إذا سمح لي الأخوة بالتدخل في النقاش

عندي ملاحظة على ما بعض أورده أخونا الداعي في مقدمته مقراً له وهو :
وقال الإمام جمال الدين عبدالرحيم الأسنوي في كتاب "نهاية السَوْل" عند الكلام على دلالة (افعل) من حيث إن الدليل الظني لا يعتبر:" وأمّا بالآحاد فهو باطل لأن رواية الآحاد إن أفادت فإنّما تفيد الظن، والشارع إنّما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع، دون العلمية كقواعد أصول الدين وكذلك قواعد أصول الفقه، كما نقله الأنباري شارح البرهان عن علماء قرطبة". انتهى

فهذا الكلام على إطلاقه باطل لأن بعض أخبار الآحاد تفيد العلم اليقيني وليست كلها ظنية ولازم هذا الكلام المذكور أن تُرد جميع الأخبار العقدية التي لم ترد عن تواتر وهذا كلام مخالف لما عليه أهل السنة حقاً .

قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه " الحديث حجة بنفسه ص 62 " :
إفادة كثير من أخبار الآحاد العلم واليقين:
ثم إن ما تقدم من البحث وتحقيق القول ببطلان التفريق المذكور إنما هو قائم كله على افتراض صحة القول بأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن الراجح ولا يفيد اليقين والعلم القاطع فينبغي أن يعلم أن ذلك ليس مسلما على إطلاقه بل فيه تفصيل مذكور في موضعه والذي يهمنا ذكره الآن هو أن خبر الآحاد يفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان من ذلك الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما لم ينتقد عليهما فإنه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري حاصل به كما جزم به الإمام ابن الصلاح في كتابه "علوم الحديث" "ص 28 - 29" ونصره الحافظ بن كثير في "مختصره" ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه العلامة ابن قيم الجوزية في "مختصر الصواعق" "2/383" ومثل له بعدة أحاديث منها حديث عمر: رضي الله عنه "إنما الأعمال بالنيات" وحديث: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" وحديث ابن عمر: رضي الله عنه فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفطر في رمضان على الصغير والكبير والذكر والأنثى وأمثال ذلك قال ابن القيم "2/373":
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية مثل السرخسي وأبي بكر الرازي من الحنفية والشيخ أبي حامد وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية وابن خويز منداد وغيره من المالكية ومثل القاضي أبي يعلى وابن أبي موسى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية ومثل أبي إسحاق الإسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظام من المتكلمين وذكره ابن الصلاح وصححه واختاره ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم وإنما قاله بموجب الحجة الصحيحة وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علم ودين وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة: أن هذا الذي قاله أبو عمرو بن الصلاح انفرد به عن الجمهور وعذرهم أنهم يرجعون في هذه المسائل إلى ما يجدونه من كلام ابن الحاجب وإن ارتفعوا درجة صعدوا إلى السيف الآمدي وإلى ابن الخطيب فإن علا سندهم صعدوا إلى الغزالي والجويني والباقلاني. "قال": وجميع أهل الحديث على ما ذكره الشيخ أبو عمرو "

قال الشيخ ابن عيثمين رحمه الله :
"جوابنا على من يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة لأنها تفيد الظن والظن لا تبنى عليه العقيدة . أن نقول : هذا رأي غير صواب ؛ لأنه مبني على غير صواب ، وذلك من عدة وجوه :

1-القول بِأَن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ليس على إطلاقه ، بل في أخبار الآحاد ما يفيد اليقين إذا دلت القرائن على صِدْقه ، كما إذا تلقته الأمة بالقبول ، مثل حديث عمر بين الخطاب رضي الله عنه : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فإنه خبر آحاد ، ومع ذلك فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، وهذا ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما .

2-أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل الآحاد بأصول العقيدة ـ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ـ وإرساله حُجَّة مُلْزِمة ، كما بعث مُعَاذاً إلى اليمن ، واعتبر بَعْثَه حُجَّةً مُلْزِمَةً لأهل اليمن بقبوله .

3-إذا قلنا بأن العقيدة لا تثبت بأخبار الآحاد ، أمكن أن يُقال : والأحكام العملية لا تثبت بأخبار الآحاد ، لأن الأحكام العملية يصحبها عقيدة أن الله تعالى أمر بهذا أو نهى عن هذا ، وإذا قُبل هذا القول تعطَل كثير من أحكام الشريعة ، وإذا رُدّ هذا القول فليردّ القول بأن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد إذ لا فرق كما بيّنا .

والحاصل : أن خبر الآحاد إذا دلت القرائن على صِدْقه أفاد العلمَ ، وثبت به الأحكام العَملية والعِلمية ، ولا دليل على التفريق بينهما ، ومَنْ نَسَبَ إلى أحدٍ من الأئمِة التفريقَ بينهما فعليه إثباتُ ذلك بالسند الصحيح عنه . ثم بيان دليله المستَند إليه .

4- أن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قول أهل العلم لمن كان جاهلاً فيما هو من أعظم مسائل العقيدة وهي الرسالة : ف    : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل/43 ، 44 .

وهذا يشمل سؤال الواحد والمتعدّد" انتهى .

فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

"فتاوى العقيدة" (صـ 18) .
http://www.islam-qa.com/ar/ref/130918