطوري ــ و منها الكثير الآن ــ كانت هناك شلّة من الأساقفة , و وصيـّات من النساء و خصيان يتنافسون فيما بينهم بشدة على السيطرة و السلطة .
إن المسيحية , و هي بعيدة كل البعد عن توحيد العالم الروماني في إيمان واحد , أتت بالإنقسامات و النزاعات الأهلية في كل الإمبراطورية . فيما زاد هيجان التعصب و عدم التساهل والتسامح أكثر و أكثر بما كان يصدر من رسائل بابوية متزايدة في صرامتها .

تم التجريم مرارا و تكرارا للديانات الوثنية و " الفلسفات " ( أي التفكير العقلاني و العلمي ) مع أقسى أنواع العقوبات . و إن تكرار التشريع نفسه يعطينا دليلا في حد ذاته على أن سكان الإمبراطورية كانوا يجلبون بالركل و الصراخ إلى كنيسة المسيح .

و مع ذلك فكل إجراء تم تصميمه لسحق و إخماد أي معتقد غير مسيحي كان يقابل بمقاومة متجددة و استياء من قضية الإمبراطورية و إضطرابات مدنية . و مع مرور الوقت , سوف يفضل الكثيرون حكم الملوك البرابرة المتسامح على حكم المراهقين المتعصبين في ميلان , أو رافينا أو القسطنطينية .

إن حملة القضاء على أفكار الهراطقة بلغت ذروتها مع حكم ثيوديسيوس الأول في اواخر القرن الرابع . بعد ذلك بأقل من عقد زمني واحد سقطت مدينة روما في يد البرابرة . لقد أنهك الدين المسيحي الطفيلي جسد معيله . و الآن حيث ماتت الإمبراطورية الغربية , فقد أنتقل المرض العقلي " الإيمان المسيحي " إلى القادمين الجدد .