هذا الدرس لا ينسى



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيادته لدولة الإسلام كان يربى أصحابه على تعاليم الإسلام الفاضلة ، ويأخذهم بها قولاً وعملاً ، وإذا حدث من أحدهم انحراف عن هذه التعاليم أو إهمال لبعضها سارع الرسول العظيم إلى المنبر وجعلها موعظة عامة تصحح الخطأ وترد النفوس إلى الصواب الذي يرضى الله ورسوله ، وكان صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواعظ لا يشهّر بأحد ولا يذكر المخطئ باسمه أو لقبه أو كنيته حتى لا يفضحه على رؤوس الأشهاد ، وذلك من الأدب الإسلامي الرفيع الذي يجب التمسك به والحرص عليه في حياتنا .

وكان من بين حاجات الدولة أن يبعث الرسول عمالاً إلى القبائل والبطون يجمعون الصدقات التي فرضها الله على الأغنياء وجعلها حقاً ثابتاً للفقراء وحدد مصارفها وامتدح الذين يؤدون زكاة أموالهم وجعلهم من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة .

فقال جل شأنه (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون )) وقال سبحانه : ((والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ))

وكان من تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يرسلهم لجمع الصدقات ألا يأخذوا من الناس كرائم أموالهم ونفائس مقتنياتهم التي يعتزّون بها ويفرحون بتملكهم إياها فيقول لعامله في جمع الصدقة ( وإياك و كرائم أموالهم ) أي احذر أن تأخذ النفيس من أموال دافعي الزكاة فإن ذلك يوغر الصدور ويخرج الأضغان ، ويجعل العطاء ثقيلاً على قلب المتصدقين ، وكان يأمر عماله كذلك ألا يأخذوا لأنفسهم شيئاً من أموال الصدقة إلا ما يعطيه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مما خصصه الله لهم من سهم ( العاملين عليها ) أي أجور الذين يجمعونها ويحفظونها ويعملون على صيانتها وتوصيلها إلى رسول الله يوزعها على مستحقيها . وكان الذين يختارهم الرسول لجمع هذه الأموال من الأمانة بالدرجة التي يطمئن بها إلى سلامة تصرفهم وحسن أدائهم وخشيتهم من الله .

غير أنه حدث ذات مرة أن أحد الذين بعثهم الرسول لجمع الصدقة أخذ بعض الأموال بحجة أنها هدية أهديت إليه وهو يظن أنها من حقه وأن قبولها لا يخدش أمانته في شيء .

ولنستمع إلى راوي الحديث يذكر لنا تفاصيل هذه القصة وهو يقول :

استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على الصدقات يقال له ( بن اللتبية ) فلما قدم بها قال : هذا لكم ، وهذا أهدى إلىّ ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد .. فإني استعمل الرجل منكم على العمل فيأتي ويقول : هذا لكم وهذه هدية أهديت لي ، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً – والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة ، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر – ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول : اللهم هل بلّغت . رواه البخاري

إن هذا الدرس لا ينسى ، وإن الوعيد فيه شديد لأولئك الذين يباشرون وظائف الدولة ويأخذون من أصحاب المصالح هدايا أو أموالاً يحسبونها حلالاً لهم و بئس ما يصنعون .