التخريج لا بد أن يمر بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: كيف تصل إلى الحديث في بطون الكتب الأصلية.
المرحلة الثانية: بعد أن تصل ماذا تأخذ وماذا تدع ؟.
المرحلة الثالثة: كيف تصوغ ما أخذت ؟.


إن للوصول إلى الحديث في بطون الكتب الأصلية طُرقاً أشهرها خمس:

الطريق الأول: إما أن تصل إلى الحديث عن طريق الراوي الأعلى ، وهو الصحابي أو من دونه. ولها مؤلفاتها.
الطريق الثاني: أن يكون عن طريق أوّل الحديث ، ويُسمّونه طرف الحديث.
الطريق الثالث: أن يكون عن طريق كلمة يقل دورانها.
الطريق الرابع: أن يكون عن طريق خصائص تكون في السند أو المتن.
الطريق الخامس: أن يكون عن طريق موضوع الحديث.


وأولى هذه الطرق التخريج عن طريق موضوع الحديث . لماذا ؟

لأسباب:
1. أنك بتخريجك عن طريق موضوع الحديث تجمع الأحاديث الواردة في ذلك الموضوع المؤيدة والمعارضة ، وبالتالي يُصبح لديك إلمام عن جميع الموضوع. فمثلاً: إذا كان الحديث في كتاب الصلاة باب صلاة الجماعة ، تجد أكثر من عشرة أحاديث واردة في فضل صلاة الجماعة المقوًية والمعارضة ، بينما لو أخذت الحديث عن طريق الراوي الأعلى ، فلا تجد غير حديث عبدالله بن عمر ، فلا تجد حديث أبي هريرة ولا حديث عائشة ولا حديث أُبيّ رضي الله عنهم.

2. أن التخريج من طريق موضوع الحديث ينمي لدى الطالب مَلكةَ الاستنباط والفهم ، لأنك لن تعرف موضوع الحديث حتى تعرف فقهه . ثم إن هذا الاستنباط يتقوّى ، إذ أنه اتضح أنك لست وحدك في الفهم ، لأن فهمك مربوط بفهم المصنّف الأصلي . هل يوافقك في هذا الفهم أو لا ؟.
وهذه الطريقة تنمي عندك فهم مناهج أصحاب الكتب الأصلية.


بعد أن تصل إلى الحديث .. يُهمنا هنا أن تعرف ماذا تأخذ وماذا تدع ؟
والأمر يزيد أهمية إذا اتضح لك أن لكل كتاب خصائصه ، فما تأخذه من البخاري غير ما تأخذه من مسلم . وما تأخذه من مسلم غير ما تأخذه من الترمذي ..... وهكذا . هناك قواسم مشتركة ولكن لكل كتاب خصائصه.

فمثلاً:
إذا كان الحديث في البخاري ، من المهم أن تعرف
هل رواه متصلاً أو مُعَلّقاً ،
وإذا كان مُعَلّقاً هل رواه بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض ،
وإذا كان متصلاً هل أورده في الأصول أو أورده في الشواهد والمتابعات ،
فمثلاً تقول: رواه مُعَلّقاً مجزوماً به ، أو مُعَلّقاً بصيغة التمريض ، وتنص على هذا.


وإن كان في مسلم هل ساق لفظه أو أحال على غيره ،
وهل صرّح بالاختلاف بين الألفاظ ،
وهل صرّح بلفظ فلان دون فلان ،
وهل هذا فلان هو الذي معك في الإسناد ،
وهل هذا لفظه أو غير اللفظ ،
وهل اعتمد عليه أو جاء به في المتابعات والشواهد دون أصول الأبواب.


وإذا كان في أبي داود هل قدّمه واعتمد عليه ،
وهل جاء بما يُعارضه ،
وهل جاء متصلاً ،
وهل صرّح بما يُضعّفه ،
وهل بيّن ضعفه سواءً بالإيماء أو بالتصريح أو لا.


وإذا كان في الترمذي هل حكم عليه وبما حكم عليه ،
وهل حكم عليه حكماً مطلقاً أو من هذا الوجه ،
وهل حكم عليه بنفسه أو حكم عليه ناقلاً عن غيره ،
وهل أورد ما يُقويه في الباب أو لا.


وإذا كان في الحاكم هل حكم عليه ، وبما حكم عليه ،
وما موقف الذهبي من هذا الحكم ، وهل قوّاه أو اعترض عليه.


ثم إذا كان في ابن خزيمة هل أورده مُحتجاً به دون اعتراض أو أنه مرّض القول فيه ـ أو ـ علّق القول فيه بقوله: إن ثبت الخبر ، وهل قدّم المتن على الإسناد تضعيفاً له أو لا.


ولا بد أن يكون عند طالب العلم نباهة في مناهج المحدثين(1) . وبعضها لا يُعرف إلا عن طريق كتب المصطلح(2).


يتبع...


المصادر
--------------------------
(1) قال مُقيّده : انظر كتاباً للشيخ د.سعد آل حميد بعنوان مناهج المحدثين.

(2) قال مُقيّده: انظر مثلاً: تدريب الرواي للسيوطي ، قواعد التحديث للقاسمي ، الحديث النبوي لمحمد لطفي الصبّاغ.