السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طلوع الفجر المحمدي وتقرير نبوته

ان من سنن الله تعالى في الكون أن الانفراج يكون بعد الشدة والضياء يكون بعد الظلام واليسر بعد العسر.

إنه بعد ذلك الظلام الحالك الشديد الذي غطى سماء الحياة البشرية حيث تم ظلام الشرك والكفر والظلم والشر والفساد اذ نظر الله تعالى إلى الناس فمقتهم عربهم وعجمهم لما هم عليه من الكفر والشر والفساد إلا بقايا من أهل الكتاب. في هذا الظرف بالذات أخذت تباشير الصباح تلوح بقرب انبثاق النور المحمدي,تلوح هنا وهناك في الآفاق المظلمة المدلهمة.

وها هي بين أيديكم كوكب زهر تلوح في الأفق كوكبا بعد كوكب مؤذنة بقرب انبلاج الفجر المحمدي..

فأولا: دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فقد أخبر تعالى عنهما أنهما سألاه أن يبث في ذريتهما رسولا منهم جاء ذلك في قوله تعالى:( ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ * وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا * وَتُبْ عَلَيْنَا * إِنَّكَ أَنتَ اَلتَّوَّابُ الرَّحِيمُ * (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ * إِنَّكَ أَنتَ اَلْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * )(129)

كما أخبر هو بنفسه عليه الصلاة والسلام مقررا هذه الحقيقة مؤكدا لها فقال:( أنا دعوة أبي إبراهيم , وبشارة عيسى).

ثانيا: أخذ الميثاق له عليه الصلاة والسلام:
لقد أخذ الله الميثاق على كل نبي نبأه ورسول أرسله أن يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وينصره متى بعث, ولازم هذا أنه عرفه باسمه وصفاته . جاء هذا في قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم اصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}. (آل عمران / 81)

ثالثا: بشارات الكتب الإلهية به:
ففي التوراه يروي البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قوله قال: وجدت في التوراه صفة النبي عليه الصلاة والسلام يقول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل, ليس بفظ ولا غليظ, ولا صخاب في الأسواق, ولا يدفع السيئة بالسيئة, ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الوحي يقيم به الملة العوجاء, ويفتح عيونا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا : لا إله إلا الله)

وفيها أي في التوراه أيضا:
تجلى الله من طور سيناء وأشرف من ساعير , واستعلى من جبال فاران , فتجليه سبحانه وتعالى من طور سيناء المراد به: إنزاله التوراه على موسى , وإشرافه من ساعير المراد به : إنزاله الإنجيل على عيسى , واستعلاؤه من جبال فاران : إنزاله القرآن الكريم على المبشر به محمد عليه الصلاة والسلام إذ جبال فاران هي جبال مكة المكرمة.

وجاء في التوراه أيضا:
أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك, وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به.
فالذي يجعل الله تعالى كلامه في فمه لن يكون إلا محمدا عليه الصلاة والسلام إذ هو الذي يقرأ القرآن على ظهر قلب , ولا ينطق إلا بما جاء فيه ودعا إليه من الحق والهدى والخير.

وجاء في الإنجيل:
في تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهود فائلا: تربوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. فقوله: قد اقترب ملكوت السماوات إشارة إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام وبشارة به وبقرب بعثته إذ هو الذي ملك وحكم بقانون السماء الذي هو شرع الله تعالى.

وجاء فيه أيضا:
قدم لهم مثلا آخر قائلا: يشبه ملكوت السماوات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حلقه وهي أصغر جميع البذور , ولكن متى نمت فهي أكبر البقول , فهذه البشارة هي عينها التي في القرآن إذ طلوع الفجر المحمدي وتقرير نبوته: (ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار)

طلوع الفجر المحمدي وتقرير نبوته
كفى بهذه الآية الكريمة ردًا ليغيظ بهم الكفار

وجاء في الإنجيل أيضا:
أنطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم (البار قليط) فأما إن انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء ذاك الذي يوبخ العالم على خطيئته . فهذه بشارة كاملة بالنبي الذي يوبخ العالم على خطيئته, إذ بعث عليه الصلاة والسلام والعالم كله في ظلمات الشرك والكفر, وقد مقت الرب تبارك وتعالى الناس عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب .

وجاء في الزبور:
ومن أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد أيها الجبار بالسيف لأن البهاء لوجهك, والحمد الغالب عليك , اركب كلمة الحق , وسمة التأله ., فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك , وسهامك مسنونة , والأمم يخرون تحتك.

قال أشعيا النبي عليه السلام:
ولد لنا غلام يكون عجبا وبشرا, والشامة على كتفيه, أركان السلام الدجيار وسلطانه سلطان السلم يجلس على كرسي داود.

وقال أيضا:
قيل لي قم ناظرا, فانظر ماذا ترى؟ قلت: أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل , ويقول أحدهما لصاحبه: سقطت أصنام بابل للبحر. إن الراكبين هما عيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام وسقوط أصنام بابل كان على يد أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

وقال حزقيل عليه السلام:
قال حزقيل وهو يصف للناس أمة محمد عليه الصلاة والسلام: إن الله يظهرهم عليكم , وباعث فيهم نبيا ومنزل عليهم كتابا , ويملكهم رقابكم فيقهرونكم ويذلونكم بالحق, ويخرج رجال من بني قيذار في جماعات الشعوب ومعهم ملائكة على خيل بيض متسلحين فيحيطون , وتكون عاقبتكم إلى النار.

وقال دانيال عليه السلام:
فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه فقال: السلام عليكم يا دانيال إن الله يقول : إن بني إسرائيل أغضبوني , وتمردوا علي وعبدوا من دوني آلهة أخرى وصاروا من بعد العلم إلى الجهل , ومن بعد الصدق إلى الكذب , فسلطت عليهم بختنصر فقتل رجالهم وسبا ذرياتهم , وهدم بيت مقدسهم وحرق كتبهم, وكذلك فعل من بعده بهم . وأنا غير راض عنهم , ولا مقيلهم عثراتهم فلا يزالون مغلوبين عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث فيهم نبيا من بني اسماعيل الذي بشرت به هاجر وأرسلت إليها ملاكي فبشرها , وأوحى إلى ذلك النبي وأعلمه الأسماء وأزينه بالتقوى , وأجعل البر شعاره , والتقوى ضميره والصدق قوله, والوفاء طبيعته, والقصد سيرته, والرشد سنته أخصه بكتاب مصدق لما بين يديه, وناسخ لبعض ما فيها , أسري به إلي من سماء إلى سماء حتى يعلق فأدنيه , وأسلم عليه, وأوحي إليه, ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة , حافظا لما استودع, صادعا بما أمر , يدعو إلى توحيدي باللين من القول , والموعظة الحسنة لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق رؤوف بمن والاه , رحيم بمن آمن به , خشن على من عاداه , فيدعو قومه إلى توحيدي وعبادتي , ويخبرهم بما رأى من آياتي فيكذبونه ويؤذونه.

رابعا: شهادات أهل الكتاب:
قال بعض أهل المدينة ممن أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام فأسلموا لله ظاهرا وباطنا: إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه لنا أنا كنا نسمع من رجال يهود , إذ كنا أهل شرك وأصحاب أوثان , وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا , وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث فنقتلكم معه قتلل عاد وإرم , فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم , فلما بعث الله ورسوله محمدا عليه الصلاة والسلام..أجبناه حين دعانا إلى الله, وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به, فبادرناهم إليه فآمنا وكفروا به وكذبوه , وفيهم نزلت هذه الآيات : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)

وقال ابن التيهان اليهودي عند موته بالمدينة وقد جاء من الشام: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخبز إلى أرض البؤس والجوع؟ فقالوا له : أنت أعلم . فقال: إني قدمت هذه البلدة أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه, هذه البلدة المهاجرة, فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه إنه قد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود..

خامسا: هتاف الجن بالبشرى:
إن من جملة تباشير الصباح التي سبقت طلوع الفجر المحمدي , أن كثرت الشهب في السماء ورجمت الشياطين الأمر الذي اندهش له الناس وفزعت له الكهان من نساء ورجال , وهذا سواد بن قارب رضي الله عنه يمر بين يدي عمر بن الخطاب فيقول له رجل: يا أمير المؤمنين هل تعرف من المار ؟ فيقول عمر لا, ومن هو؟ فيقول له: هذا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور النبي عليه الصلاة والسلام وعندما أرسل إليه عمر فجاء فقال له: أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم , قال أأنت الذي أتاك رئيك من الجن بظهور النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم, قال: أفأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ فغضب سواد وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين , فقال عمر : سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك. فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور النبي عليه الصلاة والسلام. قال: نعن يا أمير المؤمنين, بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني رئيي فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل: إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتطلابها...وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى...ما صادق الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم...ليس المقاديم كأذنابها


سادسا: حادثة أصحاب الفيل:
جهز أبرهه جيشا قويا وأخرج معه الفيل المسمى محمودا وسار في طريقه وكلما اعترضته قبيلة من القبائل العربية لتصده قاتلها وهزمها حتى انتهى إلى مشارف الحرم فبعث رجاله فساقوا ماشية أهل مكة ومن بينها مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم شيخ مكة ورئيس قريش بها , ثم جرت سفارة انتهت بمفاوضات طالب فيها عبد المطلب بإبله وأما البيت فقد قال قولا صار مثلا: ( إن للبيت رب يحميه) ولما علم عبد المطلب عجز قومه على مقاومة هذا العدو الظالم أمر أهل مكة أن يلتحقوا بشعاب الجبال وقممها حتى لا تلحقهم معرة الجيش الغازي ففعل ذلك أهل مكة.
فلما أصبح أبرهة وتهيأ لدخول مكة ووجه الفيل إلى مكة أبى الفيل أن يمشي فإذا وحهه إلى غيره مشى وما زال يحاوله حتى أرسل الله تعالى عليهم طيرا أبابيل من البحر الأحمر يحمل كل طير ثلاثة أحجار فما اصابت رجلا إلا اخذ لحمه يتساقط.
وانتهت الحالة بهزيمة جيش أبرهة وهلاكه وأما أبرهه فقد نقل مثخنا بجراحاته إلى صنعاء فمات بها وقد أنزل الله تعالى سورة الفيل متضمنة هذه الحادثة إجمالا وهي آية صدق النبوة المحمدية.
.............................................
نتائـــج وعبر:
1-بيان بداية أمر النبي عليه الصلاة والسلام, وأنها كانت من عهد إبراهيم عليه السلام.
2-بيان استجابة الله تعالى دعوة خليله إبراهيم عليه السلام.
3-بيان علو شأن الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام وكمال شرفه الذي يدانى فيه , وذلك بأخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء وأممهم بأنه متى بعث النبي محمد عليه الصلاة والسلام آمنوا به ونصروه.
4-بيان كمال خلق النبي الذي تجلى فيما وصفه به ربه تعالى في التوراه وعلى لسان الملك الذي نزل على النبي دانيال عليه السلام.
5-بيان شرف العرب وما حباهم ربهم تعالى به من بعثة أفضل أنبيائه وجعله حرزا لهم فكملوا وسعدوا به بعد أن آمنوا به وبالكتاب الذي جاء به.
6-إثبات نبوة الحبيب المصطفى وتقريرها بشهادات التوراه والزبور والإنجيل وأنبياء بني اسرائيل ومؤمني الجن وصالحي أهل الكتاب من يهود ونصارى, الأمر الذي يصبح معه إنكار رسالته عليه الصلاة والسلام ضربا من السفه والحمق والضلال العقلي والحكم بالخسران الأبدي على صاحبه.
7-في هزيمة أبرهة وجيشه بخارقة لم يعرف مثلها أكبر آيه على قرب طلوع الفجر المحمدي.
8-إن العبرة من هذا الذي تقدم هو وجوب الإيمان اليقيني بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ووجوب اتباعه ومحبته فوق محبة النفس والمال والأهل والولد.


ملاحظة: موضوع نقلته من كتاب اقتنيه بعنوان: (هذا الحبيب يا محب محمد صلى الله عليه وسلم) وليس من مواقع الانترنت..

'g,u hgt[v hglpl]d ,jrvdv kf,ji faih]hj hgj,vhi ,hg.f,v ,hgYk[dg>>>