و ما أحب أن اشير إليه ما له علاقة بقوله :


وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهي أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل.


فالنصارى و غيرهم عندما يطرحون ما يطرحون من التخرصات و الشبهات و يعجز المسلم عن الجواب اعتبروا ذلك نصرا و طاروا به فرحا . فكان لزاما على المسلمين أن يتجندوا للذود عن حمى الإسلام بكشف كل متخرص و ناعق كذاب .


و هذا الموضوع يأتي ليحاول وضع لبنة تهدف إلى بناء ما يلي :


1 _ التعريف بالشبهة لغة و اصطلاحا و الربط بين المصطلح و ما يبدو أنه له علاقة به من المصطلحات الأخرى.


2 _ تحديد اضرار الشبهات لتفاديها.


3 _ الوقوف عند أنواع الشبهات .


4 _ فوائد الرد على الشبهات.


5 _ معرفة كيفية و منهج الرد على الشبهات.


خاتمة.


و أرجو أن يكون الموضوع كما قلت لبنة نحو بناء صرح عال يكون مرجعا لمن جاء بعدنا إن شاء الله في باب الرد على الشبهات و ذلك بإثراء الموضوع بكل جديد و الزيادة عليه لتسديد و إكمال نقصه و تصحيح خطإه و عيبه فنحن معدن النقص و الكمال لله و حده . و أرجو أن ييسر الله أمر إخراجه فيصير كتابا إلكترونيا في متناول كل باحث مسلم على الطريق.


دعنا نبدأ أولا بتعريف الشبهة لغة و اصطلاحا .



1 _ معنى الشبهة:


في لسان العرب لابن منظور:


وجمعُ الشُّبْهةِ شُبَهٌ وهو اسم من الاشْتِباهِ.


قال أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله في أساس البلاغة:


واشتبهت الأمور وتشابهت: التبست لإشباه بعضها بعضاً. وفي القرآن المحكم والمتشابه. وشبه عليه الأمر: لُبّس عليه، وإياك والمشبهات: الأمور المشكلات. ووقع في الشبهة والشبهات.




وقال أيضا:


ومثال الثاني وهو الشبه الذي يحصل بضرب من التأول كقولك هذه حجة كالشمس في الظهور وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها كما شبهت فيما مضى الشيء بالشيء من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما إلا أنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتم لك إلا بتأول وذلك أن تقول حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام أن لا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها ولذلك يظهر الشيء لك ولا يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب أو لم يكن بينك وبينه ذلك الحجاب


ثم تقول أن الشبهة نظير الحجاب فيما يدرك بالعقول لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه كما يمنع الحجاب العين أن ترى ما هو من ورائه


ولذلك توصف الشبهة بأنها اعترضت دون الذي يروم القلب إدراكه ويصرف فكره للوصول إليه من صحة حكم أو فساده فإذا ارتفعت الشبهة وحصل العلم بمعنى الكلام الذي هو الحجة على صحة ما أدى من الحكم قيل هذا ظاهر كالشمس أي ليس ههنا مانع عن العلم به ولا للتوقف والشك فيه مساغ وان المنكر له إما مدخول في عقله أو جاحد مباهت ومسرف في العناد كما أن الشمس الطالعة لا يشك فيها ذو بصر ولا ينكرها إلا من لا عذر له في إنكاره فقد احتجت في تحصيل الشبه الذي أثبته بين الحجة والشمس إلى مثل هذا التأويل كما ترى. اهـ قول الزمخشري



قال الأخفش :


وإنما سميت الشبهة شبهة، لأنها تشبه الحق والباطل، ليست بحق واضح، ولا باطل لا شك فيه. هي بين ذلك.


و قال المناوي في التعاريف:


الشبهة الظن المشتبه بالعلم ذكره أبو البقاء وقال بعضهم الشبهة مشابهة الحق للباطل والباطل للحق من وجه إذا حقق النظر فيه ذهب.


و قد وجدت في شرح نهج البلاغة نسبة هذا التعريف للإمام علي رضي الله عنه. قال أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله في شرحه على نهج البلاغة:


ومن خطبه له عليه السلام وإنما سميت الشبهة شبهة لانها تشبه الحق ، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ، ودليلهم سمت الهدى .


وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ، ودليلهم العمى ، فما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه .


هذان فصلان ، أحدهما غير ملتئم مع الاخر ، بل مبتور عنه ، وإنما الرضى رحمه الله تعالى كان يلتقط الكلام التقاطا ، ومراده أن يأتي بفصيح كلامه عليه السلام ، وما يجرى مجرى الخطابه والكتابة ، فلهذا يقع في الفصل الواحد الكلام الذى لا يناسب بعضه بعضا ، وقد قال الرضى ذلك في خطبة الكتاب .


أما الفصل الاول فهو الكلام في الشبهة ، ولما ذا سميت شبهة ، قال عليه السلام لانها تشبه الحق ، وهذا هو محض ما يقوله المتكلمون ، ولهذا يسمون ما يحتج به أهل الحق دليلا ، ويسمون ما يحتج به أهل الباطل شبهة .


قال : فأما أولياء الله فضياؤهم في حل الشبهة اليقين ، ودليلهم سمت الهدى ، وهذا حق لان من اعتبر مقدمات الشبة وراعى الامور اليقينية ، وطلب المقدمات المعلومة قطعا ، انحلت الشبهة ، وظهر له فسادها من أين هو ؟ ثم قال : وأما أعداء الله فدعاؤهم الضلال ، ودليلهم العمى ، وهذا حق ، لان المبطل ينظر في الشبهة ، لانظر من راعى الامور اليقينية ، ويحلل المقدمات إلى القضايا المعلومة ، بل يغلب عليه حب المذهب ، وعصبية أسلافه ، وإيثار نصره من قد ألزم بنصرته ، فذاك هو العمى والضلال ، اللذان أشار أمير المؤمنين إليهما فلا تنحل الشبهة له ، وتزداد عقيدته فسادا. انتهى كلامه بنصه بتصرف يسير.


و في تعريف جميل مقتضب يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة:


والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له. ا هـ




ترقب أضرار الشبهة .



إلى اللقاء .



بحول الله .