في أرض بوارٍ، داخلَ جحرٍ دافئ، عاشَتْ أرنب مع صغارها، في أمانٍ وهناء..‏
وفي أحد الأيام، كان الأرنبُ الصغير، يتشمّسُ خارج الجحر، فلمحَ رجلاً مقبلاً.‏
اختبأ سريعاً، ليراقبهُ من مكمنهِ..‏
اقتربَ الرجلُ، دخلَ الأرضَ، خطا بضعَ خطوات، اعترضتهُ الأشواكُ، توقّفَ عن المسير، سرَّح نظرهُ فوق أرضه البائسة، ثم قال:‏
-يا أرضي الحبيبة!‏
غداً سآتيكِ بمحراثٍ قاطعٍ، وأقلبُ عاليكِ سافلك، سأخلّصُكِ من الأشواك، وأجعلكِ جنّةً خضراء.‏
هرع الأرنبُ الصغيرُ إلى أمّهِ.. أنبأها بما سمع، وتوسّل إليها أنْ ترحلَ بهم، إلى مكانٍ آخر.‏
ضحكَتْ أمُّهُ، وقالت:‏
- لا تجزعْ يا صغيري، فهذا رجلٌ يقولُ ما لا يفعل.‏
مضى عامٌ كامل، عاد مالكُ الأرضِ ثانيةً، فوجد أرضَهُ أشدّ بؤساً وحزناً، قال:‏
- يا أرضي الحبيبة!‏
غداً سآتيك بمحراثٍ قاطعٍ، وأقلبُ عاليكِ سافلكِ، سأخلّصُكِ من الأشواك، وأجعلكِ جنةً خضراء‏
سمع الأرنبُ الصغيرُ كلامَهُ، قفز مسرعاً نحو أمّهِ، أخبرها بما سمع، وطلب إليها الإسراع في الرحيل..‏
ضحكَتْ أمُّهُ، وقالت:‏
- لا تخفْ يا صغيري، فما سمعتَهُ قولٌ عقيمٌ، ستذروهُ الرياح. مرّتْ أعوامٌ كثيرة، وفي رأسِ كلّ عام، كان الرجلُ يجيء، ويلقي نظرةً على أرضهِ، ثم يقول:‏
- يا أرضي الحبيبة!‏
غداً سآتيكِ بمحراثٍ قاطعِ، وأقلبُ عاليكِ سافلكِ، سأُخلّصكِ من الأشواك، وأجعلكِ جنّةً خضراء. وبالرغم من كلّ ما قال، ظلّتِ الأرضُ بوراً، تجرحُ وجهَها الأشواك.‏
ذاتَ مساء.. أبصرَتِ الأرانبُ شاباً فقيراً، مفتولَ العضلات، يتفحّصُ أرجاءَ الأرض، ثم ما لبث أن مضى، بدون أنْ ينبس بكلمة.‏
قالت أُمّ الأرانبِ في نفسها:‏
-لا ريبَ أنّ هذا الشابَ، قد اشترى الأرض، من ذلك الرجل المهذار.‏
أوجسَتْ منه خيفة، ولكنّها لم تُشعرْ صغارها.‏
وفي الصباح الباكر، خرجَتْ من جحرها، لتبحثَ عن الرّزق، فرأتْ شاب الأمس قادماً، يسوقُ ثورين قويين، يجرّان محراثاً حادّاً، تبرقُ شفرتُهُ بريقاً..‏
انطلقتْ إلى جحرها، أنذرتْ صغارها بالخطر، وحثّتهم على الخروج، وهي تقول:‏
- هيّا يا صغاري.. الآنَ، الآنَ، حانَ وقتُ الرحيل!