بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، محمد بن عبد الله الرسول الأمي الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين




يقول الله في كتابه العزيز (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت 33.


لقد كانت الجيوش الإسلامية في فتوحاتها تتضمن الواعظ في الجيش ، المحرض على القتال وحب الشهادة ، القارئ للقرآن والمذكر بأن الله ناصرهم ولو بعد حين ، وهذا أراه اليوم على هذه الصفحة حيث وقفتن اخواتي الكريمات موقف الواعظ للجيوش الإسلامية ، وقبل أن أقول كلمتي القصيرة أحب أن أعرض عليكم هذا الموقف من معركة اليرموك والتي كانت من أكبر معارك المسلمين حيث غيرت موازين القوة في العالم ودحرت الروم وألحقت بهم الهزيمة وقد كان الروم الصليبيين في جيش كامل العتاد مقداره أربعون ومائتي ألف مقاتل بينما كان جيش المسلمين في سبع وعشرون ألفاً ...


فبعد أن وصل الخبر إلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال «والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد» وأرسل إليه وكان بالعراق وقتها يهد عرش الأكاسرة بحسامه البتار، وأمره بالانتقال بأقصى سرعة لنجدة المسلمين بالشام، فلبى القائد الفذ أوامر خليفته وأخذ معه نصف الجيش وتعداده تسعة آلاف، وقام بخطوة في غاية الجراءة والشجاعة حيث اخترق صحراء قاحلة محرقة لا يجسر أحد على اختراقها ليختصر المسافة الطويلة لأقل من نصف الوقت وهو يهتف قائلاً: «لابد أن أخرج من وراء جموع الروم فلا تحبسوني عن نصرة وغياث المسلمين» ووصل البطل بجيشه الخفيف في خمسة أيام، وفي الطريق فتح عدة مدن كانت خاضعة للروم مثل «تدمر» و«بهراء» و«قراقر» و«بصرى» فاستبشر المسلمون بذلك.

تكامل جمع المسلمين بوادي نهر اليرموك ستة وثلاثين ألفًا، واجتمع خالد مع باقي قادة الجيش ولاحظ أمرًا في غاية الخطورة يؤدي حتمًا للهزيمة، ألا وهو أن المسلمين منقسمون على أنفسهم وسوف يقاتلون الروم متساندين، ومعنى كلمة متساندين أي أن كل جيش سيكون تحت طاعة وإمرة قائده فقط، أي أن المسلمين سيكون لهم خمسة قواد في القيادة العامة وهذا عين الخذلان والفرقة، فوعظهم خالد بن الوليد وحذرهم من خطورة ذلك، وأن الخليفة لا يرضاه أبدًا، فاقتنع باقي القادة بفكرة خالد وهي أن يكون لكل يوم من أيام المعركة قائد واحد أي يتبادلون الإمارة فيما بينهم.

أصبح خالد بن الوليد القائد العام للجيوش الإسلامية، فعمل على تنظيمها على شكل كراديس [كتائب] لتبدو للناظر كثيفة، وجعل على رأس كل كردوس بطلاً من الأبطال المشهورين، وأعطى النساء في مؤخرة الجيش سيوفًا يضربن بها الفارين من أرض القتال، وجعل أبا سفيان واعظ الجيش والمقداد بن الأسود قارئ سور الجهاد والشهادة، وحميت النفوس واشتدت العزائم، وحاول القائد العام للرومان «ماهان» عرض أموال طائلة على المسلمين ليرجعوا عن القتال، ولكن خالد رفض هذا العرض الدنيوي الرخيص لأن المسلمينما خرجوا للدنيا، بل لله وللإسلام ونشر الدعوة.

وفي يوم 5 رجب سنة 13هـ اندلعت أعظم معارك الإسلام على أرض الشام بين الحق والباطل ودارت رحى حرب لم يذق أو يخض الرومان مثلها، فقد كان القتال يوم اليرموك على أشده وثبت كل من المسلمين والرومان يومها ثباتًا عظيمًا، حتى صار القتال مثل الرحا، فلم يُرَ يومها إلا مخ ساقط، وكف نادر، ورأس طائر، وتصافح المسلمون والرومان بسيوفهم، وظل خالد يضرب بسيفه من طلوع الشمس لغروبها وصلى الناس إيماءً، ووقعت عدة مشاهد رائعة هائلة في أرض المعركة منها:


1ـ مشهد أول من استشهد من المسلمين، والرسالة التي حمّله إياها أبو عبيدة بن الجراح إلى الرسول .

2ـ مشهد مبايعة عكرمة بن أبي جهل وأربعمائة من سادة المسلمين الله عز وجل على القتال حتى الشهادة.

3ـ مشهد كتيبة خالد التي تجاوز عددها مائة مقاتل، والتي ردت هجوم خمسين ألفًا من الرومان.

4ـ قتال نساء المسلمين وبطلتهم الجسورة «أسماء بنت يزيد الأنصارية» التي قتلت تسعًا من الروم بعمود خيمتها.

5ـ فطنة خالد في التعامل من الرسالة التي جاءت من المدينة بوفاة الصديق واستخلاف الفاروق وعزل خالد من القيادة العامة، حيث كتمها حتى لا يفت ذلك في عضد المجاهدين.

6ـ الحوار العجيب الذي دار بين خالد بن الوليد و«جرجة» والذي انتهى بإسلام جورج وانضمامه لجيش المسلمين ضد إخوانه الرومان ثم استشهاده في القتال، وهذا من أعجب المشاهد.

وعلى الرغم من ضخامة الجيوش الرومانية واستعدادها للقتال لفترة طويلة، إلا إن الصحابة أطفئوا نارهم وقضوا على قوتهم وطحنوهم في يوم واحد فقط، ولم تكد شمس اليوم تغرب حتى كان نصر الله قد نزل على المسلمين وهزم الروم هزيمة مدوية كسرت عمودهم الفقري ببلاد الشام، وتساقطت بعدها المدن والحصون الشامية.


فمن أين أتت تلك الهمة العالية ؟ ومن أين اتى النصر ؟


إن النصر أحبتي في الله من الله ، فما كانت غاية المسلمين انذاك إلى النيل بالنصر أو بالشهادة أفيخذلهم الله وقد أتوه تاركين كل ما ورائهم طمعاً في رضاه ؟!! لا والله ما يخذلهم أبداً

عادة ما نلوم زماننا ونلوم ولاة أمورنا على ما نحن فيه من ذل وخضوع ونسينا قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فالبداية تكون بي وبك وبكِ وكان حقاً على الله نصر المؤمنين ...


أخي المؤمن / أختي المؤمنة : يجب أن تسأل نفسك دوماً أين أنا ؟ أين أقف ؟ هل انا في طاعة الله

فإن كنت في طاعة الله فطوبى لك ثم طوبى لك فأكثر من الخيرات تكن من الناجين
وإن لم تكن في طاعة الله فباطن الأرض خير لك من ظاهرها


ألا تعمل لجنة رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن ناشئها ؟!

يا أخي إن سلعة الله غالية يا أخي غن سلعة الله الجنة فسارع كما أمرك الله (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)


وخشية الإطالة سوف أوجز لكم مراحل النهضة بالنفس :


* يجب أن نحدد مكاننا الذي نقف فيه أولا ونشعر بتقصيرنا في عبادة الله وضائلة أنفسنا أمام عظمة الله (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)

* يجب أن نرى كيف نعصى الله ويمهلنا ،ونستغل فرصة حياتنا لإصلاح حالنا أو للإستزادة من العمل الصالح (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ)

* يجب أن نعلم ان الموت يأتي فجأة وليس له مقدمات وان الحياة قصيرة إذا ما قورنت بما بعدها "الدنيا ساعة فاجعلها طاعة "

* يجب أن نعلم ان الدنيا دار عمل والآخرة دار حساب فنكثر من العمل الذي يقربنا إلى الله .

* يجب أن نعلم ان خير مقام الرجل هو الدعوة إلى الله فهي مقام الأنبياء فلنقتدي بهم

أخوتي الكرام إن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالح ، فلنترك المعاصي ونلتحق بركب التقاة ونسأل الله أن يغفر لنا ما سلف (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)


اخوتي الكرام ألا تحب ان يتباهى الله بك أمام ملائكته ؟


فكن لله عبداً خاضعاً محباً له يحبك الله ومن احبه الله فقد فاز فوزاً عظيماً .


ألا أنهض وسر في سبيل الحياة *** فمن نام لم تنتظره الحياة


حياكم الله .