ثانياً : الرد على الخطبة :
" روى أبو نعيم ... عن أبي سلمة قال: كان كعب بن لؤي يجمع قومه يوم الجمعة، وكانت قريش تسميه العروبة، فيخطبهم فيقول: أما بعد فاسمعوا، وتعلموا، وافهموا، واعلموا، ليل ساج، ونهار ضاح، والأرض مهاد، والسماء بناء، والجبال أوتاد، والنجوم أعلام، والأولون كالآخرين" .
وقال ابن كثير :
" قال: وكان بين موت كعب بن لؤي ومبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة عام وستون سنة. " !!!
راجع : البداية والنهاية لأبن كثير الجزء الثاني باب كعب بن لؤي.
روى أبو نعيم في " الدلائل " قال : (( حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا علي بن المبارك الصنعاني ، قال : ثنا زيد بن المبارك بن محمد بن الحسن بن زَبالة المخزومي عن محمد بن طلحة التيمي ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : كان كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك يجمع قومه يوم الجمعة ، وكانت قريش .......... إلخ ))
قلت : وأكبر الظن أن هذا تصحيف ، والصحيح هو : حدثنا زيد بن المبارك عن محمد بن الحسن بن زَبالة ، وزيد بن المبارك هو الصنعاني ، وعلي بن المبارك الراوي عنه هو ابن أخته ، وقد روى - أي زيد - عن محمد بن الحسن بن زبالة وهو المخزومي ، ولم أجد لابن زبالة ولداً يسمى زيداً أو المبارك ، وقد روى عنه ابنه عبد العزيز ...
ثم إنني لما اطلعت على (( البداية والنهاية )) ، وجدت الحافظ ابن كثير يقول : (( روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة، عن محمد بن طلحة التيمي ... )) ، فتحقق لدي ما ظننته ، والله أعلم .
فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن محمد بن الحسن بن زبالة اجتمعوا على تضعيفه .
[ قال معاوية بن صالح : قال لي ابن معين : محمد بن الحسن الزبالى والله ما هو بثقة ....
وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين : كذاب خبيث لم يكن بثقة ولا مأمون ، يسرق .
وقال البخاري : عنده مناكير ، قال ابن معين : كان يسرق الحديث .
وقال أحمد بن صالح المصري : كتبت عنه مائة ألف حديث ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث فتركت حديثه .
وقال الجوزجاني : لم يقنع الناس بحديثه .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث .
وكذا قال أبو حاتم وزاد : ذاهب الحديث ، ضعيف الحديث ، عنده مناكير ، منكر الحديث ، وليس بمتروك الحديث وما أشبه حديثه بحديث عمر بن أبي بكر المؤملي والواقدي والعباس بن أبي شملة وعبد العزيز بن عمران ويعقوب بن محمد وهم ضعفاء مشائخ أهل المدينة.
وقال الآجري عن أبي داود : كذابا المدينة محمد بن الحسن بن زبالة ووهب بن وهب أبوالبختري بلغني أنه كان يضح الحديث بالليل على السراج.
وقال النسائي : متروك الحديث وقال في موضع آخر : ليس بثقة ولا يكتب حديثه .
وقال مسلم بن الحجاج : محمد بن زبالة غير ثقة .
وقال الدارقطني : متروك
وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات ما لم يسمع منهم ] انتهى من تهذيب التهذيب بتصرف .
فالأثر على هذا ضعيف لا يبعد أن يكون من وضع ابن زَبالة .
ثم إن أبا سلمة بينه وبين كعب بن لؤي انقطاع مئات السنين ، فهذه ثانية تكفي .
وثالثة الأثافي : حين ننظر للقصة كاملة كما أوردها في " الدلائل " نجد " كعب بن لؤي " قد أنشد في خطبته شعراً قال فيه :
نهار وليل كل أوب بحادث *** سواء عليها ليلها ونهارها
يؤوبان بالأحداث حين تأوبا *** وبالنعم الضافي علينا ستورها
على غفلة يأتي النبي محمد *** فيخبر أخبارا صدوقا خبيرها
فمن أين لـ " كعب بن لؤي " العلم بأن الله سيرسل نبياً اسمه " محمد " وكان بين موت كعب بن لؤي وبين مبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وستون سنة ؟!
ثم إن في هذا إلزاماً للنصراني الغبي صاحب الشبهة بصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، إن لم يكن هذا الخبر من وضع ابن زبالة كما أشرنا سابقا .
فأي الطريقين تسلك يا ذا العقل الفارغ ؟
والحمد لله رب العالمين .
المفضلات