عصيان الكنيسة!

محمود سلطان | 09-06-2010 00:48

اتصلت بي ـ صباح أمس ـ الـ بي بي سي، وطلبت مني أن أكون ضيفا في حلقة بشأن "تحدي" الكنيسة للقضاء ولسلطة الدولة.

عرفت من المعد أن البرنامج مُسجلا، فرفضت العرض فورا، وقلت: سأحضر حال كان حيا وعلى الهواء مباشرة للحيلولة دون العبث فيما سأدلي به من تصريحات.. وذلك لسابق علمي بموقف الـ بي بي سي المنحاز للتطرف القبطي في مصر، والتعاطي مع الملف الطائفي بمنطق "الخدمة" على أجندات أمنية للقوى الدولية في المنطقة.

وفي هذا السياق وصلني عبر إيميلي الشخصي، بيان صادر من مؤسسة قبطية، تدعو من وصفهم بـ"شرفاء" الداخل والخارج بالتظاهر ومناصرة البابا شنودة ضد دعاة "الدولة الدينية"!.
البيان ـ فعلا ـ كان "نكتة" إن لم يكن وثيقة تعكس حجم "سذاجة" النشطاء الأقباط المتصدرين المشهد القبطي باعتبارهم "نخبة" الأقباط في مصر.. إذ لأول مرة ـ في التاريخ ـ نعرف أن تحدي الكنيسة لأحكام القضاء وإعلانها أنه لا ولاية عليها إلا تفسيرات البابا اللكتاب المقدس.. لأول مرة نسمع أن ذلك "نضالا" من أجل الدفاع عن "الدولة المدنية"!

ما فعله البابا والكهنة التابعون له، هو أكبر تحد للدولة المدنية.. فالرجل يرفض أحكام القضاء الذي يعتبر أحد أهم تجليات الدولة المدنية، ولا يقبل إلا بما تصدره المحاكم الدينية داخل الكنيسة.. ما يجعل من الأخيرة ـ فعلا لا ادعاءا ـ سلطة دينية موازية ومستقلة عن السلطات المدنية للدولة وفي مقدمتها القضاء.

هنا ـ في المصريون ـ سبق لنا أن حذرنا من هذا التوجه ومن هذه النزعة الانفصالية عن الدولة الأم، وسعي البابا إلى أن يجعل من نفسه مناط الولاء والبراء ومحور الكون ومركزه، ومعاقبة كل من يستخدم عقله وضميره الوطني بالشلح والتكفير والطرد والحرمان من هويته الكنسية التي أحالها البابا في الضمير الجمعي القبطي إلى هوية مستقلة عن هوية الدولة المصرية.

الكنيسة بقيادتها الحالية هي أكبر تهديد للدولة المدنية، وإن لم يأخذ المثقفون المصريون على يدها، ويكفوا أذاها عن الأقباط وللبلد، فإن صدقية مشروع الإصلاح السياسي الداعي إلى تعزيز مدنية الدولة، سيكون محض كلام في الهواء.. وإذا كنا فعلا دعاة للمدنية وللحداثة السياسية، فإن ثمة ما يفرض على النخبة الانتظام في خندق واحد ضد هذا التوجه الظلامي.. وارغام رجال الدين المتطرفين على احترام السلطة القضائية وأحكامها وذلك بالتقاضي في دوائر أعلى أو أمام المحكمة الدستورية.. دون المساس بهيبة الدولة وقضائها وإطلاق الكلام الجارح في حق المحاكم المصرية.. وإذا لم تنصاع الكنيسة لصوت العقل والتوسط والاعتدال فلا خيار إلا تنفيذ القانون .. والنص في هذا السياق ثابت ومستقر: وهو الحبس والعزل من المنصب.

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=32228