دوران الأرض حول الشمس

في المقال السابق شرحنا في ضوء القرآن الكريم شكل الأرض ودورانها حول نفسها بالتكوير والإيلاج والإغشاء والانسلاخ لليل والنهار بسبب هذه الحركة المغزلية للأرض ( وسباحتها في فلكها حول محور مائل على مستوى هذا الفلك دون أن تميد بنا أو تترنح! وختاماً لهذه الحركة المغزلية للأرض نذكر وصف الله سبحانه وتعالى الجبال أي الرواسي الراسخة كنعمة كبرى تمنع الأرض أن تميد أو تضطرب بالناس أثناء حركتها كما في قوله تعالى في آيات ثلاث هي على الترتيب حسب نزول الوحي:

)خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ([لقمان: 10].

)وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً ([النحل: 15].

)وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ([الأنبياء: 31].

والخطاب في آيتي لقمان والنحل للناس كافة أما ضمير الغائب في آية الأنبياء فراجع إلى الذين كفروا إذ يذكرهم الله بعجائب قدرته وحكمته عسى أن يؤمنوا به وحده كما في سياق الآية في قوله سبحانه:

)أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون. وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم ([الأنبياء: 30 ـ 31].

وهذه الآيات تشمل معجزات كونية خاصة بالجاذبية والانفجار العظيم ثم التمدد ( الرتق والفتق) ومعجزة الماء كأصل الحياة ثم الجبال الرواسي كأحد عوامل التوازن للكرة الأرضية أثناء حركتها لأن عبارة ( أن تميد ) أي: خشية أن تضطرب بكم وفي القاموس العربي ماد يميد ميداً وميداناً بمعنى تحرك وراغ وترنح كترنح السكران وهذه إشارة واضحة إلى حركة الأرض الأصلية دون ترنح كما يقول المرحوم الدكتور الغمراوي[3] وأن الذي يخشى منه أن يميد ويضطرب هو الجسم المتحرك وليس الساكن أي: أن الأرض التي تحملنا متحركة.

وكما ذكرنا سابقاً أن حركة الأرض لم تكن معروفة للمفسرين القدامى وإنما الأرض كانت في نظرهم ساكنة ( كما كانت عند الناس أجمعين حتى الفلاسفة ) ولذا ردوا احتمال اضطراب الأرض أثناء الزلازل إلى ما يحيط باليابسة من بحار وكأنما الأرض سفينة فوق الماء!! يخشى أن تضطرب بها لولا أن ثقلها الله بالجبال ولهذا قال المفسرون: بأن وتدية الجبال في قوله تعالى: )والجبال أوتاداً ( بأنها تثبت الأرض كما تثبت الأوتاد الخيمة وبهذا كان ككب الأرض ساكناً في نظرهم ولم يدركوا أن الجبال تثبت الألواح القارية فقط وصحيح أن اضطراب الأرض كارثة كما نشعر به لحظة الزلزال المؤقت والمفاجىء تماماً كاضطراب السفينة في البحر أو الطائرة في الهواء عند العواصف.

وليتصور كل الناس ماذا يكون حالهم لو أن ذلك الاضطراب استمر بهم طوال الحياة على مدى حركة الأرض اليومية والسنوية وعليهم أن يشكروا لله على الأرض وهي تحملهم وتجري بهم لأنها حقاً سفينة فضاء إلهية متزنة على الدوام ( فيما عدا الزلازل المؤقتة ).

إن الأرض كرة ـ أو كالكرة ـ تدور مغزلياً أمام الشمس من المغرب إلى المشرق دورة كاملة يومياً حول محور مائل كما ذكرنا يصنع 23.5 درجة مع مستوى فلك دوراتها حول الشمس ولقد تم حديثاً اكتشاف ترنح هذا المحور ببطىء شديد في دورة تستغرق 26 ألف سنة ( وبهذا لا نشعر بهذا الميدان ) ويتوقع العلماء طبقاً لهذا الترنح المحوري البطيء الغير ملموس بأنه بحلول سنة 10000 ميلادية في المستقبل سيصبح هذا المحور مشيراً إلى نجم ساطع آخر يدعي ذنب الدجاجة ( بدلاً من النجم القطبي حالياً ) وفي سنة 13000 ميلادية سيكون مشيراً إلى نجم النسر الواقع ثم يعود سنة 28000 مشيراً إلى النجم القطبي مرة أخرى وبهذا فالأرض تترنح أو تميد ببطىء أثناء دورانها المغزلي وحتى لا نشعر بهذا الترنح فقد أرسى الله فيها الجبال كما في قوله تعالى: )وألقى في الأرض رواسيَ أن تميد بكم وأنهاراً([النحل: 15]....وهذا الدوران المغزلي يسمى لغوياً دروراً والدرور في الأرض ثابت المقدار والاتجاه طبقاً لسنة كشف عنها نيوتن بأن أي جسم متحرك بانتظام لا تتغير حركته في المقدار أو الاتجاه إلا بقوة خارجية تؤثر فيه.. ولقد صان الله الأرض منذ فطرها على تلك الحركة المغزلية اليومية المنتظمة عن كل قوة عارضة كي تدوم حركتها تلك إلى ما شاء الله أي: إلى أن يشاء الله طلوع الشمس من مغربها كما جاء في الحديث الشريف وهذا من الممكن علمياً أن يحدث... فالشمس وهي تجري بنا ( في الفضاء بسرعة 12 ميلاً في الثانية لأننا تابعون لها ) قد تقترب من نجم أكبر منها يغلبها على الأرض بالقدر الذي ينعكس به اتجاه دورانها المغزلي حول محورها فيصير المشرق مغرباً والمغرب مشرقاً!! وعندئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها ما لم تكن آمنت من قبل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

ومن المعروف في قوانين الحركة المنتظمة أن الجسم المتماثل في الكتلة حول محور لا يضطرب ولا يميد إذا دار حول ذلك المحور بل ويبدو لنا ساكناً كما في حالة دوران الكرة الأرضية التي ما زال العامة ينكرون دورانها.

والأرض في الواقع لا تميد أثناء دورانها المغزلي... والله سبحانه فاطر الأرض ومرسي جبالها ينبىء عباده في الآيات الثلاث السابق ذكرها أنه أرسى الجبال فيها بحيث يمتنع ميدان الأرض واضطرابها... وهذا معناه إشارة علمية تؤكد أن الجبال موزعة على جانبي المحور بالتساوي بحيث تتماثل الكتلة في نصفي الأرض.. فهل أدرك العلماء هذه الحقيقة القرآنية التي تسبق العلم بالإشارة إلى حركة الأرض وأن الجبال ذات كتل متماثلة بالنسبة لمحور الأرض حتى لا تميد ولا تضطرب أثناء حركتها وتكون الأرض مستقراً متوازناً ومتاعاً إلى حين لكل البشرية في حركة منتظمة لدرجة أنهم يحسبونها ساكنة لا يدركون حركتها المغزلية حول نفسها أو الانتقالية في الفضاء الكوني.

ثالثاً: دوران الأرض حول الشمس:

لقد لبث الناس عامتهم وخاصتهم كما ذكرنا قروناً بعد نزول القرآن وهم يعتقدون أن الأرض ثابتة لا حراك بها، إذاً ليس للأرض حركة محسوسة في الظاهر كحركة الشمس الظاهرية من المشرق إلى المغرب. ولو أن القرآن الكريم صارح الناس عند نزوله بحركة الأرض وهم يحسبونها ساكنة لكذبوه وحيل بينهم وبين هدايته، فكان من الحكمة البالغة ومن الإعجاز البلاغي في الأسلوب أن ينبه الناس في كتاب الله إلى آياته سبحانه في حركة الأرض حول محورها كما ذكرنا في البند السابق وفي حركتها حول الشمس بمختلف الإشارات إلى نتائج هاتين الحركتين بأسلوب يحثنا على البحث فيهما ويشعرنا بنعمة الله علينا نتيجة تحرك الأرض ولقد أشار القرآن للحركة الانتقالية الدورانية للأرض حول الشمس في قوله تعالى.

)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء ([النمل: 88].

والسحاب كما هو معروف لعلماء الطبيعة الجوية لا يتحرك بذاته ولكن ينتقل محمولاً على الرياح فكذلك الجبال يراها الرائي فيظنها جامدة في مكانها بينما هي في الحقيقة تمر مسرعة محمولة أيضاً ولا يراها الإنسان كذلك لأنه يركب نفس القطار، وليس للجبال والناظرين إليها حامل إلا الأرض التي تنطلق مسرعة في الفضاء الكوني كما تسرع الرياح بالسحاب وكلا الأمرين من صنع الله الذي أتقن كل شيء فهو سبحانه الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً وهو الذي يحرك الأرض فتحمل الجبال التي تمر مر السحاب وهذا تفسير علمي لظاهرة كونية فيها من إتقان الصنع ما يدل على جلال حكمة الله وقدرته سبحانه.

ولقد أخطأ المفسرون القدامى عندما اعتبروا هذه الآية إشارة إلى نسف الجبال نسفاً يوم القيامة! ولهم عذرهم في ذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون أن للأرض حركة ما، لا يومية ولا سنوية، وبهذا حرفوا المعنى عما يقتضيه المعنى العلمي في الآية الكريمة وأهملوا الإعجاز البياني في التعبير القرآني الذي يمنع اللجوء للتفسير الأخروي للأسباب التالية:

1ـ الجبال يوم القيامة لا وجود لها لأنها سوف تتناثر وتنسف كما في قوله تعالى:

)ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ([طه: 105].

)وإذا الجبال سيرت ([التكوير: 3].

فكيف ينظر الإنسان إلى الجبال المنسوفة وليس عنده مجال يومئذٍ للتأمل في الجبال أو غيرها في وقت تسوده الأهوال والشدائد كما في قوله تعالى:

)يوم يفرُّ المرءُ من أخيه ([عبس: 34].

)لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه ([عبس: 37].

2ـ قوله تعالى: )تحسبها جامدة ( يكون في الدنيا وليس الآخرة فالدنيا دار الظن والحسبان بينما الآخرة دار اليقين كما في قوله تعالى:

)ثم لترونها عين اليقين ([التكاثر: 7].

3ـ قوله تعالى في ختم الآية: )إنه خبير بما تفعلون (.أي: عالم بما تفعلونه الآن في الدنيا فالآخرة دار جزاء وليست دار عمل أو فعل.

4ـ قوله تعالى: )صنع الله الذي أتقن كل شيء (. يشير إلى الدنيا لأن الخراب والدمار والنسف يوم القيامة لا يسمى صنعاً ولا يدخل في حيز الإتقان.

وكما يقول المرحوم الدكتور الغمراوي: والزمخشري وحده هو الذي أدرك بذوقه البياني عدم التلاؤم بين قوله تعالى: )صنع الله الذي أتقن كل شيء (وبين التفسير بما سيجل بالجبال من دمار بين يدي الساعة، فقدر محذوفاً يليق في رأيه بذلك الصنع المتقن إذ قال: ( والمعنى يوم ينفخ في الصور، وكان كيت وكيت، أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ). ثم قال: ( صنع الله ) يريد به الإثابة والمعاقبة. وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب، إلى آخر ما قال مما رفضه غيره مثل أبي حيان ولو أنهم جميعاً لم يدركوا إشارة هذه الآية لحركة الأرض!.

ولو عرف الزمخشري وأبو حيان ما نعرفه اليوم من دوران الأرض حول الشمس بتلك الكيفية الباهرة وجريانها في الفضاء، وما يحكمها من تلك السنن الإلهية الدقيقة وما يترتب عليها من المنافع للناس، إذن لكبروا الله وتسارعوا إلى المعنى المتبادر من الآية ومن تشبيهها التمثيلي ومن القرائن الحسية والبلاغية فيها ولفهموا الخطاب في: )وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ( على أنه خطاب للإنسان الآن في عصر العلم وفي كل عصر آت، يدله على آية من آيات الله الكبرى عله يهتدي بها إلى الله، كما دله سبحانه في الآية التي قبلها بآيتين على الحركة المغزلية للأرض في قوله تعالى: )ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون ([النمل: 86].

والسياق ودلالته على حركات الأرض في الدنيا يسقط حجة قدامى المفسرين بأن آية )ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين ([النمل: 87].

في موضعها بين الآيتين إشارة للتفسير الأخروي لزوال الجبال يوم القيامة [ ويقول فضيلة الإمام الشيخ الشعراوي أن التشبيه القرآني ( مر السحاب ) يجعلنا نتساءل.

لماذا لم يقل الله سبحانه ( مر الرياح ) أو ( مر العواصف ) أو ( مر الأمواج ) أو أي لفظ آخر.. لأن السحاب لا يتحرك بنفسه بل تدفعه قوة ذاتية هي قوة الريح وبهذا ينبهنا الله تعالى أن حركة الجبال هنا ليست حركة ذاتية كحركة الأرض وليست حركة ذاتية كحركة الرياح ولكنها تمر أمامكم مر السحاب أي: تتحرك بحركة الأرض وإلا فلماذا لم يقل الله... وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تسير أو وهي تجري أو وهي تتحرك...؟ لأنه سبحانه يستبعد الألفاظ التي تعطي للجبال ذاتية الحركة وهذا إعجاز.

وبهذا يتضح لنا أهمية مراجعة ما ورد في التفاسير القديمة للآيات الكونية من آراء فالمفسرون بشر يؤخذ من كلامهم ويرد... ولو تدبرنا سياق آيات [ سورة النمل: 86 ـ 88] لعرفنا الحكمة الإلهية للأسلوب القرآني في التعبير عن حركات الأرض بالإشارة وليس بصريح العبارة حتى لا يصدم الناس فيما يعتقدون من سكون الأرض فيكذبوه وبشرط ألا ينافي الحقيقة الكونية فيكون ذلك داعياً إلى تكذيبه إذا تقدم العلم وكشف عن حركات الأرض وهذا من أعجب عجائب القرآن الكريم التي لا تنتهي... هذا الأسلوب القرآني في التعبير عن الحقائق الكونية أو في دلالة أدلى العلم عليها أمر يعجز عنه البشر ولا يقدر عليه إلا الله الذي أنزل القرآن بالحق هدى للناس وأنزله سبحانه مفصلاً على علم كما في قوله تعالى: )ولقد جئناهم بكتابٍ فصلناه على علم هدًى ورحمة لقوم يؤمنون ([الأعراف: 52].

حقاً فلقد ثبت علمياً أن الأرض تدر حول الشمس مرة كل 365.25 يوماً بسرعة مدارية قدرها في المتوسط 67000 ميل / ساعة وذلك في مدار نصف قطره المتوسط 93 مليون ميل وبهذا فهي ترمح في مدارها دون أن تقذف بنا من على سطحها...

وبالرجوع لآيات النمل [86 ـ 88] نجد أن الآية الأولى تشير إلى ظاهرة تنشأ من إحدى حركتي الأرض وأعني الحركة المغزلية بتبادل الليل والنهار كما في قوله تعالى.

)ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً ([النمل: 86].بينما تشير الآية الثالثة إلى الحركة الأخرى للأرض في قوله تعالى: )وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ([النمل: 88].

رابعاً: حركة الأرض مع الشمس:

عرفنا منذ القرن السادس عشر أن الأرض تدور حول نفسها حول الشمس ثم أتضح في القرن العشرين: أن الشمس ليست ساكنة في مركز المجموعة الشمسية بل تتحرك حركتين داخل مجرة سكة التبانة كما يلي:

1ـ تتحرك الشمس فتجري بالنسبة لما حولها من نجوم المجرة بسرعة 43 ألف ميل / ساعة نحو نجم النسر الواقع.

2ـ تدور الشمس في نفس الوقت حول مركز المجرة بسرعة أخرى مدارية قدرها 54 ألف ميل / ساعة.

وحيث أن المجموعة الشمسية ( بكواكبها التسعة بما فيهم الأرض وأقمارها بما فيهم قمر الأرض وبحزام الكويكبات وكذلك المذنبات ) تابعة للشمس فإننا على الأرض سوف نجري مع الشمس في الحركة الأولى وندور مع الشمس في الحركة الثانية داخل المجرة.

ومن المدهش حقاً: أن هاتين الحركتين اللتين تم قياسهما حديثاً لأول مرة باستخدام الإزاحة الضوئية لدوبلر مذكورتان في القرآن الكريم بصريح العبارة كما يلي:

أـ جريان الشمس:

يقول سبحانه: )والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم (]يس: 38].

والفعل (تجري ) ينطبق نسبياً في أعين الناس على حركة الشمس الظاهرة يومياً من المشرق إلى المغرب وهي حركة خادعة للشمس لأن المتحرك هو الأرض وهي تدور حول نفسها من المغرب إلى المشرق فتبدو لنا الشمس تجري نسبياً في الاتجاه المضاد تماماً لحركة الشجر إذا نظرت إليه من شباك القطار... ولم يدرك المفسرون القدماء أصل هذا التحرك الظاهري للشمس واعتبروه جرياناً حقيقياً للشمس حول الأرض يومياً تماماً كما في النظرة الإغريقية الخاطئة لسكون الأرض ودوران الشمس حولها... وللمفسرين عذرهم بترك حقيقة لفظ: (تجري) واللجوء إلى المجاز بينما الفعل في حرفيه يعبر عن حركة حقيقة ذاتية للشمس أثبتها العلم الحديث وقدرها بسرعة 43 ألف ميل / ساعة والفعل يدل، ليس فقط على حركة انتقالية ذاتية للشمس ولكن أيضاً على عظم تلك الحركة إذ الجري طبعاً أدل على السرعة من المشي أو السير... كما أن الانتقال الظاهري اليومي للشمس في قبة السماء أمام أعيننا ليس جرياً بل خداعاً... وبهذا فقوله سبحانه: )والشمس تجري (معجزة علمية عظمى لم تخطر لأحد على بال حتى كشف عنها علم الفيزياء الفلكية بعد أن تهيأ له من آلات الرصد والأطياف ومن المقدرة على تفسير النتائج بالإزاحة الدوبلرية مما أدى على هذا الكشف العظيم في منتصف هذا القرن العشرين وسبحان الله كتلة من النار قدر كتلة الأرض 333 ألف مرة تقريباً تجري في ملكوت الله بسرعة 43 ألف ميل / ساعة.



الشمس تجري بالنسبة لما حولها من نجوم المجرة بسرعة 43 ألف ميل / ساعة نحو نجم النسر

ثم كيف لا يكون في إخبار القرآن بجري الشمس هكذا قبل العلم الحديث بحيث تمر القرون بعد نزول القرآن والبشرية كلها في غفلة عن جريها وجهل به دليل قاطع وبرهان ساطع على أن القرآن أنزله رب الشمس سبحانه الذي فطرها وقدر لها ذلك الجري وجعل أرضنا تجري تابعة لها ضمن أعضاء المجموعة الشمسية؟... إن في ذلك لآية لقوم يفعلون.

فانظر عزيزي القارىء كيف أثبت العلم الحديث صدق ما ينتجه الإيمان بالقرآن من قوله تعالى: )والشمس تجري ( إذا اتبعت الدقة في تطبيق القاعدة البلاغية التي تقضي بألا نلجأ في تفهم الآيات القرآنية الكونية عن الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية في سياق الكلام.. فإذا قال الله: إن الشمس تجري فإنها تجري حقيقة وليس مجازاً... ثم تأمل بالغ حكمة الله في أن جعل جري الشمس حقيقة في الفضاء يتفق خبرة مع الجري الظاهري كعبرة وهدى للناس حتى إذا كشف العلم عن جري الشمس الحقيقي نحو نجم النسر الواقع ظهر الإعجاز العلمي للقرآن ليقنع كل ذي عقل أن القرآن حقاً من عند الله ويثبت صدق النبوة وعالمية الرسالة. وانظر إلى المعجزة العلمية الكبرى المتمثلة في عبارة )والشمس تجري (وقد أخطأ علماء الفلك القديم حين فسروا الشروق والغروب بأن الشمس مثبتة في فلك كرى مادي يدور بها يومياً حول الأرض وبهذا اعتقد فلاسفة اليونان بأن حركة الشمس غير ذاتية ولقد وجد هذا التفسير الخاطىء طريقه إلى كتب التفسير ليس فقط فيما يتعلق بالشمس ولكن أيضاً بالقمر وقد اعتبرهما فلاسفة اليونان من الكواكب السيارة وهي كلها في نظرهم مثبتة في أفلاك كرية شفافة مجوفة بعضها داخل بعض ومركزها جميعاً الأرض الساكنة في نظرهم... وكان علينا نحن المسلمين فهم الجري في قوله تعالى: )والشمس تجري (والسبح في قوله تعالى: )كل في ذلك يسبحون (بالمعنى الحقيقي وليس المجازي فمستحيل أن يكون في القرآن شيء من الباطل أو الخداع... ولقد تمسك المفسرون للأسف بالأرض الساكنة ودوران الأجرام حولها ظاهرياً وعندما فسروا )والشمس تجري (وقالوا: إنها تجري من المشرق إلى المغرب يومياً وحين سألهم أهل عصرهم أن نص الآية يؤكد الجريان لمستقر ولكنها تطلع علينا في اليوم التالي دون أن تستقر؟ فقال البعض: تقرأ الآية: ( لا مستقر لها ) بدلاً من: ( لمستقر لها ؟)... وهكذا وصل الأمر إلى تغيير النص بدعوى اختلاف القراءات؟ وأنا أعترض بشدة على هذا لأن لفظ: ( لا مستقر لها ) يتعارض مع الآية الشاملة: )كل يجري لأجل مسمى (...وصدق الله تعالى: )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (.والشطر الثاني من هذه الآية: )لمستقر لها (يؤكد جريها في اتجاه معين قد يكون نحو نجم النسر الواقع أو قد يكون نحو ثقب أسود لتستقر في باطنه إلى غير رجعة!.. وتنكير المستقر يشير إلى عظيم شأنه وهو آثاره... ومن الواضح أن هذا المستقر الذي ينتهي إلى جري الشمس أمر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله العزيز العليم الذي قدر الجري على هيئته ينتهي إلى غايته في الوقت الذي استأثر سبحانه بعلمه مشيراً إلى وفاة الشمس في المستقبل قبل أو أثناء قيام الساعة.. وكما دل التنكير على عظم شأن المستقر الذي تنتهي إليه الشمس في جريها الحقيقي فإنه أيضاً قد سمح لأكثر المفسرين أن يذهبوا في معنى المستقر إلى ما يتفق وجري الشمس الظاهري وتغير مواقعها في الشروق والغروب على مدار العام وترددها الظاهري كل عام بين أقصى موقعين تبلغهما في الشتاء والصيف لا تتعداهما بحال فكل موقع من هذين الأقصيين هو لها مستقر في نظر المفسرين في الشتاء مرة وفي الصيف مرة لأنهم يقررون أن الشمس إذ تبلغ أحد الموقعين تبدأ ترجع أدراجها حتى تبلغ الموقع الآخر في ستة اشهر وليس هذا باستقرار إلا على وجه مجازي وللمفسرين عذرهم لأنهم لا يعرفون أن التحرك الظاهري للشمس هو نتيجة دوران الأرض حول نفسها كل يوم وحول الشمس كل عام... وبهذا يتضح من الإعجاز في آية سورة يس: )والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (صنوفاً لا حصر لها ولا يكاد الإنسان يقضي حقها عجباً: آية من أربع كلمات تحوي في كلمتين )والشمس تجري (معجزة علمية كبرى وتحوي في كلمتين أخريين )لمستقر لها (نبوءة مذهلة باكتشاف جريان الشمس نحو نجم النسر الواقع علاوة على الإعجاز البلاغي في مراعاة مقتضى الحال إذ تحمل في كل من شطريها تأويلاً يتفق مجازاً مع الظاهر للناس من حركة الشمس النسبية الخادعة حتى يهتدي بها عوام الناس العاديين في كل عصر وخواصهم من العلماء في عصر العلم وسبحان الله فالقرآن يخاطب كل الناس على اختلاف عقولهم وزمانهم والمهم هنا: أن الأرض تجري مع الشمس في الفضاء الكوني.

ب ـ سباحة الشمس في فلكها حول المجرة:

لقد أوضحت المراصد حديثاً: أن الشمس نجم في مجرة سكة التبانة التي تحتوي على 130 تليون نجم ( شمس ) مثل شمسنا موزعة على قرص المجرة المنتفخ في المركز بسمك عشرة آلاف سنة ضوئية وقطر المجرة مئة ألف سنة ضوئية وتقع الشمس على بعد 33 ألف سنة ضوئية عن المركز وذلك في أحد الأذرع الذي يدور بالشمس حول هذا المركز مرة كل 250 مليون سنة بسرعة مدارية للشمس قدرها 540 ألف ميل / ساعة شكل ( 2 ) فيا لها من سرعة هائلة ثابتة لشمسنا ولأرضنا المصاحبة لها دون أن نشعر بدوار لهذا الفلك الدوار والذي أشار إليه القرآن الكريم مرتين في قوله تعالى:

)لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ([يس: 40].

وقوله سبحانه:

)وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ([الأنبياء: 33].

ولفظ السباحة في فلك تعبير عام لكل الأجرام السماوية فالطواف سنة الله في الكون والدوران انحناء المسار كنوع من أنواع السجود لله كما أن لفظ يسبح يؤدي المعاني العلمية التالية:

1ـ دوران الجرم حول نفسه وحول شيء آخر أي: دوران انتقالي للجرم مصحوباً بحركة مغزلية ذاتية من الجسم المتحرك وهذا يعطي مفهوم السباحة.

2ــ توازن الجرم في مداره بتعادل قوتين أحدهما الجذب العام لمركز الدوران والثانية رد الفعل وأعني القوة المركزية الطاردة خارج مركز الدوران تماماً كتعادل وزن الجسم السابح إلى أسفل مع الدفع إلى أعلا كما في قاعدة ارشميدس للطفو والسباحة.

3ـ وجود جميع الأجرام في الفضاء الكوني غارقة في إشعاعات الضوء المرئي وغير المرئي وأمواج الجاذبية والنيوترينو التي تملأ الكون وكأن الأفلاك كلها تعوم في وسط إشعاعي تموجي وهذا معنى السباحة في أمواج الإشعاع بدلاً من أمواج البحر فالأرض تسبح في مدارها حول الشمس والشمس تجرنا مع باقي أسرة المجموعة الشمسية لتسبح بنا في مدارها حول مركز المجرة وصدق تعالى:

)كل في فلك يسبحون ([يس: 40].

خامساً: جريان المجرة بشموسها في فضاء الكون:

لقد توصل العلم حديث أن مجرتنا سكة التبانة تحمل شموسها وتجري في الفضاء في إطار ظاهرة كونية مدهشة تدعى توسع الكون (the expanding universe)فلقد تبين أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض حالياً بمعدل 38 ألف ميل / ساعة لكل مليون سنة ضوئية فيما يسمى بثابت هبل سنشرحه في مقال آخر مصداقاً لقوله تعالى:

)والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ([الذاريات: 47].

وقوله تعالى في تعميم شامل لكل الكون من مادة وطاقة:

)كل يجري لأجل مسمى ([الرعد: 2].

فالكون لا يعرف السكون فكأن الحركة صفة سائدة تشمل حتى ما تراءى لنا ثباته وسكونه، كالحجر الذي يبدو على حد قول الشاعر المخدوع في سكونه ظناً وتوهماً:

( ما أحسن العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

هذا الحجر ليس بساكن ولا ملموم لأن كل ذرة منه بها اليكترونات تدور حول نواة كأنها الكواكب تدور حول الشمس.

نقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقي

إن المجرات تتباعد عن بعضها البعض حالياً بمعدل 38 ألف ميل / ساعة

وقد يكون الحجر قطعة من كوكب يدور أيضاً حول الشمس وصدق الله تعالى:

)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب (.

والآن قد عرفنا ست حركات للأرض في ظلال العلم والقرآن وهي على الترتيب:

دوران الأرض حول محورها ـ درور المحور ـ دوران الأرض حول الشمس ـ دوران الشمس حول المجرة ـ جريان الشمس نحو نجم النسر الواقع ـ جريان الشمس مع المجرة في الفضاء الكوني في ظاهرة تمدد الكون.

والمدهش: أن لكل حركة آية قرآنية تشير إليها علاوة على وصف جميع الأجرام السماوية ومنها الأرض بالجري ( كل يجري لأجل مسمى ) وبالخنس الجواري الكنس في إطار القسم الإلهي بصدق القرآن... وللأسف ما زلنا نجد في الفكر الإسلامي المعاصر من يدافعون عن سكون الأرض شرعياً لفهم خاطىء للآيات المذكورة ولقوله تعالى: )والأرض وضعها للأنام ( ويدعي هؤلاء أن الوضع معناه السكون.... وآخرون من بعض الدعاة في بعض البلاد الإسلامية يحرمون دراسة العديد من الحقائق العلمية مثل كروية الأرض وحركاتها بدعوى مخالفتها للنصوص الدينية في نظرهم والذين ضحكوا من منطق السماك في مسرحية السكرتير الفني لا بد أنهم سيجزعون عندما يعلمون أن بعض المدرسين في إحدى هذه البلاد تنقصهم الشجاعة ويجيبون على تلاميذهم إذا سألوهم عن كروية الأرض ودورانها بأن الكفرة الملحدين يقولون: أن الأرض كروية وأنها تدور!.. فهل نحن أمام جاهلية جديدة ترفع فوق موكبها الطالح أعلام الإسلام... فلا خوف يا سادة على الدين من العقل ولا حاجة لوصاية باسم الدين يفرضها الذين يجهلون حقائق العلم التجريبي على الذين يعلمونها وصدق الله تعالى:

)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (.

إن الذين أطلقوا للعقل العنان كي يبحث في ميدان العلوم قد وصلوا بالفعل المتحرر وحقائق العلم إلى حيث وطئت أقدامهم سطح القمر أما نحن فإن وصاية بعض الناس تمنعنا حتى اليوم من استخدام العلم في تحديد توقيت ظهور الهلال الجديد ولا زلنا نتمسك بأن العين المجردة هي وسيلة الرؤية الوحيدة! وأن الأرض ساكنة لا تتحرك بدعوى التمسك بالتراث كما فهموه بينما التراث بريء من هذه الجاهلية ولا تعارض بين القرآن والعلم كما أوضحنا إلا إذا ضل العلم طريقه أو أخطأ المفسرون في فهم الآية الكونية فهل تصدق الآن عزيزي القارىء أنك خلال ساعة واحدة قضيتها لتقرأ هذا المقال انتقلت ( دون أن تشعر ودون أن تغادر مكانك بالحجرة ) مئات الآلاف من الآميال دائراً حول محور الأرض أو حول الشمس أو حول مركز المجرة أو جرياً في الفضاء الكوني مع الشمس ومع المجرة وبسرعات تفوق أصغرها سرعة الطائرة النفاثة.. حقاً لقد نظرنا إلى الأرض فما رأينا فيها إلا سكوناً بينما هي تمر مر السحاب.. وهذا السكون الظاهري دليل العجز عن رؤية الحركة... وهل تعلم أن الله سبحانه وتعالى خاطب السماوات والأرض عند نشأتهما بلغة الحركة في قوله تعالى: )ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا: أتينا طائعين ([فصلت: 11].

والإتيان في ملك الله تعني الحركة وليس السكون... وهكذا عرضنا دلائل قرآنية لهذه الحركة بعلم اليقين بعيداً عن الظن والخداع والحسبان...

عموماً: الحركة عزيزي القارىء هي مظهر من مظاهر الوحدة في هذا الكون تشمل الصغير والكبير فهي في الذرة اليت صغرت حتى اختفت عن الأبصار وفي النجم الذي كبر وهال، والنجوم تجري بسرعات عظيمة ولكن العظيم له ما هو أعظم منه فلقد تبين أن السرعة العظمى في عالم الشهادة ( الكون المرصود ) هي سرعة الضوء في الفراغ طبقاً لمبدأ اينشتين كما سنبين ذلك علمياً وقرآنياً في المقال القادم إن شاء الله وبهذا تتحرك عقولنا نحو الله عن علم وتمتلىء قلوبنا بنور الله عز وجل عن معرفة وفكر وتأمل وهذا في نظري أسمى أنواع العبادة كما في قوله تعالى: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار([آل عمران: 190 ـ 191].
أ.د. منصور محمد حسب النبي(2)
أيضا راجعي هذا البحث للدكتور زغلول النجار
http://quran-m.com/container.php?fun=artview&id=837