ملاحظات عامة حول الشبهات:

عند التصدي لمناقشة الشبهات فإنه ينبغي المقارنة بين الشبهة المثارة والفكر النصراني، لكشف الهدف من وراء إثارة تلك الشبهات.

ففي الوقت الذي يثير فيه النصاري شبهة انتشار الإسلام بالسيف.. نجد التوراة التي بين أيديهم تقول: (حين تقرب من مدينة لكي تحاربها؛ استدعها إلى الصلح، فإن أجابتْك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكونُ لك للتسخير، وتُستعبد لك، وإن لم تسالمْك، وعمِلتْ معكَ حربًا فحاصِرها، وإذا دفعها الرب إلهُك إلى يديك: فاضرب جميعَ ذكورها بحد السيف، أما النساءُ والأطفالُ والبهائمُ وكل ما في المدينة فهو غنيمةٌ لك.. وهكذا تفعل في جميع المدن البعيدة عنك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا؛ وأما مدنُ هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهُك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما، الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين..) إلخ [التثنية/20].

وفي موطن آخر: (إنَّ موسى أرسل اثني عشر رجلا مع فيخاس بن العازار لمحاربة أهل مديديان، فحاربوا وانتصروا عليهم وقتلوا كل ذكر منهم، وملوكَهم الخمسةَ وبلعامَ، وسَبُوا نساءَهم وأولادَهم ومواشيَهم كلها، وأحرقوا القرى والدساكرَ والمدائنَ، فلما رجعوا غضب عليهم موسى وقال: هل أبقيتم كل أنثى حية؟

إن هؤلاء كُنَّ لبني اسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرب في أمر فغور، فكان الوباء في جماعة الرب، فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها، لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات) [سفر العدد/31].

ثم أمر بقتل كل طفل ذكر وكل امرأة ثيبٍ، وأبقى الأبكارَ، ففعلوا كما أمر، وكانت الغنيمة: (من الغنم ستمائة وخمسة وسبعين ألفا، ومن البقر اثنين وسبعين ألفا، ومن الحمير واحدا وستين ألفا، ومن نفوس الناس من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر جميع النفوس اثنين وثلاثين ألفا).

لاحظ ترتيب غنائم الحرب: الغنم.. البقر.. الحمير.. ثم النساء..!

وفي الوقت الذي يناقش فيه النصارى حكم الموؤدة.. نجدهم يقولون: إن جميع البشر سيدخلون الجحيم حتى الأنبياء(1)

وفي الوقت الذي يتكلم فيه النصارى عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم حرام بنت ملحان.. يؤمن النصارى بزنى الأنبياء للمحارم..!

وفي الوقت الذي يتكلم فيه النصارى عن أخطاء نحوية في القرآن.. لا يعرف النصارى أي مصدر لكتاباتهم «المقدسة»..!

ومن قدرة الله عز وجل في إظهار حقيقة الإسلام أن تَكشِف مناقشة كلّ شبهة تثار ضده.. وجهًا إعجازيًّا فيه..!

فعندما ناقش النصارى شبهة محاولة تَرَدِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق الجبل.. ظهرت حقيقة العلاقة بين حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي.

وعندما ناقش النصارى شبهة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع السم له في الطعام.. ظهر معنى «العصمة» في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعندما ناقش النصارى شبهة الدخول على «أمِّ حرام بنت ملحان».. ظهر أحد دلائل نبوته بتحقق الغيب كما أخبر صلى الله عليه وسلم.

وهكذا لا تثار شبهة.. وإلا وتكشف مناقشتها عن وجه من وجوه اليقين في هذا الدين، وهو ما ينبغي أن يكون هدفًا بحد ذاته لمناقشة الشبهات.

ونظرًا لأن «مناقشة الشبهات» قضية متجددة، باعتبار ما يكشف عنه الإعمال المستمر للفكر الإسلامي في النصوص، وباعتبار تغير أسلوب المواجهة من قِبَل الأعداء كأحد نتائج مكر المواجهة.. فإنها تستحق أن تكون عملًا قائمًا بذاته(2) ‏ولذلك اقتصر الكتاب على بعض الأمثلة التي تبين مجموعة من القواعد المنهجية التي ينبغي الالتزام بها عند مناقشة أي شبهة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1][1]) يراجع: باب تحليل التحريف.

([1][2]) في النية إصدار عمل مستقل للرد بصورة منهجية على الشبهات المثارة إذا شاء الله وقَدَّر.