السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

* زكريا ويهوذا الخائن , جمع بين نقيضين !

يقول القس عوض سمعان في كتابه " قضية صلب المسيح بين مؤيد ومعارض " : ( وزكريا النبي الذي عاش قبل المسيح بخمسمئة سنة - فهو غير نبي الله زكريا عليه السلام الذي كفل مريم عيها السلام - تنبأ عن بيع المسيح بثلاثين من الفضة . وإعطاء هذا المبلغ للفخارى ثمنًا لمقبرة جعلت للغرباء . كما تنبأ

عن جرحه وطعنه بالحربة بواسطة مواطنيه الذين أحبهم , فقال عن لسانه :" فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به " . وقال أيضًا : " فيسأله: ما هذه الجروح التي في يديك؟ فيقول : هى التي جرحت بها في بيت أحبائي " .وقال أيضًا : " وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له " ( 12 : 10) . ) ( قضية صلب المسيح بين مؤيد ومعارض ص 53 ) .
لقد أخذ القس عوض سمعان يستنبط من تلك المقصوصات التي قصها من سياق النصوص أن زكريا قد تنبأ بصلب المسيح عليه السلام وخيانة يهوذا له مقابل ثلاثين من الفضة , فالقس لم يلتزم بما قاله في كتابه : " كل آية من الآيات , سواء في المزامير أو غير المزامير , لا يمكن فهم معناها إلا بالإرتباط مع الآيات السابقة واللاحقة لها , ولذلك يجب أن لا ندرس آية بالإستقلال عن هذه أو تلك" ( المصدر السابق ص 60 ) .

يقول صفوة مختارة من علماء الكتاب المقدس في تقديمهم لسفر زكريا : ( إن سفر زكريا, شأن سفر أشعيا , لا يمكن أن يُنسب إلى نبي واحد .... نكاد لا نعرف شيئًا عن شخص النبي زكريا , فإنه يتوارى وراء عمله , يعرف نفسه بأنه حفيد عدو ( 1/1و1/7) وربما ابن عدو ( عز5/1و6/14والترجوم ) ويبدو أنه كان في حوالي السنة 500 رئيس أسرة عدو الكهنوتية (نح 12/16 ) , إن إلحاحه على منزلة الهيكل ناتج عن صفته الكهنوتية, وكان من شأن الكاهن أن يجيب عن الإستشارات الطقسية كالتي طُلبت من زكريا في أمر الحفاظ على الأصوام التذكارية أوحذفها ...وأخيرًا فإن اهتمامه بالطهارة والقداسة للأرض المقدسة يوافق العقلية الكهنوتية ) ( الترجمة الكاثوليكية - مدخل إلى سفر زكريا ص 2004 , 2005 ) .

فليست مشكلة هذه الشهادة التي يزعمها القس أن كاتب إنجيل متَّى أخطأ فيها من حيث الشكل والإطار العام فقط حين حسبها من سفر أرميا بينما هى من سفر زكريا ( مت 27 : 9 ) , بل لإحتوائها على أخطاء موضوعية تتضح لنا حين نقارن بين عناصرها والعناصر التي تحتوي على نهاية يهوذا الخائن , فنجد أن القصتين على طرفي نقيض , ولا يمكن أن تكون الأولى – قصة زكريا – صورة مطابقة للقصة الثانية التي ذكرها متَّى عن نهاية يهوذا أو حتى نبوءة عنها وذلك للآتي :

1- بطل قصة زكريا هو نبي كريم يتلقى الوحي من الله وفقًا لما جاء في كتابكم , بينما بطل قصة متَّى خائن حقير صارت خيانته مثل سوء في العالمين .

2- لقد تسلم زكريا ثلاثين من الفضة , ثمنًا كريمًا ارتضاه الله لصنيعه مع شعبه ( راجع زكريا إصحاح 11 ) بينما الفضة التي تسلمها يهوذا ثمنًا خسيسًا يرفضه كل الناس بما فيهم يهوذا الخائن نفسه حين رجع إلى نفسه وحاسبها فإنه خجل لأن يمتلك ثمن الخيانة , وذهب ليودعها في خزينة بيت الرب . ( مت 27 : 3-5 ) .
3- لما كانت فضة زكريا ثمنًا كريمًا فإنها قبلت في بيت الرب ( زكريا 11 : 13 ) , أما فضة يهوذا , فكما أنها رُفضت من يهوذا نفسه , فإنها رُفضت كذلك من كهنة إسرائيل المنافقين الذين أبوا أن يقبلوها في خزينة بيت الرب , لأنها ثمن رجس ( مت 27 : 6 ) .

4- جدير بالذكر أن إنجيل مرقس الذي كان المصدر الرئيسي لإنجيلي متَّى ولوقا , لم يحدد قيمة ثمن الخيانة وإنما قال : " ثم إن يهوذا الإسخريوطي .. مضى إلى رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم . ولما سمعوا فرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة " ( مر 14 : 10-11 ) . وكذلك في إنجيل لوقا : " فمضى ( يهوذا ) وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم . ففرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة فواعدهم " ( لوقا 22 : 4-6 ) . فمن هذا يتبين لنا أن كاتب إنجيل متَّى قد انفرد عن بقية الأناجيل – ومنها إنجيل يوحنا – بتحديد ثمن الخيانة بثلاثين من الفضة ولا نعلم من أين أتى بهذا الرقم . وما ذلك إلا لأن فقرة زكريا تكلمت عن ثلاثين من الفضة والفخارى , ولهذا قرر إعتبارها شهادة عن خاتمة يهوذا وبيعه سيده يسوع , لكنه من غفلته نسب النبوءة خطأ إلى أرميا وليس زكريا فقال : "فتم ما قيل على لسان النبي أرميا : أخذوا ثلاثين من الفضة وهي ثمن الـمُثَمَّن ثَمَّـنَه بها بنو إسرائيل " ( الكاثوليكية – متَّى 27 : 9 ) . ويأبى الله إلا أن يذل من عصاه , وما ذلك على كاتب إنجيل متّى بجديد , فكثيرًا ما أخطأ في النقل والإقتباس من العهد القديم , ثم يقولون هذا من عند الله !

إذًا فقياس القس عوض سمعان لا يُحتج به , وأما بالنسبة لما استشهد به : " وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له " ( زكريا 12 : 10 ) وزعمه أن هذا ما حدث لحظة صلب المسيح, فنقول : إن الناظر إلى بداية الإصحاح يجده يتحدث عن مصير أعداء أورشليم وليس عن صلب المسيح , ولهذا يُعلق علماء الكتاب المقدس : " يصور هذا الفصل (زكريا 12 :1- 14 ) الحصار الأخير حول أهل أورشليم ... يدور هذا الجزء حول معركة كبرى في المستقبل ضد أورشليم , يقول البعض أنها هرماجدون , آخر معركة عظمى على الأرض . ولن يبقى أحد من أعداء شعب الله إلى الأبد . وأخيرًا سوف يختفي الألم والشر والإضطهاد مرة واحدة وإلى الأبد " ( التفسير التطبيقي للكتاب المقدس ص 1842 ) . ففي ذلك اليوم كما يقول الكتاب المقدس يفيض الرب : " على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له " .

ولا أرى أيضًا أي ذكر بأن المطعون شخص مصلوب , فهل مجرد ذكر كلمة "طعنوه" يستدل منها على صلب المسيح ؟! وإن كان هناك ذكر بأن المطعون شخص مصلوب فمن يكون هذا المصلوب , المسيح أم غيره ؟! فالنياحة تعبير عن هول المصيبة وعظم الفاجعة وسوء الخاتمة , ولا توجد فاجعة ولا مصيبة على بني إسرائيل أعظم من أن يكتشفوا أن الذي عاشوا مفتخرين به ألا وهو صلب المسيح لم يحدث !
أما استدلال القس بقول الكتاب : " فيسأله: ما هذه الجروح التي في يديك؟ فيقول : هى التي جرحت بها في بيت أحبائي " ( زكريا 13 : 6 ) . على أنه يشير إلى المسيح وصلبه , فهذا من توهمه , ولنستعرض النص من بدايته : " في ذلك اليوم يعتري الخزي كل نبي كاذب يتنبأ من رؤياه , ولا يرتدي مسوح الشعر ليكذب , إنما يقول : أنا لست نبيًا . أنا رجل فلاح أحرث الأرض منذ صباي . وعندما يسأله أحد ( أي النبي الكاذب ) : ما هذه الجروح في يديك ؟ يجيبه : هى التي جرحت بها في بيت أحبائي " ( كتاب الحياة – زكريا 13 : 4-6 ) .
فالنص كما نرى يتحدث عن الأنبياء الكذبة وعن فضيحتهم في الأيام الأخيرة على الأرض , فسيخجل الأنبياء الكذبة من أنفسهم ولن يحاولوا خداع أحد . ( التفسير التطبيقي ص 1843 ) .
فلماذا يزعم القس أن النص يشير إلى المسيح ؟ اللهم إلا إذا كان القس يعتبر المسيح نبيًا كاذبًا !
والأنبياء الكذبة المشار إليهم في الفقرات هم أنبياء البعل الكذبة البالغ عددهم أربع مئة وخمسون رجلاً , والذين قتلهم نبي الله إيليا ( انظر الترجمة الكاثوليكية ص 2023 ) , فلقد كان من عادتهم حين يتنبأون أن يجرحوا ويقطعوا أجسادهم بالسيوف كما حكى عنهم الكتاب : " فصرخوا بصوت أعلى وخدشوا أنفسهم على حسب عادتهم بالسيوف والرماح , حتى سالت دماؤهم عليه . وانقضى الظهر وهم يتنبأون إلى أن حان إصعاد التقدمة , وليس صوت ولا مجيب ولا مصغ " ( 1 ملوك 18 : 28 ) .
إضافة إلى ذلك أن الترجمة الكاثوليكية غيرت النص الذي يستدل به القس عوض سمعان إلى الآتي : " فيقال له ما هذه الجروح في صدرك ؟ فيقول هى التي جُرحتها في بيت محبي" ( زكريا 13 : 6 ) , فهل سُمر المصلوب من صدره أم من يديه ؟! وهل سُئل المسيح عليه السلام يومًا : ما هذه الجروح التي في صدرك – أو حتى في يديك - ؟ فقال : جُرحت بها في بيت أحبائي ؟!

المصـدر

.;vdh ,di,`h hgohzk < [lu fdk krdqdk !