مساحة اعلامية ام نافذة للتنصير؟

محمود المصري

الأربعاء 20 يناير 2010

ظهرت منذ فترة ليست بالقريبة دعوات من قبل النصارى و العلمانيين تدعو لافساح المجال " لشركاء الوطن " فى الاعلام الحكومى تحت ذرائع شتى منها دعوى المساواة بين المواطنين او محاولة نشر التسامح بين طوائف المجتمع , ولا ادرى كيف يعقل اصلا ان يتم السماح للاقليات ان تدعو لدينها فى الاعلام الحكومى الموجه بالاساس لشعب اغلبيته الساحقة مسلمة , الا اذا كان الهدف هو هذه الاغلبية المسلمة وليس الاقليات النصرانية, كما ان مبدأ اعطاء المجال لاصحاب العقائد المنحرفة والبدع لنشر ضلالهم و بدعهم على الناس امر غير مقبول لا عقلا ولا شرعا ويهدد الامن والسلم الاجتماعيين , فكيف ندعهم يعيثون فى عقائد الناس فسادا بل ونعينهم على ذلك ايضا؟
ولا ادل على ذلك من الحوار الاخير الذى اجراه محمود سعد مع الانبا بيشوى فى برنامج البيت بيتك , وقبل ان نتناول ما قاله بيشوى يجب الا نتجاهل ما تفوه به الجهول المجهال محمود سعد , فالرجل استضاف شخصا للحديث فى موضوع يجهل كل صغيرة وكبيرة عنه , فه لا يتمتع بأدنى معرفة او ثقافة بالنصرانية وربما بالاسلام ايضا , وغاب عنه الهدف من هذا الحوار , فهو يقول فى بدايته انها فقرة مسيحية للمواطن المسيحى ثم يقول انها لتصحيح ما سماه ببعض المفاهيم المغلوطة لدى المسلمين عن الدين المسيحى , ثم اثناء الحوار تنتابه حالة تسامح حادة دفعته خلال اللقاء لمحاولة اظهار الاسلام والنصرانية كأنهما مذهبين لدين واحد , بل وقبول كل تفسير يقدمه الانبا بيشوى للنصوص الاسلامية , وهذه الازمة المركبة من الجهل العميق والمصحوبة بحالة التسامح الحادة سمحت للانبا بيشوى ان يسرح ويمرح كيفما يشاء , ويحرف الكلم عن مواضعه ويزور التاريخ ويتحايل فى عرض عقيدته , ولا ندرى ما العلاقة بين توجيه فقرة دينية للمواطن النصرانى بالاستشهاد بالقران لاثبات الثالوث والوهية المسيح ونحو ذلك مما يتم تدريسه فى الكلية الإكليريكية قسم اللاهوت الدفاعى , اللهم الا اذا كان الهدف هو تنصير الجمهور المسلم من خلال الاعلام الحكومى .
ثم اذا تم السماح للانبا بيشوى بالتبشير فلماذا لا يتم استضافة شخص متمكن لكى يرد عليه اكاذيبه ويبين كذبه وبهتانه ؟ او حتى يتم استضافة يوسف زيدان للرد على ما قاله الانبا بيشوى بخصوص روايته عزازيل , فهذا ما يقتضيه المنطق ومبدأ كفالة حق الرد , ثم بناءا على هذا المبدأ لماذا لا يتم استضافة الانبا ماكسيموس هو الاخر لكى يعرض عقيدته ومبادئه على جمهوره الذى يربو على النصف مليون مواطن ؟ ام ان حرية العقيدة واتاحة المساحة الاعلامية لا تنطبق على هذه الحالة ؟
وقد تحدث الرجل فى لقائه بالمدعو محمود سعد فى موضوعين اساسيين اولهما التسامح المسيحى مع المخالفين وثانيهما الثالوث , ففى الموضوع الاول بعد ان استعرض عدة ايات من العهد الجديد تحض على التسامح بدأ بعرض لحادثة هدم معبد السرابيوم بصورة وردية تصور الامر وكأنه مثال حى للتسامح المسيحى على مر العصور , وقبل ان نذكر الملابسات الحقيقية لهذه الحادثة يجب التوضيح ان البابا ثاوفيلوس - الذى ادعى بيشوى انه اراد ان يعلم الوثنيين المحبة والتسامح فى المسيحية - كان خصما عنيفا للديانات المخالفة وحتى للمذاهب المسيحية الاخرى , وبمجرد وصوله لمنصب البطريك فى عام 385 م بدأ حملة واسعة لتدمير معابد غير المسيحيين فى شمال افريقيا وبموافقة من الامبراطور ثيودوسيوس الاول , منها معابد سيرابيس وديونيسيوس وميثرا , ومحا كل اثر لهذه المعابد الوثنية , واستخدم حجارة هذه المعابد لبناء كنائس جديدة . كما انه تزعم ، فى سياق اضطهاده للرهبان الأوريجانوسيين Origenist monks ـ نسبة لأوريجانوس ـ ، قواتاً لتخريب اديرة هؤلاء الرهبان فى الصحراء . (1)
اما بالنسبة لحادثة هدم معبد السرابيوم فيذكر أنه بينما كانت تجرى عملية الاعداد لإرساء القواعد لبناء كنيسة ضخمة Basilica إذ عُثر على كهف يحوى بقايا قرابين آدمية Human sacrifices . فاستغل البطريرك ثاوفيلس Theophilus هذا الاكتشاف لإطلاق مسيرة فى شوارع الإسكندرية تهزأ بتماثيل دور العبادة القديمة وهو عمل يمثل اساءة رمزية بالغة لدرجة اثارة اعمال عنف من قبل حشود من الوثنيين . وعندما قام جند الإمبراطور بدفع الحشود للخلف تراجعت الحشود الى باحات معبد السيرابيوم وكان الجند مأمورون بالسيطرة على المعبد وخلال هذا الهجوم قام احد الجنود بتشويه احد التماثيل وهو ما أشعل فتيل عملية تحطيم واسعة للتماثيل وهدم امتدت رحاها للمدينة بأكملها وبلغت ذروتها عندما تمت عملية تقطيع أوصال التمثال الاكبر Chryselephantine للمعبود سيرابيس Serapis المكسو بالذهب والعاج واظهاره للعيان . (2)
ولم تكن هذه الواقعة فردية ولا منعزلة عن السياق العام بل كانت فى اطار منهجى منظم يستهدف استئصال شأفة الديانات والعقائد المخالفة للمسيحية , فعلاوة على ما تقدم
قام الأرشمندريت شنودة وكان رئيس أحد الأديرة ـ الدير الأبيض ـ بموضع يسمى " إتريب " بصعيد مصر ، وتعتبره الكنيسة القبطية الأرثوزكسية أحد قداديسها ، بشن حملات Crusades خلال الفترة المتأخرة من العقد الاخير من القرن الرابع على معابد منطقة إتريب وأجوارها (2) ، ويذكر موقع معهد ’’ ييل ‘ لعلم المصريات Yale Egyptological Institute in Egypt أن شنودة كان مناهضا للديانة المصرية الوثنية التقليدية بالقول والفعل فى منطقة سوهاج وأخميم واُغلق الكثير من المعابد الوثنية وقُوِّضت فى عهده ، وأن بعض مواد البناء الخاصة بتلك المعابد التى تم تحطيمها أُعيد استخدامها فى انشاء كنيسة دير شنودة ولذا تجد بعض الكتل الحجرية التى أدمجت فى البناء منقوشة بمشاهد دينية غير مسيحية و نصوص هيروغليفية .
وكانت الاسكندرية نفسها خلال بداية القرن الخامس مسرح لعديد من مظاهر العنف والمصادمات وكثير من مظاهر العنف هذه كانت بإيعاز من الأسقف كيرلس Bishop Cyril ( sed. 412 – 44 ) ومن هذه المظاهر على سبيل المثال فى عام 415 وحده نجد : طرد اليهود واحراق دور العبادة الخاصة بهم واعدام الفيلسوفة هيباتيا Hypatia على الملأ وتقطيع اوصالها ، ولقد أدت هجرة الكثير من العلماء على إثر هذه الاحداث الى بدء تقهقر وتراجع الاسكندرية كمركز رئيس للعلم والمعرفة فى العالم القديم . (2) (3)
كما قامت أخوية مسيحية متطرفة تسمى " فيلوبونوى " Philoponoi عام 484 م والتى حظيت بمباركة الأسقف وقتها وبصحبة الرهبان بتدمير محل لطقوس الشفاء healing cult الخاصة بالمعبودة إيزيس بمدينة مينوزيس Menouthis . وكان هؤلاء الرهبان , من دير إناتون بمنطقة الدخيلة على الطريق الساحلى ما بين الاسكندرية الى مرسى مطروح , قد أثبتوا جدارة فى التغلب على شياطين تماثيل آلهة المصريين مستعينين فى ذلك بانشاد الترانيم على القوى الكامنة فى تلك التماثيل .(2)

ولكن بمهارة فى تزوير الحقائق وبمساعدة جهل محمود سعد نجح الانبا بيشوى فى ان يخفى حقيقة الممارسات المسيحية العدوانية تجاه المخالفين لهم , وبنفس الاسلوب تناول الانبا بيشوى مسألة التوحيد والتثليث , والاشكال فى هذه المسألة انهم يحاولون الجمع بين الكثرة والوحدانية المطلقة , وهذا امر محال , فلا يمكن الجمع بينهما الا عند القول بالتراكب ، أى جمع الكثرة فى وحدة مركبة ، والتراكب يقتضى حتما الحدوث وهذا غير مقبول فى حق الله , وما ضربه من امثلة لتقريب الفكرة من نحو اللهب والنور والدفء هو خلط بين العَرَض ( الصفة ) والعين القائمة بذاتها, فالدفء عرض قائم باللهب مثله مثل النور , اما فى حالة الثالوث فالنصارى مجمعون على ان الاقانيم أو الاشخاص persons الثلاثة كل منها عين قائم بذاته Hypostasis or entity , وحتى لو اعرض الانبا بيشوى عن ذكر هذا الأمر فان عقيدتهم تؤكد على ذلك , بل وتؤكد ايضا تمايزهم عن بعضهم البعض , فكل من هذه الاقانيم الثلاثة متصف بصفات ذاتية وفعلية لا يتصف بها الاقنومين الآخرين , فالابن مولود غير منبثق والروح القدس منبثق غير مولود والاب لا مولود ولا منبثق , اما على صعيد الصفات الفعلية فالابن تجسد دون الاب والروح القدس والروح القدس نزلت على هيئة جسمية مثل حمامة – حسب اعتقادهم – دون الاب والابن , وبالتالى فهم ثلاثة اعيان مختلفة مجموعهم يساوى الله عندهم, فالمثل الاقرب لمعتقدهم ليس هو اللهب بأعراضه القائمة به من نور وحرارة انما ، لو صح ان نقول ، مثل السرير والدولاب والمنضدة فهى ثلاثة اعيان منفصلة من جوهر ( مادة خام ) واحد وهو الخشب وكلها تكون غرفة نوم واحدة .
وعلاوة على ذلك فقد تعمد الانبا بيشوى الخلط فى عرض المعتقد ووصف الله بما لا يليق وتأويل القران .

لكن دعونا نذكر أولا أن لفظ الثالوث وعقيدة الثالوث الصريحة لم يردا فى العهد الجديد كذا ما قصد المسيح ولا اتباعه ابدا أن ينقضوا وصية العهد القديم " اسمع يا اسرائيل الرب الهنا رب واحد " ( التثنية 6 : 4 ) الا ان ورود الفاظ الاب والابن والروح فى العهد الجديد كان ذريعة لنشوء عقيدة التثليث .
نشأت عقيدة الثالوث تدريجيا عبر القرون ومن خلال الكثير من الجدل وفى البداية يبدو انه كان ثمة وجهتان للنظر الاولى تقول بأن الأقانيم الثلاثة متمايزة distinct لكن على حساب التساوى فى الجوهر ومن ثم الوحدانية وهو ما يسمى بمذهب الـ Subordinationism والاخرى تقول بالتساوى فى الجوهر لكن على حساب التمايز فتجعل من الاب والابن والروح مظاهر للإله يعلن بها عن نفسه دون كونها متمايزة فى ذاته ويسمى بمذهب الـ Modalsim ولم يكن حتى القرن الرابع أن تبلورت عقيدة الثالوث كما نعرفها الان فجعلت الأقانيم الثلاثة متساوية فى الجوهر ومتمايزة فيما بينها حتى اذا كان مجمع نقية 325 م نصوا على ان الابن من جوهر الاب مثلما أن هذه الخرقة من ذاك الثوب على سبيل المثال
ولم يُذكر كثيرا فى شأن الروح وأخذ أثناسيوس بطريرك الاسكندرية يدافع عن صيغة مجمع نقية ويهذبها فلما كانت نهايات القرن الرابع أخذت عقيدة الثالوث تحت زعامة كل من باسيليوس القيصرى و غريغوريوس النيصى و غريغوريوس النَزَيَنْزِى الشكل التى عرفت به منذ ذلك الوقت وحتى الوقت الحاضر .
دائرة المعارف البريطانية , مادة الثالوث Trinity, 2007


وقد ابدع الاباء الكبادوكيين الثلاثة السالف ذكرهم فى وصف حقيقة معتقد النصارى حين قالوا " ان الاب والابن والروح القدس يشتركون فى الجوهر ousia الالهى كما يشترك بطرس ويعقوب ويوحنا فى الطبيعة او الجوهر الآدمى " وهو ما يعكس المصدرية الأفلاطونية لهذا النمط من الفكر (4)
ولم تكن عقيدة التثليث كما بلورها الاباء الكبادوكيين هى اول محاولات التوفيق بين الوحدانية والتعدد , فقد ظهر قبلها نمط من الفكر يعرف بـ Pluriform monotheism ومفاده أن آلهة " البانثيون " ( مجمع الآلهة ) ودون أن تفقد تمايزها واستقلاليتها ، هى من جوهر واحد (5)
ومما يثير الاستغراب ان حالة التسامح الحادة التى كان يعانى منها محمود سعد طوال الحوار لم تمس الانبا بيشوى مطلقا , فالرجل متمتع بحصانة ذاتية قوية تجاهها , فعندما كان يحاول محمود سعد ان يظهر نقاط مشتركة بين الاسلام والمسيحية دأب الانبا بيشوى على تجاهله , فهو لا يهدف الى التوفيق بقدر ما يهدف الى اثبات صحة عقيدته وايصال فكرته الى الجمهور المسلم , وهنا تكمن المشكلة , فبينما يظن الساذج محمود سعد انه يجب ان نقرب المسافات لكى نضفى روح من التسامح المتبادل فان الطرف الاخر له هدف آخر أيضا , وعليه فاعطاء مساحة لهم هو امر فى غاية الخطورة الا اذا كنا سنعطى مساحة للرد عليهم وبيان بطلان معتقدهم .
-----------------------------------------
(1)
"Theophilus of Alexandria, Saint." Encyclop?dia Britannica from Encyclop?dia Britannica 2007 Ultimate Reference Suite. ( 2009).
(2)
Cambridge History of Christianity , Vol. II , Ps , 183 – 186
(3)
"Hypatia." Encyclop?dia Britannica from Encyclop?dia Britannica 2007 Ultimate Reference Suite. ( 2009).

(4) Britannica Encyclopedia , Christiantiy , Christian philosophy , emergence of official doctrine , 2007
Christ was said to have two natures, one of which was of the same nature (homoousios) as the Father, whereas the other was of the same nature as humanity; and the Trinity was said to consist of one ousia in three hypostases. The Platonic origin of this conceptuality is clear in the explanation of the Cappadocian Fathers that the Father, Son, and Holy Spirit share the same divine ousia in the way Peter, James, and John shared the same humanity.
(5)
"monotheism." Encyclop?dia Britannica from Encyclop?dia Britannica 2007 Ultimate Reference Suite. ( 2009).


http://www.tanseerel.com/main/articl...rticle_no=2870

lshpm hughldm hl kht`m ggjkwdv? v]h ugn H;h`df hgHkfh fda,n ugn hgjgt.d,k h