أسئلة وأجوبة


[ هذه الأسئلة ـ وغيرها ـ وإن كانت هى الشغل الشاغل لكثير من الطلاب، إلا أن الذى تقدم بها هم طلبة جامعة الإسكندرية ]

السؤال الأول
" المرحلة القائمة فى العالم الإسلامى، هل تبشر بالخير وتثير التفاؤل ؟ أم أنها على النقيض نذير سوء ولا خير من ورائها ؟ "
الجواب :
العالم الإسلامى اليوم فى فترة كئيبة من تاريخه الطويل، فترة فقد فيها وحدته، ونسى رسالته، وألمت به إغفاءة كبرى جعلته يتدحرج فى مؤخرة الركب الإنسانى ضعيف الوعى والحركة، يطمع فيه العدو ويأسى له الصديق .
وهذه حالة منكورة يستحيل قبولها أو ارتقاب خير من ورائها ..
ولقد قلت فى كتاب لى ـ لما يظهر بعد ـ ما أظنه إجابة شافية على هذا السؤال :
الفقر الحقيقى فى الأمة الإسلامية الكبيرة هو هذا الشلل الغريب فى الهمم والمواهب وهذا التخلف السحيق فى مجال الإنتاج والإجادة .
ثم ذلكم العبث بمعنى الإيمان والنكوص عن منطقه، إلى جانب تعلق وضيع بالشهوات ونهمة بادية إلى الدنيا .
وما نصف خصومهم بأنهم يكرهون الحياة وملذاتها، بيد أن الأمم القوية تبلغ ما تهوى بوسائلها الخاصة، أما الأمم الضعيفة فهى تلهث وراء غيرها تتعلق بركابهم تعلق المتسلقين بمركبات النقل أو المتسولين بأذيال السادة .
والنهوض الحقيقى هو زوال هذه العلل وفناء جراثيمه، وقدرة الأمة على الاستغناء بعملها وإنتاجها، والاستهداء بإيمانها وفضائلها، والاستعلاء على متاع الدنيا بحيث تأخذ منه بقدر وتنصرف عنه متى شاءت !!
ويؤسفنى التصريح بأن الشعوب الإسلامية حتى يومنا هذا لم تبدأ نهضة صحيحة، وأن مظاهر التقدم التى نراها أو نسمع عنها هى امتداد نشاط القوى الكبرى فى العالم أكثر مما هى تطلع المتأخرين للتقدم .
فالغرب الصليبى يصطنع شعوباً شتى لخدمة مآربه ويمدها بكثير من عونه المادى، وقليل من تقدمه الحضارى .
والشرق الشيوعى ينافسه فى هذا الميدان، ويحاول الاستفادة من أخطائه أو يحاول ميراثه إذا انتهى فى مكان ما وجمهرة المتعلمين أوزاع، بعضهم يؤثر النمط الغربى فى الفكر والسلوك، وآخرون قد أعجبتهم الماركسية فاصطبغوا ظاهراً وباطناً بنزعتها .
أما الذين يتشبثون بالعقائد والفضائل الإسلامية ويريدون بناء المجتمع الكبير على دعائم الوحى المحمدى فقلة غامضة فى الناس، ولا أقول منكورة الوجه منكودة الحظ .
من أجل ذلك قلت : إن الشعوب الإسلامية لم تبدأ بعد نهضة صحيحة، تكون امتداداً لتاريخها وإبرازاً لشخصيتها، أو نماء لأصلها، وتثبيتاً لملامحها .
ومن الغلط تصور أنى أحرم الاستفادة من تجارب الآخرين ومعارفهم !
كيف وهؤلاء الآخرون ما تقدموا إلا بما نقلوه عن أسلافنا من فكر وخلق ووعى وتجربة . إن دولة الخلافة الراشدة اقتبست فى بناء النظام الإسلامى من مواريث الروم والفرس دون غضاضة .
وعندما آكل أطعمة أجنبية أنا بحاجة إليها، فالجسم الذى نمى هو جسمى، والقوى التى انسابت فى أصالة هى قواى .
المهم أن أبقى أنا بمشخصاتى ومقوماتى .. المهم أن أبقى وتبقى فى كيانى جميع المبادئ التى أمثلها والتى ترتبط بى وأرتبط بها لأنها رسالتى فى الحياة ووظيفتى فى الأرض .
هذا هو مقياس النهضة وآية صدقها أو زيفها، فهل فى العالم الإسلامى نهضات جادة تجعل الإسلام الحنيف وجهتها، والرسول الكريم أسوتها ؟
إننا هنا حريصون أشد الحرص على جعل البناء الجديد ينهض على هاتيك الدعائم .. وإذا كنا نستورد من الخراج ثمرات التقدم الصناعى، وننتفع من خيرات غيرنا فى آفاق الحياة العامة فليكن ذلك فى إطار صلب من شرائعنا وشعائرنا .
فإنه لا قيمة لأحدث الآلات إذا تولى إدارتها قلب خرب، ولا قيمة لأفتك الأسلحة إذا حاول الضرب بها فؤاد مستوحش مقطوع عن الله مولع بالشهوات .
إن بناء النفوس والضمائر يسبق بناء المصانع والجيوش وهذا البناء لا يتم إلا وفق تعاليم السلام . [ من كتاب (حصاد الغرور) الذى تضمن ما ألقاه الكاتب من محاضرات فى جمعية الإصلاح الاجتماعى مع بحوث أخرى ]
السؤال الثانى
هل تعتقد أن قضية فلسطين يمكن أن تحل سلمياً كما ينادى البعض ؟ وإذا كنت تعتقد هذا فما صورته فى ذهنك ؟ وإذا كان رأيكم أن الحرب هى الأمثل فما صورتها ؟ هل حرب شعوب أم حرب حكومات ؟ وهل تكون عربية أم إسلامية ؟
الجواب :
لقد قرر اليهود إقامة وطن قومى لهم فى فلسطين، وتحولت أمانيهم الدينية إلى مخططات مدروسة تنفذ بدقة وصرامة .
فهم باسم التوراة والتلمود جاءوا .
وتحت شعارات من الوحى الذى يقدسونه تحركت مواكبهم من أرجاء الشرق والغرب صوب فلسطين .
وفلسطين عندما قرر اليهود الاستيلاء عليها لم تكن أرضاً خلاء بل كان مسكونة بألوف مؤلفة من العرب، ومعنى تهويد هذه الأرض طرد من عليها من سكان أو إبادتهم وفق تعاليم العهد القديم .
وقد أعان الاستعمار إعانة فعالة على تحقيق هذه الغايات وتقريب بعيدها وتذليل صعابها، وانتهى الأمر فى سنة 1390 من الهجرة إلى قيام دولة لليهود تحاول البقاء فى وجه مقاومة متفرقة من العرب الذين صحوا على أشباح الضياع والذل والخيانة تحيط بهم من كل مكان، فهل يحتاج فهم هذا الموقف إلى ذكاء سطحى أو عميق ؟
إن الحرب قد أعلنت بالفعل على العرب، وهدفها المحدد إجلاؤهم أو إفناؤهم وإقامة وجود دينى يهودى على أنقاض جنسهم ورسالتهم وكتابهم فأين مكان الإسلام فى هذا الوضع ؟
إن السلام هنا معناه الاستسلام للذبح، معناه قيام سرائيل لا داخل حدودها الحالية وحسب !! بل فى الإطار الذى رسمته التوراة : من الفرات إلى النيل !!
ومعنى هذا ـ دون كد الذهن أو إعمال الذكاء ـ سحق الوجود العربى الإسلامى فى الشرق الأوسط، ثم الإجهاز على أطراف الأمة الإسلامية الكبرى فى أفريقيا وآسيا بعد زوال الكيان العربى الأصيل إذ العرب دماغ الإسلام وقلبه ! وتلك هى الغاية التى تسعى لها قوى كثيرة وتتجمع لتحقيقها عناصر شريرة .
وإنى ألمس وراء التحركات الكثيرة ضد فلسطين وأهلها هذه النيات السود، وتلك الأهداف الرهيبة، وإن أعجب فعجبى للذين يقادون إلى مصارعهم وهم مخدرون، وتلطمهم الأحداث وهم غافلون " أو لا يرون أنهم يفتنون فى كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ؟ " [التوبة:129]
إن الحرب فرضت فرضاً على العرب، فلا خيار لهم بإزائها، ولا مكان للتساؤل عن فرص تجنبها بعدما دارت رحاها على يومنا وغدنا .
ولا معنى لتجنب الحرب إلا الاستسلام للفناء والرضا بالتلاشى والانقضاء، وما دام القتال قد كتب علينا بدوافع دينية وأحقاد تاريخية وأطماع استعمارية، وما دامت غايته إبادتنا فلا بد أن نتلاقى عرباً ومسلمين، حكومات وشعوباً ؛ لرد هذه الغائلة واستبقاء وجودنا المهدد .
إن الحرب المعلنة علينا دينية لا يمارى فى ذلك عاقل، وما دامت العقيدة سلاحاً يرتكز عليه العدوان فلم لا تكون العقيدة سلاحاً يرتكز عليه الدفاع ؟ وما معنى إبعاد الإسلام عن معركة هو فيها مستهدف ؟ وأمته فيها ضحية اليوم والغد ؟
إننى أعتقد فى أعماق قلبى أن إبعاد الإسلام عن المعركة لا يخدم إلا بنى إسرائيل ومن وراءهم من الحاقدين على رسالة محمد وجنسه القدامى والمحدثين .
وإبعاد الإسلام عن القتال الدائر أنفع لبنى إسرائيل من إمدادهم بألف طائرة من أفتك طراز .
إنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يصد عدواناً يعتمد على دين إلا دفاع يستند إلى دين .
السؤال الثالث
الشيوعية والرأسمالية تتصارعان على اقتسام الأرض فما هو موقفنا ـ كمسلمين ـ من هذا الصراع ؟ وما هو رأيك فى مستقبل النظامين ؟
الجواب :
فى العالم جبهتان متقدمتان مادياً وعقلياً تتنازعان زمامه وتبغى كلتاهما أن تنفرد بقيادته وتوجيهه ..
والمفروض فى نظر الكثيرين أن تنتصر إحداهما لبسط سلطانها على العالم أجمع .
ولست فى جانب هذا الفرض، بل ما أرجحه أنه ستوجد جبهة ثالثة تقدم للعالم نموذجاً أفضل لمجتمع بشرى عادل حر مؤمن بالله ورسله ولا يطمع فى السيطرة على الآخرين ولكنه يستطيع أن يضىء لهم الطريق .
ولى ملاحظة على العنوان الذى يطلق على العالم الرأسمالى !
إن رأس المال عندما يتكون من حلال طيب، لا من مال منهوب ولا من حيف على الطبقات الكادحة، وعندما يقوم بسد الثغرات الاجتماعية لا بتوسيعها، واحترام الحقوق الأدبية لا إهدارها .. إنه فى هذه الحالة يصلح أساساً لجماعة إنسانية كريمة، ولكن العالم الرأسمالى الآن يقوم بعمليات خطف كبرى لثروات الشعوب ويعمل على توسيع الفتوق فى الكيان العالمى ويجتهد فى إهدار الكرامة البشرية للملونين، كما يجتهد فى إهدار حقوق الأمم الضعيفة وإبقائها فى منزلة التابع المهين .
وعندى أن العالم الشيوعى إنما يمتد مستغلاً أخطاء الرأسمالية فى الميادين الاجتماعية والسياسية، وهى أخطاء جسيمة، وهناك كتل من الشعوب التى ضارها الحرمان والذل، ترمق المعسكر الشيوعى بعين الخيال، تحسب أن نجاتها عنده، وعذرها أنها تريد الخلاص مما تعانى إلى ما تؤمل !! ثم إن الدين قد تخلى عن وظيفته السماوية فى ظل هذه الرأسمالية !!
وقد رأينا ـ نحن العرب ـ كيف تجمع اليهود على دانتهم لاستئصالنا، وكيف أعانتهم الدول المسيحية الكبرى علينا إشباعاً لحقدها وجشعها .
فإذا احتقر الماديون دور الدين فى صياغة مستقبل الإنسان فهم معذورون، لأن طبول الحاخامات والباباوات كنت تدق بحماس فى مواكب المعتدين !!
إن العالم الرأسمالى ينتحر بما يتناوله من تفرقة عنصرية ومظالم مادية وأدبية، وبما يكنه فى ضميره الآثم من ضغائن على الإسلام والمسلمين ..
فهل معنى هذا الكلام أن البشرية ستؤثر الكفر بالله والبعد عن هداه ؟ لا أعتقد .
إنها ستبقى فى حيرة تطول أو تكثر حتى يوجد جيل من الناس يقدم لها الهدى مقروناً بالعدل، والحرية مقرونة بالفضيلة، والإيمان بالروح مقروناً بتقدير الجسد، والإيمان بالآخرة مقروناً بتقدير الدنيا .
ما اسم النظام الذى يقوم بهذا الدور الفريد المجيد ؟
اسمه الإسلام !
وليس للإسلام الآن أمة تقدمه بمفهومه الحقيقى القديم ! توجد بقايا كيان متهدم تفوح منه رائحة البلى تنتشر بقاياه على أديم القارتين القديمتين، وتسكن فى أكواخه ثمانمائة مليون مسلم ..
أنا شخصياً أحد الضائقين بأحوال هذه الأمة النائمة .. كما أننى أحد الذين يناشدون أمتهم تلك أن تعود إلى ربها ونبيها وكتابها، والله يعلم متى تجيب ؟
إننى أطلب من المسلمين ـ قبل أن يحددوا موقفهم من هذا وذاك ـ أن يحددوا موقفهم من الإسلام المستوحش الغريب، ثم على ضوء هذا الموقف نعامل الصديق والعدو !!
وحقيقة أخرى أقررها هنا .. إن الإسلام لما يأخذ بعد امتداده الذى كتب الله له !
لقد روى الإمام أحمد فى مسنده عن رسول الله أن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل
والنهار .. وهذا تعبير غريب وهو صريح فى أن الإسلام سيصبغ العالم أجمع [ ابن حبان فى صحيحه كما قدمنا ]
كما جاء فى الصحاح أنه باسم الإسلام ستمتلئ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً، وان صحراء الجزيرة ستتحول إلى أرضين تهتز زرعاً [ إشارة إلى حديث مسلم (3/84) وأحمد (2/703) والحاكم (4/477) . راجع الأحاديث الصحيحة للشيخ ناصر (1/10) ] ..
وفى حديث آخر " أمتى كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره " .
ومن هنا فنحن نعتقد أن المستقبل لدين الله الحق لا للنظم الأرضية الأخرى، وإذا كان مسلمو اليوم ضياعاً فلأنهم ينتمون إلى الإسلام انتماء مزوراً، وهم عبء عليه لا عون له !
وإذا انتهى دور الإسلام فى الأرض فذلك إيذان بانتهاء الإنسانية على سطح هذا الكوكب، وبدء حساب الأولين والآخرين على ما اقترفوا من خير وشر !
السؤال الرابع
تثور نزعات نحو وحدة أو اتحاد فى منطقتنا تحت شعار القومية العربية أو القوى التقدمية أو تطالب بتجمع إقليمى كالمغرب الكبير مثلاً، فما رأيكم فى هذا اللون من التفكير ؟ وهل عندكم بديل أو صبغة أخرى تقدمونها للمجتمع المسلم ؟
الجواب :
التجمعات الإقليمية فى إطار التكامل الاقتصادى والعمرانى أمر لا حرج فيه، بل قد يكون من المصلحة العامة دراسة أقطار العالم الإسلام الرحب لإنشاء تجمعات كثيرة تنتظمه شرقاً وغرباً وتكفل تقدمه المادى والاجتماعى، والمغرب الكبير أو وادى النيل أو الجزيرة العربية أو جزائر أندونيسيا أو غير ذلك من الوحدات الاقتصادية المتناسقة يمكن أن تولد وتنمو داخل الكيان الإنسانى الموحد الذى يجب أن يعود إلى الحياة الدولية مرة أخرى .
إن الصعوبات التى تتوهم أمام أى تجمع إسلامى أقل من الصعوبات التى انتصبت بالفعل أمام أى تجمع عربى ..
ولكن أمام المناضلين المسلمين مراحل طويلة حتى يستطيعوا أن يقيموا جامعة إسلامية ضخمة تلم شمل المسلمين، وتداوى جراحاتهم، وتحرر مستعبديهم، وترد العدوان عنهم .
ولا أدرى لماذا يكون الوجود الصينى واقعاً عادياً فيصبح 800 مليون إنسان دولة موحدة ويكون الوجود الإسلامى خيالاً مستبعداً ؟ ولو كان اتحاد ولايات أو تحالف دول متآخية !!
إن شئون المسلمين لا تعالج للأسف بالعقل العادى، فالتأثر بالاستعمار والتبعية الذليلة للغزو الثقافى هما أساس التجهم الغريب لكل كلام عن الإسلام وأمته الكبرى ووحدته المنشودة ..
إن القارة الاستعمارية التى شنتها أوربا على الإسلام وأتباعه منذ قرنين تقريباً استهدفت أمرين رهيبين :
ـ الأول : رفض أى تلاق على الإسلام بين الشعوب المنتسبة له، وتمزيق الولاء الموروث نحو الجامعة الإسلامية وإحياء نزعات قومية حقيقية ومفتعلة، تجعل أبناء الأسرة الواحدة #####رين لا يلوى أحدهم على الآخر ولا يحترم آصرة الدين المشترك .. وبذلك أصبح المسلمون أوزاعاً بين 60 أو 70 جنسية فى المجال الدولى .
ـ الثانى : تمويت الإيمان فى ضمائر الأفراد بحيث ينفصل السلوك عن العقيدة، فينحرف هذا وتنكمش تلك، ويصبح المجتمع مسرحاً للمباذل المستقرة والأهواء المطاعة والتيارات الطائشة، ثم يتحول ما بقى من دين على أشكال فارغة وبدع حقيرة لا تغنى عن أصحابها شيئاً .
وبكلا الأمرين نجح الاستعمار الحاقد فى بلوغ أهدافه منا وكان وصوله إلى إقامة إسرائيل سهلاً بعد التمهيد المزدوج الذى شرحناه آنفاً، وهو إبعاد الولاء للإسلام فى المجال العام، وتوهين الرباط بالعقيدة فى مجال العبادة والخلق وأنواع المعاملات الأخرى .
ونستطيع أن نقول دون مواربة أو مداهنة إن كل نزعة ترمى إلى إنصاف الإسلام ـ من حيث هو جامعة عامة أو من حيث هو ضمير ـ ليس إلا امتداداً للزحف الاستعمارى والتفافاً خسيساً حول بقايا الإيمان فى قلوبنا وصفوفنا .
ولن تجد إسرائيل خيراً من هذه النزعات بعينها على البقاء، ويضاعف انتصاراتها علينا .
ولا أدرى كيف فشت هذه الخيانات الدينية فى أرجاء الأمة العربية ! إن هناك معادلة يجب أن يحفظها كل عربى عن ظهر قلب هى " عرب ـ إسلام = صفر " .
نعم، العرب بدون دينهم لا يساوون شيئاً ..
وقد كنا نحن مسلمى أفريقيا لا نفرق بين العروبة والإسلام، كما أن مؤرخى أوربا لا يعرفون هذه التفرقة حين قال جوستاف لوبون : إن العالم لم يعرف فاتحاً أرحم من العرب .
حتى البدعة المهينة التى اختلقها ميشيل عفلق واقترح فيها البعد عن الإسلام طريقاً للبعث العربى !
والواقع أن الرجل بنصيحته تلك كان يحفر القبر العربى ليدفن فيه أمة ورسالة .
وليس غريباً من مثله أن يصنع ما صنع ! إنما الغريب أن يفتتن بنعرته بعض الناس فيسارعوا إلى الارتداد عن الإسلام والكفر بالله والمرسلين .
فماذا أفادوا ؟ إنه لم تظهر دعوة أشأم على قومها وأبين فشلاً وأسوأ عقبى من هذه الدعوة المرتدة .
ولعل العرب يعقلون بعد أن مس جلدهم لهب الأحداث ويعرفون إلى أين قادتهم هذه الخدع، وكيف عفرت وجوههم بالتراب ؟
وفرية أخيرة نريد دحضها .. إن الإسلام لا يعرف التعصب ضد أديان أخرى، ولا يجعل الاختلاف الدينى ذريعة قتال وخصام، ولو أن البضعة عشر مليوناً من يهود العالم عاشوا بين ظهرانى المسلمين ما أحسوا غبناً ولا شكوا اضطهاداً مثل ما وقع عليهم فى أوربا . إن أوربا رمتنا بدائها وانسلت، إنها كانت ولا زالت تجعل الخلاف الدينى والمذهبى مثار حروب وعداوات، وهى بهذه العقلية تحاول تمزيق الكيان العربى الذى عاش فيه المسيحيون دهراً طويلاً مواطنين مكافئين للمسلمين فى الحقوق والواجبات، وهدفها إما قتل الإسلام وإما خلق فتن طائفية فى كل مكان .
والخطة معروفة، وعلى المسلمين أن يزدروها ويزدروا مروجيها ويفضحوا من وراءهم .
إن مطالبة العرب بالتخلى عن الإسلام سفالة لا قرار لها، وإنى أقول لقومى : لا خيار لكم أمام مؤامرات عالمية واسعة .. مطلوب منكم أن ترتدوا عن دينكم وأن تتنازلوا عن أوطانكم وهذه وتلك طريق العار والنار ..
وتستطيعون أن تستندوا إلى ربكم وتجاهدوا دون وجودكم المادى والمعنوى .
واسمعوا قول رسول الله لكم : " إن ربى قال : يا محمد، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإنى أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها".
أى أن قوى الشر لو تألبت كلها ضدنا ما نالت منا شيئاً إذا توحدت كلمتنا وتجمع شملنا وتماسك صفنا، أما إذا تفرقنا شيعاً وانقسمنا أحزاباً فسيأكل بعضنا بعضاً ويخلو الطريق للمتربصين .
السؤال الخامس
الناس يقولون إن التشريع الإسلامى مثالى للغاية، ولكن لا يصلح للتطبيق فى زماننا هذا لتداخل الظروف وتعقد الحياة الاجتماعية، فما رأيكم ؟
الجواب :
التشريع الإسلامى تراث ربانى وإنسانى ضخم، والحكم عليه بكلمات عابرة ضرب من الطيش يتنزه عنه العقلاء .. ولما كان هذا التشريع يتناول شئون الأسرة، وأشتات المعاملات المالية والتجارية، ويبت فى عقوبات لطائفة من الجنح والجنايات ويجه فى أخرى، بل إن هذا التشريع يتناول دستور الحكم فى الدولة ويتعرض للعلاقات بينها وبين الدول الأخرى فى حالتى السلم والحرب .. لما كانت دائرة هذا التشريع رحبة إلى حد بعيد فإن المرء يحار فى تفسير كلمة " مثالية " هذه التى يرمى بها الإسلام فى جانب رائع من تعاليمه .
وسأمشى مع الحدس فى تلقى هذا الاتهام وتحديده !
لعل الإسلام مثالى فى رجمه الزانى أو جلده .
إن بعض الناس إذا ذكر الشرع الإسلامى وثبت إلى ذهنه هذه القضية الخطيرة جداً (!)
وعجيب أن يذهل الفكر البشرى عن آيات الإبداع القانونى فى أزكى ميراث حضارى وعته الإنسانية فى تاريخها الطويل فلا ينزعج إلا لرجم الزانى أو جلده، أو بعض صور الحدود والقصاص الأخرى .
إن قصة الرجم يوم تكون سوأة تشريعية ـ كما يتصور البعض ـ فستكون سوأة الأديان كلها لأن الرجم هو حكم التوراة كما لا يزال مقرراً فى العهد القديم، وكذلك أحكام القصاص الأخرى !
وغريب أن يكون هذا الحكم شديداً وأن هذه الغرابة تنقطع يوم يبيح القانون العصرى الزنا، ما دام بالتراضى واللواطة أيضاً (!) ما دام الطرفان متفاهمين !!
ويمضى الاتجاه الواقعى فى مجراه المقبول (!) فيندد قاض أمريكى برجل ضرب زوجته لأنها زنت مع صديق له، وينصحه أن يطرح رجعيته أو مثاليته ويعيش فى هذا العصر المتقدم !!
إذا كانت المثالية تعنى الشرف والتسامى وإرضاء الله وضبط النفس وتهذيب الغرائز فيجب أن يكون التشريع مثالياً، ومن السماجة أن يعاب الإسلام فى هذا المضمار ..
أما الواقعية التى تعنى إقرار الفسوق والعصيان، فلا أدرى لماذا تسمى قانوناً ؟
إن المسالة ليست قتل مجرم أو قطع يده أو جلد بدنه .. إن المسالة أكبر من ذلك، والشريعة الإسلامية أكبر قدراً من أن تتناول بهذا الصغار الفكرى .. الأمر يتصل أولاً بحقيقة العلاقة بين الناس وربهم، وطبيعة الدين الذى نزل يحكم فيما شجر بينهم ..
هذا موضع الخلاف بيننا نحن المؤمنين، وبين غيرنا ممن وهت صلتهم بالله .
نحن نعتقد أن الوحى كل لا يتجزأ، وأن حق الله فى الحكم على عباده فوق الجدل، وأن شريعته تحقق العدالة والمصلحة، وأن تكذيب آية فى الميراث كتكذيب آية فى التوحيد أو فى الصلاة، لا معنى لها إلا رفض الخضوع لله والرد لأمره ونهيه .
أما بالنسبة إلى قصة المثالية والواقعية التى قد ترد على بعض الأذهان فنسوق فى دحضها كلمات مبينة للأستاذ العقاد من كتابه ( حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ) [ص 115] :
" وعلى هذه السنة من المساواة بين حقوق الدين فى نشر العقائد، وحقه فى فرض الشرائع والمعاملات ننظر إلى معاملات الدين الإسلامى كما ننظر إلى عقائده فلا نرى فيها ما يعوقه عن أداء رسالته العالمية الإنسانية التى توافرت له بدعوى إلى إله واحد هو ( رب العالمين أجميعن، وخالق الأمم بلا تمييز بينها فى الحظوة عنده غير ميزة التقوى والصلاح .. رب المشرقين ورب المغربين، يصلى اله المر حيث كان : " وأينما تكونوا فثم وجه الله " ) ..
" فما منع الإسلام قط معاملة بين الناس تنفعهم وتخلو من الضرر بهم، والغبن على فريق منهم ..
" وأساس التحريم كله فى الإسلام أن يكون فى العمل المحرم ضرر أو إجحاف، أو حطة فى العقل والخلق ..
" وما فرض الإسلام من جزاء قط إلا وهو (حدود) مقدرة بقدرها، وشروطها وقيودها صالحة على موجب تلك القيود والشروط للزمان الذى شرعت فيه، ولكل زمان يأتى من بعده، لأنها لا تجمد، ولا تتحجر، ولا تتحرى شيئاً غير مصلحة الفرد والجماعة، وكفى باسم (الحدود) تنبيهاً إلى حقائق الجزاء والعقاب فى الإسلام، فإنها (حدود) بينة واضحة تقوم حيث قامت أركانها ومقاصدها، وتحققت حكمتها وموجباتها، وإلا فهى حدود لا يقربها حاكم ولا محكوم إلا حاقت به لعنة الله ..
" والشبهة المتوافرة فى العصر الحاضر إنما ترد على المعاملات الإسلامية من قبل الناقدين والمبشرين، لأنها تمس ضرورات الحياة المتجددة كل يوم، وترصد للمسلم فى طريقه حيث سار فيتحر الناقد الموطن الحساس من نفس المسلم حتى يلقى فى روعه أن شيئاً فى دينه يتقهقر به إلى الوراء ولا يصلح للتطبيق فى عصر النظم الحكومية التى تجرى القضاء والجزاء على أصول العلم والتهذيب ..
" وليس فى المصارف والشركات شىء نافع برىء من الضرر والغبن يحرمه الإسلام ".
إن أساطين القانون اعترفوا فى مجامعهم العلمية ومؤتمراتهم الدولية بما للشريعة الإسلامية من قدر رفيع ..
والواقع أن أئمة الفقه عندنا ـ على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم ـ ورثونا تركة فنية لا نظير لها فى أزهى المدنيات القديمة والحديثة، ولا تزال بحوثهم الفنية المترفة مفخرة للفكر الإنسانى المجرد .. ثم جاءت هذه الأجيال الهابطة من ذرارى المسلمين المتخلفين تنظر إلى ما لديها من كنوز نظرة بلهاء، ثم تردد مع عملاء الصهيونية والاستعمار أن الإسلام مثالى وأن تشريعه لا يصلح للمجتمع !
إذا محاسنى اللاتى أدل بها
كانت عيوباً فقل لى : كيف أعتذر؟!

السؤال السادس
قضية الجنس استبدت بتفكير الناس وفرضت نفسها على المجتمعات متحضرة ومتخلفة، فما العلاج عندكم ؟
الجواب :
استشراء الفساد الجنسى أمسى حقيقة لا ريب فيها، ولكنى أعد التقاليد الإسلامية البالية شريكة فى المسئولية الجنائية مع الانحلال الذى وفدت به المدنية العصرية ..
إن هذه التقاليد لا تعرف الأحكام الإسلامية الصحيحة فى كثير من القضايا، وإذا عرفتها لم تقف مع بواعث التقوى وخشية الله فى تنفيذها ..
ومن مقررات هذه التقاليد المريضة جعل الزواج مشكلة اقتصادية رهيبة .
ثم فساد الصورة الإنسانية لوظيفة المرأة قبل الزواج وبعده .. والجهل التام بدور الأسرة فى التربية على امتداد مراحل العمر وهذه التقاليد التى تنهض على الرياء والتظاهر والتكلف كانت ولا زالت من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية وتوالد أجيال حقيرة الفكر والسيرة والأمانى والهمم .
ولكى نعود إلى ديننا ونتصل بسيره الأول، ونتحصن ضد العلل النفسية والاجتماعية التى زحفت علينا مع الغزو الأجنبى لا بد من رعاية أمور شتى :
أولاً : توثيق الصلة بين المرأة وينابيع الثقافة الدينية والمدنية .
ثانياً : إعادة الحياة للعلاقة بين النساء وبيوت الله فى الصلوات .
ثالثاً : تدريس الوظائف التربوية للبيت المسلم حتى نستطيع تخريج أجيال تعرف ربها ودينها ومعاشها ومعادها على قواعد مغروسة فى اللحم والدم، وفضائل يرضعها النشء مع اللبن .
رابعاً : الحكم بإعدام ما تواصى المسلمون به فى تقاليد الزواج من مغالاة فى المهور وإسراف فى الحفلات وتكديس للأثاث وتنافس فى الكماليات، وإعادة الزواج إلى معناه السهل القديم ليكون عصمة وسياجاً للدين والدنيا.
خامساً : وصل ما بين البيت المسلم وقضايا المجتمع الكبرى حتى لا يحيا بيت فى جو منافعه الخاصة جاهلاً أو جاحداً ما وراءها ولو أن كل دولة مسلمة أنشأن وزارة للأسرة والشباب كى تضمن ما ذكرنا ما كان ذلك كثيراً، بل لعله يكون أقرب إلى حياتنا الإسلامية الصحيحة .
لقد راقبت وضع المرأة فى شتى البيئات فوجدت إنسانة محكوماً عليها بالجهل والقصور، مفروضاً عليها التفريط فى حقوق الله وتعاليم دينه فلِم ذلك ؟ وكيف يقع ذلك باسم الإسلام ؟
ورأيت جماهير المسلمين وكأنها متفقة على جعل الزواج مشكلة تقصم الظهور دون مبالاة بما ينشأ عن ذلك من شيوع الفسق والفجور، فأى تدين هذا ؟ وبأى حق يستولى بعض الآباء على المهور ؟
وبأى حق يكلف بعض آخر بالاستدانة ليعين على زواج ابنته ؟ ولماذا تطلب البنت عندنا أثاثاً لا تطلبه لنفسها المرأة الغربية ولا المرأة الشرقية ؟
إن المرأة العربية العادية ربما فرضت لنفسها بيتاً لا تحلم به امرأة من رواد الفضاء، فلِم بالله هذا الترف ؟
لماذا نرتضى إغلاق البيوت على ألوف العوانس إذا لم يتزوجن وفق هذه التقاليد السفيهة ؟
وإلى أين تقودنا تقاليد الرياء التى تواضعنا على الاحتكام إليها ناسين ديننا ودنيانا على السواء ؟
إذا كان الإسلام دين الفطرة فإن العالم الإسلامى يكذب على فطرته، ويفتح أقطاره لفساد جنسى زاحف من كل ناحية يجعل الزنا عملة متداولة دون حرج، ويعطى كل أنثى وذكر حق الاتصال الحرام كلاً أو بعضاً حسب ما يشتهى .
والذين يفتعلون الأزمات والضوائق فى الطعام الحلال لا ينتظرون إلا إقبال الناس على الحرام الرخيص يعبون منه عباً .
وقد رأيت بنفسى ـ للأسف ـ ناساً يأخرون زواجهم إلى سن معينة حتى يتموه وفق تقاليده المقررة .. وإلى بلوغ هذه السن لا مانع من الزنا، وغير الزنا !!
ورأيت ناساً يستدينون بالربا ليقيموا الأحفال المطلوبة !
ومن هؤلاء من يقتل المرأة إذا زنت ويترك الشاب دون غضب !
فعلمت أن المسلمين فى هذا المجال وغيره لا يكترثون بحدود الله ولا يبالون سخطه، وأنهم كما يهوون، وقد يتبجح بعضهم فيصف هواه بأنه دين، وما هو إلا الكذب على رب العالمين .
ويجب تسهيل الزواج وأحكام التطبيق الدينى فى شئون الرجال والنساء على سواء .
السؤال السابع
مناهج التربية فى مدارسنا وجامعاتنا صارت وسيلة للتوظيف وكسب العيش، وخلت من كل توجيه ونحن نحب أن نستنير برأيكم فى الوسيلة المثلى لمناهج التربية حتى يتخرج جيل مسلم ..
الجواب :
توجد فى مدارسنا وجامعاتنا برامج دراسية حسنة تقدم أنصبة من العلم تشبه ما تقدمه نظائرها فى أعظم الأقطار، ويمكن أن تكون بعض المراحل الدراسية عندنا مساوية فى تقدمها العلمى لما يقابلها فى الشرق والغرب .
أما مناهج التربية تواكب مناهج للتعلم فالأمر يحتاج إلى نظر وتأمل .. !
إن العلم شحن الأذهان بألوان لا حصر لها من المعرفة .
أما التربية فهى الإفادة من هذا التقدم لتزكية الشخصية وتهذيب سلوكها ..
والتربية الدينية نوع خاص من البناء المعنوى يجعل المرء متجهاً بقواه كلها إلى غاية معلومة وضابطاً لحياته وفق نظام مرسوم ..
وهذا النوع من التوعية الدينية معدوم فى بعض الجامعات محارب فى بعضه، معترف به ومعترف بغيره فى بعض ثالث، وربما قدم نصيب محدود منه فى جامعة الأزهر ! والأصل فى التربية تعهد الأخلاق، ولما كان الخلق ـ بالتعريف العلمى ـ هو عادة الإرادة فإن المفروض فى برامج التربية :
أولاً : أن ترسم الوجهة للسلوك المنشود .
ثانياً : أن تدرب الأفراد على هذا السلوك، وتأخذهم به أخذاً مستمراً حتى يصبح طبعاً لهم وصبغة ثابتة فيهم، فالمربى أشبه بالزارع الذى يتولى البذر والحرث والسقيا والحماية والإخصاب والانتقاء حتى تنضج الثمرة وتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها .
والطالب الذى يمر بهذه الأدوار، يصاغ فى قوالب معروفة الشكل والصورة، فإذا ربى على الصدق صعب عليه الاختلاق والتخريف، وإذا ربى على الأمانة انزعج من العوج والغدر .
وفى أثر التعود واستقامة الوجهة يقول الشاعر :
تعود بسط الكف حتى لو أنه
ثناها لبخل لم يتطعه أنامله !

ويقول آخر :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه !

وقد ربى الله محمداً ليربى به العرب، وربى العرب ليهذب بهم العالم أجمع " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين " .
وكلمة التزكية تعنى التربية والتسامى بالنفس وامتلاك الهوى .
وذلك معنى الآية " ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها".
والتربية الإسلامية مذ دخل الاستعمار بلادنا تمر بمحنة شديدة، فلما خرج ووقعت البلاد فى الأيدى التى تتلمذت عليه مرت التربية الإسلامية بمحنة أشد ..
وذلك هو السر فى أننا نجد أصحاب محاصيل علمية كبيرة وكلفها قليلة الجدوى، إن لم تكن قريبة الضرر .
فإن العلم عند هؤلاء وقف عند حدود التصور الذهنى وحشو الأدمغة بجمل من القوانين والأحكام .
أما التربية التى تتوسل بهذا العلم إلى رفع المستوى النفسى والاجتماعى والتى تحول الشخص إلى صاحب مبادئ ومثل يعيش لها وقد يضحى من أجلها ..
هذه التربية لم توجد لها بعد مناهج واضحة ومؤسسات مسئولة .
والسبب فى ذلك هو الكره الخفى أو الجلى للإسلام وتاريخه ومطالبه ووصاياه ..
التعليم فى روسيا يكرس لخدمة الشيوعية، والتعليم فى بلاد كثيرة يربط بأهداف شتى ..
وكان مفروضاً أن يصحب برامج التعليم عندنا برامج للتربية الإسلامية اليقظى تشرف على السلوك الفردى والجماعى، وتجعل الحياة الخاصة والعامة محكومة بآداب الإسلام وتوجيهاته . [راجع فى هذا الباب : هذه المقررات لا نريد أن تنسى ]
ولكن الإسلام دين مهزوم فى المجالات الدولية، وقد انسحبت آثار هزيمته على مطالبه فى بلاده نفسها فأضحت كما نرى :
متعلمين يريدون بشهاداتهم العلمية مستوى معيناً من المعيشة، وسعراً خاصاً لما نالوه من دراسات وكفى !
فإذا ذهبت تفحص سلوكهم وجدت العلم قد أفاد فى تغيير الوسائل فقط، أما المآرب الدنيا فهى هى عندهم وعند الجهال !
ويستحيل أن تنهض أمتنا إلا يوم يكون العلم والتربية قرينين، ويوم تتقرر آداب الإسلام ومثله دون حرج أو دجل .
* * * * *
انتهى شيخنا ـ أيده الله ـ من تحرير " قذائف الحق " فى رحلته الرمضانية إلى " المغرب " عام 1393 هـ، وكان الفراغ من تصحيحه فى غرة ذى الحجة من نفس العام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.