﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ( 39 ) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ( 40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى

سافر جابر بن عبد الله شهراً كاملاً على جمل إلى ( العريش) في مصر ، فلما وصل هناك طرق على عبد الله بن أنيس الباب، فخرج إليه عبد الله فسأله عن حديث الحوض فأخبره وطلب منه الدخول فأبى جابر وقال: رحلتي إلى الله ، والله لا أجلس أبداً، فمشي شهراً وعاد شهراً ، غدوة شهر ورواحة شهر!..
وللفت النظر فقط: فعبد الله بن أنيس هو الذي قتل خالد بن سفيان المشرك، فأعطاه صلى الله عليه وسلم عصاه وقال له : (( توكأ بها في الجنة))، والمتوكئون بالعصا في الجنة قليل ، فدخلت عصاه معه بره ، وسوف يبعث في العرصات وعصاه معه، وسوف يحضر الزحام عند الصحف والميزان والصراط وعصاه معه، وسيدخل الجنة وهو يتوكأ بها.


وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل

ونبي الله موسي عليه السلام ـ من قبل ـ ضرب أروع الأمثلة في طلب العلم ، وهو نبي معصوم يوحي اليه:
( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(الكهف: 60).

والزمخشري يقول في قصيدة ماتعة:


سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من ضرب غانية وطيب عناق



وقد قيل إن الذي يقهر نفسه أعظم ممن يفتح مدينة، والذي يقاوم هواه أجلُّ ممن يحارب جيشاً.


ومشتت العزمات ينفق عمره
حيران لا ظفر ولا إخفاق


كتب ابن عساكر الحافظ تاريخ دمشق في ستين سنة، فما ترك عالماً ولا أديباً ولا شاعراً ولا شاردة ولا واردة عن دمشق إلا سجَّلها.

اطلب ولا تضجر من مطلب
فآفة الطالب ان يضجرا

أما ترى الحبل بطول المدى
على صليب الصخر قد أثرا

أما ابن عبد البر فقد مكث مع كتاب التمهيد ثلاثين سنة ليلاً ونهاراً ، ثلاثون سنة مع الكتاب يفليه، يكتبه، ينسخه ، يشرحه، ثم يقول :


سمير فؤادي من ثلاثين حجة

وصقيل ذهني والمفرج عن همي

وقيل لأبي الطاهر السلفي: من أين لك هذا العلم؟
قال: من جلوس في بيتي مع الكتب سبعين سنة.

لا يصلح النفس ما دامت مدبرة
إلا التنقل من حال الى حال


وكان ابن تيميه إذا صعبت عليه مسألة استغفر ألف مرة، وقال تلاميذ الخطيب البغدادي له ـ وهم في سفر ـ حدِّثنا، فقال: نبدأ بالقرآن، فختمه كلَّه ثم حدثهم.

يا الله من أي معدن هؤلاء الرجال
اللهم إجعل همتنا كهمتهم وأعد للامة مجدها وعلوها


بارك الله لأمتي في بكورها
هكذا قالها الصادق الذي لا ينطق عن الهوى عليه أفضل الصلاة والسلام فإذا أردت عملاً فعليك بالصباح فإنه أسعد الأوقات.
ولا تقف، فإن الملائكة تكتب، والعمر ينصرم، والموت قادم، وكل نَفَسٍ يخرج لن يعود.