المنهج العلمي في التعامل مع الشبهات

هناك عدة قواعد علمية تحدد الأسلوب السليم للتعامل مع الشبهات، ابتداءً من بحث صحة النص وتوثيقه، ومرورًا بتجريده من عوامل التحريف والتحوير، وانتهاءً بالالتزام بالفهم السلفي في معالجة وتفسير النصوص، والذي يرتكز على عدة قواعد:

الأولى: رد المتشابه إلى المحكم، تطبيقًا لقوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران: 7].

فإذا اشتبه علينا معنى «كلمة الله» و«روح منه» في قوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} [النساء: 171] عدنا إلى محكم قوله سبحانه: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: 59] فنفهم أن عيسى خُلِقَ بكلمة الله «كن» تمامًا مثلما خلق بها آدم (1).

وكذلك عدنا إلى قوله تعالى: {سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: 13] لنفهم أن الإضافة بـ «مِنْهُ» إضافة ربوبية وخلق، لا إضافة تبعيض وتركيب، وهكذا يُفسَّرُ المتشابه بالمحكم.

الثانية: رد الشبهة لعدم معقوليتها؛ كزعمهم بوجود أخطاء نحوية في القرآن، وذلك لأن علم النحو الذي يحاكمون القرآن إليه إنما وضعه علماء المسلمين استنباطًا من نصوص القرآن ذاته، وبناءً على كلام العرب وأشعارهم في الحواضر والبوادي، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو واحد من هؤلاء، والذين تلقوا القرآن لأول مرة هم أيضًا من هؤلاء، فيصير من غير المعقول -ابتداءً- أن توضع القواعد بناءً على نص ثم تخالفه..

ومن غير المعقول -انتهاءً- أن يتلقى هؤلاء جميعًا خطأ ما في الكلام دون أن ينتبهوا إليه، وهم الحجة الطبيعية لعلماء النحو واللغة..!

فتصير الشبهة منطقًا معكوسًا ومتناقضًا مع ذاته.

ومن جنس الشبهات غير المعقولة، الشبهة التي يزعم فيها الظالمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعَ زوجة عمه أبو طالب في القبر بعد أن ماتت حتى رآه الناس، متجاهلين أخلاق العرب ومروءتهم، وحرمة الموتى، وحق العمومة والتربية، بصرف النظر عن النبوة..

الثالثة: تحديد منزلة الشبهة وتصنيفها: فينبغي التركيز على قضايا العقيدة وإثبات الوحي والنبوة والمعاد على غيرها من القضايا.

الرابعة: إظهار التناقضات بجوار رد الشبهات؛ لأن إظهار التناقضات يخرج المسلم من دائرة الإحساس بالاتهام والدفاع في مواجهة الآخر، وما يترتب على ذلك من الهزيمة النفسية للمدافع، وشعور الانتصار عند المهاجم..

فحينما يحاول أعداء الله تجريم واجب الجهاد، ودمغه بالإرهاب والعدوان لا نكتفي بتوضيح قيمة الجهاد في الإسلام، وارتباطه بغاية الهداية ورد العدوان، والتزامه بمعنى الإنسانية، بل ينبغي التقدم بما وراء ذلك، وهو استخراج النصوص الموجودة في كتبهم والتي تحث على القتال والقتل دون أدنى معنى لغاية الهداية، أو اعتبار لمعنى الإنسانية(2).

الخامسة: التفريق بين نص الوحي وفهم المسلمين؛ لأن الأول: معصوم يحدد إطار الإسلام وقيمه، والثاني: عمل بشري خاضع لاحتمال الصواب والخطأ. فبينما تقتصر الحجية في الجانب الإسلامي على كلام الله وما صحت نسبته إلى رسوله نجد أن النصارى يؤمنون بعصمة باباواتهم، وأنهم لا يتكلمون إلا بقوة «روح القدس».

السادسة: مراعاة الفرق بين الطرح العلمي وطرح المواجهة، فعند تفنيد الشبهات والرد عليها ينبغي أن يتصف الرد بالاختصار والإحكام والبساطة والتلقائية، الأمر الذي يختلف عن الطرح العلمي التفصيلي دون مراعاة لعقول المخاطبين، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً) (3)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1][1]) راجع: الفصل الرابع-التحريف في كلام الأنبياء- الباب الثاني، وفيه تطبيق مباشر على هذه القاعدة.

([1][2]) تراجع: شبهة القتال في هذا الفصل.

([1][3]) صحيح مسلم (1/21).