4 _ خطوات الرد:





أولاً: النظر في صحة مقدمات السؤال لهدم النتائج:



فكثيرًا ما يُلقي المفتري افتراءه في صيغة سؤال مشتمل على مغالطة، كقوله مثلاً: ما الحكمة من زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عائشة -رضي الله عنها- وهي طفلة؟



والمغالطة هنا هي قول المفتري (وهي طفلة)، فهي - رضي الله عنها - لم تكن طفلة وقت زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانت امرأة بلغت مبلغ النساء.



فإذا شرع المسلم في رده ببيان الحكمة من زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عائشة -رضي الله عنها- دون بيان ما في السؤال من مغالطة، ربما ظن البعض أن ذلك إقرار ضمني بصحة مقدمة السؤال.


ثم يشرع المسلم الذي يرد على الشبهة في بيان .





ثانيًا: النظر في صحة الدليل:



إذا اشتمل الافتراءُ على دليل فلا بد من التحقق من صحة الدليل متنًا وسندًا قبل الشروع في الرد، فلو كان الدليل -مثلاً- آية من القرآن، فينظر في صحة نقل لفظ الآية، فقد يخطئ المفتري -عن عمد أو جهل- في نقل نص الآية و كم أكثر النصارى من التحريف و قولوا القرآن ما لم يقل..



وإذا كان الدليل حديثًا فيبحث أولاً في صحة الحديث وثبوته، ثم يبحث في صحة نقل المتن و كم صدع النصارى رؤوسنا بالأحاديث الموضوعة و الواهية و أرادوا إقامة الحجة علينا بتلك الأحاديث الشنيعة و الضعيفة..



وإذا كان هذا الدليل تاريخيًا أو علميًا فيجب النظر في صحته في المصادر المعتبرة، ومطالعة أقوال أهل الاختصاص لمعرفة مدى ثبوته. فكم من مرة حاول النصارى إقامة الحجة على المسلمين بالإسرائليات و الأحداث الخرافية و ليس لها من مسوغ سوى ورودها في كتب المسلمين و نسي هؤلاء أن مصدرا التشريع عندنا هما القرآن و السنة الصحيحة و لا تقام علينا الحجة بآراء العلماء و أقوالهم إلا إذا وافقت القرآن و السنة .و يحضرني صنيع النصراني البابلي ال\ي عدم الأدلة و الحجج فصار يشنع علي و هو ينطلق من آراء النووي و غيره .و مع احترام المسلمين للنووي رحمه الله إلا أن اقواله يؤخذ منها و يرد و لا نقبل منه ما يتعارض مع القرآن و السنة و له أجر الاجتهاد إن شاء الله.





ثالثًا: النظر في صحة الاستدلال:



من أبرز طرق المفترين الإتيان بنصوص صحيحة والاستدلال بها على معانٍ فاسدة لا يحتملها النص، وربما جمعوا بين سوأَتَي ضعف الدليل وفساد الاستدلال؛ ولذلك ينبغي بَعدَ النظر في صحة الدليل أن نبحث في مدى صحة الاستدلال، وهل تحتمل دلالةُ النصِّ المعنى الذي يقصده المفتري أو لا؟


و مثاله ما أورده بعض الشيعة لما ساق حديثا صحيحا أخرجه البخاري ليحكم على الصحابة أنهم من أهل النار !!!




رابعًا: تحديد موطن الشبهة:



من الضروري فهم موطن الشبهة وتحديد ما يرمي إليه المفتري من طرح فريته بالضبط؛ حتى يكون الرد موجهًا لأصل الافتراء وموظفًا في إزالة أي شبهة قد تقع من جراء طرح الفرية..



علي سبيل المثال: حين يطرح المفتري موضوعَ رضاع الكبير في الإسلام، فإن ما يرمي إليه هو تصوير أحكام الإسلام بالإباحية، وأنها تجيز لأي امرأة مسلمة أن تلقم ثديها لأي رجل. والنصراني حين يورد ما يورد فإنه يقصد أيضا إلى القول إن في دين المسلمين ما يشنعونه على النصارى و خاصة ما تعلق بنشيد الأنشاد.



لذلك يجب أن يتجه الرد في الأساس إلى بيان عدم جواز التقام الثدي في رضاع الكبير، ثم بيان عدم شمول الحكم لكل رجل، أما إذا ارتكز الرد على مناقشة الخلاف في اختصاص حكم رضاع الكبير بسالم مولى أبي حذيفة، فهذا خروج عن المطلوب وعدم توفيق في إصابة موطن الفرية.





خامسًا: اختيار الأسلوب المناسب للرد على الافتراء:


_ الرد على الشبهات بالحجة والبرهان، مؤيَّداً بالدليل الصحيح، وفق ضوابط وآداب الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.


قال الدكتور هشام عزمي حفظه الله بتصرف :


و اعلموا - أدام الله فضلكم - أن الغرض من تصدينا للنصارى إنما هو توفير الردود السليمة للشبهات ضد الإسلام حسب منهج أهل السنة و الجماعة حتى يتمكن إخواننا المسلمون من استخدامها في محادثاتهم مع النصارى و مع أولئك الذين يحاولون تنصيرهم أو تنصير ذويهم. و لا أبغي مطلقا إقناع النصارى أو غيرهم فتبديد شبهة من ذهن مسلم أغلى عندي من إقناع عشرات النصارى. و اعلموا - سدد الله خطاكم - أن عامة المسلمين إنما هم حطاب ليل لا يميزون بين السلفي و الأشعري و المعتزلي و عندما يجابهون الشبهات يهرعون إلى مواقع الرد على الشبهات فربما لا يجد أحدهم إلا رد المعتزلي الذي يطعن في الصحيحين ليتفادى حديث رضاع الكبير أو الأشعري الذي يرد الحديث لمخالفته ما ثبت عنده من آراء مسبقة! فيأخذ هذه الترقيعات العليلة و التأويلات الفاسدة - كما وصفتموها - إلى أعداء الدين!! لذا كان لزاما علينا توفير الرد السليم الذي يتفق و المذهب السديد و الله المستعان.


و هي كلمة نفيسة للغاية في بابها .و مما يجب الإشارة إليه أن هناك عدة عوامل تتحكم في اختيار الأسلوب المناسب للرد على الافتراء منها:


1 _ مستوى الشخص المخاطَب بالرد : فينظر إلى مستواه الثقافي و الفكري و منزلته بين قومه و حاله النفسي فأسلوب مخاطبة المسلم بالرد يختلف عن أسلوب مخاطبة الكافر...


2 _ طبيعة الافتراء نفسه: فيصنف بحسب ما أسلفنا و ما مدى درجة التمكن من الرد و عدمه و هل يقتضي المقام مقدمات أو لا يحتاج الأمر إلا لجملة واحدة تنهي الموضوع فطبيعة الفرية تحكم على اختيار التطويل و الإيجاز و له علاقة بمستوى المردود عليه ...


3 _ المقام الذي سيتم فيه الرد : هل يتوفر الراد على ما يكفي من الأدلة و هل هو واثق من معلومته لأنه بتسرعه قد يفتح على نفسه بابا آخر من أبواب التضييق و تحكم الخصم فيه بإيراده لمعلومة خاطئة أو ما شابه.. و الأساليب تختلف بحسب المقام فالمناظرة ليست هي المحاضرة و التعقيب ليس هو السؤال و الرد الكتابي يختلف عن الرد الشفوي و هكذا . فقد تجد من يحسن الرد الكتابي و إذا تعلق الأمر بالشفوي لم يستطع إلى ذلك سبيلا و قد تجد الخطيب المفوه لا يستطيع أن يكتب ردا واحدا و كل بحسب مجاله و ميدانه..


لكن و الحق يقال إن التوفيق و النجاح يكونان في اختيار الأسلوب الأمثل و المناسب المراعي لظروف الزمان و المكان .



سادسًا: تفنيد الافتراء بقوة مع الاهتمام بإزالة موطن الشبهة:



إذا عُرِض الافتراءُ أو الشبهة، فيجب أن يكون همك الأول هو المسارعة إلى القضاء على هذا الافتراء واجتثاثه من أصوله بكل طريق ممكن، وإذا تعددت الردود على الفرية الواحدة، فالأولى أن تبدأ بأقوى هذه الردود، وهو الرد الذي تشعر أنه سيقضي على الفرية من الوهلة الأولى، بحيث يكون ما تبقى من الرد نافلة تؤكد تهافت الفرية، ويجب الحرص على خلو الرد من أي ثغرة يمكن للمفتري اصطيادها والنفاذ من خلالها إلى إعادة إثارة الافتراء نفسه مرة أخرى، أو إثارة افتراء غيره.



للموضوع بقية ..