محنة الإمام سفيان الثوري

من أهم مهمات العلماء الربانيين في الأمة الإسلامية، إرشاد الناس وتعليمهم وتبصيرهم بالحق ووعظهم وزجرهم عن الباطل، ولا يزال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم بنود هذه المهمة المقدسة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قطب الدين الأعظم وعليه يدور الدين، ومن أجله أرسلت الرسل والأنبياء، وقام سوق الجنة والنار، وانقسم به الناس بين دعاة ومدعوين، كما لا يزال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم أسباب المحن والابتلاءات التي تعرض لها كثير من علماء الأمة خاصة في الفترات التي يحكم فيها الطغاة، حيث لا تجد الأمة من يتصدى لهؤلاء الطغاة سوى علمائها، وهذه محنة واحد منهم بل واحد من أعظمهم.

التعريف به:
هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، أمير المؤمنين في الحديث، المجتهد المطلق، العابد الزاهد، قدوة العصر، الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري، وُلد سنة 97هـ بالكوفة في بيت علم وورع وديانة، فأبوه المحدث الثقة: سعيد الثوري، وهو من طبقة صغار التابعين، وأمه كانت امرأة صالحة دفعت ولدها منذ صغره نحو طلب العلم، وقالت له: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، وكان أبوه فقيرًا مشغولاً بالحديث.
انطلق الثوري كالشهاب يطلب العلم من مشايخ الوقت وعلماء العراق، وأكثر من ذلك حتى بلغ عدد شيوخه ستمائة شيخ، وعلا ذكره وطارت شهرته وعرفه الناس وهو شاب دون العشرين وذلك لعلو همته وكثرة رحلته وشدة زهده وورعه وفرط ذكائه وسعة محفوظاته، وما زال أمره في علو ورفعة وخبره في ذيوع وشهرة حتى لقب بأمير المؤمنين في الحديث، وكان أحفظ أهل زمانه، على الرغم من وجود العديد من الحفاظ الأعلام والأئمة الأثبات في زمانه، إلا إنه يفوقهم جميعًا.
جمع الثوري بين العلم والعمل والزهد والورع والعبادة والجهر بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجافاة السلاطين والأمراء، والفرار من المناصب والتحرز من الشبهات حتى صار درة الدهر وبركة العصر وحجة الله على الخلق.
ثناء الناس عليه:
للثوري منزلة خاصة عند المسلمين عامة وأهل العلم والحديث خاصة، فلقد كان الإمام الثوري كلمة إجماع بين العالمين، لم يختلف عليه اثنان، ولم يؤثر عن أحد من المسلمين مهما كان حاله، أنه نال الثوري بكلمة ذم أو انتقاص، فهو من سادات المسلمين ومن الأئمة الأعلام المتبوعين، ولقد ظل مذهبه واختياراته الفقهية والعلمية معمولاً بها حينًا من الدهر، ولو وجد الثوري من التلاميذ والأتباع من يقوم بمذهبه وعلمه، لظل مذهبه قائمًا حتى الآن ومن ضمن المذاهب المتبوعة المعروفة ولكنه مثل الليث بن سعد وأبي ثور والأوزاعي وغيرهم من الأئمة الذين لم يجدوا من يقوم بهم وينشر علمهم، وهذه طائفة من كلام وثناء الناس على الإمام الثوري:
قال شعبة بن الحجاج: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، ساد الناس بالورع والعلم.
قال أبو حنيفة: لو حضر علقمة والأسود [من كبار التابعين] لاحتاجا إلى سفيان.
قال سفيان بن عيينة: ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري.
قال الفضيل بن عياض: كان سفيان الثوري ـ والله ـ أعلم من أبي حنيفة.
قال بشر الحافي: كان الثوري عندنا إمام الناس، وسفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانهما.
قال شعيب بن حرب: إني لأحسب أنه يجاء غدًا بسفيان حجة من الله على خلقه يقول لهم: لم تدركوا نبيكم، قد رأيتم سفيان.
قال يحيى بن معين: ما خالف أحد سفيان في شيء، إلا كان القول قول سفيان.
قال ابن المبارك: ما نعت لي أحد، فرأيته إلا وجدته دون نعته إلا سفيان الثوري.
قال يوسف بن أسباط: كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم.
قال الأوزاعي: لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري.
قال الشافعي: ما رأيت بالكوفة رجلاً أتبع للسنة ولا أود أني في مسلاخه من سفيان الثوري.
قال يحيى القطان: سفيان الثوري فوق مالك في كل شيء.
قال أحمد بن حنبل: أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري، لا يتقدمه أحد في قلبي.
قال الذهبي: كان سفيان رأسًا في الزهد والخوف، رأسًا في الحفظ، رأسًا في معرفة الآثار، رأسًا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائمة من أئمة الدين.

lpkm hgYlhl stdhk hge,vd