خلق الكون

مضت قرون والناس يبحثون عن إجابة للسؤال التالي: ''كيف نشأ الكون؟''· فقد قُدمت على مدار التاريخ آلاف النماذج لنشأة الكون ووُضعت آلاف النظريات· ومع ذلك، يتبين من استعراض هذه النظريات أنها جميعًا تقوم في جوهرها على أحد نموذجين مختلفين· يدور النموذج الأول حول فكرة الكون اللامحدود الذي لا بداية له، وهو ما لم يعد له أي أساس علمي في حين يدور النموذج الثاني حول فكرة نشأة الكون من العدم، وهو ما يعترف به المجتمع العلمي حاليا بوصفه ''النموذج المعياري "، لقد دافع النموذج الأول، الذي ثبت عدم قدرته على الصمود، عن الافتراض القائل بأن الكون قد وجد منذ وقت غير محدد وسيظل موجوداً على حالته الراهنة إلى ما لا نهاية· ولقد تكونت فكرة الكون اللامحدود هذه في اليونان القديمة، ووصلت إلى العالم الغربي نتيجة للفلسفة المادية التي انتعشت في عصر النهضة ذلك أن جوهر عصر النهضة يكمن في إعادة البحث في أعمال المفكرين اليونانيين القدماء ومن ثم، نُفض الغبار عن رفوف التاريخ وأُخذت منها الفلسفة المادية وفكرة الكون اللامحدود - التي تدافع عنها هذه الفلسفة - بسبب اهتمامات فلسفية وأيديولوجية، وقدمت للناس وكأنها حقائق علمية وقد اعتنق هذه الفكرة بحماس فلاسفة ماديون من أمثال كارل ماركس وفردريك إنجلز، لأنها أعدت أساسا متينا ظاهريا لأيديولوجياتهم المادية، الأمر الذي لعب دورا مهما في تقديم هذا النموذج إلى القرن العشرين.

ووفقا لنموذج ''الكون اللامحدود'' الذي حظي بقبول كبير خلال النصف الأول من القرن العشرين، فإنه ليس للكون بداية ولا نهاية، كما أن الكون لم ينشأ من العدم، ولن يفنى أبداً ووفقا لهذه النظرية، التي شكلت أيضا أساس الفلسفة المادية، يتسم الكون بتركيب سكوني ولكن فيما بعد، كشفت نتائج البحوث العلمية أن هذه النظرية خاطئة وغير علمية على الإطلاق فالكون لم يوجد بدون بداية؛ بل كانت له بداية كما أنه نشأ من العدم ولطالما كانت فكرة الكون اللامحدود، أي الذي ليس له بداية، نقطة بداية للزندقة والأيديولوجيات التي ترتكب خطأ إنكار وجود الله جل جلاله ذلك أن أصحاب هذه الأيديولوجيات يعتقدون أنه إذا لم يكن للكون بداية، فلن يكون له خالق أيضاً ولكن سرعان ما كشف العلم بأدلة دامغة أن حجج الماديين هذه باطلة وأن الكون قد بدأ بانفجار يعرف بالانفجار العظيمBig Bang وكان لنشأة الكون من العدم معنى واحد فقط: ''الخلق''، أي أن الله القوي خلق الكون كله لقد كان الفلكي البريطاني الشهير، سير فريد هويلSir Fred Hoyle من بين أولئك الذين أزعجتهم هذه الحقيقة فقد قبل هويل تمدد الكون في نظرية ''الحالة المستقرة'' التي قدمها، ولكنه رأى أن الكون لامحدود في مداه وليست له بداية ولا نهاية ووفقا لهذا النموذج، كلما تمدد الكون، نشأت المادة تلقائياً وبالكميات المطلوبة وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرية، التي قامت على فرضيات غير علمية على الإطلاق، وتطورت بسبب الاهتمام بشيء واحد فقط هو دعم فكرة ''الكون اللامحدود الذي ليس له بداية أو نهاية''، ناقضت بشكل مباشر نظرية الانفجار العظيم، التي ثبت علمياً من خلال عدد كبير من الملاحظات أنها أقرب إلى الواقع· وظل هويل وآخرون يقاومون هذه الفكرة ولكن جميع التطورات العلمية كانت تعمل ضدهم تمدد الكون وحقيقة الانفجار العظيم لقد تحققت خطوات كبيرة في مجال علم الفلك خلال القرن العشرين أولا، اكتشف الفيزيائي الروسي ألكسندر فريدمانAlexandre Friedmann في سنة 1922 أن الكون لا يتسم بتركيب سكوني وانطلاقا من نظرية النسبية التي قدمها اينشتاين ، بينت حسابات فريدمان أنه حتى النبضة الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى تمدد الكون أو انكماشه وكان جورج لومترGeorges Lemaître، أحد أشهر الفلكيين البلجيكيين، أول من أدرك أهمية هذه الحسابات التي أوصلته إلى الاستنتاج بأن الكون له بداية وأنه في حالة تمدد مستمر منذ بدء نشأته وقد أثار لومتر موضوعا آخر في غاية الأهمية؛ إذ يرى أن من المفترض أن يوجد فائض إشعاعي متبق من الانفجار العظيم وأن هذا الفائض من الممكن تعقب أثره وكان لومتر واثقا أن تفسيراته صحيحة على الرغم من أنها لم تلق في البداية دعما كبيرا من الأوساط العلمية وفي غضون ذلك، بدأت تتجمع المزيد من الأدلة على أن الكون يتمدد وفي ذلك الوقت، استطاع الفلكي الأمريكي إدوين هابلEdwin Hubble،من خلال رصده لعدد من النجوم بواسطة تلسكوبه الضخم، أن يكتشف أن النجوم تصدر انزياحا أحمر يعتمد على بعدها عن الأرض وبهذا الاكتشاف، الذي توصل إليه