فإذا كانت هذه حال المتقدمين مع قرب زمنهم من أيام المسيح وبقاء أخيارهم فيهم والدولة دولتهم والكلمة لهم، وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما ترى، ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعن وملعون، لا يثبت لهم قدم ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم، بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه وباح باللعن والبراءة ممن اتبع سواه؛ فما الظن بحثالة الماضين ونفاية الغابرين وزبالة الحائرين وذرية الضالين، وقد طال عليهم الأمد وبعد العهد وصار دينهم ما يتلقونه عن الرهبان وقوم إذا كشفت عنهم وجدتهم أشبه شيء بالأنعام وإن كانوا في صور الأنام.
بل هم كما النصرانية يعرفوا إلها متنعوا قبوله: (ومن أصدق من الله قيلا إن هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).
وهؤلاء هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) ومن أمة الضلال، بشهادة الله ورسوله عليهم، وأمة اللعن بشهادتهم على نفوسهم بلعن بعضهم بعضا، وقد لعنهم الله سبحانه على لسان رسوله، في قوله النصرانية يعرفوا إلها متنعوا قبوله: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.» يحذر ما فعلوه. هذا والكتاب واحد والرب واحد والنبي واحد والدعوى واحدة، وكلهم يتمسك بالمسيح وإنجيله وتلاميذه، ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين.
فمنهم من يقول: إنه إله، ومنهم من يقول: ابن الله، ومنهم من يقول: ثالث ثلاثة، ومنهم من يقول: إنه عبد، ومنهم من يقول: إنه أقنوم وطبيعة، ومنهم من يقول: أقنومان وطبيعتان.
إلى غير ذلك من المقالات التي حكوها عن أسلافهم، وكل منهم يكفر صاحبه، فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها ثم عرض عليهم دين النصرانية هكذا لتوقفوا عنه وامتنعوا من قبوله.
فوازن بين هذا وبين ما جاء به خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله عليه وسلامه، تعلم علما يضارع المحسوسات أو يزيد عليها: إن الدين عند الله الإسلام.

g, uvq ]dk hgkwvhkdm ugn r,l gl duvt,h gil Ygih gh ljku,h lk rf,gi