ما يسمّى بالتوحيد المسيحي

يدّعي النصارى دوماً أنهم يؤمنون بإله واحد لا شريك له و يسارعون دوماً لنفي تهمة الشرك عن أنفسهم فيقولون نحن نؤمن بإله واحد لا شريك له و يستدلون على إثبات ذلك ببعض نصوص الكتاب المقدس كما جاء مثلاً في سفر التثنية ((اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد )) أو ما جاء في سفر إشعياء ((هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود، أنا الأول والآخر ولا إله غيري )). و بالرغم من دعوى إيمانهم بإله واحد إلا أنهم يعتقدون أنه مثلث الأقانيم ( جوهر واحد مثلث الأقانيم أو إله واحد مثلث الأقانيم ) .

جاء في كتاب ( وحدانية الثالوث في المسيحية و الإسلام ) لاسكندر جديد صفحة 6 و 7

(( بيد أن المسيحية تؤمن بأن وحدانية الله جامعة ، أي أن الله ذو ثلاثة أقانيم : الآب و الابن و الروح القدس ، و هؤلاء الثلاثة هم إله واحد و جوهر واحد .
و لا يعني المسيحيون بتعدد الأقانيم أن الله ثلاثة جواهر ، لأن لفظ أقنوم لا يعني جوهر . فالمراد هنا بالجوهر الذات الواحدة ، أي أنه الوحدة اللاهوتية . و المراد بالأقنوم واحد من الآب و الابن و الروح القدس . و مع ذلك فكلمة أقنوم ( كسائر الألفاظ البشرية ) قاصرة عن إيضاح حقيقة إلهية ، هي أن الله ثالوث في الأقنومية واحد في الجوهر ))

و تعريف الأقنوم كما جاء في كتاب ( مائة سؤال و جواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية ) للأنبا بيشوي صفحة 12

(( السؤال الأول : ما معنى كلمة أقنوم؟
كلمة أقنوم باليونانية هى هيبوستاسيس ، وهى مكونة من من مقطعين:
هيبو وتعنى تحت ، وستاسيس وتعنى قائم أو واقف
وبهذا فإن كلمة هيبوستاسيس تعنى تحت القائم ولاهوتياً معناها ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة .
والأقنوم هو كائن حقيقي له شخصيته الخاصة به وله إرادة
ولكنه واحد في الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير انفصال
))


أو هو كما عرفه عوض سمعان في كتابه ( الله ذاته و نوع وحدانيته ) صفحة 123 (( هي كلمة سريانية يطلقها السريان على كل من يتميز عن سواه شرط أن لا يكون مما شخّص أو له ظل ))

طبعاً و مما لا شك فيه أن تغيير المسميات لا يغير الحقائق ، فهم و إن زعموا الإيمان بإله واحد إلا أن حقيقة قولهم هي الإيمان بثلاثة آلهة فالعبرة بالحقائق لا بالمسميات و هذا ما سنثبته في هذه المناقشة العلمية .

التفنيد الأول :

جاء في بداية قانون الإيمان النيقاوي ما يلي :

((نؤمن بإله واحد
الآب ضابط الكل
وخالق السماء والأرض
وكل ما يرى وما لا يرى
))



إذا كما هو واضح فهذا النص يثبت الإيمان بإله واحد هو الآب و هو خالق السموات و الأرض و كل ما يرى و ما لا يرى .

إذن نستخلص من هذا أن الآب إله كامل .

بعد هذا النص مباشرة نتفاجئ بإثبات إلهين أحدهما من الأخر و ذلك بالقول

((نؤمن برب واحد يسوع المسيح
ابن الله الوحيد . المولود من الآب قبل كل الدهور
إله من إله نور من نور. إله حق من إله حق
مولود غير مخلوق
مساوي الآب في الجوهر
))


فالنص يقول و بكل وضوح أن الابن إله أيضاً ، بل هو إله من إله و هذا تصريح بالإيمان بإلهين أحدهما من الأخر .

إذن نستخلص من هذا أن الابن إله كامل .

و باقي القانون يثبت إلهاً ثالثاً و ذلك بالقول

((ونؤمن بالروح القدس .. الرب المحيي.. المنبثق من الآب
ومع الآب والابن.. يسجد له ويمجد الناطق بالأنبياء
))


فالروح القدس أيضاً إله كامل كما دل النص .

الخلاصة هي أن الآب إله كامل و الابن إله كامل و الروح القدس إله كامل ،فهذا تصريح بإثبات ثلاثة آلهة و لكن مع هذا يتناقض النصارى و يقولون بعد ذلك نؤمن بإله واحد فقط و هذا جمع بين النقيضين و الجمع بينهما ممتنع مما يضطرهم إلى تبرير هذا التناقض بالقول أن الثالوث سر لا يدركه العقل كما سيأتي بيانه مفصلاً إن شاء الله .

و هنا في هذا المقام لا بد لي من نقل كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية
قال رحمه الله تعالى (( الوجه السابع أن أمانتكم التي وضعها أكابركم بحضرة قسطنطين وهي عقيدة إيمانكم التي جعلتموها أصل دينكم تناقض ما تدعونه من أن الإله واحد وتبين أنكم تقولون لمن يناظركم خلاف ما تعتقدونه .
وهذان أمران معروفان في دينكم تناقضكم وإظهاركم في المناظرة بخلاف ما تقولونه من أصل دينكم.......)) إلى أن قال
(( ففي هذه الأمانة التي جعلتموها أصل دينكم ذكر الإيمان بثلاثة أشياء : بإله واحد خالق السماوات والأرض خالق ما يرى وما لا يرى فهذا هو رب العالمين الذي لا إله غيره ولا رب سواه وهو إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسائر الأنبياء والمرسلين وهو الذي دعت جميع الرسل إلى عبادته وحده لا شريك له ونهوا أن يعبد غيره كما قال الله تعالى

(( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ))
و
(( وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون))
ثم قلتم وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو الأب في الجوهر فصرحتم بالإيمان مع خالق السماوات والأرض برب واحد مخلوق مساو الأب ابن الله الوحيد وقلتم هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه .
وهذا تصريح بالإيمان بإلهين أحدهما من الآخر وعلم الله القائم به أو كلامه أو حكمته القائمة به الذي سميتموه ابناً ولم يسم أحد من الرسل صفة الله ابناً ليس هو إله حق من إله حق بل إله واحد وهذا صفة الإله وصفة الإله ليست بإله كما أن قدرته وسمعه وبصره وسائر صفاته ليس بآلهة ولأن الإله واحد وصفاته متعددة والإله ذات متصفة بالصفات قائمة بنفسها والصفة قائمة بالموصوف ولأنكم سميتم الإله جوهراً وقلتم هو القائم بنفسه والصفة ليست جوهراً قائماً بنفسه .
وهم في هذه الأمانة قد جعلوا الله والداً وهو الأب ومولوداً وهو الابن وجعلوه مساوياً له في الجوهر وقد نزه الله نفسه عن الأنواع الثلاثة فقالوا مولود غير مخلوق مساو الأب في الجوهر فصرحوا بأنه مساو له في الجوهر والمساوِي ليس هو المساوي
ولا يساوي الأب في الجوهر إلا جوهر فوجب أن يكون الابن جوهرا ثانياً وروح القدس جوهراً ثالثا كما سيأتي
وهذا تصريح بإثبات ثلاثة جواهر وثلاثة آلهة ويقولون مع ذلك إنما نثبت جوهرا واحدا وإلها واحدا وهذا جمع بين النقيضين فهو حقيقة قولهم يجمعون بين جعل الآلهة واحدا وإثبات ثلاثة آلهة وبين إثبات جوهر واحد وبين إثباته ثلاثة جواهر وقد نزه الله نفسه عن ذلك بقوله
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
فنزه نفسه أن يلد كما يقولون هو الأب وأن يولد كما يقولون هو الابن وأن يكون له كفوا أحد كما يقولون إن له من يساويه في الجوهر
وإذا قلتم نحن نقول أحدي الذات ثلاثي الصفات قيل لكم قد صرحتم بإثبات إله حق من إله حق وبأنه مساو للأب في الجوهر وهذا تصريح بإثبات جوهر ثاني لا بصفة فجمعتم بين القولين بين إثبات ثلاثة جواهر وبين دعوى إثبات جوهر واحد ))

الجواب الصحيح الجزء 3 صفحة 230 و 231

و حتى لا يظن أحد أننا نفهم قانون الإيمان بفهمنا الخاص دعونا ننقل لكم كلام حامي الإيمان القدّيس أثناسيوس كما جاء في القانون الأثناسي .

(( و هكذا الآب إله ، و الابن إله ، و الروح القدس إله و لكن ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد ))
وحدانية الثالوث في المسيحية و الإسلام لاسكندر جديد صفحة 10

فهذا الكلام متناقض كما قلنا مسبقاً ففيه تصريح بإثبات ثلاثة آلهة و هي الآب و الابن و الروح القدس و لكن مع ذلك يقولون إنما نثبت إلهاً واحداً فقط و هذا لا شك جمع بين النقيضين و الجمع بينهما ممتنع مما أحال النصارى إلى القول أن هذه العقيدة فوق العقل و الحقيقة أنها مناقضة للعقل و ضده كما بينّا آنفاً لجمعها بين النقيضين .

و لمزيد من التأكيد على أن قول النصارى ( الآب إله و الابن إله و الروح القدس إله ) هو اعتراف صريح بإثبات ثلاثة آلهة دعونا نرى إقرار عوض سمعان بأن هذا القول منكر لأنه يؤدي إلى الإيمان بثلاثة آلهة

(( الاعتراض
7- كيف يكون الآب إلهاً و الابن إلهاً و الروح القدس إلهاً ، ويكونون إلهاً واحداً ؟ و كيف يكونون واحداً و لكل منهم عمل خاص ؟ و إذا كان جوهرهم واحداً فلماذا يكونون ثلاثة ؟ألا يكونون في هذه الحالة متميزين و غير متميزين ؟ و أليس بقولنا إن الله ثلاثة قد اعتبرناه مركباً ، و كل مركب قابل للتجزئة مع أنه حاشا لله أن يكون مركباً أو قابلاً للتجزئة ؟
الرد
أ‌- إننا لا نؤمن أن الآب إله ، و الابن إله ،و الروح القدس إله حتى يجوز الاعتراض بأننا نؤمن بثلاثة آلهة . بل نؤمن بأن الآب هو الله و الابن هو الله و الروح القدس هو الله ، لأن جوهر كل منهم و هو اللاهوت واحد و وحيد و لهذا السبب عينه فإن الله أيضاً هو الآب و الابن و الروح القدس ، و أن الآب و الابن و الروح القدس هم الله))
الكتاب : الله وحدانية ثالوثه و ثالوث وحدانيته صفحة 125

هل لاحظت التخبط و التناقض يا زميل بين القولين
فالقول الأول يقول كما نقلنا عن القديس أثناسيوس ((و هكذا الآب إله ، و الابن إله ، و الروح القدس إله و لكن ليسوا ثلاثة آلهة بل إله واحد ))

و لكننا نجد في القول الثاني إنكاراً للقول الأول لأنه يتضمن اثباتاً صريحاً للإيمان بثلاثة آلهة فلاحظ قوله و بكل صراحة ((إننا لا نؤمن أن الآب إله ، و الابن إله ،و الروح القدس إله حتى يجوز الاعتراض بأننا نؤمن بثلاثة آلهة ))

فلازم قوله أنهم لو قالوا بهذا القول لجاز الوصف أنهم يؤمنون بثلاثة آلهة ، و بما أننا علمنا تمام العلم أن النصارى تقول هذا القول كما أثبتنا هذا من قانون الإيمان و من القانون الأثناسي تبين لنا أنهم يؤمنون بثلاثة آلهة و إن ادّعوا باطلاً و بهتاناً إيمانهم بإله واحد و كما قلنا فإن تغيير المسميات لا يغير الحقائق ، و إلا فإن كلامهم تؤول حقيقته إلى التناقض لأنه عبارة عن جمع بين النقيضين و الجمع بينهما ممتنع كما قلنا مراراً ً .

و حتى نؤكد للجميع أن حجة الجمع بين النقيضين هي للخروج من مأزق الإيمان بثلاثة آلهة دعونا نسأل الزميل هذا السؤال المهم :

بما أنكم تؤمنون بأن :
الآب إله و الابن إله و الروح القدس إله كما نقلنا آنفاً من قانون الإيمان و من القانون الأثناسي .

و بما أنكم أيضاً تؤمنون بأن الآب أقنوم و الابن أقنوم و الروح القدس أقنوم فلم فرقتم بين الاثنين فقلتم عن القول الأول إله واحد و عن القول الثاني ثلاثة أقانيم ؟؟؟؟

الآب = إله كامل = أقنوم
الابن = إله كامل = أقنوم
الروح القدس = إله كامل = أقنوم

و مع هذا هم ليسوا ثلاثة آلهة حسب زعم أثناسيوس و لكنهم في نفس الوقت ثلاثة أقانيم .فلم نجمع الأقانيم فقط و لا نجمع الآلهة ؟؟؟؟؟؟؟ ألا يدل الكلام السابق على أن لفظ الأقنوم مرادف للإله ؟؟؟؟؟ فهل يجوز أن نقول إله واحد مثلث الأقانيم و لا نقول إله واحد مثلث الآلهة ؟؟؟؟؟؟

لا شك السبب معروف لأصحاب الفطر السليمة . فمجرد الاعتراف بالإيمان بثلاثة آلهة هو اعتراف بنفي التوحيد . فهم ينفون الثلاثة آلهة لفظاً و يعتقدونها حقيقةً .

جاء في كتاب (علم اللاهوت بحسب معتقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ) للقمص ميخائيل مينا صفحة 171

(( و من ثم قولنا عن الله أنه واحد بهذا المعنى لا ينفي القول بوجود ثلاثة أقانيم فيه لأن الثلاثة أقانيم ليسوا ثلاثة آلهة متفاوتة متباعدة بل إلهاً واحداً . نعم لو قلنا أن الله إله واحد و أنه ثلاثة آلهة لكان في ذلك تناقض و لكننا لم نقل هكذا مطلقاً بل نقول إنه واحد في الجوهر و ثلاثة في الأقانيم كما ورد في كتابه الإلهي ))